علمنا درس الطوفان، بل ذكرنا أمرا نعرفه أن الأنظمة العربية تمقت فلسطين وشعبها، وقد ساعدت في قتله بما استطاعت، لكن هذا الشعب عاش وثبت في أرضه، وها هو يتعرض إلى امتحان جديد بالتهجير والأنظمة تتفرج. لكن ليست الأنظمة وحدها من يتابع ويصمت أو ربما يتشفى، إن الشوارع العربية ليست بعيدة عن الأنظمة. وقد تابعت حرب الطوفان من مقاعد مريحة، والسبب عندي ليس كفر الشوارع الشعبية بالقضية بل لأن هذه الشوارع تفتقد إلى القيادة.
ترامب لن يشفق على العرب
من هوان النخب العربية ما لاحظناه من استبشار بنجاح ترامب في العودة إلى رئاسة البيت الأبيض. حفلت السوشيال ميديا العربية بالبشائر عن شبه نبي سيغير المنطقة، هذا التفاؤل نفخ في صورة ميلاد نواة لوبي عربي يسير في موكب ترامب، وقد حُمّل اللوبي الناشئ (المتوهم) مسؤولية تتجاوز قدراته حيث هو. فصناعة لوبي ليست تأليف جمعية كروية فما بالك بتحوله إلى لوبي مؤثر في السياسات الخارجية لشرطي العالم، وهذا لعمري إحدى أوضح علامات الفشل والتواكل على قوة خارجية يهمها أولا خدمة بلدها ومصالحه ونفوذه في العالم. أين هذا اللوبي القريب من ترامب من قضية التهجير؟ لا صوت لهم فالأمر أقوى منهم.
حديث ترامب عن التهجير كشف كم الاحتقار والاستهانة بالحكم العرب، وهو يحمل وإدارته ودولته (مثل كل حكومات الغرب الأوروبي) صورا واضحة عن الشارع العربي وعن النخب العربية، فهي لم تصنع أغلب هذه النخب وتربيها على عينها فحسب، بل استدركت ما شذ عن طوعها فطوعته أو حيدته
حديث ترامب عن التهجير كشف كم الاحتقار والاستهانة بالحكم العرب، وهو يحمل وإدارته ودولته (مثل كل حكومات الغرب الأوروبي) صورا واضحة عن الشارع العربي وعن النخب العربية، فهي لم تصنع أغلب هذه النخب وتربيها على عينها فحسب، بل استدركت ما شذ عن طوعها فطوعته أو حيدته، لذلك لا تكنّ للنخب (مثل الأنظمة) أية درجة من التقدير أو الخشية ولا يمكن أن تؤلف معها سياسات معقولة تجد فيها الشعوب بعض الفائدة. إن ترامب والغرب معا في موضع الأمر الصارم وانتظار الطاعة التامة من النخب الحاكمة وعلى النخب التي تزعم المعارضة وتزايد على الأنظمة بحب فلسطين.
دليلنا على ذلك عندما انفجر الشارع العربي بمطالب الحرية والديمقراطية عمل الأمريكي والغربي عامة على تفريغ هذا الانفجار الشعبي من مضامينه ومطامحه المشروعة لما رأى فيها من تهديد لمصالحه الآنية والبعيدة المدى، ولقد رأى النخب العربية تعمل معه ضد شعوبها. وهو يحتفظ في دفاتره مثلا بأسماء نواب منتخبين سافروا من تونس إلى البرلمان الأوروبي يطالبون بحل المجلس التأسيسي الذي يسيطر عليه إسلاميون. إن مثل هذا المشهد والذي نجزم أنه تكرر في مواقع كثيرة يسمح لترامب بأن يقود المنطقة ولا يقدم أية علامة احترام لهذه الشعوب ولنخبها. من هذه الزاوية نرى الشارع العربي بلا قيادة وطنية أو قومية ذات مشروع سياسي تحرري يربط الطوفان بالربيع العربي، ويمكن أن يفاوض مع شرطي العالم على مصلحة وطنية.
