ترامب وتهجير أهل غزة: نظرية اللعبة في العلاقات الدولية
تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT
ترامب وتهجير أهل غزة: نظرية اللعبة في العلاقات الدولية
بقلم الكاتبة هبة عمران طوالبة
عند العودة إلى عالم السياسة وأصول المطبخ العارم بالقوانين والفرضيات التي يمكن أن تتغير بين ليلة وضحاها حسب الأسماء والمصالح المشتركة، يمكن القول إن ما يفعله ترامب حاليًا فيما يتعلق بتهجير أهل غزة إلى الأردن ليس مجرد موقف سياسي عابر، بل هو جزء من استراتيجية محسوبة تقوم على نظرية اللعبة في العلاقات الدولية.
كيف تنطبق نظرية اللعبة على سياسة ترامب تجاه تهجير أهل غزة؟
مقالات ذات صلةالسياسات التي تدفع نحو تهجير الفلسطينيين ليست مجرد خيارات عشوائية، بل هي ورقة ضغط تهدف إلى دفع الدول العربية، خصوصًا الأردن، إلى القبول بمخططات التوطين. منطق هذه اللعبة يعتمد على مواجهة الأطراف ببعضها في سباق تصعيدي، حيث يكون الخيار الوحيد المتبقي هو الانسحاب أو مواجهة سيناريو كارثي. في هذه الحالة، الرسالة واضحة: إما أن تقبل الأردن والدول العربية بتهجير الفلسطينيين، أو تواجه أزمات أمنية وسياسية أكبر.
فرض وقائع جديدة: “لعبة السجين” )في هذه اللعبة، يعمل كل طرف وفقًا لمصلحته الخاصة دون التعاون مع الآخرين، مما يؤدي في النهاية إلى نتائج أسوأ للجميع.
إسرائيل تسعى لفرض واقع جديد يمنع قيام دولة فلسطينية، وترى أن التهجير سيخدم هذا الهدف.
الأردن يرفض استقبال اللاجئين لأنه يدرك أن ذلك يعني نهاية القضية الفلسطينية وتحويله إلى وطن بديل، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا لاستقراره.
الفلسطينيون يرفضون مغادرة أرضهم، لكنهم محاصرون بواقع عسكري وإنساني قاسٍ.
النتيجة؟ كل طرف يحاول تجنب الأسوأ، لكن عدم وجود استراتيجية مشتركة يجعل الوضع أكثر تعقيدًا، ويخلق أزمة لا رابح فيها سوى إسرائيل ومن يدعمها.
تحويل القضية إلى صفقة: “اللعبة الصفرية” (Zero-Sum Game)ترامب يتعامل مع القضية الفلسطينية وكأنها صفقة تجارية وليست قضية حقوقية، وهذا يتماشى مع فلسفة “اللعبة الصفرية”، حيث يكون فوز طرف مرهونًا بخسارة الطرف الآخر. من هذا المنطلق، فإن نجاح مخطط التهجير يعني انتصار إسرائيل والولايات المتحدة، لكنه يأتي على حساب الفلسطينيين والدول المجاورة التي ستتحمل تبعات هذا السيناريو.
الضغط على الدول العربية: “لعبة التهديد والمساومة” (Bargaining Game)لم تقتصر سياسة ترامب على فرض الوقائع، بل تضمنت أيضًا الضغط السياسي والاقتصادي على الدول العربية لإجبارها على القبول بحل يخدم إسرائيل. الأردن، باعتباره المتأثر الرئيسي بهذه الخطة، يواجه معادلة معقدة:
رفض التوطين يعني الدخول في مواجهة سياسية مع واشنطن وحلفائها، وربما خسارة دعم اقتصادي ضروري.
قبوله يعني التضحية بسيادته الوطنية واستقرار مجتمعه.
ترامب يدرك هذه المعادلة، ولهذا يعتمد على سياسة العصا والجزرة، مستخدمًا الضغوط الاقتصادية والمساعدات كأوراق مساومة.
إلى أين تتجه اللعبة؟
نظرية اللعبة تفترض أن كل طرف يتخذ قراراته بناءً على حسابات المكاسب والخسائر، لكن في القضايا المصيرية مثل التهجير، قد لا يكون هناك مجال للمساومة. الأردن يراهن على عامل الوقت، وعلى رفض فلسطيني داخلي لأي مشروع تهجير قسري، بينما ترامب وحلفاؤه يضغطون لفرض الحل كأمر واقع.
لكن هناك نقطة حاسمة: الألعاب السياسية لا تسير دائمًا كما هو مخطط لها.
