يمانيون:
2025-06-06@23:52:31 GMT

أيقونةُ كلّ بني الإنسان.. تشييعٌ للبقاء

تاريخ النشر: 23rd, February 2025 GMT

أيقونةُ كلّ بني الإنسان.. تشييعٌ للبقاء

مصطفى عامر

لم يكن مشهدًا لتشييع سماحة السيد حسن، فحسب؛ بقدر ما كان مشهدًا لتعريف لبنان مجدّدًا، وكما ينبغي. بل: وتجديد العهد -حتى على مستوى أحرار العالم- بالاصطفاف إلى جوار القيم الإنسانيّة النبيلة.

بكل حياد، وبمنأى عن كُـلّ عاطفة، ينبغي الاعتراف بأن سماحة السيد حسن، وبإثبات مشهد التشييع، أكبر من أن تختزله طائفة، أَو تحتكره لبنان، أَو يُحسب رمزًا -فحسب- من رموز العرب، أَو باعتبَاره زعيمًا تاريخيًّا من زعماء المسلمين.

لقد أحبّه كُـلّ الأحرار في العالم، ومع الوقت فسوف يتم تداول اسمه كرمزٍ إنسانيٍّ متجاوزٍ لوضعه الطائفي، وانتمائه الدينيّ، وبلدته لبنان، ومحيطه العربي، وزعامته الرّوحيّة لدى كافة المسلمين.

ومثلما تحولت فلسطين إلى أيقونةٍ لكلّ بني الإنسان، في الطوفان هذا على الأخص، ورمزٍ لكل الأحرار الذين يرفضون هيمنة الطاغوت، ونهج الشيطان، وتسلط الغرب المستعمر البغيض، واليــهوديّ القذر، وشوفينيّة الاستكبار الجديد!

وفي بيروت، ذهب كُـلٌّ للاحتفاء برمزه الخاص، وتجديد العهد على ذات نهجه؛ ولأنّ سماحة السيّد، وصفيَّهُ بضعةٌ منه على نهجه، وكما أثبت تشييع اليوم: لم يكن رمزًا شيعيًّا فحسب، ولا إسلاميًّا فحسب، ولا لبنانيًّا فحسب، ولا عروبيًّا فحسب، ولكنه كان رمزًا متجاوزًا للمألوف، ويحبّه كُـلُّ النّاس وكأنّه قائدُهم وحدَهم!

لقد خَلَقَ لبنانَ متجاوزًا للمحاصصة؛ إذ بات رمزًا لكلّ الأحرار من كافّة طوائفها؛ ليبرز أن الطائفيين أعداؤه؛ ولأنهم لا يستطيعون حتى أن يظهروا إلى جواره، أَو أن يلتفت إليهم الناس -حتى- دون استغلال نظام المحاصصة، أَو في أغلب الأحيان، وإن تحرينا الدقة:

دون استغلال أحقاد “بعض” أبناء النفط، وعيال “الغاز”، ومخلفات عهد إنطوان لحد، وبشير الجميّل، وإفرازات التاريخ الخيانيّ العفن، والمعروف، والمُبرهن بالوقائع المثبتة على صفحات تاريخ لبنان الحديث.

من يزايدون بتجاوز “سقف الطائف”، إذن، هم الخاسر الأكبر بالفعل؛ ولأن حالة اليوم تتجاوز عمليًّا -وبالحب لا غيره- كُـلّ سقوف لبنان الحرب الأهلية وما تلاها!

ما حدث اليومَ استفتاءٌ أَيْـضًا على خيار المقاومة، رفضٌ بالتأكيد لمحاولات “تزييف لبنان”، وفي بيروتَ تحشّد لبنان الحقيقيّ لتشييعِ محبوب لبنان الحقيقيّ!

لتلقى في ساحة التشييع سُنّيًّا يعزِّيه أخوه الشيعيّ، يحتضنهما ثالثٌ مارونيٌّ، رابعٌ دُرزي! العمامةُ تلقاها والقلنسوة؛ القوميّ إلى جوارِ الشيوعيّ؛ والشيخ إلى جواره قسيس.

جميعُهم يهتفون: هيهاتَ منا الذلة، وجميعُهم يهتفون: إنّا على العهد، وجميعُهم يبكون محبوبهم، كُـلٌّ بعينه ومن زاويته.

