كانوا نُطفا مهربة.. محررو صفقة التبادل يجتمعون بأطفالهم
تاريخ النشر: 8th, February 2025 GMT
"بابا، نريد دراجة كهربائية وأشياء أخرى كثيرة"، بصوت واحد وببراءة الطفولة خرجت تلك الكلمات من التوأم زيد وزين بعد أن احتضنهما والدهما الأسير الفلسطيني المحرر عطا عبد الغني لأول مرة خارج القضبان والغرف المغلقة، وذلك بعد الإفراج عنه من سجون الاحتلال الإسرائيلي في الأول من فبراير/شباط الجاري.
وتحرر عبد الغني (53 عاما) ضمن الدفعة الرابعة من المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وفيما تسميه المقاومة الفلسطينية صفقة "طوفان الأحرار"، ليعيش حلمه بالحرية من سجون الاحتلال التي قضى فيها 28 عاما من عمره، وليجرّب فرحة لقائه بطفليه زيد وزين اللذين قرر هو وزوجته إنجابهما بقرار جريء قبل 12 سنة عبر تهريب نطفه من السجن.
هذا الأمل، كما عاشه الأسير عطا وزوجته رولا، راود عشرات الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال وخاصة من ذوي الأحكام العالية والمؤبدة، واستطاع 74 منهم -حسب إحصائيات نادي الأسير الفلسطيني- إنجاب 122 طفلا عبر "النطف المهربة".
وكان ميلاد الطفل مهند عام 2012 للأسير عمار الزبن من نابلس والمعتقل عام 1998 والمحكوم بالسجن المؤبد 26 مرة، الحالة الأولى التي نجحت وخرج بها أول "سفراء الحرية" كما أصطلح على تسمية هؤلاء الأطفال.
أنجبهما عبر نطف مهرّبة.. عطا محمد عبد الغني، أسير فلسطيني محرر يحتضن ابنيه التوأم للمرة الأولى، السبت، فور وصوله إلى رام الله عقب خروجه من سجون الاحتلال الإسرائيلي ضمن صفقة التبادل pic.twitter.com/3oHsSR3nC2
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) February 2, 2025
حلم تحقّقوبكل كيانه ومشاعره وفي صحوه ونومه، ظل عبد الغني المنحدر من مدينة طولكرم شمالي الضفة الغربية يفكر في هذه اللحظة التي يتحرر فيها ويضم إلى صدره طفليه زيد وزين وفتاتيه إيلانا وسميرة، اللتين تركهما تحبوان قبل اعتقاله وصارتا عروسين بل أُمّين.
إعلانوبينما كانت رولا وأبناؤها، وأهالي الأسرى أيضا، يتحضرون في مدينة رام الله لاستقبال عطا عبد الغني، جاءها اتصال عبر هاتف استعاره عبد الغني من موظف الصليب الأحمر داخل الحافلة التي كانت تقله ورفاقه ليخبرها أنه أصبح حرا وأنه يراهم، ثم لوَّح بيده من نافذة الحافلة ليقرّب المشهد أكثر.
وما إن توقفت الحافلة وترجَّل عبد الغني منها حتى أسرع زيد وزين ليحتضنا أباهما الذي لم يسعفه الكلام ليعبر عن فرحته وعن "اللحظات الممزوجة بالألم والأمل".
في عام 2002 اعتقل عبد الغني وحكم بالسجن المؤبد ثلاث مرات، مخلفا وراءه طفلتيه إيلانا وسميرة، لينجب شقيقيهما التوأم زيد وزين عبر النطف المهربة بعد 14 عاما.
وللوراء 11 عاما عاد الأسير عبد الغني ليخبرنا أن قراره وزوجته أو "المرأة الحديدية" -كما يصفها- كان "جريئا وفي محله"، ويضيف للجزيرة نت "تركت ورائي طفلتي إيلانا وسميرة (3 أعوام وسنة ونصف السنة) وكنت أعرف أنهما ستكبران وتتزوجان، ولا بد أن أحيي البيت بعزيمة ونفس جديدين".
وإلى الآن يختلط الشعور على الأسير عبد الغني ولا يدرك أنه تحرر، "فالجسد في الخارج والروح لا تزال مأسورة"، كما يقول، وتوحي بذلك تصرفاته، فلم يصطحب أبناءه للتسوق وقضاء حوائج البيت كما يفعل الآباء، فهو من ناحية لا يجد متسعا لكثرة المهنئين، ولا يدرك أنه أصبح حرا بين أسرته.