الفشل والأسئلة المصيرية؟
هذا الموضع الدوني يفتح باب الأسئلة عن الأسباب والمصائر. لقد اختارت النخب الحاكمة بكل ألوانها الأيديولوجية منذ الاستقلال البقاء تحت جناح الدول المهيمنة تقود عملية تنموية بالحد الأدنى، وحصلت بذلك مكاسب أقل بكثير من طموحات شعوبها ونشأت في هذا الوضع معارضات مختلفة يسارية وقومية وإسلامية. أعلنت كل هذه المعارضات مشاريع/ أفكار حكم طموحة، لكنها لم تبلغ بها مبلغ افتكاك السلطة من أنظمة الحد الأدنى المعيشي، ففشلت في المعارضة وأمكن تدجينها وتحويل أغلبها إلى ملاحق للأنظمة الحاكمة، ولكن الفشل الأكبر كان في زرع فتنة عميقة بينها منعتها من التكاتف والعمل المشترك ضد الأنظمة لتجاوزها ووضع أفكارها الطموحة موضع التنفيذ.
لدى الجميع علم بأن الأمريكي والأوروبي يسمع هذا المونولوج ويواصل عمله ولعله يبتسم مطمئنا، كأن لم تحدث ثورة ولم تتبين القوة الكامنة في الشعوب. إنها الاستهانة المطلقة بالمنطقة وشعوبها، وهذا سر غطرسة ترامب
هذه الفتنة هي الخلاف الأيديولوجي بين التيارات العلمانية بمكوناتها اليسارية والقومية والليبرالية من ناحية، والتيار الإسلامي بمسمياته المختلفة من ناحية ثانية. وقد كشف لنا الربيع العربي عمق هذه الخلافات، ورأينا في التجربة القصيرة الأمد للديمقراطية أن هذه المعارضات تصارعت مع بعضها أكثر مما تصارعت مع منظومات الحكم، وهو ما سهّل الالتفاف على الثورات وتفريغها من مضامينها ثم عودة المنظومات إلى مواقعها، وإعادة تيارات المعارضة إلى مواقعها الدائمة كمعارضات فاشلة تستجدي ترامب أن يغير المنطقة ويقدم لها حلولا.
السؤال الذي لم يطرح أصلا بله أن تتم الإجابة عليه هو هل كان يمكن أن تتحالف المعارضات من اليسار والإسلاميين أو اليمين ضد منظومات الحكم؟ الحقيقة الماثلة الآن هي أن هذا السؤال قد فات أوانه. لقد عدنا إلى ما قبل الربيع العربي، منظومات الحكم بالحد الأدنى المعيشي في مواقعها ومعارضة يسارية وليبرالية تتحرك في الهوامش المتروكة لضرورات الدعاية بوجود معارضة (أو مسرحية وضع ديمقراطي)، وإسلاميون مطاردون وشعوب هائمة بلا قيادة تبحث عن منافذ هروب تعبر عنها بقسوة عمليات الهجرة السرية إلى أوروبا. لقد فقدت الشعوب ثقتها فيمن تحدث حديث المعارضة قبل الربيع العربي وتصدى للقيادة بعده وفشل، وهذه ثمرة مرة الطعم للربيع العربي.
إن لسان الشوارع العربية الآن ينطق بالشماتة في الذات وفي الآخرين في مونولوج مازوشي طويل. ولدى الجميع علم بأن الأمريكي والأوروبي يسمع هذا المونولوج ويواصل عمله ولعله يبتسم مطمئنا، كأن لم تحدث ثورة ولم تتبين القوة الكامنة في الشعوب. إنها الاستهانة المطلقة بالمنطقة وشعوبها، وهذا سر غطرسة ترامب.
