البوابة نيوز:
2025-12-09@16:28:12 GMT

مصطفى بيومي.. مثقف عضوي ارتبط بالمجتمع

تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

هناك فى جزء من قلبى يختبئ بعض الأحباء تنبت محبتهم كما ينبت العشب بين مفاصل صخر، بريق محبتهم لا يختفى ورائحة عبق ذكرياتهم تفوح فى ذاكرتى وطعم العشق الإلهى لا يغيب عني، هناك فى منزل عتيق كان منزل مصطفى بيومى بالمنيا، كان الدرج يقودنا إلى أعلى ذروة الثقافة فى ظلال الحب والحزن والثورة كنا نلتقى ومعنا باقى أضلاع المربع عادل الضوى وعبدالرحيم على فى جلسات أقرب للصلاة العقلية نروى بها وجداننا.

ونعود بالزمن والذكريات لعام ١٩٨٧ حينما عدت من روسيا ذاهبًا إلى مدينتى "المنيا"، كانت المنيا بالفعل «إمارة الإرهاب» بحثت عن مكان قد أجد فيه مستنيرين يقاومون الإرهاب بالأدب والشعر والفن، كان قصر ثقافة المنيا ما زال فى ميدان عبدالمنعم الشرقى بقصر لأحد باكوات مصر الملكية حسن بك سلطان، فى إحدى القاعات كان الشعراء يلقون قصائدهم، لفت نظرى شاعر شاب يلقى قصيدة ذات طابع ثورى، بعد اللقاء تعرفت عليه عبد الرحيم على، كان هذا الشاعر الشاب مفتاح اللقاء مع مجموعة متفردة من استخدام الثقافة فى مقاومة الإرهاب، واصطحبنى إلى الطابق الثانى من منزل فى شارع مصطفى فهمى وبجوار المطافئ، حيث كان يقيم فى ذلك الوقت.

انفتح الباب، شاب فى ثلاثينيات العمر يحمل رأس فرعونية وعينين مضيئتين كعيون شخوص الفيوم، رحب بنا وكان صاحب المنزل مصطفى بيومى وعرفنى على باحث فى الأدب عادل الضوى، لم أكن أدرى أن هذه الشقة هى منبع نهر المقاومة الثقافية ومحراب تلاقى المثقفين الذين يحلمون بالمعرفة وتلمس الطريق للكتابة الأكاديمية إلا أن اختيارات مصطفى لهم كانت تجذبهم للبحث عن التغيير من خلال الأدب واختيار الدراسات الأكاديمية كطريق للاستنارة.

ولا يبعد منزل مصطفى بيومى كثيرا عن مسجد سيدنا الفولى وكنيسة مار جرجس فتجمعت فيه كل معانى مصر وأبعادها وفاضت تلك الأبعاد فى أدبه وكتاباته.‎

حتى الآن كلما مررت على هذا المكان أتذكر قول الشاعر إبراهيم ناجى: "هذه الكعبة كنا طائفيها والمصلين صباحًا ومساء.. كم سجدنا وعشقنا الحسن فيها كيف بالله رجعنا غرباء"، مصطفى بيومى ابن لأب شاعر من البهنسا، قرية بالمنيا.. تعد قبلة العاشقين من مختلف الدول لأنها دفن بها ٥ آلاف صحابى غربا بجوار مسجد «على الجمام» حيث تقع جبانة المسلمين التى يوجد فيها وحولها عدد كبير من القباب والأضرحة التى تنسب للصحابة والتابعين والعلماء الذين زاروا البهنسا.

أتذكر لقائى مع الكاتب والشاعر العم بيومى ١٩٨٨ وأجريت معه حوارًا لمجلة "أدب ونقد" وكيف كتب نشيد المنيا وبه: "ومن البهنسا موطن الشهداء.."، من ذلك الرحم الذى يضم مصر الفرعونية والقبطية والإسلامية تشكل وعى مصطفى مثل الحجر الكريم كلما سقط على شعاع ضوء يعكس لونًا مختلفًا فهو كاتب وناقد وروائى وشاعر وفنان ومفكر، ورغم أن من الملاحظ أن مصطفى يحب الأدب الروسى خاصة تشيكوف فى جزالة لغته ومخزون الحزن، إلا أنه فى رقة أسلوبه العاطفى أقرب إلى الروائى الروسى إيڤان سيرجييفيتش تورجينيف.

كان إيفان تورجينيف مشهورًا عالميًا بكتابة الرواية والمسرحيات والقصص القصيرة والشعر، ومن أعظم أعماله القصصية مجموعة قصص قصيرة بعنوان مذكرات صياد وهى تمثل ركن الروايتين الروسية الواقعية، وكما تعد رواية الآباء والبنون من أعظم روايات القرن التاسع عشر، نجد ذلك التشابه بين مصطفى وتورجينيف فى التفاصيل المكانية وربطها بالطبيعة والواقع.

كما أن مصطفى بيومى كناقد موسوعى كنت أرى فيه الناقد الروسى الموسوعى بلينسكى، فى نظريته الأدبية "الأحلام الأدبية" حيث كان مصطفى مثل بلينسكى يفتش فى أعماق النص ويبحر فى أعماق روايات نجيب محفوظ وغيره مما كتب عنهم ويتطابق مع بلينسكى فى نقده فيما يتطلب من الرواية أو الدراما أن تعكس عادات الجمهور العامة ومفاهيمه ومشاعره.

