القطن المصري ينافس الأمريكي على الساحة العالمية.. والحكومة تواصل جهودها لدعم المزارعين
تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT
لطالما حظي القطن المصري بسمعة عالمية كأحد أفضل أنواع القطن «طويل التيلة» المستخدم في صناعة المنسوجات الفاخرة، إلا أن صادراته خلال الموسم الحالي شهدت تراجعاً حاداً، حيث انخفضت بنسبة 72%، و يثير هذا التناقض بين الجودة العالية للقطن المصري وتراجع صادراته تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا التراجع المفاجئ.
وهذا ما تحاول «الأسبوع» معرفته من خلال التواصل مع نقيب الفلاحين والمتحدث الإعلامي لمعهد بحوث القطن من أجل الوقوف على الأسباب التي أدت لركود صادرتنا من القطن.
قال الدكتور مصطفى عمارة، رئيس بحوث المعاملات الزراعية والمتحدث الإعلامي لمعهد بحوث القطن إن عام 2024 شهد زيادة ملحوظة في مساحة الأراضي المزروعة بالقطن في مصر، حيث ارتفعت من 255 ألف فدان في العام السابق إلى 311 ألف فدان، بنسبة زيادة قدرها 26%، ويعزى هذا الارتفاع إلى قرار الحكومة برفع سعر ضمان القطن، مما شجع المزارعين على زيادة زراعتهم، وبدوره، يساهم قطاع القطن والصناعات النسيجية بشكل كبير في الاقتصاد المصري، حيث يشكل ثاني أكبر صناعة ويساهم بنسبة 3% من الدخل القومي
وأضاف: ولكن هناك تراجع ملحوظ في صادرات القطن المصري خلال بداية الموسم التصديري الحالي مقارنة بالعام الماضي، حيث بلغت كميات التصدير الحالية حوالي 5000 طن، مقارنة بـ 19 ألف 750 طن في نفس الفترة من العام الماضي، مما يمثل تراجعًا بنسبة 72%.
وتابع: هناك توقف كامل لصادرات القطن المصري للموسم الجديد، وماتم تصديره إلى الآن هى كميات متبقية من الموسم السابق، موضحا أن فترة الموسم التصديري تمتد إلى حوالي 53 أسبوعًا، وقد بدأ الموسم الحالي في شهر سبتمبر الجاري.
وفسر «عمارة» أسباب هذا التراجع الكبير في صادرات القطن، قائلًا: إن «أسباب التراجع تعود إلى انخفاض أسعار القطن العالمية مما أدى إلى ضعف الطلب على القطن المصري، ناهيك عن ارتفاع سعره مقارنة بالأسعار العالمية، حيث يبلغ سعر القطن العالمي حوالي 8 آلاف، بينما يصل سعر الضمان المصري إلى 10 آلاف «قبلي» و12 ألف «بحري»، مشيرًا إلى أن هذه الفجوة السعرية أدي إلى صعوبة منافسة القطن المصري في الأسواق العالمية.
وأكد المتحدث الإعلامي لمعهد بحوث القطن، على أن سعر الضمان الحكومي يعتبر مرتفعًا مقارنة بالسعر العالمي، مما يجعل شراء القطن من قبل التجار غير مجزي اقتصاديًا، بالإضافة إلى تراجع التعاقدات الخارجية على القطن المصري، مما انعكس سلبًا على كميات التصدير.
واستكمل: هناك أيضا تراجع في القدرة الشرائية العالمية بسبب الأزمات الاقتصادية والحروب، مما يؤثر سلبًا على الطلب على القطن، الأمر الذي أدى إلى تراكم المخزونات في المصانع، مما يضطرها إلى تقليل الإنتاج أو إيقافه.
وذكر أن التجار طالبوا بتدخل الحكومة عن طريق تقديمهم مقترح لوزارة المالية من أجل شراء القطن بسعر عالمي «8 آلاف»، على أن تدفع الحكومة الفرق للمزارعين ليحصلوا على سعر الضمان كاملاً.
وأشار «عمارة» إلى أن مصر تواجه تحديات متعددة تتجاوز قطاع القطن، ورغم أن القطن المصري يشتهر بجودته العالية عالميًا، إلا أنه يواجه منافسة شديدة من أنواع أخرى مثل القطن الأمريكي البيما.