خذلت النخب معركة الحريات في أقطارها ونافقت حرب الطوفان بالبيانات الافتراضية وهي ترى معركة التهجير مفتوحة وتسمع منها قولا عجيبا في مقاهي تونس مثلا. نعم هناك من يرى الآن التهجير مفيدا لأنه سيقضي على البيئة التي تعيش منها حماس، فعند كثير من النخب القضاء على حماس مقدم على معاداة الكيان. في غياب قوى إسلامية لن يقود أحد شارعا عربيا ضد التهجير. قاتل محمد مرسي هو نفسه قاتل السنوار، وترامب يعرف ويضحك ويلقي الأوامر..
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الطوفان العربية فلسطين ترامب فلسطين غزة عرب اسلامي طوفان مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة أفكار صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الربیع العربی النخب العربیة الشارع العربی
إقرأ أيضاً:
فشل متكرر للتدخل الأمريكي في الخارج.. تجارب كارثية في تغيير الأنظمة
أظهرت تجارب طويلة للتدخل الأمريكي في إسقاط الحكومات الأجنبية كيف أن القوة العسكرية والسياسية لا تكفي لتحقيق السلام أو الاستقرار، بل كثيرًا ما تتحوّل إلى كوارث إنسانية، حيث يدفع المدنيون الثمن الأكبر من الحروب، الانقسامات الطائفية، والانتهاكات اليومية لحقوق الإنسان.
ونشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لرئيسة مكتب غرب أفريقيا السابقة لوكالة أسوشيتد برس، ورئيسة مكتب بغداد السابقة لصحيفة واشنطن بوست، إيلين نكماير، قالت فيه إن الولايات المتحدة تعد رائدة العالم في تغيير الأنظمة، إذ أطاحت بـ 35 رئيسا أجنبيا على مدار 120 عاما الماضية، وفقا لأحد التقديرات، سجلٌّ مبنيٌّ على مزيج خطير من القوة العسكرية غير المسبوقة، ومجموعة كبيرة من الأعداء المُفترضين، وثقة مُشرقة بالنفس ثَبُتَ خطأها مرارا وتكرارا.
وأضافت أن أحدا لم يُبدِ انجذابا أكبرَ لقوةِ إطلاقِ العنانِ لأقوى جيش واقتصاد في العالم لكسبِ الحجج، والاستيلاءِ على الأراضي، وسحقِ الخصومِ، والحلفاءِ المُستضعفين من الرئيسِ دونالد ترامب. تقودُ واشنطن حملة عسكرية وسرية مُتنامية تستهدفُ الرئيسَ الفنزويلي نيكولاس مادورو، بعدَ أن ضربت إيرانَ واليمنَ بالفعل، وأصدرت تهديدات أخرى أكثرَ غموضا ضدَّ نيجيريا والمكسيك وبنما، وحتى الدنماركَ وكندا.
وذكرت أن الإطاحة بزعيم دولة أخرى تكتيك روتيني بما يكفي ليُطلق عليه الأكاديميون اختصارا خاصا: FIRC، أو تغيير النظام المفروض من الخارج.
وأضاف أنه وفقا لإحصاء أجراه ألكسندر داونز، الأستاذ المشارك وعالم السياسة في جامعة جورج واشنطن ومؤلف كتاب "النجاح الكارثي: لماذا يفشل تغيير النظام المفروض من الخارج"، نفذت الولايات المتحدة ما يقرب من ثلث عمليات الإطاحة القسرية لقادة أجانب حول العالم، والتي بلغ عددها حوالي 120 عملية، بين عامي 1816 و2011.
وأشارت إلى أنه نادرا ما تسير عمليات تغيير النظام وغيرها من التدخلات العنيفة كما هو مخطط لها، لكن بعض تلك التي يهدد بها ترامب، مثل شن هجوم "مكثف" على نيجيريا، بما فيها من متطرفين مسلحين وانقسامات عرقية وطائفية، تبدو كوارث واضحة. لكن ينبغي أن تُذكرنا إخفاقات الماضي بمدى كارثية عواقب الغطرسة - سواء على المستوى الإنساني الفردي أو الوطني.
