جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-14@21:13:05 GMT

جبر الخواطر

تاريخ النشر: 8th, February 2025 GMT

جبر الخواطر

 

 

د. ابراهيم بن سالم السيابي

في عالمنا اليوم، الذي تملؤه التحديات والمشاعر المتناقضة، تبقى هناك قيمة إنسانية غائبة أحيانًا عن الكثيرين، لكنها تبقى حية في قلوب من يدركون عمقها، "جَبر الخواطر" هي تلك اللمسة التي قد تغير مسار حياة الأشخاص، وتفتح لهم أبواب الأمل بعد أن كانوا يعتقدون ربما بأن كل الطرق كانت مسدودة أمامهم، هذه القيمة ليست مجرد كلمات، بل هي فعل يحمل في طياته الرحمة والمغفرة، وقد تصنع المعجزات، وقد تبدو كلمة جَبر الخواطر في ظاهرها بسيطة، لكنها في بعض المرات قد تحمل قوة خارقة قادرة على تغيير مصائر حياة البشر.

يُحكى في قديم الزمان أنه كان هناك شاب يعيش حياة في قمة الضياع، قبل أن يحكم عليه بالإعدام بسبب تخلفه عن الخدمة العسكرية، كان يعيش حياة مليئة بالصخب والتشتت، يعاني من قسوة والده الذي طرده بسبب تصرفاته الطائشة، وحمل في قلبه جرحًا عميقًا من فقدان والدته في سن مبكرة، كانت حياته مليئة بالمرارة، وكان يعتقد بأن سبيله الوحيد الهروب إلى الحانات والشراب، يغمر نفسه في سكر ليهرب من واقع لا يستطيع تحمله، كان يظن أن لا أحد يهتم به، وأنه لن يجد من يلتفت إلى حاله البائس، حتى جاء اليوم الذي تغير فيه كل شيء، في تلك اللحظة الحرجة وفي ساحة عامة وأمام الجماهير المحتشدة وبحضور ملك البلدة، عندما أصبح تنفيذ حكم الإعدام مصيره المحتوم، جاءت امرأة عجوز تتكئ على عصاها تخترق تلك الحشود، هذه المرأة العجوز التي شاخت ملامحها بمرور الزمن، لكن عينيها كانت مليئتين بالحكمة والحب، نظرت إلى الملك وقالت بصوت أقرب للتوسل و مفعم بالرجاء: "يا مولاي، أرجوك أن تعفو عن هذا الشاب"، وأخبرته بأنها تعرفه جيدًا، وأنه رغم ما قد يظنه الآخرون عنه، كان يقوم بخدمتها بإخلاص طواعية وبلا مقابل، كان يشتري لها حاجاتها، ويحضر لها الدواء حين تمرض، بل كان يطبطب على قلبها في ساعات وحدتها، هذه الأفعال البسيطة، التي لم يلتفت إليها أحد، كانت تخبر الملك بما لم يدركه الجميع: إن هذا الشاب سعى إلى الخير، وكان في قلبه جانب من الرحمة لم يره أحد.

تأثر الملك بكلمات المرأة العجوز، وفي تلك اللحظة، قرر العفو عنه، تقديرًا لما فعله مع تلك العجوز التي كانت في حاجة إلى من يخفف عنها آلامها، كان العفو بمثابة فرصة جديدة لهذا الشاب، فرصة ليعيد بناء حياته، ليعرف أنه رغم كل ما كان يظنه عن نفسه، لا يزال هناك من يراه طيبًا، وأن الرحمة لم تفارق قلبه بعد.

هذه القصة تحمل بين طياتها درسًا عميقًا عن جَبر الخواطر، وكيف أن أحيانًا يمكن لكلمة أو فعل بسيط أن يغير كل شيء، فجَبر الخاطر ليس مجرد محاولة لتخفيف آلام الآخرين فحسب، بل هو نوع من التفهم العميق لما يعانيه الآخرون، في تلك اللحظة التي وقف فيها الملك، أمام امرأة عجوز، اتخذ قرارًا عفويًا، كانت قد ظهرت أعظم قوة في حياة الإنسان وهي الرحمة، وتأتي أهمية جَبر الخواطر لما له من تأثير عميق على النفس البشرية، عندما نلتمس المعاملة الحسنة أو نلقي كلمات طيبة، ينعكس ذلك بشكل إيجابي على معنوياتنا، ويشجعنا على تحسين سلوكنا حتى في أسوأ الظروف، ويمكن أن يكون جَبر الخاطر بمثابة الدافع للإنسان ليبدأ صفحة جديدة، فبعض الأفعال التصرفات البسيطة تجعل العالم مكانًا أكثر إشراقا وجمالا، وتساعد الأفراد على إيجاد طريقتهم نحو النجاح والتغيير للأفضل.