وتابع: بينما يتميز القطن المصري بأعلى معايير الجودة وطوله الفائق، إلا أنه يعاني من مشكلة التلوث التي تؤثر سلبًا على سمعته في الأسواق العالمية، وعلى الجانب الآخر، يتميز القطن الأمريكي البيما بإنتاجية عالية وتكلفة منخفضة، وذلك بفضل الدعم الحكومي وتطبيق أحدث التقنيات الزراعية.
وأكد «عمارة» على أن التلوث يشكل تهديدًا كبيرًا لجودة القطن المصري، فوجود الشوائب والأتربة وبقايا النباتات والبلاستيك في الألياف القطنية يؤدي إلى تدهور جودتها بشكل كبير، حيث يؤثر سلبًا على ملمس ونعومة القطن، ويقلل من شفافيته، مما يقلل من قيمته التجارية.
واستكمل: هذا التلوث يسبب العديد من المشاكل أثناء عملية الحلج والتصنيع، مما يؤدي إلى انخفاض تصنيف القطن من درجة أولى إلى درجات أدنى.
وأردف المتحدث الإعلامي لمعهد بحوث القطن: وبالرغم من هذه التحديات، لا تزال مصر تساهم في الإنتاج العالمي للقطن عالي الجودة، بنسبة تصل إلى 35%، مما يؤكد مكانة القطن المصري في السوق العالمية.
وأشار إلى أن هناك العديد من الدول الأخرى التي تولي اهتمامًا كبيرًا بإنتاج قطن نظيف خالي من الملوثات، موضحًا أن مصر اتخذت خطوات مهمة في هذا الاتجاه من خلال توقيع اتفاقيات دولية مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية «اليونيدو» بهدف إنتاج قطن مصري يلبي المعايير الدولية للتنمية المستدامة.
وأكد «عمارة» على أهمية إنتاج القطن النظيف في مصر، مشيراً إلى توقيع عدة اتفاقيات لضمان إنتاج قطن خالٍ من الملوثات يراعي المعايير البيئية العالمية.
كما أوضح أن الحصول على الاعتماد الدولي لمنتجاتنا القطنية يفتح الباب أمامنا للتسويق في الأسواق العالمية، خاصة لدى كبرى شركات الأزياء والموضة.
وأشار "عمارة" إلى أن مصر حققت تقدماً كبيراً في هذا المجال، حيث تمكنت من الحصول على الاعتماد الدولي في عام 2020، وأن حوالي 25% من مساحة الأراضي المزروعة بالقطن في مصر حالياً تلتزم بمعايير الإنتاج النظيف.
وشدد عمارة على الدور المحوري لمنظومة التسويق في نجاح قطاع القطن، موضحاً أن ضعف المنظومة يؤدي إلى صعوبة تلبية الاحتياجات المحلية والتصديرية، بينما تساهم منظومة تسويق قوية ومرنة في تسهيل تصريف المنتج، وتوفير أسعار مناسبة للفلاحين، مما يشجعهم على زراعة القطن والتوسع في المساحات المزروعة.
كما أكد «عمارة» على أهمية تكامل منظومة إنتاج وتسويق القطن، حيث يؤدي ذلك إلى توفير المواد الخام اللازمة للصناعة المحلية، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، محذرا من تراجع الإنتاج في حال وجود أي اختلالات في هذه المنظومة، مما قد يؤدي إلى نقص المعروض وارتفاع الأسعار.
وفي الختام، شدد المتحدث الإعلامي لمعهد بحوث القطن، على أهمية الدور الذي تلعبه وزارة الزراعة في دعم المزارعين وتوفير الأصناف والسلالات الجديدة من القطن، وذلك لضمان استدامة الإنتاج وتحسين جودته.
ومن جانبه قال حسين أبو صدام، نقيب عام الفلاحين: إن «المزارعين يتلقون سعر ضمان حكومي للقنطار الواحد من القطن، يبلغ نحو 12 ألف جنيه للوجه البحري و10 آلاف جنيه للوجه القبلي»، موضحا أن الفارق بين سعر المزاد وسعر الضمان يعود للشركات المشترية.
وشدد «أبو صدام» على أن جودة القطن تؤثر بشكل مباشر على سعره عالمياً، مما يزيد من الطلب عليه من قبل الشركات العالمية.
وأشار إلى أن تراجع صادرات القطن المصري يرجع للأزمة الاقتصادية العالمية، محذراً من محاولات عرقلة زراعة القطن من خلال نشر الشائعات.