وضربت على سبيل المثال "تغيير النظام الأجنبي الأمريكي رقم 34، العراق، وسلسلة الدوريات العسكرية التي رافقتها كمراسلة في بغداد في أيار/ مايو 2006".
وأشارت إلى أنه بعد ثلاث سنوات من إطاحة الولايات المتحدة بصدام حسين بناء على مزاعم كاذبة حول أسلحة الدمار الشامل، لم تكن هناك أي علامة على موجة الديمقراطية التي وعد فريق الرئيس جورج بوش الإبن باتباعها في الشرق الأوسط. بدلا من ذلك، تحولت دوريات الفرقة الجبلية العاشرة، عندما رافقتهم الصحفية، إلى خدمة فعلية لإزالة الجثث. كل ليلة، كانوا يلتقطون وينقلون جثث العراقيين التي كان عراقيون آخرون يرمونها في شوارع وأرصفة بغداد.
وأوضحت أن القتلى، ومعظمهم من الشباب، كان بعضهم بأيديهم قابضة على الهواء من الصدمة أو مقيدون بأسلاك خلف ظهورهم من قبل قاتليهم، ضحايا حرب أهلية طائفية لم تكن تتوقعها إدارة بوش. ثبت أن إسقاط حكومة صدام وقوات الأمن السنية سهل على الجيش الأمريكي لم يُفلح التعامل مع صراع السلطة الذي نشأ بعد ذلك بين الميليشيات الشيعية العراقية الشرسة المدعومة من إيران والجماعات السنية المتمردة، والذي نشأ في ظل الفراغ الأمني الذي أعقب ذلك. وكانت العواقب ستُمكّن إيران، وتُعزز تنظيم الدولة كتهديد عالمي، وتُبقي القوات الأمريكية في المنطقة حتى يومنا هذا.
وقالت إنه وبعد فترة طويلة من طرد القوات الأمريكية لصدام، كانت العواقب لا تزال تتراكم على العراقيين العاديين. فقد عانوا يوميا من سلسلة من عمليات الاختطاف والتعذيب والقتل، والسيارات المفخخة والتفجيرات الانتحارية، وغيرها من الهجمات.
وذكرت أنه في إحدى تلك الليالي في بغداد، تعرض الأمريكيون بالفعل لضربة من عبوة ناسفة بدائية الصنع. ترك الانفجار بعض الجنود الشباب يعرجون أو في حالة ذهول. كما تسبب الانفجار بمقتل سائق عراقي كان قريبا.
وبحسب المقال كان ويل شيلدز، الملازم الثاني البالغ من العمر 23 عاما، قائد الدورية، قد توجه في تلك الليلة نفسها إلى مركز لشرطة بغداد، إحدى قوات الأمن ذات الأغلبية الشيعية التي أنشأتها الولايات المتحدة لإعادة النظام إلى العراق. وبينما كان شيلدز يتبادل اللوم والمساومة، حثّ رجال الشرطة الشيعة الخائفين على الخروج من مكاتبهم، تحت الحماية الأمريكية، لفترة كافية لمساعدة الدورية الأمريكية في انتشال جثث القتلى.
سأل الملازم المحبط الشرطة العراقية تلك الليلة: "هل تدركون أن هذه مهمتكم؟.. كيف تتوقعون من الأمريكيين أن يفعلوا أي شيء، وأنتم لا تفعلون شيئا؟"
وأكدت أن جرائم القتل الطائفية الواسعة حرمت القتلى العراقيين من الأسماء والقصص، مكتفية بسلسلة من الملاحظات حول مداخل الجروح ومخارجها، التي سُجِّلت بينما كان الجنود يلقون بالجثث في مؤخرة المركبات.
وشددت أن فنزويلا ستكون عودة إلى تقليد أمريكي عريق في التدخل الإقليمي. وفقا لبحث داونز، وقع حوالي 20 من أصل 35 تغييرا للأنظمة بدعم أمريكي في أمريكا الوسطى والجنوبية أو منطقة البحر الكاريبي.