لكنه لم ينس وعدا قطعه لهم بأن يفتديهم بروحه ويلبي طلباتهم، وينتظر بشوق اللحظة التي يذهب بهم للتسوق ويختار ملابسهم وحاجاتهم بنفسه ويدفع ثمنها بيده، خاصة وأن الاحتلال حرمه من إخراج مقتنياته وما أعده لأطفاله من مشغولات يدوية من منقوشات حجرية وميداليات وسبَح صنعها من عجم الزيتون وأحجار النرد التي خط عليها "أنتم حريتي..الأمل الباقي" و"النور القادم".
من قبل كان هناك من يسدّ الفراغ ويقدّم الكثير من الهدايا لزيد وزين في غياب الأب، إذ كانت الزوجة رولا هي الأم والأب معا، فأحضرت لهما كل شيء وأخبرتهما أنه من والدهما المحب لهما ودائم السؤال عنهما، ويعرف كل تفاصيل حياتهما، حتى إنها كانت تُشعر أبناءها بأنه يراقبهم ويعرف كل سلوك يصدر عنهم.
إعلانوعن قرارها الأول بالحمل والإنجاب عبر التهريب، تقول رولا "أم زيد -كما تحب أن تنادى- إنها أرادت تحقيق حلم مشترك لها ولزوجها بأن يكون لطفلتيه أشقاء يكونون سندا لهما في الحياة ويملؤون فراغ البيت، والأهم هو تحدي الاحتلال وحكمه الجائر على زوجها، ولم تشعر يوما أنها ندمت على ما فعلت، وخاصة في ظل غياب الزوج، بل إن حياتها تغيرت للأفضل.
ومنذ التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار والذي يقضي في أحد بنوده بتبادل الأسرى قبل نحو ثلاثة أسابيع، دبَّ الفرح في عائلة الأسير عطا عبد الغني، وصاروا يعدون الدقائق والثواني، وتضيف الزوجة "عشنا ضغطا وتوترا كبيرين بينما كانت تمر مراحل التبادل واحدة تلو أخرى حتى أٌفرج عنه".
وانتظرت رولا 23 من السنوات العجاف حتى تعيش لحظة الإفراج وترى زوجها محررا ويحضن أبناءه، ليخفف عنها شيئا من الحِمل ويرعى أسرته وأبناءه الذين رآهم شبانا كبارا، يحنوا عليهم ويلبي حاجاتهم كما يريدون، أما هما فلا يزالان يعيشان دهشة الإفراج.
وختمت تقول حين اعتقل زوجها عبد الغني ترك طفلتيه إيلانا وسميرة في سنواتهما الأولى، ويعود الآن ليرى أحفاده منهما.
بانتظار اللقاءومثل الأسير عطا عبد الغني، راح الأسير المحرر علي نزال (52 عاما) يحتضن فلذة كبده شريف، ويقول بصوته الحاني أمام جمهرة من الصحفيين الذين احتشدوا للقائه في رام الله حيث أفرج عنه "ابني، نطفة"، ثم يواصل حديثه واصفا شعوره بالفرح الكبير وهو يلمّ شمله بعائلته بعد غياب امتد 18 سنة من حكمه البالغ 20 عاما.
هذه الفرحة برؤية طفله شريف الذي أنجبه عبر النطف المهربة عام 2013، أنسته معاناة في الأسر وخارجه، كان أقلها هدم منزله مرتين، وحرمان زيارة زوجته له لعشر سنوات.
تلك الفرحة التي عاشها الأسيران عبد الغني ونزال ينتظرها أسرى كثيرون مثلهم لا يزالون يتجرعون صلف الاحتلال وظلمه، ولئن تحرر آخرون فإن إبعاد الاحتلال لهم خارج الوطن أبقى فرحتهم منقوصة وحرمهم بهجة اللقاء بذويهم وبأطفالهم من "سفراء الحرية"، كالأسيرين فهمي مشاهرة ونصر أبو حميد.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات سجون الاحتلال من سجون
إقرأ أيضاً:
ما دلالات المشاهد التي نشرتها “القسام” لمحاولة أسر جندي إسرائيلي في خان يونس؟
#سواليف
أعادت مشاهد محاولة #أسر_جندي_إسرائيلي شرقي #خان_يونس، والتي بثّتها #كتائب_القسام مؤخرًا، تسليط الضوء على تحوّل نوعي في أداء #المقاومة، لا سيما في ما يتعلق بتنفيذ عمليات جريئة ومعقّدة خلف خطوط #قوات_الاحتلال.