وأكد على أهمية القطن للاقتصاد المصري، حيث يساهم في توفير مواد غذائية مثل الأعلاف والزيوت، بالإضافة إلى صناعة النسيج التي توفر فرص عمل، فضلًا عن جذب الاستثمارات من خلال العملة الصعبة، ناهيك عن تحسين التربة وزيادة الإنتاجية الزراعية، ورفع مستوى معيشة الفلاحين من خلال زيادة دخلهم.
واختتم حسين أبو صدام، نقيب عام الفلاحين، حديثه بالإشارة إلى أن منظومة تسويق القطن الحالية تضمن الحفاظ على جودة المنتج وتوفير أعلى سعر ممكن للمزارعين.
اقرأ أيضاًطلب إحاطة بشأن أزمة تحديد سعر ضمان توريد القطن
المنوفية تشهد ارتفاعًا في توريد القطن وسعر القنطار يصل إلى 12 ألف جنيه
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: القطن القطن المصري أسعار القطن المصري صادرات القطن المصري القطن المصری سعر الضمان على أهمیة سلب ا على یؤدی إلى القطن من من خلال تراجع ا على أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
تواصل النقاش حول الدور الحضاري والثقافي للمتاحف في دفع عجلة التنمية
تُختَتَم اليوم أعمال المؤتمر الدولي "المتاحف ودورها في التنمية السياحية"، الذي ينظمه متحف عُمان عبر الزمان، بمشاركة نخبة من الأكاديميين والخبراء والباحثين من مختلف دول العالم، والذي ناقش على مدار ثلاثة أيام أدوار المتاحف في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلى جانب التعليم والتقنيات الرقمية والحوكمة.
وكان المؤتمر قد شهد في يومه الثاني اليوم سلسلة من الجلسات العلمية والأوراق البحثية التي سلّطت الضوء على إمكانيات المتاحف في تعزيز السياحة المستدامة، وفتح آفاق التفاعل بين الثقافة والاقتصاد الرقمي، إضافة إلى استعراض تجارب دولية في الحوكمة وتجويد الخدمات المتحفية، وتطوير أدوات العرض والاتصال المتحفي في ظل المتغيرات الرقمية.
واستهل المؤتمر فعالياته اليوم بالجلسة الثالثة التي ناقشت المحور الثاني "الاقتصاد والسياحة المتحفية"، وقد أدارها الدكتور محمد إسماعيل النصرات، حيث طُرحت مجموعة من الأوراق البحثية التي ناقشت دور المتاحف في التنمية السياحية المستدامة من زوايا اقتصادية وتخطيطية واستثمارية، وتحدث في الجلسة الدكتور إسلام السيد حسين السيد من كلية السياحة والفنادق بجامعة الفيوم المصرية، حول موضوع "دور المتاحف في تحقيق التنمية السياحية المستدامة في ضوء رؤية مصر 2030 بالتطبيق على متاحف القاهرة الكبرى"، مؤكدًا أن المتاحف تمثل أدوات فاعلة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا سيما في بُعدها الاجتماعي، حيث لم تعد المتاحف مجرد أماكن لحفظ التراث، بل أضحت مقاصد سياحية ذات تأثير ثقافي واجتماعي واقتصادي، وأوضح أن دراسته ركزت على قياس العلاقة بين الدور الاجتماعي للمتاحف وتحقيق التنمية السياحية المستدامة، متوقعًا أن تسهم المتاحف بشكل ملموس في تحقيق أبعاد التنمية السياحية المستدامة من خلال رفع الوعي الثقافي وتعزيز التفاعل المجتمعي مع الإرث الحضاري.
وعن موضوع "المتحف وتغيرات المكان: دور المتاحف في التنمية الاقتصادية المستدامة بالتطبيق على متحف الحضارة والمتحف المصري الكبير"، قدّم الدكتور أحمد يونس صالح عبدالجواد بريك، مدرس الجغرافيا بجامعة الفيوم، ورقة بحثية ركّزت على دور المتاحف كمحركات رئيسية للتنمية السياحية والاقتصادية، وأوضح أن مصر تشهد في السنوات الأخيرة توجهًا استراتيجيًا نحو استثمار المقدرات الأثرية في تعزيز الاقتصاد السياحي، من خلال إنشاء وتطوير متاحف كبرى مثل المتحف القومي للحضارة والمتحف المصري الكبير، الذي يُعد من أكبر متاحف العالم بموقعه الاستراتيجي المجاور لأهرامات الجيزة.
