مسألة في النصر والهزيمة.. هل ننتصر حقّاً؟!
تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT
ذكر ابن إسحاق في سيرته، أنّه "لمّا أقبل أصحاب مؤتة تلقّاهم رسول الله، صلى الله عليه وآله سلم، والمسلمون معه، قال: ولقيهم الصبيان يشتدّون ورسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، مقبل مع القوم على دابّة، فقال: خذوا الصبيان فاحملوهم وأعطوني ابن جعفر. فأتى بعبد الله فأخذه فحمله بين يديه، فجعلوا يحثون عليهم التراب ويقولون: يا فرّار فررتم في سبيل الله.
بعد ذلك بقرون طويلة، كان رئيس الوزراء البريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية، تشيرشيل، حذراً حين حديثه عن النجاح في إجلاء القوات البريطانية والفرنسية المحاصرة من القوات النازية في دونكيرك، فقال: "يجب أن نكون حريصين جدّاً على عدم إيلاء صفات النصر لهذا الإنقاذ، فالحروب لا تُكسب من عمليات الإجلاء"، لكن مع ذلك، تعامل عامّة البريطانيون مع الجنود العائدين بوصفهم منتصرين، بخلاف ما توقّعه الجنود أنفسهم. ما ينبغي التنويه إليه هنا؛ هو الدور التعبويّ الذي نهضت به الصحافة البريطانية، في تصوير عمليات الإجلاء، التي ساهمت فيها المئات من السفن والقوارب المدنية الصغيرة.
فلنتخيل لو أنّ القوّات النازية قد تمكّنت من إبادة الـ335 ألف جنديّ بريطانيّ وفرنسيّ، الذين أمكن إجلاؤهم من دونكيرك، ما المسار الذي يمكن تصوّره للحرب حينئذ؟! لذلك فإنّ تشيرشيل وهو يبدي حذره من وصف الإجلاء بالنصر عاد للقول: "كان هناك انتصار داخل هذا الخلاص"، ثمّ ختم خطابه بالقول: "إنّ مساحات شاسعة من أوروبا والعديد من الدول القديمة والمعروفة، قد سقطت أو قد تقع في قبضة الجستابو وجميع الأجهزة البغيضة للحكم النازي، لكنّنا لن نفشل، ولن نرفع راية الاستسلام. سنمضي حتى النهاية، سنقاتل في فرنسا، سنقاتل في البحار والمحيطات، سنقاتل بثقة متزايدة وقوّة متنامية في الجوّ، سندافع عن جزيرتنا، مهما كانت التكلفة، سنقاتل على الشواطئ، سنقاتل على أرض الإنزال، سنقاتل في الحقول وفي الشوارع، سنقاتل في التلال؛ لن نستسلم أبداً".
والحقّ أنّ النبيّ، صلّى الله عليه وآله وسلم، وهو يُنبَّأ بأحداث مؤتة، ويُنبئ أهل المدينة بما يجري، قد وصف انسحاب المسلمين بالفتح. فعن أنس رضي الله عنه: أن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: "أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب". وعيناه تذرفان: "حتى أخذ سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم".
ليست القضية في المثلين السابقين فقط في التمكّن من النجاة بالجسد الرئيس بالقوات، ولكن الأهمّ في ما يُبنى على ذلك، من رفض الهزيمة ثمّ استئناف القتال، وهو الأوضح حالاً، بالنسبة للنبيّ، صلّى الله عليه وآله وسلّم، بعد غزوة أحد، حينما لملم جراح أصحابه ولحق بالمشركين، وخيّم في حمراء الأسد ثلاثة أيام، وقد صار معلوماً من التاريخ أنّ النبيّ، صلّى الله عليه وآله وسلم، قد فتح مكة بعد بضع سنين، وصحابته، بعد وفاته بقليل من السنوات، أنهوا الوجود الروماني تماماً من المشرق العربيّ كلّه، أمّا الهزيمة النازية فهي جزء من تاريخنا الحديث.
إذا كان بعضهم ينتهج هذا النمط من التفكير لرفض ما يطلقه المقاومون أحياناً على معاركهم من وصف الانتصار، فإنّ هذا لا يلغي أنّ ثمّة هزيمة نفسية مطبقة تقرأ تجارب التاريخ الفلسطيني بنحو خاطئ تماماً، في حين أنّ البعض قد صار جزءاً من تشكيلة اليمين العربي، الذي لا يفضّل أصلاً أن ينتصر الفلسطينيون لأنّه بات يرى أن الاستمرار الإسرائيلي هو حتمية لا مناص منها!