قد يؤدي الضغط المفرط إلى انفجار إقليمي بدلاً من استسلام الأطراف المعنية.
الدول العربية قد تجد نفسها مضطرة لتوحيد موقفها بدلًا من الخضوع للضغوط.
الفلسطينيون، رغم كل المعاناة، أظهروا تاريخيًا قدرة على الصمود أمام محاولات التصفية.
خاتمة: هل سينجح ترامب في فرض قانونه على اللعبة؟
ترامب قد يعتقد أنه يتحكم بالقواعد، لكن التاريخ أثبت أن القضايا الكبرى لا تُحسم فقط بالضغوط والتهديدات، بل تتشكل بفعل المقاومة والحقائق على الأرض. وفي هذه الحالة، فإن رهان التهجير القسري قد يتحول من ورقة رابحة إلى خطأ استراتيجي يعيد تشكيل الموازين بطريقة غير متوقعة.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الدول العربیة أهل غزة
إقرأ أيضاً:
التغير المناخي أمام العدل الدولية.. هل تقاضي البلدان الفقيرة الدول الصناعية؟
أصدرت محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، رأيا استشاريا تاريخيا يفتح الباب أمام الدول المتضررة من التغير المناخي لمقاضاة الدول المسؤولة عن الانبعاثات الكربونية المرتفعة، بما فيها تلك التي لم توقّع على اتفاقيات المناخ مثل اتفاق باريس.
وجاء القرار الذي أُعلن من مقر المحكمة في مدينة لاهاي الهولندية، ليعزز مبدأ "العدالة المناخية"، ويمنح الدول النامية المتأثرة بشدة بالكوارث البيئية حق المطالبة بتعويضات عن الأضرار التي لحقت بها نتيجة الاحتباس الحراري، مثل دمار البنية التحتية وفقدان الأراضي نتيجة ارتفاع منسوب البحر.
الرأي الصادر عن المحكمة لا يحمل صفة الإلزام القانوني، إلا أنه يعد مرجعا قضائيا دوليا قد يستخدم أمام المحاكم الوطنية أو الإقليمية، كما وصفه خبراء القانون بحسب شبكة "بي بي سي" بأنه "تحول جوهري في أدوات مواجهة التغير المناخي".
وبدأت القضية التي نظرتها المحكمة بمبادرة من مجموعة طلاب حقوق من دول جزر المحيط الهادئ، الذين تقدموا بطلب استشاري إلى المحكمة عام 2019، بدعم من حكومات دولهم مثل فانواتو وجزر مارشال، والتي تعد من أكثر مناطق العالم عرضة لظواهر التغير المناخي، من أعاصير وارتفاع في منسوب البحر.
وقالت ممثلة فانواتو، فلورا فانو بعد صدور القرار:"إنه اعتراف بمعاناتنا وحقنا في مستقبل آمن. لقد قالت المحكمة للعالم إننا لسنا وحدنا".
ولم يقتصر القرار على مسؤولية الدول فقط، بل أشار إلى أن الحكومات تتحمل كذلك المسؤولية القانونية عن نشاط الشركات العاملة في أراضيها، بما في ذلك الشركات المنتجة للوقود الأحفوري، موضحًا أن منح تراخيص جديدة لاستخراج الغاز والنفط قد يُعد خرقًا لالتزامات الدولة الدولية.
وأكد القاضي الياباني إيواساوا يوجي، في منطوق القرار، أن عدم اتخاذ الدول إجراءات طموحة لمكافحة التغير المناخي يمثل انتهاكًا للقانون الدولي، وأن التزامات الحماية المناخية لا تقتصر على الموقعين على اتفاق باريس، بل تشمل الجميع بموجب مبادئ أوسع للقانون الدولي.
بحسب مركز القانون الدولي للبيئة (CIEL)، فإن دولا نامية بدأت بالفعل دراسة إمكانية رفع قضايا تعويض ضد دول صناعية، استنادًا إلى هذا الرأي، سواء عبر محكمة العدل الدولية أو أمام محاكم وطنية أخرى.
ويأتي هذا التحرك بعد تقديرات نشرتها مجلة Nature أفادت بأن خسائر التغير المناخي بين عامي 2000 و2019 تجاوزت 2.8 تريليون دولار، أي ما يعادل 16 مليون دولار في الساعة.
ومع أن تنفيذ الرأي يتوقف على إرادة الدول، إلا أن الناشطين البيئيين يعتبرونه تحولًا مفصليًا في الكفاح القانوني من أجل المناخ، وقد يغيّر شكل العلاقات الدولية في العقود المقبلة.