وفي ورقة بحثية مشتركة بعنوان "آليات تفعيل السياحة المتحفية الرقمية كرافد اقتصادي للتنمية المستدامة في الجزائر"، قدّمتها الدكتورة بوخاوة أسماء والدكتورة زرواتي مواهب من جامعة سطيف، ناقشت الباحثتان دور التحول الرقمي في تطوير القطاع المتحفي وتعزيز مساهمته في الاقتصاد الوطني، وأكدت الورقة أهمية استثمار التقنيات الرقمية الحديثة في تفعيل السياحة المتحفية، من خلال إنشاء تجارب افتراضية وتفاعلية قادرة على جذب الزوار وتنويع مصادر الدخل، وإيجاد فرص عمل جديدة ضمن إطار التنمية المستدامة، واستنادًا إلى بيانات قطاعي السياحة والمتاحف للفترة من 2015 إلى 2024.
كما قدّمت الباحثة حسينة بلواضح من جامعة محمد بوضياف الجزائرية، ورقة بعنوان "ريادة الأعمال الثقافية والابتكار الرقمي: تحويل المتاحف العُمانية إلى مراكز جذب سياحي تفاعلية لتحقيق رؤية عُمان 2040"، ناقشت فيها سُبل الدمج بين ريادة الأعمال الثقافية والتقنيات الرقمية الحديثة، بهدف تحويل المتاحف العُمانية إلى مشروعات تفاعلية مستدامة اقتصاديًا، واستعرضت الورقة في أربعة محاور رئيسية: الأدبيات المتعلقة بريادة الأعمال الثقافية والتقنيات الرقمية؛ وتحليل SWOT لتحديد نقاط القوة والضعف والتحديات في المتاحف العُمانية؛ إلى جانب عرض استراتيجيات مبتكرة تشمل الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي والتطبيقات التفاعلية، مستندة إلى نماذج عالمية مثل متحف اللوفر في فرنسا؛ وأخيرًا، خطة تطبيقية تعتمد على "نهج النتائج السريعة" لتحقيق أهداف ملموسة خلال 100 يوم، ضمن رؤية تمتد إلى المدى البعيد، وأكدت الباحثة أن هذا الدمج يُعزّز من الجاذبية السياحية للمؤسسات الثقافية في سلطنة عُمان، ويدعم التحول نحو اقتصاد معرفي وسياحي مستدام يتماشى مع توجهات "رؤية عُمان 2040".
كما قدّمت الباحثتان فروج زينب والدكتورة كرارشة حدة من الجزائر ورقة بعنوان "متاحف الطعام مؤسسات ثقافية ومناطق جذب سياحي: عينة من إيطاليا"، ناقشتا فيها التجربة الإيطالية في إنشاء وتفعيل متاحف الطعام كمؤسسات ثقافية تُسهم في الحفاظ على التراث الغذائي وتعزيز الهوية الثقافية المحلية، وناقشت الدراسة ضرورة إعادة تصميم تجربة زيارة هذه المتاحف لتواكب تطلعات الزوار الدوليين، من خلال الاستفادة من الوسائط المتعددة وورش الطهي والفصول التعليمية، واختتمت الورقة بتقديم رؤية حول إمكانية استنساخ هذا النموذج في المنطقة العربية، مع مراعاة الخصوصيات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية المحلية.
المتحدث الرئيسي
وعقب الجلسة، قدّم المتحدث الرئيسي، المكرم الدكتور عبدالله بن خميس الكندي، عضو مجلس الدولة، وأستاذ الصحافة والنشر الإلكتروني، ورئيس قسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس، محاضرته بعنوان: "الاتصال المتحفي في البيئة الرقمية المعاصرة: اتجاهات عالمية وسيناريوهات مستقبلية"، تناول فيها التحولات العميقة التي شهدها مفهوم الاتصال المتحفي في ظل الثورة الرقمية العالمية.