مشيرة إلى أنه في بعض هذه الدول، أزاحت الولايات المتحدة القادة واستبدلتهم مرارا وتكرارا، بتركيز شخص يركل آلة بيع للحصول على قطعة الحلوى المناسبة. في عام 1954 وحده، على سبيل المثال، أطاحت واشنطن بثلاثة قادة غواتيمالييين على التوالي.
وأن الباحث داونز وجد أن ثلث جميع عمليات تغيير الأنظمة القسرية التي تنفذها جميع الدول عالميا أدت إلى حروب أهلية في الدولة المستهدفة خلال 10 سنوات.
وقالت إن من المسارات الشائعة للكارثة انهيار الأنظمة تماما، تاركة قوات الأمن المسلحة والساخطة في مأزق. وقال داونز إن مسارا آخر هو عندما يجد القائد الجديد المُنصَّب من الخارج نفسه "مُتجاذبا مثل كالأبله"، بين رغبات شعبه المتضاربة والقوة الأجنبية التي نصَّبته.
وأضافت أن داونز قال لها: "المشكلة برمتها مع تغيير النظام هي أنك تميل إلى عدم التفكير فيما سيأتي بعد ذلك. مثل: ما هي الخطة هناك؟" وأضاف: "ومن المدهش مدى شيوع ذلك. فالدول تُصرّ على ذلك، إما أنها لا تُفكّر فيما سيحدث لاحقا، أو أنها تعتقد... إن ذلك لن يحدث لنا".
وأشارت إلى أنه مع ذلك أدت بعض التغييرات في الأنظمة إلى نتائج أفضل بكثير - لا سيما في اليابان وألمانيا ودول أخرى في أوروبا الغربية مع نهاية الحرب العالمية الثانية. كانت تلك، بالطبع، صراعات أُجبرت الولايات المتحدة على خوضها ولم تخترها.
وأن داونز وزملاؤه الباحثون وجدوا أن تغييرات الأنظمة تُحقق أفضل فرص النجاح في إرساء الديمقراطية عندما تحدث في دول لديها خبرة في الديمقراطية، واقتصاد مُيسور، وسكانها متجانسون نسبيا، مثل اليابان أو ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية مباشرة.
وأنه عندما لا تنطبق هذه المعايير، تُصبح هناك مواقف مثل عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان أو صعود الجمهورية الإسلامية في نهاية المطاف بعد أن ساعدت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة شاه إيران بإزاحة خصمه السياسي.
وبعد عقدين من أعمال القتل والتمرد، وصل العراق إلى نوع من الاستقرار، لكن النتيجة النهائية كانت إبعاد دول أخرى في المنطقة عن التجارب الديمقراطية. ويرى الخبراء علامات تحذير لأي محاولة لتغيير النظام في فنزويلا، الدولة النفطية التي أدى سوء الحكم فيها من قبل المستبد الاشتراكي مادورو وسلفه هوغو تشافيز، إلى جانب العقوبات الدولية، إلى تدمير الاقتصاد وخلق ملايين اللاجئين.
ولفتت إلى أن إدارة ترامب اتهمت مادورو بالتواطؤ مع تجار المخدرات، على الرغم من أن الولايات المتحدة تبالغ في تقدير دور فنزويلا في تهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة. نقلت واشنطن أكبر حاملة طائرات لها إلى المنطقة كجزء من تعزيزات عسكرية. وقد قتلت العشرات في ضربات على زوارق سريعة تقول الولايات المتحدة، دون دليل، إنها تحمل مخدرات.
وقالت إن خطط إدارة ترامب غامضة، بما في ذلك ما إذا كانت تدرس استخدام القوة لإزاحة مادورو، الذي تلاعب بالانتخابات للبقاء في السلطة، أو ما إذا كانت الإجراءات الأمريكية، مثل الغارات الجوية، تهدف إلى تشجيع الفنزويليين على القيام بهذه المهمة بأنفسهم.
