قوبلت الخطة الإسرائيلية برفض فلسطيني وتحذيرات دولية واسعة، إذ اعتبرت حركة حماس أن ما يُروّج له تحت مسمى "الهجرة الطوعية" هو مخطط تهجير قسري يهدف لـ "تصفية القضية الفلسطينية" وتفريغ غزة من سكانها. اعلان

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، أعلنت الحكومة الإسرائيلية في 23 مارس/آذار 2025 عن المصادقة على خطة لإنشاء إدارة خاصة تتولى تنظيم ما وصفته بـ"الهجرة الطوعية الآمنة" لسكان قطاع غزة إلى دول أجنبية، في سياق الحرب المستمرة منذ أكثر من 20 شهراً.

وجاء القرار بناءً على مقترح قدمه وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، وحظي بموافقة مجلس الوزراء. وبحسب بيان صادرعن مكتبه، ستكلف الإدارة الجديدة بتنسيق عمليات الانتقال بالتعاون مع منظمات دولية وجهات معنية، على أن تشمل مهامها الإشراف على تنظيم المغادرة من معابر قطاع غزة، بما في ذلك استخدام مطار رامون، وإجراء الفحوصات الأمنية اللازمة، إلى جانب تطوير بنية تحتية تتيح حركة السفر البرّي والبحري والجوي نحو دول ثالثة.

وتزامن الإعلان عن هذه الخطة مع تفاقم أزمة النزوح الداخلي في قطاع غزة، ما دفع منظمات حقوقية وإنسانية إلى التحذير من التداعيات السياسية والإنسانية لمثل هذه السياسات، التي يُنظر إليها باعتبارها مقدمة لمخطط تهجير قسري تحت غطاء "الطوعية".

سياسة قديمة تتجدد: من دايان إلى نتنياهو

ورغم أن الخطاب الرسمي الإسرائيلي يقدّم الخطة الجديدة على أنها استجابة إنسانية، إلا أن جذور الفكرة تعود لعقود ماضية، حيث لم تكن نية تفريغ غزة من سكانها جديدة أو مرتبطة بالحرب الأخيرة فقط.

ففي 12 حزيران/يونيو 1967، وبعد السيطرة على قطاع غزة، وصف وزير الأمن الإسرائيلي آنذاك، موشيه دايان، القطاع بأنه "مشكلة معقدة"، في دلالة على النظرة الإسرائيلية السلبية للمنطقة. أما رئيس الوزراء الراحل إسحاق رابين، فقد أعرب خلال توقيع اتفاقيات أوسلو في تسعينيات القرن الماضي، عن رغبته بأن "تذهب باتجاه البحر أو تغرق فيه"، تعبيراً عن أمنيته بفصل القطاع عن إسرائيل بشكل كامل.

وخلال الحرب الأخيرة، كشفت تسريبات دبلوماسية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اقترح، خلال لقائه مع وزير الخارجية الأميركي الأسبق أنتوني بلينكن في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إنشاء ممر إنساني "لنقل سكان غزة إلى مصر"، وهو المقترح الذي قوبل بتحفّظ أميركي مبدئي، تبعه تصريح أكثر حدة من وزير شؤون الاستراتيجية رون ديرمر، الذي قال: "لن تكون هناك أزمة إنسانية في غزة إذا لم يكن هناك مدنيون".

وتُظهر هذه التصريحات المتواترة أن ما يُعرض اليوم كحل مؤقت أو "ممر إنساني"، ما هو إلا تتويج لتوجه سياسي إسرائيلي متراكم، يرى في غزة عبئاً ديموغرافياً يسعى إلى التخلص منه، سواء بالحرب أو بالهجرة القسرية المغلّفة بشعارات إنسانية.

Related ياسر أبو شباب يظهر مجدداً في "مقال رأي": الأراضي التي استولينا عليها في غزة لم تتأثر بالحرب"ضربة مزدوجة".. تحقيق صحافي يكشف خطط الجيش الإسرائيلي بقصف المسعفين في غزةمجاعةٌ في القطاع ومعابرُ مغلقة: مستشفيات غزة تقف عاجزة وهي ترى الأطفال يموتون جوعا نزوح أولي وحديث متزايد عن الهجرة مع اشتداد الحرب

مع اندلاع الحرب في قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تمكن أكثر من 120 ألف فلسطيني – معظمهم من حاملي الجنسيات المزدوجة – من مغادرة القطاع عبر معبر رفح البري في اتجاه مصر ودول أخرى. وتشير تقديرات إلى أن عدد سكان غزة من مزدوجي الجنسية يناهز 300 ألف شخص، ما يعكس حجم القاعدة السكانية التي تملك خيار المغادرة نظريًا.

ومع اشتداد العمليات العسكرية، واتساع رقعة الدمار، وبلوغ المجاعة مستويات كارثية، تزايد الحديث في أوساط الغزيين عن خيار الهجرة كطريق للخلاص من الحرب وويلاتها. في المقابل، ظهرت أصوات ترفض الفكرة رفضًا قاطعًا، متمسكة بالبقاء في الأرض رغم الخسائر الفادحة والظروف الإنسانية المتدهورة، ما يعكس انقسامًا اجتماعيًا عميقًا بشأن مستقبل القطاع وسكانه تحت وطأة الحرب المستمرة.