وبدأ الكندي محاضرته بطرح سؤال محوري: كيف تتحول المتاحف من سفن راكدة إلى أساطيل رقمية متحركة؟ مؤكدًا أن التكنولوجيا الحديثة جعلت من الممكن إيصال المحتوى المتحفي إلى الجمهور أينما كان، متجاوزة الحواجز المكانية والزمانية، وأن المتاحف باتت مطالبة بالتحوّل من فضاءات عرض تقليدية إلى منصات تفاعلية متحركة تخاطب أجيالًا رقمية نشأت على التقانة، وفي طليعتهم "جيل زد" و"جيل ألفا" اللذان يمثلان مجتمعًا يربو على ملياري نسمة حول العالم.
وسلّط الدكتور عبدالله الكندي الضوء على مفهوم "المتحف ما بعد الرقمي"، الذي لا يكتفي بالتحول الرقمي الشكلي، بل يتبنّى "الرقمنة" كجزء جوهري من استراتيجياته في الإدارة والتصميم والتفاعل مع الزوار، مشيرًا إلى أن جائحة كوفيد-19 كانت لحظة فارقة في تسريع تبنّي المتاحف العالمية للتقنيات الحديثة، التي باتت تُستخدم في تصميم المعارض، وتوليد الإيرادات، وتخصيص تجربة الزائر، ودمج المحتوى الثقافي بالتفاعل الرقمي.
وأشار الكندي إلى أن الاتصال المتحفي الحديث بات يتطلب استراتيجيات جديدة تدمج بين القيم الثقافية ووسائط التواصل الاجتماعي، وتستفيد من أدوات مثل الواقع المعزز والافتراضي، والذكاء الاصطناعي، مؤكدًا أن المتاحف اليوم لم تعد فقط أماكن للزيارة، بل فضاءات لصناعة التجربة وتفاعل الجمهور معها.
وفي عرضه لأمثلة عالمية، تطرّق الكندي إلى تجارب متاحف شهيرة مثل متحف اللوفر في باريس، ومتحف سميثسونيان في الولايات المتحدة، التي تبنّت تجارب الواقع الافتراضي والتفاعل التكنولوجي لزيادة مدة بقاء الزوار، وتحقيق استدامة ثقافية واقتصادية، كما دعا المتاحف العربية إلى التحرر من التردد في تبنّي هذه الأدوات، وإلى الاستثمار في تدريب كوادر قادرة على إنتاج "قصص متحفية رقمية"، بالتعاون مع المؤثرين والمبتكرين الشباب، من أجل الوصول إلى جماهير عالمية متعددة اللغات.
واختتم الدكتور عبدالله الكندي محاضرته بالتأكيد أن المتاحف تعيش عصرها الذهبي الجديد، لكنها تحتاج إلى قادة يمتلكون الرؤية، وشجاعة التغيير، والاستعداد للاستثمار في الأفكار والتقنيات، من أجل الانتقال من نموذج العرض التقليدي إلى نموذج التأثير العالمي عبر الثقافة الرقمية.
الجلسة الرابعة
بعد ذلك بدأت الجلسة الرابعة ضمن المحور الثاني "الاقتصاد والسياحة المتحفية"، التي أدارتها الدكتورة سوسن حيدر عبدالله خريس، حيث طُرحت مجموعة من الأوراق التي تناولت قضايا تتعلق بالحوكمة الثقافية، وجودة الخدمات المتحفية، والتكامل المؤسسي في دعم السياحة المستدامة.
واستُهلت الجلسة بورقة قدّمتها وضحة بنت محمد الشكيلية من المتحف الوطني بعنوان: "دور المؤسسات الثقافية في تعزيز السياحة المستدامة داخليًا وخارجيًا: المتحف الوطني أنموذجًا"، التي تناولت من خلالها تجربة المتحف الوطني العُماني كنموذج مؤسسي يجمع بين صون التراث الثقافي والترويج له بوصفه موردًا سياحيًا واقتصاديًا.
وأشارت إلى أن المتحف الوطني يضم مجموعة غنية من المقتنيات التي تعكس حضارة وتاريخ سلطنة عُمان منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر الحديث، ويؤدي دورًا مركزيًا في حفظ هذا الإرث وعرضه بأساليب تعليمية حديثة تسهم في رفع مستوى الوعي الثقافي لدى الزوار المحليين والدوليين على حد سواء، كما ناقشت الورقة تجربة المتحف في تكريس مفاهيم السياحة المستدامة من خلال تبنّي ممارسات مؤسسية قائمة على التكامل بين الحفاظ على الهوية، وتوسيع الشراكات مع متاحف ومؤسسات ثقافية دولية ومحلية، إضافة إلى توظيف المتحف كأداة تعليمية في نشر الوعي البيئي والثقافي، والتفاعل المجتمعي.