لكنه كان لبنانَ بمجموعه جميلًا، حُرًّا، متحابًّا، عروبيًّا، مُقاومًا، قارئًا، ويعرف الفرق -بالتأكيد- بين الحقيقة التي ستُروى، وبين الزيف المبهرج المنحطّ المصطنع!

من يأبه بعدها بديما أَو نعيم، باللقيس أَو أليسا، بالـ mtv أَو الجزيرة أَو العربيّة الحدث، ما دامت كلها وجوهً للقناة الـ ١٤ العبرية، أَو من أفراخ الوحدة 8200!

على الأقل، وحتى لمن ينادون بتجاوز المحاصصة إلى الدولة، فلا وجه للقياس بين الجمهور والجمهور؛ ولا أحد يستطيع منافسة سماحته شهيدًا على أية مكانة، كما كان لا يستطيع -تمامًا وبالضبط- منافسته بيننا على أي مكان.

ليس في لبنان فحسب، ولكن في كُـلّ ديار العرب الأقحاح!

ليكشف الميدان، وبالفعل، أن العملية تحتاجُ -كي تستحوذَ على القلوب والعقول- جهدًا أكبر من تفريخ النشطاء واستنساخ المذيعين، وشراء تردّدات النايلسات، أَو تخليق الذباب على منصات التواصل!

إن الناس دائمًا أذكى من هذا، وأصعبُ مراسًا، ويعرفون التمييزَ بين الجيد والرديء، بين الحقيقة والزيف، بين النقيّ والمخلوط عمالةً لأعداء الأمة، بين الرجل الحقّ وبين أشباه الرجال، وأتراب البغال، وقيعان النعال، وأحفاد النغال، بين الذين يشبهون سحنة الأرض وعنفوان الجبل، وبين أُولئك الذين لا يشبهوننا، ولا يشبهون لبنان، ولا يشبهون تاريخَ العرب، ولا يشبهون حتى أبناء الإنسان.

من يملك الحد الأدنى من الأخلاق المتعارَف عليها بين كافة بني البشر، إلى الآن ومنذ آدم الطّيب النّقي المؤمن الأول!

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: ا فحسب

إقرأ أيضاً:

المحاربون القدامى .. ونظرتهم إلى المستقبل

إذا كانت قافلة من أكملوا ثلاثين عامًا في الوظيفة قد عبرت بجانبي، فإن قافلة من سيصلون إلى سن الستين إذا طال بي العمر سأكون معهم، ومن الآن بدأت أفكر جديًا في هذا الأمر، وأسأل نفسي: ماذا سأفعل بعد أن تتم إحالتي إلى مقعد التقاعد؟

سؤال يتكرر دائمًا في ذهني منذ أن بدأ الشيب يغزو شعر رأسي، هل أنا مستعد لهذا اليوم أم أنني لن أستوعب الأمر إلا عندما تأتي اللحظة التي يُطلب فيها ختم أوراق خروجي من العمل الذي قضيت فيه سنوات طويلة؟ قد يكون هذا اليوم ثقيلًا وغير عادي بالنسبة لأي متقاعد لم يستعد ليوم الرحيل.

كثر هم من كتبوا عن شجون التقاعد، وعدد ليس بالقليل ممن تغيرت حياتهم بعد آخر يوم لهم في وظائفهم سواء كانت عادية أو مرموقة.

على كل حال، في اليوم الموعود سوف أترجل على قدماي بين قسم وآخر، حاملًا ورقة تثبت بأنني لست مطالبًا بأي تبعات أو التزامات، آملًا نفسي في خروج آمن وسلس يكفل لي الحصول على مستحقاتي المالية بعد رحلة سنوات العمل في ذلك المكان الذي توالى عليه الكثير من الشخصيات والوجوه.

سألني أحد الأصدقاء يومًا: هل ستعود إلى مكان العمل الذي ستخرج منه لاحقًا حتى ولو من أجل الاطمئنان على الزملاء؟

أجبته بدون تردد: لا.. لن آتي ثانية.

استغرب من الرد الصادم، وأردفت قائلًا: كل القدامى الذين أعرفهم أو الذين عاشوا معي قد خرجوا من هذا المكان، ومن تبقى إلى جواري لا يعرفونني، فلذا آثرت أن أبقى بعيدًا حتى لا أكون أنانيًا أو متطفلًا، فالتقاعد يبعدنا عن الأنانية وتمني البقاء في كرسي الوظيفة دون أن نفسح المجال للزملاء الجدد.