ويرى #محللون #سياسيون و #عسكريون، أن ما جرى يتجاوز كونه اشتباكًا ميدانيًا عابرًا، ليحمل في طياته #رسائل_استراتيجية متعددة الأبعاد، من حيث التوقيت، والأسلوب، والأثر النفسي، ما يعكس تطورًا ملحوظًا في قدرات المقاومة، في مقابل اهتزاز متزايد في بنية الجيش الإسرائيلي.
ويشير هؤلاء المحللون إلى أن هذه العملية قد تمثل تحوّلًا تكتيكيًا مدروسًا في نهج المقاومة، عبر تفعيل خيار “الأسر الميداني” كأداة ضغط فعالة، سواء على المستوى العسكري أو التفاوضي، بما يربك حسابات الاحتلال ويفرض عليه أثمانًا سياسية وأمنية متصاعدة.
مقالات ذات صلةرسائل عسكرية ونفسية
وقال الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد إن “المشاهد التي ظهرت في عبسان تحمل دلالات مكانية وزمانية لافتة، إذ وقعت العملية خلف خطوط الاحتلال، في وقت يدور فيه القتال على تخوم خان يونس. وهذا يؤكد أن المقاومة نفذت هجومًا نوعيًا داخل العمق الإسرائيلي، وهي من أصعب وأعقد العمليات في العقيدة العسكرية، كونها تجري في مناطق يسيطر عليها العدو”.
وأضاف في حديث لـ”قدس برس” أن “التوقيت الزمني له دلالة واضحة، حيث جاءت العملية تزامنًا مع تصاعد الخطاب الإعلامي للمقاومة حول ملف أسر الجنود، ما يشير إلى محاولة مقصودة لتعزيز الضغط النفسي على جنود الاحتلال، ودفعهم لحالة من الحذر المفرط، ما يؤدي إلى ارتباك العمليات وعدم تحقيق الأهداف”.
وأشار أبو زيد إلى أن العملية “كشفت أبعادًا إعلامية واحترافية واضحة، إذ أُنجزت بتصوير احترافي عبر ثلاث كاميرات، رغم مرور أكثر من 640 يومًا من المعركة، ما يؤكد استمرار المقاومة في الحفاظ على الجاهزية الميدانية والإعلامية”.
ولفت إلى أن “الجسارة اللافتة لعناصر المقاومة قابلها انعدام رغبة في القتال لدى جنود الاحتلال، إذ يظهر المقطع مقاومًا يصل إلى هدفه مباشرة، بينما يفرّ جندي إسرائيلي مسلح من ساحة المواجهة، في مشهد يناقض الرواية الإسرائيلية التي زعمت إصابته نتيجة اشتباك”.
وأوضح أن “الجرافة المستهدفة لم تكن عسكرية، لكنها كانت تُقاد من قبل جندي احتلال، ما يدل على نقص في الآليات الهندسية، خصوصًا جرافات D9 المستخدمة في عمليات الهدم والبحث عن الأنفاق، وهو تطور يعكس أزمة متصاعدة في القدرات اللوجستية الإسرائيلية”.
أما من الناحية التكتيكية، فبيّن أبو زيد أن “المقاومة بدأت بالهجوم على الجرافة، ثم طوّرت الموقف ميدانيًا بمحاولة أسر الجندي الفارّ. لكن يبدو أن المقاوم قدّر أن إصابة الجندي بليغة، ما يجعل عملية أسره صعبة ومكلفة، فآثر الاستيلاء على سلاحه والانسحاب، وهو ما يعكس وعيًا ميدانيًا سريعًا وقدرة على اتخاذ القرار في لحظة فارقة”.
ورقة ضغط جديدة
من جانبه، قال المحلل السياسي إياد القرا إن “الحدث الأخير يحمل دلالة استراتيجية واضحة، إذ يُظهر أن المقاومة تتجه نحو اعتماد خيار أسر الجنود ميدانيًا، وهو ما بدا جليًا من محاولة الأسر التي ظهرت بوضوح في الفيديو”.
وأشار في حديث لـ”قدس برس” إلى أن “هذا التوجه يعكس قرارًا داخل المقاومة، مفاده أنه إذا استمرت إسرائيل في تعطيل صفقة التبادل ورفض دفع الثمن، فإن المقاومة ستسعى إلى أسر جنود خلال المواجهات، رغم صعوبة الظروف الميدانية”.
وأوضح القرا أن “هذا الأسلوب يهدف إلى خلق ورقة ضغط جديدة على أكثر من صعيد، أبرزها توجيه رسالة للمجتمع الإسرائيلي مفادها أن الجيش في غزة يعاني من الفشل والإرهاق، وأن جنوده ليسوا في مأمن، بل قد يتكرر هذا المشهد في جبهات أخرى داخل القطاع”.
