حبٌّ زمن الإنسانيَّة المتحوِّلة
تاريخ النشر: 18th, February 2025 GMT
يحين وقت عيد الحبّ من كلّ سنةٍ، فتهتزّ أرض العرب، وتكثر الورود والدباديب ويسود الاحمرارُ، وتعلو المحبَّة، وهو أمرٌ مُقَدَّرٌ مرغوبٌ، ولكن أيّ تقارب يسود هو تقاربٌ مشوبٌ مشبوه، لا صفْوَ فيه، ولا أحبُّ أن أدخل في تاريخيَّة عيد الحبّ، وفي سيرة القدِّيس فالنتاين، وفي تحوُّله إلى رمز للحبّ، ولكن أريد أن أنبِّه القارئ العربيَّ أنّ الحبَّ عند العرب مشدودٌ إلى فضاءٍ معجميٍّ وحقلٍ دلاليّ يغلب عليه العذاب والحرقة واللّظى والفراق والألم والمعاناة والمقاساة، ولذلك، نقول «نار الحب»، ولا نُجْري في استعمالنا «جنّة الحب»، ونقول «عذاب الحب»، ولا يكثر استعمالنا لـ«نعيم الحب»، وفي إطلالة بسيطة إلى تراثنا العربيّ الشعريّ والنثري، يُمكن أن نقدّم صورة عن وَقْع الحبّ.
يُعرّفُ ابن حزم الأندلسيّ الحبَّ بقوله: «الحبّ -أعزّك اللّه- أوَّله هزْل وآخره جدّ، دقّت معانيه لجلالتها عن أن تُوصَف، فلا تُدْرَك حقيقتها إلاَّ بالمعاناة، فيحدُّه بالمعاناة، ويعْرِضُ إلى آفات الحبّ، وهو مثْبِتٌ له، كأنّه لا يتحقَّق ولا يكون إلاّ بألم وعذاب وهجْرٍ وعلّةٍ صعبة المداواة، فـ«لا بدّ لكلّ محبّ صادق المودَّة ممنوع الوصْل، إمَّا ببيْن وإمَّا بهجْرٍ، وإمَّا بِكتمان واقعٍ لمعنى، من أن يؤول إلى حدِّ السقام والضَّنَى والنّحول، وربَّما أضْجعه ذلك، وهذا الأمر كثير جدًّا موجود أبدا، والأعراض الواقعة من المحبَّة غير العلل الواقعة من هجمات العلل»، فما هذا الحبُّ الذي نحتفي به ونحتفل وهو مورِّثٌ في خلايانا كلّ السّقام، ومُنْبِت الأمراض والعلل بما لا يقدر عليه طبيبٌ ولا دواء؟ وقِسْ على ذلك ما تراكَم من أشعار الغزِلِيين العرب، نارًا وفُرْقَةً وبيْنًا، ورغبةً في الموت، فحتَّى المحبوبة -أحيانًا- تتحوَّل إلى هامشٍ، تفقد جوْهرَها حضورًا جُثمانيًّا، ويعيش المُحبَّ هوس الحبِّ في ذاته ولذاته، ولذلك، رأيْنا المجنون يُعْرِضُ عن ليلى ويعيش حال الحبّ لذاته، ولا يهتمّ بها عندما انغمس في حال الوجد، ينصرف عنها حتّى في حال وجودها، ويطلب الحبّ، لا ليلى! كلّ شعر العشّاق الحقيقيين في تاريخ الأدب العربيّ، هو شعرٌ مليءٌ بالألم والهجْر والمعاناة والموت والجنون، لا أمل فيه، ولا زهور تغزوه، ولا حلوَ ولا حلويّات، وإنّما مرارة وعلقم، والدّاخل فيه مبتل، وصائرٌ إلى الفناء ضرورةً. ولذلك، فقد وجدنا المصنّفات النثريّة العارضة للعشق والعشَّاق تُبين الألم لا السعادة والرّاحة، وتبحث في الحيرة لا في الهدْأة والسّكون، الحبّ مصْرعٌ ومقتَلٌ، وقد صنّف ابن السرّاج كتابًا عنْونَه بـ«مصارع العشّاق» يستهلّه ببيان ماهيَّة العشق، دون أن يخرج عن حدِّ ابن حزم عمومًا، فأوَّله لعبٌ وآخره عَطبٌ، وهو مثير مصارع العاشقين، ونهايتهم بالموت، ذاكرًا في ذلك أخبارًا عديدة.