 

جَبر الخواطر يمكن أن يكون أساسًا لتغيير المجتمع فعندما يظهر شخص ما اللطف والرحمة تجاه الآخرين، فإنه لا يغير حياة الفرد فحسب؛ بل يمكن أن يؤثر على مجتمع كامل ويمكن لتصرف صغير أن يكون له تأثير كبير في تعزيز التسامح والتعاون بين الناس، فجَبر الخواطر يمكن أن يكون الطريق لتغيير العلاقات الاجتماعية إلى الأفضل، مما يعزز الاندماج والمشاركة الفعّالة بين أفراد المجتمع.

وإذا كان جَبر الخواطر له تأثير عميق على المجتمع بأسره، فإنه في العلاقات الانسانية يصبح أساسًا لحياة مليئة بالحب والثقة، فالحب والمودة ليسا مجرد مشاعر عابرة، بل هما علاقة تبنى على الدعم المتبادل، وتقديم العون للآخرين في لحظات ضعفهم، جَبر الخاطر بين الناس يعمق العلاقة، ويجعلها أكثر استمرارية وقوة، فاللحظات الصعبة التي يمر بها الإنسان تصبح أسهل عندما يجد بجانبه من يخفف عنه ويشعره بالاطمئنان.

والمغفرة كذلك قد تكون جزءا لا يتجزأ من عملية جَبر الخواطر، حيث إن المغفرة هي وسيلة لتعافي النفس من الآلام، عندما نغفر للآخرين، ونمنحهم فرصة جديدة للشفاء من أخطاء وكدمات الماضي، وفي العلاقات الانسانية، يكون العفو والمغفرة حجر الزاوية لاستمرار الحب والأشخاص الذين يغفرون لبعضهم البعض يبنون روابط أكثر عمقًا وأصالة ويأتي هنا جَبر الخواطر ليكون أشبه بالشمعة التي تضيء الطريق إلى السلام الداخلي والانسجام بين الناس.

في الختام، جَبر الخواطر تحث عليه قيمنا المستمدة من تعاليم ديننا الحنيف وعاداتنا وتقاليدنا الأصيلة، ولنجعل جَبر الخواطر سمة نعيش بها في كل لحظة، فكل منا في أمسِّ الحاجة إلى لمسة من جَبر الخواطر، سواء في علاقاتنا أو في حياتنا اليومية، فيمكننا أن نغير مجرى حياتنا وحياة الآخرين عندما ننتبه إلى مشاعرهم ونعمل على جَبر خواطرهم بالكلمة، أو المعاملة أو بقضاء حوائجهم، أو عندما نحاول أن نمنحهم الأمل والرحمة التي قد يحتاجونها في كل وقت وفي كل حين.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ثنائية رافينيا تُعزّز صدارة برشلونة

مدريد «أ.ف.ب»: وسّع برشلونة حامل اللقب ومتصدر الترتيب الفارق بينه وبين ريال مدريد، بعد فوزه على أوساسونا بثنائية مهاجمه البرازيلي رافينيا ضمن المرحلة السادسة عشرة من الدوري الإسباني ولكرة القدم.

من خلال فوزه الخامس تواليا في مختلف المسابقات، رفع الـ "بلاوغرانا" رصيده إلى 43 نقطة.

وسجّل رافينيا هدفي العملاق الكاتالوني في الشوط الثاني (70 و86).

وقال مدافع برشلونة جيرارد مارتن لشبكة "موفيستار": "هذا الفوز له قيمة كبيرة، كانوا منظمين جيدا، وكان من الصعب إيجاد طريق لاختراقهم. بالصبر والاستحواذ الكبير على الكرة، نجحنا أخيرا".

وأضاف: "الحفاظ على نظافة الشباك يمنح الفريق الاستقرار، وبعدها تأتي الأهداف دائما".

وأعاد المدرب الألماني هانزي فليك مهاجمه فيران توريس إلى التشكيلة الأساسية، بعد أسبوع على تألقه اللافت بتسجيله ثلاثية "هاتريك" خلال الفوز الكبير على ريال بيتيس (5-3)، قبل أن يبقيه على مقاعد البدلاء أمام أينتراخت فرانكفورت الألماني (2-1) في مسابقة دوري أبطال أوروبا.

كما زجّ فليك برافينيا أساسيا بعد أن أراحه في مباراة بيتيس، ثمّ أشركه أمام فرانكفورت.

وبدأ برشلونة اللقاء بضغط واضح، فحصل على فرصة كبيرة للتقدم عبر توريس الذي سدد فوق المرمى اثر عرضية لامين جمال (14).

وحاول أوساسونا استغلال الهجمات المرتدة لكن محاولة الكرواتي أنتي بوديمير أبعدها الحارس جوان جارسيا (19).

وظنّ أصحاب الأرض انهم انتزعوا التقدم عندما صوّب توريس كرة رأسية في الزاوية البعيدة للمرمى، إلا أن الحكم ألغى الهدف بعد العودة إلى حكم الفيديو المساعد "في أيه آر" بداعي التسلل على رافينيا خلال بناء الهجمة (25).