أما إذا اقتصرت على تصوير مجتمع الطبقة العليا فإنها تظل وحيدة الجانب وقد ظهرت الروح الشعبية وبداية الاتجاه الشعبى فى الأدب عند مصطفى فى شعره كما تم مع بلينسكى، وكما حلل بلينسكى الأدب الروسى فى القرن الثامن عشر حتى ثلاثينيات القرن التاسع عشر انطلاقا من مبدأ الشعبية، حلل مصطفى بيومى الرواية المصرية والعربية حتى نهاية القرن العشرين واستند فى ذلك على فكرة ظهور الأصالة الأدبية المنبثقة من أساس شعبي، فأدى به طرح السؤال من هذه الزاوية إلى نفى وجود أدب قومى أصيل. وهكذا جمع مصطفى بين الأسلوب الوجدانى لتورجينف وعبقرية النظرية فى النقد الأدبى الموسوعى لبلينسكى.

نعود إلى المنيا والسيرة البيومية، كان مصطفى بيومى هو رأس مثلث المقاومة المكون من أضلاعه عبدالرحيم على وعادل الضوى، مئات الباحثين وطلاب الأدب كان يحجون إلى ذلك المنتدى ما بين البيت ومكتبة "شعاع" التى أسسها مصطفى إضافة إلى أول دار نشر بالمنيا فى زمن الإرهاب تحت اسم "بداية" التى أفلست بعد طبع كراسات بداية والتى كان منها أول ديوان شعر للشاعر الشاب عبد الرحيم على، ولم تكن هذه الآليات سوى واجهة لنشاط سياسى يقوم على تغيير الوعى والاستنارة لمواجهة الإرهاب. منذ ١٩٨٨، انضم مثلث مصطفى وعبدالرحيم وعادل إلى حزب التجمع.

كان مقر التجمع مجاورًا لمسجد الرحمن مقر الجماعة الاسلامية، وكان مركز الجزويت الثقافى الذى كان يشغل مصطفى مستشاره الثقافى فى مواجهة مسجد الرحمن أيضًا. جذب مصطفى أغلب مثقفي وفناني مصر مثل أسامة أنور عكاشة وآخرين فى ندوات جمعت المئات من الشباب وساعدت فى تكوين الوعى لهم، هكذا كان مصطفى بيومى "مثقف عضوى" على غرار ما كتب المفكر الايطالى "جرامشى".

ولم تخل دراساته الأكاديمية من علاقة الأدب بالتغيير، وحصل على ماجستير الصحافة عن رسالة "الكتابات الصحفية ليحيى حقى وقضايا التغير الاجتماعى فى مصر".. فخور بمعرفة مصطفى بيومى وأشكره على قدر ما تعلمت منه.

 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الكاتب مصطفى بيومي مصطفى بیومى

إقرأ أيضاً:

عميد الأدب العربي.. مسابقة لذوي الهمم بـ«الثقافة السينمائية» بمناسبة يومهم العالمي

ينظم مركز الثقافة السينمائية، التابع للمركز القومي للسينما برئاسة الدكتور أحمد صالح، مسابقة أدبية تحت عنوان «إبداعات عميد الأدب العربي طه حسين»، وذلك بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لذوي الهمم.

ويعد عميد الأدب العربي طه حسين أحد أبرز النماذج الملهمة لذوي الهمم، لما قدمه من إسهامات فكرية وأدبية رغم فقدانه البصر.

وتشمل المسابقة تقديم ورقة بحثية تتضمن السيرة الذاتية لطه حسين، بالإضافة إلى تقديم ملخص لأحد مؤلفاته، على ألا تزيد المشاركة على 3 صفحات.

وتستهدف المسابقة الفئة العمرية من 12 إلى 16 عاما، على أن تقدم الأعمال يدويا في موعد أقصاه 17 ديسمبر الجاري، ويتم تقييم المشاركات بواسطة لجنة متخصصة، بينما تعلن النتائج وأسماء الفائزين في موعد أقصاه 19 ديسمبر الجاري.

ويشترط تقديم الأعمال داخل حافظة بلاستيكية مدون عليها الاسم والسن والمدرسة، على أن تسلم الجوائز والشهادات خلال احتفالية خاصة بمركز الثقافة السينمائية وتقام المسابقة تحت إشراف الكاتبة أمل عبد المجيد مدير عام مركز الثقافة السينمائية.

اقرأ أيضاًمناقشة كتاب «الشيخان» لطه حسين بدار الكتب في طنطا

وزير الثقافة: جائزة طه حسين الدولية تُمثل رسالة للإيمان بقوة الفكر وتخليدا لأديب سيظل حيًا في وجداننا

مقالات مشابهة

  • ذكرى رحيل يحيى حقي .. أيقونة الأدب العربي التي لا تغيب
  • ثقافة أسيوط تنظم عددا من الفعاليات والندوات والمسابقات بالمحافظة
  • ذكرى رحيل يحيي حقي.. أيقونة الأدب العربي وصاحب البصمة الأعمق في مسيرة القصة والرواية والمقال
  • تعليق نارى من خالد بيومى على أزمة محمد صلاح مع ليفربول
  • عميد الأدب العربي.. مسابقة لذوي الهمم بـ«الثقافة السينمائية» بمناسبة يومهم العالمي
  • هيئة الأدب والنشر والترجمة تستعد لإطلاق معرض جدة للكتاب 2025
  • خطاب ثقافي صادم.. بافقيه يرفع الطائف إلى مستوى الأسئلة الكبرى
  • القول المأثور بين الأدب العربى والإنجليزى
  • عائشة الغيص: الأدب الشعبي مرآة للذاكرة الجماعية
  • “هيئة الأدب” تختتم النسخة الـ5 من مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة 2025