وأكدت الشكيلية أن تجربة المتحف الوطني في إدارة موارده الثقافية وبرامجه التوعوية تمثل مصدر إلهام للمتاحف الحكومية والخاصة على السواء، وتعكس إمكانية تحويل المؤسسات الثقافية إلى عناصر فاعلة في تحقيق التنمية المستدامة عبر ربط الثقافة بالاقتصاد والمجتمع.
وفي ورقة بحثية تالية بعنوان "تقييم جودة الخدمة لتعزيز تجربة الزوار: دراسة حالة المتحف الوطني في سلطنة عُمان"، قدّمتها فاطمة بنت عبدالله العلوية من وزارة التراث والسياحة، جرى تسليط الضوء على الدور المحوري الذي يؤديه المتحف الوطني في تعزيز الفهم الثقافي، ودعم البرامج التعليمية، والمشاركة المجتمعية، والتنويع الاقتصادي، بما ينسجم مع توجهات "رؤية عُمان 2040"،
وانطلقت الدراسة من مفهوم أن جودة الخدمة في المتاحف تمثل عنصرًا حاسمًا في تحسين تجربة الزوار، حيث تشمل عناصر مثل النظافة، والسلامة، وتقديم المعلومات بدقة ووضوح، وسعت الدراسة إلى تحليل أبعاد محددة من جودة الخدمة وتقديم استراتيجيات تسهم في تعزيز ولاء الزائرين ورضاهم، وأظهرت نتائج الدراسة أن المتحف نجح في استقطاب قاعدة من الزوار والمحافظة عليها، إلا أن هناك فرصًا لتطوير التفاعل، لا سيما من خلال تعزيز قنوات التواصل الاجتماعي، وتفعيل أنشطة ترويجية موجهة، والتعاون مع شركاء خارجيين، إضافة إلى تحسين دقة المعلومات المتوفرة للزوار وتوضيح تدابير السلامة، وأكدت الباحثة أن الاستمرار في التركيز على المعروضات الأساسية، إلى جانب تعزيز الحضور المجتمعي، من شأنه أن يسهم في رفع مستوى الرضا العام وتعزيز سمعة المتحف.
وفي ورقة بعنوان "المتاحف العلمية كمحرّكات للتنمية الثقافية والسياحية: دراسة حالة مركز نهرو للعلوم - مومباي"، تناول فريق بحثي من وزارة الثقافة الهندية الدور التحويلي لمركز نهرو للعلوم كمؤسسة متحفية تجمع بين التعليم، والسياحة، والإثراء الثقافي، مستندًا إلى تحليل إحصائيات الزوار والابتكارات البرمجية للفترة من 2017 إلى 2023.
وأشارت الدراسة إلى أن تبنّي المركز لاستراتيجيات شراكة فعّالة مع وكالات السفر أسهم في تعزيزه كوجهة رائدة للسياحة التعليمية والثقافية، مؤكدة دور المركز في توسيع قاعدة الزوار من خلال التسويق الترفيهي والتعليم التجريبي، ودمج المعارض والبرامج ضمن المناهج التعليمية الرسمية، مما أسهم في ترسيخ ثقافة التعلّم ومحاربة الأمية العلمية، خاصة بين فئة الطلبة.
وتوقفت الدراسة عند تجربة المركز خلال جائحة كوفيد-19، حيث تمكن من التكيّف السريع من خلال تبنّي برامج افتراضية أثبتت مرونة المؤسسة، ورسّخت حضور المتاحف العلمية كرافد حيوي للمجتمع، حتى في ظروف الطوارئ، وأظهرت نتائج التحليل الكمي والنماذج التنبؤية أن المتاحف العلمية، على غرار مركز نهرو، تؤدي دورًا محوريًا في التنمية الثقافية والسياحية، وتسهم في توحيد معايير العمل المتحفي في العالم، من خلال التجريب المستمر، والانفتاح على الجمهور، والتوظيف الذكي للتكنولوجيا والبرامج التعليمية الهجينة.
