أعلن معالي سعيد محمد الطاير العضو المنتدب الرئيس التنفيذي لهيئة كهرباء ومياه دبي، تحقيق الهيئة أدنى مدة انقطاع للكهرباء على مستوى العالم بعدما سجلت متوسط 0.94 دقيقة فقط لكل مشترك سنوياً في عام 2024، لتحطم بذلك الرقم الذي حققته في عام 2023 والذي بلغ 1.06 دقيقة، مقارنة مع 15 دقيقة لدى نخبة من شركات الكهرباء في دول الاتحاد الأوروبي.


وقال معالي سعيد الطاير في بيان صحفي صادر اليوم عن الهيئة : “نجحنا في تقليل معدل انقطاع الكهرباء لكل مشترك في دبي من 6.88 دقيقة سنوياً في عام 2012 إلى 0.94 دقيقة فقط في عام 2024، ما يؤكد ريادتنا في الابتكار واعتماد أحدث التقنيات الإحلالية للثورة الصناعية الرابعة لتعزيز مرونة ورشاقة الهيئة وجاهزيتها لمواكبة الطلب المتزايد على الكهرباء والمياه في دبي.
وأضاف الطاير أن الشبكة الذكية التي تنفذها الهيئة على مراحل باستثمارات تبلغ 7 مليارات درهم حتى عام2035 ، تعد إحدى الأدوات التي أسهمت في تحقيق هذا الإنجاز عبر توفيرها خصائص متطورة تساعد على تعزيز كفاءة نقل وتوزيع الطاقة، وتقليل الفاقد، وتحسين إدارة الأحمال الكهربائية ومن بين البرامج التي أطلقناها تحت مظلة الشبكة الذكية، نظام استعادة الشبكة الذكية الآلي، الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لزيادة التحكم وإدارة ومراقبة شبكة الطاقة عن بعد وعلى مدار الساعة دون أي تدخل بشري، ويعتمد على أنظمة مركزية ذكية ومبتكرة، لتحديد موقع العطل في شبكة الطاقة وعزله وإعادة الخدمة تلقائياً، ما يحسن أتمتة الشبكة واكتشاف الأعطال وعزلها واستعادة الخدمة في أسرع وقت.


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

أبناء الشبكة العنكبوتية.. الكافكاوية كما نعيشها اليوم

ذات يوم لم نتمكن من تأريخه، أفاقت البشرية لتجد أن مفردة "كافكاوي" تتسلل بهدوء من صفحات الرواية إلى نشرات الأخبار، ومن تعليقات القراء إلى تصريحات الساسة، ومن مكاتب التحرير إلى القاعات المغلقة. هكذا، قدر لكلمة أن تجتاز حدود الأدب، لتستقر في قواميس اللغة، وتصف شخوصا غامضة يدورون في أجواء كافكاوية. فماذا تعني هذه الكلمة؟ هل هي شعور بالعجز أمام سلطة غير محددة الملامح؟ إحساس بأنك متهم بلا جريرة؟ أم أنها، ببساطة، العيش في عالم لا يراك، ويمكنه أن يسحقك كما يسحق صرصورا تحت حذائه؟

الكافكاوية إذن ليست مجرد غرابة في الشكل ولا استغراقا في العبث، بل هي مأزق وجودي، حين يعامل الإنسان كرقم، أو كشيء فائض عن الحاجة، داخل منظومة لا يفهمها ولا يستطيع الخروج منها. هذا هو العالم الذي ابتكره فرانز كافكا، لا بصفته متنبئا، بل كإنسان غارق في زمنه، يدون ذاته الآخذة في الانكماش. لكنه، دون قصد، رسم ملامح الكائن في القرن الـ20 وما بعده، ليصبح نبوءة عن عصرنا الحالي الذي تهيمن عليه الخوارزميات، والأنظمة المؤتمتة، والوظائف التي لا نعرف من يقيمنا فيها أو على أي أساس.