وأضاف أن “الرسالة الثانية موجهة لمسار التفاوض، إذ تعني أن على إسرائيل أن تتعامل مع واقع جديد مفاده وجود أسرى جدد أحياء، ما يعيد تحريك ملف التبادل، ويزيد من كلفة بقائها في القطاع”.
وختم بالقول إن “امتناع المقاوم عن سحب جثة الجندي القتيل، والتركيز بدلًا من ذلك على محاولة الأسر، يدل على أن هدف المقاومة هو الضغط على الاحتلال لإجباره على الانسحاب، وأن تكرار هذا النموذج قد يشكّل معادلة ردع جديدة داخل غزة”.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة بغزة، إياد القطراوي، إن نشر مشاهد محاولة أسر جندي إسرائيلي من قبل المقاومة في خان يونس يحمل أبعادًا سياسية وإعلامية عميقة، ولا يمكن النظر إليه كحدث عابر أو مجرد “مشهد عسكري” فقط.
وأضاف في حديث لـ”قدس برس” أن هذا النشر جاء في توقيت حساس يعكس جمودًا أو تعثرًا في مفاوضات التهدئة وتبادل الأسرى، حيث تُستخدم هذه المشاهد كرسالة واضحة لإسرائيل بأن المقاومة ما زالت تحتفظ بالقدرة على أسر جنود، ما يعني أن ملف التفاوض، وخصوصًا ملف الأسرى، لا يزال مفتوحًا وقد يتعقد أكثر.
وأشار إلى أن المشاهد تكشف عن فشل أمني وعسكري رغم الانتشار الكبير لقوات الاحتلال في خان يونس، مما يضع الحكومة الإسرائيلية في موقف محرج أمام الرأي العام، خصوصًا عائلات الجنود الأسرى والمفقودين، ويزيد من الضغوط السياسية الداخلية على رئيس الحكومة.
وأكد القطراوي أن هذه المشاهد تؤكد استمرار فعالية المقاومة ومبادرتها رغم مرور أكثر من تسعة أشهر على اندلاع الحرب، وتوجه رسالة حاسمة لحلفائها وشعوب المنطقة بأن مشروع المقاومة ما زال قويًا ويشكل تحديًا مباشرًا للاحتلال.
وقال أيضًا إن المشاهد تخاطب الجمهور الفلسطيني والعربي، وتعزز ثقتهم في قدرة المقاومة على المبادرة والمواجهة حتى في أصعب الظروف، لا سيما في ظل الحملات النفسية الإسرائيلية التي تحاول تصوير المقاومة على أنها منهارة في الجنوب.
وأضاف أن هذه المشاهد جزء من حرب إعلامية تهدف إلى إبراز سيطرة المقاومة على زمام المبادرة، وبث الرعب والارتباك في صفوف الجنود الإسرائيليين، خصوصًا في المناطق الحدودية الجنوبية.
وأشار إلى أن محاولة الأسر، حتى وإن لم تنتهِ بأسر فعلي، تحمل رمزية كبيرة تكسر هيبة الاحتلال وتعيد إلى الأذهان تجربة أسر الجندي شاليط، مما يمنح المقاومة ورقة ضغط معنوية هامة.
وبين أن هذه المشاهد تشكل تهديدًا ضمنيًا قويًا، مفاده أن المقاومة قادرة على أسر مزيد من الجنود في أي وقت، ما قد يعيد تشكيل موازين التفاوض، كما يمكن استثمار هذا التطور لتحريك أو تأخير المفاوضات وفقًا لمصالح المقاومة، وربما إدخال شروط جديدة مثل وقف إطلاق النار، فتح المعابر، وضمانات دولية.
وختم بالقول، إن هذه الخطوة تعني أيضًا أن الاحتلال لم يحقق أهدافه العسكرية المعلنة، مما يضعف موقفه التفاوضي على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وبثت كتائب “القسام”، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، الخميس، مشاهد حصرية توثق محاولة أسر أحد جنود الاحتلال خلال عملية نوعية نفذها مقاتلوها في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.
وأظهرت المشاهد لحظة تنفيذ الإغارة على تجمع لجنود الاحتلال وآلياته في منطقة عبسان الكبيرة شرقي خان يونس، حيث اشتبك عناصر “القسام” مع القوات الإسرائيلية، قبل أن يستحوذوا على سلاح أحد الجنود بعد فراره من حفار عسكري، في محاولة انتهت بقتله نتيجة تعذر استكمال الأسر.
وأوضحت “القسام” أن العملية تندرج ضمن سلسلة عمليات “حجارة داود”، التي أطلقتها كتائب المقاومة رداً على الهجوم الإسرائيلي المسمى “عربات جدعون”.