بالعودة إلى لحظتنا الراهنة، فإنّ فلسطين لم تُحرّر، ونتحدث أحياناً بأنّنا لا نحقّق إنجازات سياسية ملموسة بعد معاركنا مع عدوّنا، ولا نتمكّن من إلحاق خسائر به تقابل ما يلحقه بنا من خسائر. لكن هل بهذا فقط تُقيّم مقاومة عدوّ في صراع طويل ومرير ومعقّد؟!
بالنسبة لبعضهم فالأمر كذلك، إذ يُقيّمون مقاومة الفلسطينيين من هذه الحيثيات ويتوقّفون عندها، وإذا كان بعضهم ينتهج هذا النمط من التفكير لرفض ما يطلقه المقاومون أحياناً على معاركهم من وصف الانتصار، فإنّ هذا لا يلغي أنّ ثمّة هزيمة نفسية مطبقة تقرأ تجارب التاريخ الفلسطيني بنحو خاطئ تماماً، في حين أنّ البعض قد صار جزءاً من تشكيلة اليمين العربي، الذي لا يفضّل أصلاً أن ينتصر الفلسطينيون لأنّه بات يرى أن الاستمرار الإسرائيلي هو حتمية لا مناص منها!
لا شكّ أنّ هزيمة كبرى وقعت على العرب مرّتين، أفضت إلى إطباق المشروع الصهيوني على فلسطين. بعدها صار الفلسطينيون مجموعات منثورة في العالم ومحيطهم القريب وداخل أرضهم، مع وقائع إقليمية عربية في جوهرها معاندة لضرورة القيامة الفلسطينية، وعالم يصطفّ بالكامل في ظهر "إسرائيل" المتفوّقة بما يلغي قياس قدرة الفلسطينيين إليها أصلاً، وكانت كلّ واحدة من النكبتين كافية للإجهاز النفسي والمعنوي على الفلسطيني!
ماذا يعني أنّ الفلسطيني لم يزل يقاوم منذ الخمسينيات حتى اليوم سوى أنّه لم يُهزم؟ أو بكلمة أخرى، يرفض أن يرفع راية الهزيمة، ويقاتل في كلّ مكان أمكنه القتال فيه، وبكلّ أداة يتوفّر عليها، وإلا فإنّه يصنع المكان ويبدع الأداة للقتال في ظرف مستحيل.
مرّة أخرى بالعودة إلى اللحظة الراهنة، يمكن أن نتحدث عن آلاف العقبات والصعوبات التي تحيط بالمقاومة في قطاع غزّة. لكن هل علينا أن نتخيّل شيئاً آخر بالنسبة لمقاومة هي في جوهرها وطبيعتها لا بدّ وأن تكون الطرف الضعيف في مواجهة العدوّ المتفوّق من كلّ وجه، والذي يقاتل بالعالم كلّه لا بنفسه فقط؟! فماذا يعني بعد ذلك أن يصبح شريط ساحليّ ضيّق مكشوف معضلةً لهذا العدوّ، ولا يملك إزاءه أيّ حلّ جذريّ؟! بل لم يعد من بعد معركة العام 2014 مجترئاً على أيّ مواجهة برّيّة من شأنها أن تغيّر الموازين الماديّة والمعنويّة لصالحه في هذه المنطقة المحاصرة؟!
يمكن أن نتحدث عن آلاف العقبات والصعوبات التي تحيط بالمقاومة في قطاع غزّة. لكن هل علينا أن نتخيّل شيئاً آخر بالنسبة لمقاومة هي في جوهرها وطبيعتها لا بدّ وأن تكون الطرف الضعيف في مواجهة العدوّ المتفوّق من كلّ وجه، والذي يقاتل بالعالم كلّه لا بنفسه فقط؟!
الأمر الأكثر إثارة، هو أن يصبح أقل من نصف كيلومتر مربع، في قلب الهيمنة الإسرائيلية الأمنية والعسكرية والاستيطانية، عبئاً على أيّ رؤية استراتيجية إسرائيلية، أمنية وعسكرية وسياسية. مخيم جنين، يقع في قلب القدرة الإسرائيلية، وهو ما يعني ابتداء أنّ تنظيم حالة مقاومة واسعة فيه إنجاز، فكيف إذا أربك بمجرّد ذلك الحسابات الإسرائيلية، التي انتقلت للبحث في التكتيكات الجزئية للتعامل مع الحالة، والرهان على الزمن، في حين أنّ المقاومة نفسها تأخذ أشكالاً أخرى لا تقلّ إزعاجاً لـ"إسرائيل" في عموم الضفّة الغربية، رغماً عن أوضاع يدرك كلّ من يعاينها قسوتها الطاغية على قدرات الفلسطينيين، ومع ذلك يشقّون المستحيل منها!