مشيرة إلى فشل نهج أمريكي أكثر سلمية في ولاية ترامب الأولى - فرض عقوبات مالية لزيادة الضغط على مادورو واقتراح اتفاق لتقاسم السلطة لتسهيل خروجه من السلطة - في تمكين المعارضة الفنزويلية كما كان مأمولا. فيلجأ ترامب هذه المرة إلى نشر قوات عسكرية وأخرى تابعة لوكالة المخابرات المركزية، إما لتخويف مادورو ودفعه للتنازل عن السلطة أو لإجباره على التنحي مباشرة.
قالت جاكلين هازلتون، المُدرِّسة السابقة في الآثار السياسية للقوة العسكرية في الكلية الحربية البحرية، والمحررة التنفيذية لمجلة "الأمن الدولي": "لقد شاهدنا هذا المشهد من قبل"، مُشيرة إلى أن النتيجة المُعتادة كانت عنفا فصائليا، بحسب المقال.
وذكرت أن فنزويلا تتمتع بمعارضة ديمقراطية كبيرة وحماسية، بقيادة ماريا كورينا ماتشادو، الحائزة على جائزة نوبل للسلام لهذا العام. لكن مادورو أمضى سنوات في تعزيز قبضته على مؤسسات البلاد وتنويعها. وأضافت هازلتون أن ماتشادو تفتقر إلى القدرة على كسر هذه القبضة وقمع مُنافسيه.
استشهد مُؤيدو التدخل الأمريكي في فنزويلا بالحالة رقم 31 في قائمة تغيير الأنظمة التي قادتها الولايات المتحدة - في بنما عام 1990، والتي استبدلت حاكما عسكريا بحكومة ديمقراطية، بحسب المقال.
وعلقت قائلة: لكن بنما تُمثل جزءا ضئيلا من مساحة فنزويلا وعدد سكانها، وكانت لديها قوة عسكرية أمريكية مُقيمة تفتقر إليها فنزويلا، كما أشار داونز.
وأشارت إلى أن مؤيدي التدخل في فنزويلا يعملون على تجاوز أي شكوك أمريكية من هذا القبيل. وقد رفض كاتب فنزويلي معارض ومؤيد للتدخل الأمريكي مصطلح "تغيير النظام" بحد ذاته عندما يتعلق الأمر ببلاده.
وقالت إن والتر مولينا، الذي فرّ من فنزويلا في عهد مادورو ويعيش الآن في بوينس آيرس، أخبرها أن مادورو يترأس شبكة إجرامية لتهريب المخدرات، لذا لا توجد حكومة قائمة لإسقاطها. وقد جادل مولينا وآخرون بأن فنزويلا لديها حكومة منتخبة، بقيادة مرشح المعارضة الذي تقول الولايات المتحدة وجهات أخرى إنه فاز في الانتخابات الرئاسية لعام 2024 التي ألغى مادورو نتائجها، وينتظر العودة.
وقال إن أي تدخل أمريكي سيكون "احتراما لإرادة الشعب الفنزويلي".
وعلقت على ذلك بالقول إن هذا قد يكون صحيحا، وقد يكون مزيج الاستياء من سوء حكم مادورو من داخل فنزويلا والهجوم الساحق من الخارج كافيا لإسقاط حاكم مستبد وبدء عهد الديمقراطية. لكن هذا الأمر غير مؤكد بما يكفي لتبرير الحذر، وقد سمع العالم هذا النوع من الحث من قبل، كما حدث عندما أعلن نائب الرئيس الأمريكي آنذاك، ديك تشيني، أن القوات المسلحة الأمريكية ستُستقبل "كمحررين" في العراق.
وختمت باقتباس من داونز عن تغيير الأنظمة الأجنبية: "الإغراء هو مجرد القيام بذلك والقول: 'حسنا، ما يحدث لا يمكن أن يكون أسوأ مما كان عليه من قبل'. لكن هذا ليس صحيحا في بعض الأحيان".