الإنسان يبقى أمام الأقدار التي يعرفها عاجزًا عن تغييرها أو ردّها عنه، فهناك قوانين وأنظمة لا يمكن تجاوزها أو التحايل عليها بسهولة، وإن حظي البعض باستثناء معين فإنه لن يدوم طويلًا.

ولهذا، قد يكون التقاعد هو جزء من حياة أخرى، لها عثراتها ونجاحاتها، وطريق ينتظر الجميع أن يسلكوه، حتى وإن قضوا سنوات طويلة من أعمارهم تحت لافتة «موظف». الوظيفة، والصحة، والحياة أشياء لا تدوم إلى الأبد، فلكل قصة نهاية ولكن بفاتحة ختام، ولكن الأهم من كل ذلك هو أن يستعد الإنسان لمثل هذا اليوم، كما يستعد لرحيله عن ظهر الأرض.

هذا ليس تشاؤمًا أو نذير شؤم، ولكن الحقائق أحيانًا تكون قاسية وصادمة، فمن المفارقات العجيبة أن كلاً من «التقاعد والموت» لا يشعر فيهما الإنسان بأنه قادر على منحهما مساحة عريضة من التفكير الكثير أو الوقت المناسب للتخطيط لما سوف يذهب إليه!

أعلم بأن أمر التقاعد قد أُشبع حديثًا وبحثًا

من الكثير من الناس، ولكن باختلاف النظرة إليه، سواء من الناحية الإيجابية أو السلبية، نتفق على أنه حالة إنسانية يصل إليها الشخص في وقت حاسم.

قد يكون التقاعد وبالًا على البعض وسعادةً للآخرين.

الوظيفة لا تدوم، والحياة أيضًا لا تبقى، وكل ما على الإنسان فعله هو أن يترك الأثر الطيب، سواء في نفوس زملائه في العمل أو في حياته مع الناس في الخارج.

فكم من شخصيات عرفناها وعشنا معها لسنوات طويلة، كنا نعتقد بأنها ستبقى طويلًا، لكن القدر كان أقرب إليها منا.

فمنهم من أُحيل إلى التقاعد لمرضه وحالته الصحية، وآخر اختطفته يد المنايا وأصبح مكانه في العمل لشخص آخر جديد. تتعاقب الوجوه، ويغيّر الله من حال إلى حال.

النفس البشرية أمارة بالسوء، وأحيانًا السلطة والمنصب والمكانة الاجتماعية تسهم في تنفير الناس من بعضهم البعض.

لكن العاقل الفطن هو من يعرف قيمة الأشياء، وعدم دوامها، ومآلها إلى الزوال، تجده أكثر اتزانًا وسكونًا ولطفًا مع الآخرين.

قد يمتلكني الشعور والقناعة بأن التقاعد هو نوع من الفراق، للمكان وللناس، والموت كذلك.

بالطبع هناك فارق ما بين الأمرين، لكن كليهما يحتاج إلى «استعداد»، فالإنسان دائمًا مقصر ومخطئ، لكنه يحاول مجاورة الصواب في أقواله وأفعاله.

حتى هذا اليوم، لا نزال نترحم على شخصيات عرفناها وتعلمنا منها الكثير، وكانت خفيفة في الحياة، لطيفة على القلب، عطر محبتهم -رغم نزيف الأيام- باقٍ في صدورنا، ندعو لهم بالرحمة والمغفرة.

مقالات مشابهة

  • المحاربون القدامى .. ونظرتهم إلى المستقبل
  • فيلم “بوحة”.. أيقونة العيد التي لا تغيب عن الشاشة رغم مرور 20 عامًا
  • أسباب تفضيل الرجال للبقاء في الزيجات غير السعيدة
  • رحل في ليلة العيد.. موعد تشييع جنازة الملحن محمد كرارة
  • إلى متى... لا إلى أين؟
  • تشييع جثمان سيدة قتلت سرقة مصوغها الذهبية بالدقهلية
  • «الصول»: الدبيبة دعم تشكيلات بمئات الملايين للبقاء أطول مدة في السلطة
  • أنجلينا جولي تحتفل بعيد ميلادها الـ49... من نجمات هوليوود إلى أيقونة للعمل الإنساني
  • نجوم الرياضة يشاركون في تشييع جثمان شقيق علاء نبيل.. صور
  • إعلامي مصري : خدماتكم للحجاج أيقونة في العالم الإسلامي