من جانبهما، قدّم الباحثان الدكتورة نيفين نزار زكريا والدكتور إسلام نوفل ورقة بحثية مشتركة بعنوان "المتاحف والتنمية الاقتصادية: نموذج الحوكمة والاستدامة في المتحف المصري الكبير"، ناقشا فيها كيف ترتبط الاستدامة الاقتصادية للمتاحف ارتباطًا وثيقًا بقدرتها على تأمين موارد كافية تضمن استمرارها على المدى الطويل، مع الوفاء بأدوارها الاجتماعية والثقافية والتعليمية.
أوضحت الورقة أن المتاحف، بصفتها وجهات سياحية، مطالبة بإعطاء أولوية لتجربة الزائر، من خلال تكييف عروضها بما يتناسب مع احتياجات السياح والمجتمعات المحلية، وقد أصبحت العديد من المتاحف، منذ ثمانينيات القرن الماضي، تركّز على إيجاد القيمة بغرض جذب زوار جدد، وضمان دخل مستدام يعزز من مكانتها الثقافية والسياحية ويدعم عملياتها التشغيلية.
وركّز الباحثان على أثر نموذج الحوكمة الجديد، الذي يتماشى مع التوجهات الحديثة في إدارة الوجهات السياحية، مؤكدين أن هذا النموذج يتيح للمتحف الابتعاد عن البيروقراطية الحكومية، ويمنحه مرونة أكبر في تقديم تجارب عالية الجودة للزوار.
بعدها قدّمت بورنيما ساتيشاندرا، من إدارة المتاحف الوطنية بسريلانكا، ورقة بعنوان "استقصاء تجريبي حول الاستثمارات المستدامة في المتاحف من أجل التنمية الاقتصادية والسياحية"، وأشارت الباحثة إلى محدودية الدراسات التي تناولت إدماج الممارسات المستدامة في المتاحف لتحقيق أهداف اقتصادية ملموسة، مؤكدة أن معالجة هذه الفجوة البحثية يُعد أمرًا بالغ الأهمية.
كما ناقشت الورقة أهمية تبنّي مبادرات استثمارية مستدامة لتحسين الكفاءة التشغيلية، وتعزيز تجربة الزوار، وضمان استمرارية الثقافة للأجيال القادمة، مسلّطة الضوء على جهود الإدارة في مجالات الطاقة المتجددة، والمشاركة المجتمعية، وتطوير المنصات الرقمية، كما تناولت الدراسة التحديات التي فرضتها جائحة كوفيد-19، والحاجة إلى استثمار مجموعات التاريخ الطبيعي بوصفها موارد استراتيجية لتعزيز السياحة الثقافية.
الجلسة الخامسة
ناقش المشاركون في الجلسة الخامسة، التي جاءت بعنوان "الدور الثقافي والتعليمي للمتاحف"، جملة من المحاور التي تؤكد مكانة المتاحف كرافد أساسي للمعرفة وتشكيل الوعي المجتمعي، وأدارت الجلسة الأستاذة موزة بنت سليمان الوردية.
واستُهلت الجلسة بورقة كتبها الدكتور حميد بن سيف النوفلي، مدير إدارة الثقافة بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، أُلقيت بالنيابة عنه، واستعرضت الورقة جهود المنظمة في دعم المتاحف كأدوات تعليمية وثقافية حيوية في العالم العربي، مسلطًا الضوء على المبادرات الإقليمية والتنسيق العربي المشترك لتطوير البنية المتحفية والبرامج التعليمية المرتبطة بها.
وبعنوان "المتحف الناطق: بين التقاليد والابتكار في الرقمنة"، قدّم كل من الدكتور ميخائيل بريزجالوف، المدير العام للمتحف الوطني الروسي للموسيقى، ورومان ميشين، رئيس قسم الوسائط المتعددة بالمتحف ذاته، تجربة روسيا في رقمنة المتاحف وتحويل المحتوى الثقافي والموسيقي إلى تفاعل حي يجمع بين الإرث الموسيقي والتكنولوجيا الحديثة.
كما تناولت الدكتورة مياسة يونس ديب، مديرة المعهد التقاني للآثار والمتاحف في سوريا، العلاقة التكاملية بين المتاحف والمؤسسات التعليمية.
أما الدكتورة شيخة بنت عبدالله المنذرية، من جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بالرستاق، فقد ناقشت في ورقتها "معالم اللغة والأدب في المتاحف العُمانية"، وكيف يُسهم المتحف الوطني العُماني في إبراز المكوّن اللغوي والأدبي كجزء من الهوية الثقافية، مؤكدة أن المتاحف ليست فقط أماكن لحفظ المقتنيات، بل فضاءات حية لإحياء اللغة والتاريخ الأدبي العُماني.