الإنجاز في صنع حالة مناوئة للعدوّ الأقوى في بيئة يتحكّم فيها بالكامل، ثمّ القدرة على تجديد هذه الحالة، هو نتيجة رفض الهزيمة، وعدم التسليم بحتميّتها. القضية هنا نفسيّة بالدرجة الأولى، والناجي من الحتمية الإسرائيلية المزعومة هو منتصر بالضرورة، وإذا كان وصف الانتصار يزعج بعضهم، فإنّ الناجي من الحتمية الإسرائيلية المزعومة لم يُهزم، وطالما أنّ النجاة من هذه الحتمية المزعومة الحال المتجدّد على الفلسطينيين، فإنّهم في طور الانتصار لا في طور الهزيمة، أو على الأقل لا يمكن أن نصف عجز العدوّ بالإجهاز علينا بأنّه انتصار له وهزيمة لنا!
كتب أحدهم قبل فترة، منوّهاً بحركة التضامن المتسعة في العالم مع الفلسطينيين، يحصل ذلك بحسبه، في حين انقسام الفلسطينيين، وفي حين توترّ خلقته حركتا حماس والجهاد في مخيم جنين، وفي حين أنّ تضامناً كهذا لن ينتهي إلى نتيجة فلسطينية، ما دام الفلسطينيون يحلمون بطوبى! لعله يقصد أنّ أيّ تضامن يقابل بأمل فلسطيني بتحرير فلسطين سينتهي إلى لا شيء! مجرّد هذا التصوّر مليء بالتناقضات والأخطاء الفادحة والتشوّهات النفسية. لكن فلنختم بكلمة واحدة: لولا صمود الفلسطينيين وتجدّد مقاومتهم لما كان لهذا العالم أصلاً أن يأبه بهم أو أن ينظر إليهم!
twitter.com/sariorabi
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه النصر الهزيمة فلسطين المقاومة فلسطين الاحتلال النصر المقاومة الهزيمة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الله علیه وآله وسلم صلى الله علیه
إقرأ أيضاً:
خطبتا الجمعة بالحرمين: ما أحوج الشعوب للأمن والسلام والرشاد.. ومن واظب على ذكر الله تعالى أشرقت عليه أنواره وتوافدت عليه خيراته
ألقى الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال: في زمان كشفت الفتن فيه قناعها، وخلعت عذارها، لا يندّ عن فهم الأحوذي، ولا يشذّ عن وعي الألمعي، استشراف الحوادث وتفحص الأحداث، فالتأمل والتدبر في حوادث الأيام وتعاقبها مطلب شرعي، وأمر إلهي، قال جل وعلا: {لقد كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}، وإن استهلال عام هجري جديد ليذكرنا بأحداث عظيمة جليلة، كان فيها نصر وتمكين، وعز للمرسلين والمؤمنين، تبعث في النفس التفاؤل والأمل، وحسن الظن بالله مع إتقان العمل، إنها قصة موسى -عليه السلام-، وهجرة المصطفى سيد الأنام -عليه أفضل صلاة وأزكى سلام-، ويوم عاشوراء ذلك اليوم الذي أنجى الله فيه نبيه موسى -عليه السلام- من فرعون وملئه.
ولفت الشيخ السديس النظر إلى أن الله -عز وجل- أوحى إلى موسى وهارون -عليهما السلام- ليذهبا إلى فرعون لدعوته إلى التوحيد والإيمان، وهذا درس عظيم في الدعوة إلى الله تعالى، وهو أن يلتزم الداعي إلى الله الرفق واللين والحوار، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فخرج موسى ببني إسرائيل وتبِعهم فرعون وجنوده، فنظر بنو إسرائيل إلى فرعون قد ردِفهم، وقالوا: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}، فكان الرَّدُّ الحازم من موسى -عليه السلام-: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}، وهذا درس آخر في اليقين وحسن الظن بالله، موصيًا فضيلته بإحسان الظن بالله، والأخذ من تلك القصص والأحداث والأنباء الدروس والعبر والإثراء، وأنه على قَدْرِ اليقين الراسخ والإيمان الثابت لنبي الله موسى -عليه السلام- كانت الإجابة الفورية: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}، فأغرق الله فرعون وقومه جميعًا، وكان ذلك في يوم عاشوراء، فكانت نعمة عظيمة على موسى ومن آمن معه من بني إسرائيل، فصام موسى -عليه السلام- هذا اليوم شكرًا لله تعالى، وصامه بنو إسرائيل، وهكذا تحقق النصر المبين والعاقبة للمتقين.
وبين الشيخ السديس أن في حدث الهجرة النبوية ما يُقرّر هذه السنة الشرعية والكونية: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}. قال أبو بكر -رضي الله عنه-: “والله يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موضع قدمه لأبصرنا”، فقال -عليه الصلاة والسلام- بلسان الواثق بنصر ربه: “يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا”. إنه اليقين بنصر رب العالمين، ولهذا كان من أهمية هذا الحدث العظيم أن أجمع المسلمون في عهد عمر -رضي الله عنه- على التأريخ به اعتزازًا بالهوية الدينية والتاريخية والوطنية، مما ينبغي اقتفاء أثره والاعتزاز به فنحن أمة لها تاريخ وحضارة ورسالة على مر الأيام وتعاقب الأعوام.