في رواية "المسخ" لكافكا، يطرد غريغور سامسا من جسده قبل أن يطرد من عمله. يستيقظ ليجد نفسه حشرة، ويبدأ نوعا آخر من الزمن ومن التراتبية (الجزيرة) كائن بلا خصال

إن حياة الإنسان في العصر الرقمي لهي أقرب إلى وجود افتراضي، يعيش في شقق مستأجرة لعام أو عامين، يؤدي مهام قصيرة الأمد بأجور مؤقتة، وينخرط في علاقات هشة وطارئة. ألا يتقاطع هذا مع طبيعة الإنسان الكافكاوي، الذي لا يسير وفق إيقاع الحياة المعتاد: عمل، بيت، نوم، علاقات، بل يُقذف فجأة خارج هذا النسق، في لحظة مباغتة تنسف ما قبلها، وتفرض واقعا جديدا لا يمكن التنبؤ به؟

تبدأ المحاكمة من تلك اللحظة: "لا بد أن أحدا قد افترى على جوزيف كاف، لأنه اعتقل ذات صباح دون أن يرتكب ذنبا"، بهذه الجملة يكسر منطق الزمن الدوري، وتتحول الحياة اليومية إلى لحظة معلقة، لا نعرف خلالها ماذا كان يفعل المدعو كاف قبل ذلك الصباح، لأن الكاتب لم يعد منشغلا بالزمن البيوغرافي، بل بلحظة الطرد من النسق؛ تلك اللحظة التي نجبر فيها على مغادرة عالمنا المعتاد، لنجد أنفسنا في قلب المتاهة!

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2رحيل الزهرة البرية.. الأديب التونسي حسونة المصباحيlist 2 of 2الهندية بانو مشتاق الحائزة بوكر: على الكاتب وصف "الوردة" و"أشواكها"end of list إعلان

في روايته "المسخ"، التي كتبت في خريف 1912 ولم تستغرق منه سوى 3 أسابيع، يُطرد غريغور سامسا من جسده قبل أن يُطرد من عمله. يستيقظ ليجد نفسه حشرة، ويبدأ نوعا آخر من الزمن ومن التراتبية؛ الوظيفة لم تعد تطلبه، والعائلة تتوارى منه خجلا أو اشمئزازا. ثم لا شيء يعود إلى الوراء، ولا شيء يمضي إلى الأمام، بل محض تراكم لأيام حشرية مقززة.

هكذا يضع كافكا أبطاله في لحظة مقتطعة من سيرورة الزمن، من غير ماض لها ولا مستقبل. جوزيف كاف لا يفتش عن تهمته، بل عما عليه أن يفعله بموجبها. وسامسا لا يبحث عن سر انمساخه، بل يقلق من تأخره عن العمل. الجميع في عالم كافكا محكوم بـ"الآن"، بزمن قسري يبتلع كل الأزمنة، ولا يبقى سوى الحاضر الأبدي الذي يسمره أمام اللحظة الراهنة.

لهذا، لا تبحث شخصياته عن تفسير لما يحدث لها، لأنها غارقة حتى النخاع في ذهولها، بحيث يختزل اسمها في حرف أو رمز، ودورها في الاستجابة الفورية، والبقاء على قيد التفاعل مع التحديثات. هكذا الحال في زمننا الرقمي الذي لا يعترف إلا بالتحديث المستمر، بما لا يسمح بالعيش في سيرورة، بل في سلسلة من الانقطاعات المتصلة.

بعد وفاة كافكا، خرجت "المحاكمة" و"القلعة" و"أمريكا" إلى النور، لترسخ فكرة نسيان الكائن وهشاشته التي لا تحتمل (الجزيرة) ثلاثية العقاب

قبل أكثر من قرن، وتحديدا في الثالث من يونيو/حزيران 1924، رحل الكاتب التشيكي الألماني فرانز كافكا عن عمر ناهز 40 عاما فقط، لكن رؤيته ما زالت تنتقل عبر ضمير الإنسانية حتى وقتنا هذا.