وهدّد برشلونة مرمى منافسه مجددا بتسديدة إكروباتية لتوريس لكنها مرت بجانب المرمى (44).

وكاد أوساسونا يباغت منافسه عندما وجد فيكتور مونيوس نفسه على انفراد بالحارس جوان جارسيا إلا أن كرته مرت بجانب المرمى (49).

وحصل الـ "بلاوغرانا" على فرصة رائعة للتقدم عندما مرر الفرنسي جول كونديه كرة متقنة للإنجليزي ماركوس راشفورد لكن تسديدة الأخير من وضعية ممتازة وقف لها المدافع إينيجو أرجيبيدي في المكان المناسب لإبعاد خطورتها (51).

وتنفس برشلونة الصعداء عندما افتتح له رافينيا التسجيل من تسديدة رائعة من مشارف منطقة الجزاء اثر هجمة مرتدة (70).

وأضاف المهاجم البرازيلي الثاني بعد ربع ساعة عندما سدد كونديه كرة ارتدت من قدم أليخاندرو كاتينا، لتجد رافينيا متربصا أمام المرمى فلم يتردد لإسكانها بسهولة في الشباك (86).

أتلتيكو يستعيد توازنه

وعاد أتلتيكو مدريد إلى سكة الانتصارات بفوزه الصعب على ضيفه فالنسيا 2-1.

وسجل كوكي (17) والبديل الفرنسي أنطوان جريزمان (74) هدفي أتلتيكو، والبديل الآخر الأرجنتيني لوكاس بلتران هدف فالنسيا (63).

ورفع أتلتيكو رصيده إلى 34 نقطة في المركز الرابع، فيما تجمد رصيد فالنسيا عند 15 نقطة في المركز السادس عشر.

ويأتي هذا الفوز بعد خسارتين تواليا لـ "روخيبلانكوس" محليا أمام برشلونة 1-3 وأتلتيك بلباو 0-1 ، قبل أن ينتفض قاريا بفوزه على أيندهوفن الهولندي 3-2 في الجولة السادسة من دوري أبطال أوروبا.

ولم يخسر نادي العاصمة في مبارياته الـ 17 الأخيرة في عقر داره أمام فالنسيا، حيث حقق 13 فوزا مقابل 4 تعادلات.

وانتهت سلسلة اللاهزيمة لفريق "الخفافيش" بعد 4 مباريات، منها ثلاثة تعادلات أمام ريال بيتيس ورايو فايكانو وإشبيلية بالنتيجة ذاتها 1-1، وذلك منذ سقوطه على أرض ريال مدريد 0-1،

واعتمد الأرجنتيني دييجو سيميوني التشكيلة ذاتها الفائزة على أيندهوفن، فافتتح لاعب الوسط المخضرم كوكي التسجيل بعد ركنية ودربكة في المنطقة المحرمة استفاد منها ابن الـ 33 عاما ليسدد كرة قوية في الزاوية اليسرى (17).

وبعد 10 دقائق من دخوله إلى أرض الملعب في الشوط الثاني، أدرك المهاجم بلتران التعادل بعد لعبة مشتركة مع البرتغالي أندري ألميدا عند حافة المنطقة ومراوغة رائعة اتبعها بتسديدة من 20 مترا استقرت في الزاوية العليا اليسرى لمرمى الحارس السلوفيني يان أوبلاك (63).

وردّ البديل الآخر المخضرم جريزمان (34 عاما) الذي دخل بدلا من الأرجنتيني خوليان ألفاريس، بخامس أهدافه هذا الموسم بعد عرضية من مارك بوبيل داخل المنطقة، روضها الفرنسي وظهره إلى المرمى واستدار وسدد في المرمى (74).

مقالات مشابهة

  • شركة عالمية تُطمئن: الذكاء الاصطناعي لن يكون بديلاً للإنسان في كل الوظائف
  • هل يكون فصل الدين عن الدولة سببا في نجاحها؟
  • ثنائية رافينيا تُعزّز صدارة برشلونة
  • شيكابالا: أنا مش ضد إدارة الزمالك لكن لازم يكون في حلول جذرية للأزمات المالية
  • إسلام عيسى: محمد بسام أفضل من «الشناوي» .. ويستحق أن يكون حارس مصر في أمم إفريقيا
  • دراسة جديدة: الزلزال القادم في إسطنبول قد يكون الأعنف منذ 1766
  • ائتلاف المالكي:الحاج أبو إسراء قد يكون هو رئيس الحكومة المقبلة او مرشحا عنه
  • بالقانون الجديد .. متى يكون الحكم باتًا ونهائيًا؟
  • الخواطر … بوابة إلى الوعي القرآني وسمو الروح
  • عمرو أديب : الله يكون بعونك يا مو