وأوضح فضيلته أن منهج المسلم عند حلول الفتن الاتجاه إلى الله بالدعاء، وكثرة التوبة والاستغفار، وعدم الخوض فيما لا يعنيه، ورد الأمر إلى أهله. والإسلام يدعو إلى نبذ العنف وتحقيق الوئام، والتفرغ للبناء والإعمار، والتنمية والإبهار والبعد عن الخراب والفساد والدمار، فما أحوج الشعوب إلى نبذ الحروب، وما أحوج البلاد والعباد إلى الأمن والسلام والرشاد. وفي قصة نبي الله موسى -عليه السلام- وهجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أنموذج عملي متكامل للنجاة من الفتن بالتمسك بشرع الله تعالى، وحسن الظن به، وجميل التوكل عليه.
وقال فضيلته: “فموسى ومحمد -عليهما السلام- حتى في لحظة الانتصار أدَّيا حقَّ الشُّكرِ لربِّ العالمين، فكانا يصومان هذا اليوم -يوم عاشوراء- شكرًا لله على عظيم نِعْمَتِهِ”. وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “قَدِمَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- المدينةَ فرأَى اليهودَ يصومونَ يومَ عاشوراءَ فقال لهم: “ما هذا اليومَ الذي تَصومونهُ”؟ قالوا: هذا يومٌ صالحٌ، هذا يومٌ نَجَّى اللهُ فيه بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى -عليه السلام-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “أنا أحق بموسى منكم”، فصامه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمر بصومه.
* وفي المسجد النبوي الشريف ألقى خطبة الجمعة فضيلة الشيخ الدكتور صلاح البدير المسلمين وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله ومراقبته، فهي منبع الفضائل، ومجمع الشمائل، وأمنع المعاقل، من تمسك بأسبابها نجا.
وقال فضيلته: ذكر الله تعالى رواء الأرواح وشفاء الجراح وعلامة الصلاح وداعية الانشراح وعين النجاح والفلاح قال جل وعز: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. ومن واظب على ذكر الله تعالى أشرقت عليه أنواره، وفاضت عليه آثاره، وتوافدت عليه خيراته، وتواصلت عليه بركاته. والذكر هو الزّاد الصالح والمتجر الرابح، والميزان الراجح، فضائله دانية القطوف، وفوائده ظاهرة جليّة بلا كسوف.
ومضى فضيلته قائلًا: وقد أمر الله عباده بكثرة ذكره وتسبيحِهِ وتقديسِهِ، والثناءِ عليه بمحامدِهِ، وجعل لهم على ذلك جزيل الثواب وجميل المآب قال جل وعزّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}. وعن عبدالله بن بسر -رضي الله عنه-: أنَّ رجلًا قَالَ: يَا رسولَ الله، إنَّ شَرَائِعَ الإسْلامِ قَدْ كَثُرَتْ عَليَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيءٍ أَتَشَبثُ بِهِ، فقَالَ: «لا يَزالُ لِسَانُكَ رَطبًا مِنْ ذِكْرِ الله» أخرجه الترمذي. فاذكروا الله في البيع والشراء والأخذ والعطاء والعلن والخفاء والصباح والمساء وعلى وجه الأرض وفي جوّ السماء.
وأشار فضيلته إلى أن الذكر يرضي الرحمن ويطرد الشيطان ويقوي الإيمان ويبدد الأحزان ويمنح النفوس الطمأنينة والسكينة والأمان.. والذّكر يزيل الوحشة ويذيب القسوة ويذهب الغفلة وينزل الرحمة ويشفي القلوب.. قال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: “لكل شيء جلاء وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل”. والذكر غياث النفوس الظامئة، وقوت القلوب الخالية، ونور الدروب الشائكة، وبه تستجلب الخيرات والبركات، وتستدفع الكربات والنقمات، وبه تهون الفواجع النازلات والحوادث المؤلمات، فما ذكر الله عز وجل في مصيبة إلا هانت، ولا في كربة إلا زالت.
وأبان إمام وخطيب المسجد النبوي في ختام الخطبة أن الأجور المترتبة على الذكر عظيمة، لا يعبِّر عن عظمتها لسان، ولا يحيط بها إنسان.. مطالبًا فضيلته المسلمين بالمحافظة على الأدعية والأذكار الصحيحة الواردة في الأحوال المختلفة، والإكثار من ذكر الله تعالى في كل حين وأوان.