ولد كافكا في براغ، وكتب بالألمانية، وعاش حياة ملتبسة بين مهنته البيروقراطية وكتاباته في الليل، التي لم يشأ نشرها كاملة، وطلب من صديقه ماكس برود أن يحرقها بعد وفاته. لكن برود خالف وصيته، فخرجت "المحاكمة" و"القلعة" و"أمريكا" إلى النور، لترسخ فكرة نسيان الكائن وهشاشته التي لا تحتمل.

إعلان

ربما كان جسده هو أول ساحة لهذا الصراع: نحيل، مريض، منهك، مصاب منذ شبابه بالسل، يشعر بالغربة داخل هيئته، وكأنه لا يسكن جسدا بل آلة صدئة لا تكف عن الحشرجة، كتب يقول: "لكل مريض إلهه المألوف، ومريض الرئة له إله خانق".

في "المسخ"، يتحول الجسد المكدود من كيان إلى علامة اجتماعية حيث يعاد تشكيله وفقا للبنى الاجتماعية والاقتصادية، حسبما تشير إليزابيث غروس في كتابها "فولاتايل بديز" (Volatile Bodies). يتقاطع هذا التصور مع تحليل ميشيل فوكو للجسد المنضبط، الذي يصبح موقعا تمارس عليه السلطة فعلها بالتنظيم والتطبيع، والتي تنجح في مستعمرة العقاب، في تحويل الجسد إلى آلة طيعة، ينقش عليها الحكم حتى الموت، بحيث يتحول الجلد واللحم إلى رقعة للكتابة:

"لا يمكن قراءته في اللحظة الأولى. سيقرؤه المرء على النحو التالي: عندما ينقش عليه، سيبدأ الفهم في الظهور، ثم بعد ساعتين، سيدركه كليا، وعند الساعة السادسة، سيكون قد أدرك المعنى العميق له".

المخالفة الوحيدة التي نعرفها في القصة هي أن أحد الجنود رفض أن يؤدي التحية العسكرية كل ساعة أمام منزل قائده. وبعد 6 ساعات من بدء العقوبة، يصبح المرء واعيا تماما بالقانون الذي انتهكه، وعندها تتغير هيئته بصورة مدهشة، ثم يموت بعد 6 ساعات أخرى، متألما، ومذعنا، بعد أن تم وشمه بجرمه إلى الأبد.

كافكا، المتأثر برؤية شوبنهاور عن العالم بوصفه مستعمرة للعقاب، وهي الرؤية نفسها التي نجدها في قصة "الحفرة والبندول" لإدغار آلان بو، حين يترك الإنسان في مواجهة بطيئة مع أدوات تعذيب تتحرك بإيقاع محسوب، يختبر الجسد فيها حدود تحمله وصمته، بينما يغيب تماما منطق العدالة أو الرحمة.

لطالما فكر كافكا في نشر هذه القصة مع "المسخ" و"الحكم" في مجلد واحد تحت عنوان "العقوبات"، لكن فكرته لم تدخل مطلقا حيز التنفيذ مثل معظم أفكاره غير المكتملة.

كافكا ألهم كتابا وفلاسفة كبارا، ولا يخفى استلهام ألبير كامو الأجواء الكافكاوية في روايته "الغريب" (شترستوك) المدعو كاف وغريب كامو

يعتبر كافكا من أبرز من برعوا في رسم أجواء الاغتراب والعبث في الأدب الحديث، لدرجة أنه ألهم كتابا وفلاسفة كبارا مثل جان بول سارتر، وصمويل بيكيت، وهارولد بينتر، وتجلى تأثيره في فنون السينما والتشكيل والمسرح، حيث تحولت أعماله إلى مادة بصرية تؤديها أجساد تتحرك في فضاء خانق، تائهة بين الأسئلة الغامضة والأجوبة الممتنعة.

إعلان

كما لا يخفى استلهام كامو الأجواء الكافكاوية في "الغريب"، إذ تنشغل المحكمة بتفاصيل لا علاقة لها بالقضية الأساسية، كأفعال مورسو في حياته الخاصة، ونظراته، حتى مشاعره وردود أفعاله تجاه الجيران، طلب القهوة بسكر في عزاء أمه، وكل ما لا علاقة له بالقضية.