فلسطينيون يرفضون الهجرة رغم القصف: "الموت هنا أهون من الرحيل

في خيمة بسيطة بمنطقة دير البلح وسط قطاع غزة، يجلس محسن الغزي (34 عامًا)، نازحًا من منطقة جحر الديك، يروي مأساته التي تُشبه حكايات آلاف الفلسطينيين الذين دُمّرت حياتهم تحت القصف الإسرائيلي. فقد الغزي منزله، وقتل نجله البكر، كما قضى والداه تحت أنقاض المنزل، ومع ذلك يصرّ على البقاء في القطاع، ويرفض فكرة الهجرة بشكل قاطع.

ويقول الغزي: "لن أترك هذه الأرض، الموت هنا أهون من أن أمنح الاحتلال فرصة تحقيق أكاذيبه". ويؤكد أن موقفه لا ينبع فقط من العاطفة، بل من قناعة دينية ووطنية وأخلاقية. ويرفض حتى فكرة الخروج الجماعي التي يُلمح لها البعض بقوله: "حتى لو أرسل الاحتلال سفنًا لنقلنا، فلن أغادر".

الغزي عبّر عن أسفه لبعض الشباب الذين يفكرون في الهجرة تحت وطأة المعاناة، مشددًا على أن "الخلاص الفردي يعني التخلي عن مسؤوليتنا في الدفاع عن هذه الأرض"، متسائلًا: "كيف نُكرر خطأ النكبة ونترك بيوتنا طوعًا؟".

من مخيم النصيرات، يردد سامي الدالي (45 عامًا) الموقف ذاته، رغم فقدانه نصف منزله بفعل القصف. يقول: "التهجير مشروع إسرائيلي فاشل، ولن أكون حجراً في جداره". ويرى أن معاناة السكان لا تُبرر التخلّي، لكنه لا يُدين من يقرر المغادرة، مضيفًا: "لكلٍ طاقته، ومن خرج ربما يعود أو يخدم القضية من الخارج".

ويُجمع الغزي والدالي على أن مشاريع التهجير التي حاولت الحكومة الإسرائيلية فرضها فشلت أمام تمسك الفلسطينيين بأرضهم، مشيرين إلى أن الإغراءات المادية لن تغيّر هذا الثبات. ويختم الغزي بالقول: "قولوا للعالم إننا شعب نختار الموت على أرضنا ولا نبيعها"، فيما يؤكد الدالي أن "كل حجر هنا يشهد أن فلسطين ليست للبيع".

فلسطينيون يسيرون على طريق باتجاه منطقة في شمال قطاع غزة تدخل فيها شاحنات بمساعدات إنسانية ، في مدينة غزة ، الجمعة 25 تموز / يوليو 2025. Abdel Kareem Hana/Copyright 2025 The AP. All rights reserved. نازحون في غزة: "لم نعد نتحمل المزيد"

في ظل الحرب المستمرة وتدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، يرى بلال حسنين أن خيار الهجرة أصبح "ضرورة ملحّة"، رغم صعوبته. حسنين، الذي فقد منزل عائلته وتعرض للنزوح مرارًا، يقف اليوم على عكازين بعد إصابته قرب منطقة نتساريم. يقول: "فقدت كل شيء.. لم أعد أستطيع استكمال دراستي الجامعية، ولا طعام ولا ماء ولا كهرباء. القطاع دُمّر، وفرص بناء مستقبل هنا تتضاءل يومًا بعد يوم". ويضيف حسنين أن حلمه هو إيجاد بيئة آمنة خارج غزة، تمكنه من استعادة حياته وتحقيق أحلامه، في وقت باتت الحياة في القطاع شبه مستحيلة.

ذات الرؤية يشاركها زكريا فرج الله، الذي أصيب ثلاث مرات، ما تسبب له بمشكلات في أوتار القدم، واضطرابات في الدماغ والجهاز الهضمي. يقول: "أحاول عبر ملفي الطبي الحصول على فرصة للعلاج في الخارج، وسأستغل هذا الخروج لطلب اللجوء، فالقطاع أصبح مكانًا مرعبًا ولا يمكن العيش فيه".

حنين عقل، زوجة فرج الله، تؤكد هي الأخرى أن البقاء بات أقرب إلى المستحيل، خصوصًا مع حملها ورعايتها لطفلين آخرين. تقول: "خسرنا بيتنا، وبتنا ننتقل من مخيم نزوح لآخر، وإصابة زوجي زادت معاناتنا. نحن بحاجة ماسة للسفر من أجل بيئة آمنة لنا ولأطفالنا".

وتضيف حنين، الحاصلة على بكالوريوس في الطب المخبري، أن حلمها بإيجاد عمل لم يتحقق قبل الحرب ولا خلالها، لكنها تأمل أن يتيح لها الخروج من القطاع فرصة لبناء مستقبل أكثر استقرارًا لعائلتها.