واختُتمت الجلسة بورقة مشتركة للدكتورة سوسن حيدر عبدالله خريس من الأردن، والدكتور أبو الحسن الشاذلي أبو الحسن من السعودية، بعنوان "البوابات الثقافية: دور المتاحف في تشكيل الثقافة السياحية والمشاركة المجتمعية"، حيث ناقشا كيف يمكن للمتاحف أن تكون نوافذ للحوار الثقافي، وتعزز من فهم السياحة كفعل معرفي ومجتمعي.
_______
رؤية فنية جسدت الشخصية التاريخية بقالب أوركسترالي معاصر
"القصيد السيمفوني: أحمد بن ماجد" .. عرض موسيقي يحتفي بالهوية الحضارية لعُمان
شهدت قاعة المحاضرات بمتحف عُمان عبر الزمان، على مدار يومين، تقديم العرض العالمي الأول للعمل الموسيقي الجديد "القصيد السيمفوني: أحمد بن ماجد"، الذي قدّمته الأوركسترا السيمفونية السلطانية العُمانية بقيادة المايسترو حمدان الشعيلي والمايسترو الضيف جان بوغاني، في أمسية موسيقية احتفت بالسرد الموسيقي لتاريخ الملاح العُماني الشهير، بحضور معالي نصر بن حمود الكندي، أمين عام شؤون البلاط السلطاني، وسعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني، رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، وعدد من أصحاب السمو والسعادة والضيوف المشاركين في المؤتمر.
العمل الموسيقي "القصيد السيمفوني: أحمد بن ماجد" من تأليف الدكتور ناصر بن حمد الطائي، مستشار مجلس إدارة دار الأوبرا السلطانية مسقط، واستمر لأكثر من ساعة، وتوزع العمل على ثلاث قطع موسيقية، تصدّرتها السيمفونية الرئيسية "أحمد بن ماجد" التي امتدت على مدى 45 دقيقة، مقدّمة سردًا دراميًا موسيقيًا يتناول حياة الملاح العُماني، منذ لحظة وداعه لعائلته، مرورًا بتحديات البحر، وتأمله في النجوم، ووصولًا إلى لحظة الانتصار والخلود في ذاكرة الموروث البحري الإنساني.
ويُعد هذا العمل أحد أبرز الأعمال الأوركسترالية العُمانية المعاصرة، إذ ينتمي إلى نوع "القصيد السيمفوني" (وهو قالب موسيقي عالمي يستلهم السرد الأدبي أو الرمزي ويوظّفه موسيقيًا عبر تنويعات هارمونية وإيقاعية تعكس المشهد الدرامي)، حيث تفاعل المؤلف مع الهوية الثقافية العُمانية، وقدمها بصوت موسيقي ينتمي إلى العالم دون أن يُغادر جذور التاريخ العُماني العميق.
ونقل العرض المستمع بمقاطع موسيقية بين مشاهد وجدانية وبحرية وثقافية، تُبرز أحمد بن ماجد لا كملاح فحسب، بل كرمز للمعرفة والانتماء والتأمل الكوني، مصحوبًا بلوحات فنية تم توليدها بتقنية الذكاء الاصطناعي، التي قدّمت للمتلقي بُعدًا بصريًا تعبيريًا إلى الأمسية الموسيقية التي عكست تقاطع الفن مع التكنولوجيا في إطار الحداثة العُمانية.
تجدر الإشارة إلى أن هذا العمل الفني الموسيقي يأتي في سياق التزام المؤسسات الثقافية في سلطنة عُمان بتقديم نماذج إبداعية تحتفي بالرموز التاريخية والفكرية، وتوظّف الفن كأداة فاعلة لتعزيز الهوية والانفتاح على التجربة الإنسانية المشتركة، وقد عبّر الدكتور ناصر الطائي، في تقديمه للعمل، عن سعيه لفتح نافذة للفن العُماني على التعبير العالمي، وجعل من أحمد بن ماجد رمزًا يُستعاد بالموسيقى ليُجسّد أبعاد الشخصية العُمانية في سعيها نحو العلم، واكتشاف المجهول، والتواصل مع الكون.