عبْء تاريخيٌّ مليء بالدّموع والألم والموت والنّار، فهل الواقعُ مختلفٌ؟ وهل الحبُّ اليوم سعادةٌ وورودٌ وحلو وحلويّات؟ لا أعرف الحقّ، ولكن ما أدركه جيِّدًا أنّ الحبّ وأنصاره في العالم العربيّ يعيش كما كان دومًا عوائق وإحنا ومحنا، فلا مؤسَّسة الزواج قائمة على سعادة وحبّ، وإنَّما الغالب الأعمّ نافرٌ منها، واقعٌ في مساوئها، باحثٌ عن تخطّي الروتينيّ اليوميّ، ولا مشاعر الحبِّ واجدة فضاءً للحياة والبقاء، وإنّما الكلّ دائرٌ في قوالب الشكليَّات والمظاهر، فما زال الحبّ ممنوعًا ومُدانًا، وما زال الزَّواج خاضعًا لمقاييس اجتماعيّة مثقلة أخلاقيًّا وماديًّا وأسريًّا، فهل فعلا نحن شعوبٌ تحتفل بالحبّ وتحترم مظاهره وتسعد به؟
في الوجه الثاني من الوجود البشريّ، هنالك مسألةٌ وجوديَّة عميقة الأثر، لا نثيرها نحن العرب بالعمق الذي تستحقُّه، وهي قضيَّة الإنسانيَّة العابرة أو ما بعد الإنسانية Transhumanism، وهي الموضوع الذي يُؤرِّق الفلاسفة الآن، وخاصَّة فلاسفة الأخلاق، وفلسفات العلوم، فكيف هي منزلة المشاعر الإنسانيَّة في عالم ينحو نحو التحوّل التقني، من خلال تطوير الإنسان، وإقامة بنية بشريَّة أفضل ممّا هي عليه الآن؟ بطبيعة الحال هذا التوجّه السّائد الآن، يدعو إلى تخلُّص الإنسان من كينونته التي طالما رافقته، ومن طبيعته، وتسمح للعلم بالتدخّل في جيناته، بعيدًا عن الأخلاق وعن الأديان وعن سلطة المجتمع، هي توجّه علميٌّ ثقافيٌّ، فلسفيٌّ، يشتغل عليه عدد مهمٌّ من العلماء والمُنظِّرين، وتُموِّله دُول كُبرى، يقول الفيلسوف لوك فيري هي فكرة الانتقال من الطبِّ العلاجي إلى طبّ تحسيني، الفكرة الأساس فيه جعل الإنسان أكثر قوّة وأقلَّ عطَبًا ومرَضًا وعطالةً، وأبْقَى عُمرًا، توجُّهٌ نحو صناعة بشريَّةٍ ثانيَّة تتمتّع بصحة وخالية من الأمراض بحثًا عن الخلود أو البقاء الأطول، وهذا التوجّه تمثِّله أيديولوجيا قويَّة جدًّا اليوم، مركزها وادي السيلكون بأمريكا، وهذه البشريَّة الثانيّة، أو الإنسانيّة المواليّة للبشر الطبيعيّ لا تحمل مشاعر الخوف أو الضعف أو الوهن، هي بشريَّة قويّة، لا يُضْعفُها حبٌّ ولا كره، عاملةٌ، عازمة، خاضعةٌ للتطوّر التقني والمعلوماتي، يُتدَخَل في جيناتها لتحويل طبيعتها وتغيير سمْتها وما عليه جُبِلت، هي بشريّة مصنوعة، والعهد بذلك قريب، بدأ هذا العصر بالتحقّق ووضع له العلماء وقتًا للسيادة والهيمنة، وهو أربعينيّات هذا القرن، تحقيقًا لحلم الإنسان الأبديّ بالقوّة والخلود، ولكنّه يتحوَّل إلى آلةٍ، فهل سيفقد الإنسان المتحوِّل يوم احتفائه بعيدٍ للحبّ، ويحتفل بعيد الإنشاء الجديد؟
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 20 مايو 2025.. اغتنم الفرص
برج القوس (23 نوفمبر - 21 ديسمبر)، يُعرف مواليد القوس بشخصيته المتفائلة والمغامرة والعاطفية، ويستطيع التصرف في كافة الأمور.
ونستعرض خلال السطور التالية توقعات برج القوس وحظك اليوم الأربعاء 14 مايو 2025 مهنيا وصحيا وعاطفيا.
ماجدة الرومي وكريم بنزيما ومحمد سعد ولبلبة.
توقعات برج القوس وحظك اليوم الثلاثاء 20 مايو 2025فرص جديدة في الحب والعمل والمال تنتظرك بثقة. التواصل يتدفق بسلاسة، مما يساعدك على التواصل مع الآخرين دون عناء. حماسك الفطري يُلهمك النجاح في جميع المجالات. انتبه لصحتك للحفاظ على الطاقة اللازمة لهذه المغامرات.
توقعات برج القوس في الحبإذا كنت في علاقة، فإن الخطط العفوية تقرّبك. يجد العزاب آفاقًا مثيرة في دوائر اجتماعية جديدة. صراحتك وروح دعابتك تجذبان انتباهًا إيجابيًا. اجعل المحادثات خفيفة ومرحة، وسيجد الحب سبيلًا ليزدهر بشكل جميل..
برج القوس وحظك اليوم صحياتُحسّن الأنشطة البدنية، كالمشي لمسافات طويلة والرقص والرياضات الخارجية، مزاجك ولياقتك البدنية. انتبه لنظامك الغذائي اليوم باختيار أطعمة مُغذية تُناسب نمط حياتك النشط.
برج القوس وحظك اليوم في العملتُتيح لك المشاريع أو التعاونات الجديدة فرصًا للنمو إذا كنت مستعدًا لاغتنام الفرصة الثقة والإبداع هما أساس نجاحك المهني.
توقعات برج القوس خلال الفترة المقبلةيمكن لمن يخطط لترك وظيفته أن ينهي أوراقه بثقة. يمكن لرجال الأعمال طرح مفاهيم جديدة بثقة ودون ضغط كبير.