وهو ما يذكرنا بالحوار العبثي في "المحاكمة" الذي لا يتطرق إلى جريمة كاف، وإن كان مورسو في "الغريب" متهما بجريمة حقيقية، لكن المحاكمة تنقلب إلى محاكمة لشخصيته وسلوكه وانفصاله عن القيم السائدة، لا على الفعل نفسه. إنه يدان لأنه لم يبك على أمه، ولم يتظاهر بالحزن، لا لأنه قتل.

تختتم الروايتان بالموت: في "المحاكمة"، يُقتل كاف بسكين في القلب على يد رجلين مجهولين، يظهران كما لو أنهما خرجا من كابوس بيروقراطي لتنفيذ حكم الإعدام في شارع خلفي، بينما في "الغريب"، يعدم مورسو في مكان واقعي مخصص للإعدام، لكنه يواجه موته بوعي، وقد تصالح مع عبث الوجود.

تتزامن هذه الرؤية مع تحولات كبرى شهدتها أوروبا في زمن كافكا، بداية من تراجع مركزية الأرض والإنسان بعد الاكتشافات العلمية، إلى الأوضاع السياسية المتقلبة التي عرفتها الإمبراطورية النمساوية المجرية، بعد أن غاب الاستقرار، وعمت حالة من الاغتراب واللايقين. في هذا المناخ، بدا الإنسان أكثر من أي وقت مضى كائنا هامشيا في عالم يتغير بأقصى سرعة، حكم عليه بالبحث عن معنى وسط فوضى تنهار فيها الثوابت وتتهدم اليقينيات.

في ثلاثية ميلان كونديرا عن الرواية، تبدو أعمال كافكا كمحطة مفصلية في تاريخ الرواية الأوروبية، لحظة انكسار كلي للأفق، وانهيار للوهم الذي طالما غذى المغامرة الأدبية منذ دون كيشوت. إذا كان سرفانتس قد كتب روايته عن فارس يركض في عالم مفتوح يملك فيه حرية الدخول والخروج، فإن كافكا يقدم بطله "كاف" محاصرا، لا بداية له ولا نهاية، موظفا لا يعرف لماذا يستدعى أو يحاكم، فاقدا القدرة حتى على الحلم، كما فقدها شفيك، جندي هازيك الذي يسير نحو الجبهة لا لأنه يريد، بل لأنه مدفوع بقوة لا تعرف هدفها سوى أن تثبت ذاتها كقوة.

إعلان

يذهب كونديرا إلى أن المغامرة الحرة التي عرفها الأدب مع ديدرو وبازاك اختفت، وأقفلت الأبواب كما أقفل الأفق في وجه إيما بوفاري. مع كافكا، يتجلى التحول من رواية العالم إلى رواية العبث، من منطق التفسير إلى الاعتباط، من مشروع الذات إلى عجزها، حيث الحرب نفسها، كما في "شفيك"، تصبح مادة هزلية، ويستبدل التاريخ كقطار محمل بالمعنى بإرادة فارغة لا غاية لها.

وهكذا، تصبح رواية كافكا تعبيرا عن لحظة تشظي كبرى، حيث لا يمكن للعقل، أو القيم، أو حتى الحلم، أن يشكل مقاومة جدية أمام قوة لا تتوقف عند حد، ولا تريد سوى أن تستمر في فرض إرادتها.

وجدت مارغريت دوراس في أعمال كافكا عزلة مشابهة لعزلتها الذاتية، وشكا في اللغة يشبه شكها في إمكان التعبير (أسوشيتد برس) الأنثى كنوع

مع أن أعمال كافكا تدور في إطار ذكوري، فإن عديدا من الكاتبات أعدن مقاربته من زوايا جديدة، فالكتابة الكافكاوية لا تقتصر على التوتر بين الفرد والسلطة أو العبث الوجودي، بل تطرح سؤال "الغيرية" (otherness) بوصفها تجربة وجودية معيشة، وهو ما نجد صداه عند كاتبات مثل مارغريت دوراس، وتوني موريسون، وإلين سيكسو.