تحذيرات رسمية ودولية

قوبلت الخطة الإسرائيلية برفض فلسطيني وتحذيرات دولية واسعة، إذ اعتبرت حركة حماس أن ما يُروّج له تحت مسمى "الهجرة الطوعية" هو مخطط تهجير قسري يهدف لـ"تصفية القضية الفلسطينية" وتفريغ غزة من سكانها. وفي السياق ذاته، أكدت الأمم المتحدة أن "الطوعية" لا تُعتَبر شرعية في ظل الحرب والحصار وانعدام مقومات الحياة، مشيرة إلى أن التهجير القسري يُعد جريمة بموجب القانون الدولي.

كما حذّرت منظمات حقوقية، بينها هيومن رايتس ووتش وأونروا، من أن الخطة الإسرائيلية تُهدد بإعادة إنتاج النكبة، ودعت إلى احترام حق الفلسطينيين في البقاء على أرضهم بدل دفعهم إلى الرحيل تحت الضغط والجوع.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

المصدر: euronews

كلمات دلالية: إسرائيل دونالد ترامب حركة حماس غزة نزوح اشتباكات إسرائيل دونالد ترامب حركة حماس غزة نزوح اشتباكات حركة حماس غزة إسرائيل بنيامين نتنياهو الهجرة إسرائيل دونالد ترامب حركة حماس غزة نزوح اشتباكات اسكتلندا إيران كمبوديا قطاع غزة نزاع حدودي الغولف قطاع غزة غزة من على أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

هيئة فلسطينية: «100 ألف طفل مهددون بالموت جوعا في قطاع غزة»

طالبت عضو هيئة العمل الوطني الأهلي الفلسطيني، رتيبة النتشة، اليوم السبت بضرورة إدخال المزيد من المساعدات وحليب الأطفال وفتح المعابر بشكل فوري لإنقاذ أهالي قطاع غزة، مؤكدة أن 100 ألف طفل مهددون بالموت جوعا بسبب المجاعة ونقص الغذاء.

وقالت النتشة، في تصريح خاص لقناة القاهرة الإخبارية، :«إن الاحتلال الإسرائيلي يرتكب كارثة إنسانية غير مسبوقة في قطاع غزة مع مرور أكثر من 22 شهرا من العدوان وحظر الصيد كمصدر أخير للغذاء ومنع دخول المساعدات مع وجود نقص شديد في الموارد الغذائية والمياه الصالحة للشرب».

وأكدت أن «ما يدخل الآن إلى القطاع لا يتجاوز 2% فقط من احتياجات أهالي غزة ولا تكفي لوقود المستشفيات بشكل أساسي، حتى الطواقم الطبية اليوم لم تعد قادرة على تقديم الخدمات الطبية بسبب الإنهاك الشديد من الجوع والعطش بعد الوصول لمراحل متقدمة من سوء التغذية».

وحذرت النتشة من أن «الأطفال يواجهون خطر الموت الجماعي الوشيك خلال أيام قليلة، في ظل انعدام حليب الأطفال واستمرار إغلاق المعابر ومنع دخول أبسط المستلزمات الأساسية»، مشددة على أن غزة تشهد الآن مستويات مرتفعة من المجاعة، ما قد تتسبب في سقوط المزيد من الوفيات نتيجة نقص الماء والغذاء خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة بشكل ملحوظ في القطاع.

ويأتي هذا التصريح في الوقت الذي أعلن فيه المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، سقوط 122 شهيدا جراء المجاعة وسوء التغذية بالقطاع من بينهم 83 طفلا.

اقرأ أيضاًرئيس الوزراء يفتتح معرض الهيئة العربية للتصنيع أتيكو للصناعات الخشبية ومصنع الإلكترونيات

استشهاد رضيع فلسطيني نتيجة سوء التغذية والمجاعة في قطاع غزة

«فتح» ترفض التشكيك في الدور المصري وتؤكد: «القاهرة كانت وستظل سندًا للقضية الفلسطينية»

مقالات مشابهة

  • هيئة فلسطينية: «100 ألف طفل مهددون بالموت جوعا في قطاع غزة»
  • الإغاثة الطبية في غزة: نواجه أوضاعا كارثية مع استمرار إسرائيل منع إدخال المساعدات
  • أعضاء بمجلس الشيوخ الأمريكي يطالبون ترامب بكبح نتنياهو: الحرب في غزة تهدد الأمن القومي
  • يهدف لمنع انتقاد إسرائيل.. تعريف جديد لـمعاداة السامية يثير الغضب في الجامعات الأمريكية
  • غزة تستيقظ على صدمة جديدة.. تصريحات «ويتكوف» تثير مخاوف استمرار الحصار والإبادة
  • رأسمالية الكوارث الأمريكية من التجويع إلى التهجير فالريفيرا
  • خطة ماكرون للاعتراف بدولة فلسطينية تغضب إسرائيل وأمريكا
  • طارق فهمي: على إسرائيل أن ترتدع وتبتعد عن التطرف لتُقبل إقليميًا
  • طارق فهمي: مخاوف داخل إسرائيل من تكرار 7 أكتوبر لأي جهة مجاورة