وجدت مارغريت دوراس في أعمال كافكا عزلة مشابهة لعزلتها الذاتية، وشكا في اللغة يشبه شكها في إمكان التعبير. كتابته الصامتة، التي تحوم حول المعنى دون أن تلامسه، تمثل لها مرآة لانهيار المرجعيات الكبرى التي وسمت العالم الحديث، بما فيها اللغة نفسها.

أما توني موريسون، التي عاينت آثار العبودية والاستعباد الجسدي والنفسي للسود، فتلتقي مع كافكا في تصور الجسد كأرشيف للسلطة، وكفضاء للعقوبة. روايتها "محبوبة"، مثلا، تقارب مفهوم الذنب غير المعروف والاضطهاد الموروث.

على جانب آخر، ترى إلين سيكسو في كافكا نموذجا للكاتب الذي يخضع اللغة للتشظي، ويعري النظام الأبوي من خلال انهيار صيغ تمثيله. من هنا، فإن "الجسد الكافكاوي" الذي يتعرض للتحول أو التمزيق أو النفي، كما في "المسخ" أو "في مستعمرة العقاب"، هو أيضا جسد أنثوي غير منضبط، لا يتماهى مع مقاييس السيطرة، ويتعرض للعقاب لأنه ببساطة لا يندمج في النظام.

إعلان

لقد كان كافكا يعاني من قلق مستمر تجاه الكشف عن ذاته، مع خوف عميق من النشر، وحتى من تأريخ رسائله. وهو وضع ينسجم مع ما وصفته ما تسمى الدراسات الكويرية بـ"رهبة الكشف" أو الخوف من أن تفضح الهوية الحقيقية في عالم يحكمه المنطق النمطي والسلطة الأبوية.

في رسالة إلى الأب، يشرح كيف أدت معاملة والده القاسية إلى تشويه روحه:

"كل ما كنت أبتغيه في طفولتي، هو قليل من الحب وقليل من التشجيع وقليل من الصداقة، ولكن للأسف لم أنل أيا منها منك… الشيء الذي لم أفهم سببه أبدا، هو عدم إحساسك بما كنت أعانيه من آلام وخزي، بسبب توبيخك الدائم لي وأحكامك الظالمة عليّ"

ثم يروي حادثة ظلت تؤرقه طوال حياته، عندما أزعج والده بطلب كوب ماء، فهجم عليه الأب، وسحبه من سريره وألقاه في الشرفة المغلقة وسط الثلج، بملابس النوم. كتب:

"لقد أصبحت مطيعا جدا بعد هذا الحادث، لكنه ترك جرحا عميقا داخلي لا يندمل. حتى بعد ذلك بسنوات عديدة، ما زلت أعاني من خوف مرضي بأن رجلا ضخم الجثة، أبي، أو أي سلطة طاغية، سوف تأتي لكي تتهمني وأنا بريء، وتأخذني بدون سبب من سريري في أثناء الليل، وتلقي بي إلى الشرفة في عز البرد. وكأنني شيء لا قيمة له"

غالبا ما تكون بداية النص عند كافكا هي نهايته مثل "استيقظ غريغور سامسا ذات صباح من أحلام مزعجة ليجد نفسه قد تحول إلى حشرة عملاقة" (مواقع التواصل) يا عزيزي كلنا مسوخ

رغم كل ما تم رصده من تأثير وتأثر، فإن تجربة كافكا تظل لا تشبه غير نفسها، سواء في عوالمه الكابوسية المضحكة، أم في لغته الباردة، كأن كاتبا قانونيا يجلس أمام دفتر ليدون وقائع حلم. وبهذا نجح في تحقيق ما نادى به ما بعد السرياليون دون أن يحققوه فعلا: صهر الحلم والواقع. داخل هذا المزيج لا يصف الكاتب المشهد، ولا يحيط بأبعاده، بل يلقيه على القارئ على نحو يشبه الصدمة، ثم يسمح لعينه أن تتجول في المكان لتكشف عن راصد آخر لم يقدمه لنا منذ البداية، وكأن الكاتب فوجئ بوجوده هو والقارئ في اللحظة عينها.

وتتجلى فرادة كافكا في رسم أبطاله، حيث يقدمهم خارج كل الأطر التقليدية للتعريف: بلا اسم، بلا مظهر، بلا سيرة أو ماض، وحتى دون نزعات داخلية واضحة تتجاوز لحظتهم الراهنة. بهذا تمكن كافكا من فتح أفق جديد في الرواية، يتجاوز تيار بروست، ليجعل من الإنسان كيانا غامضا متوترا داخل حدوده، حيث تغيب الثوابت ويصبح الداخل متاهة لا تقل التباسا عن العالم الخارجي.

وغالبا ما تكون بداية النص هي نهايته، "استيقظ غريغور سامسا ذات صباح من أحلام مزعجة ليجد نفسه قد تحول إلى حشرة عملاقة"، لا سيما مع انعدام أي ذروة درامية، أو خلاص، فقط تراكم عبثي للأحداث.

إعلان

لهذا وغيره، لا يُشبه كافكا أحدا مهما استمات الفن في استنساخه. بوسع الكافكاوية وحدها أن تواصل القفز عبر حواجز الزمن، لتضيف إلى نفسها بعدا جديدا، كلما تحركنا للأمام أو زادت الفوضى. لقد تنبأ كافكا بالشموليات، وبعد أفولها، ظهر ما هو أشد مراوغة، سلطة ناعمة، لم تعد بحاجة إلى أن تضعك في قلعة، بل في شبكة، لم تعد تخبرك بأنك مراقب، بل تتركك تتكهن بذلك، فإذا بالشك ذاته يتحول إلى أداة مثالية للانضباط.

ومع أن الإنسان المعاصر لا يمكن أن يطرد من جسده كما حدث مع سامسا، فقد تم اختزاله في ملف شخصي، أو سيرة ذاتية، أو 5 نجوم، أو تغذية راجعة على مشروعه المؤقت. أما إذا غاب، أو مرض، أو حتى مات، فلن يفتقده أحد غالبا، عدا إشعار وحيد: "لقد لاحظنا أنك لم تسجل الدخول منذ أسبوع. اضغط هنا للعودة".

هكذا اخترع كافكا كوابيسه، ونحن من دخلناها، لتصبح محصلة الإنسان في أوائل الألفية الثالثة مجرد مسوخ كافكاوية، لا وقت لدينا لمراجعة الحاضر، يكفي أن نكمل الإجراء، نوافق على الشروط، ولا تنس الضغط على زر التحديث.

مقالات مشابهة

  • مصر تحقق قفزة في إنتاج النفط بآبار حديثة.. استثمارات بـ10 ملايين دولار
  • هل تعاني من الأرق؟: جرّب هذه الحيلة الذكية وستنام خلال دقيقة فقط
  • شاهد.. ألكسندر أرنولد بالإسباني: انتقالي لريال مدريد حلم تحقق
  • أرنولد: الانضمام إلى ريال مدريد «حلم تحقق»
  • أبناء الشبكة العنكبوتية.. الكافكاوية كما نعيشها اليوم
  • هذه المنتخبات التي حسمت تأهلها لمونديال 2026 (إنفوغراف)
  • الإدارة العامة للكهرباء: قبول طلبات المفصولين من قبل النظام البائد لغاية 22 حزيران الجاري
  • وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات المرافق التي تقوم الوزارة بتنفيذها على مستوى الجمهورية
  • استعدادًا لكأس العالم.. السنغال تحقق فوزًا تاريخيًا على إنجلترا بنتيجة 3-1
  • الصين تحقق فوزاً شرفياً على البحرين