عربي21:
2025-05-23@06:39:44 GMT

ثورة تحرر أفريقية أم انقلاب آخر؟

تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT

أثار انقلاب النيجر الأخير من الضجيج ما لم تثره انقلابات كثيرة سبقته، حتى ليظن المتابع أنه انقلاب أول وليس انقلابا ضمن سلسلة انقلابات منها ما يخطط له بعد وربما في النيجر نفسها. ولقد سمعت في مقاطع فيديو كثيرة الشخص رقم واحد في هذا الانقلاب يتكلم كلام عقلاء، وهو أمر غير معتاد أن نصادف عسكريا شابا يحسن ترتيب الكلام على معنى مهم من معاني الاستقلال والحرية.

إنه يغير صورة المنقلبين في مخيالنا، لكن هل يؤثر فعلا على شباب بلاده ويحملهم معه إلى معاني خطابه التي سمعنا؟ قبل ذلك هل نصدق خطابه وهو لم يحكم بعد؟ أم هل نطبق قاعدة بسيطة من قواعد الديمقراطية ونقول من ركب دبابة للحكم لا يمكنه أن يصنع الحرية؟

خطاب الحرية سابق على الانقلاب

يركز قائد انقلاب النيجر على نقطة مهمة في خطاباته وهي التحرر من الهيمنة الفرنسية على بلاده، ويبدو أن هذا الخطاب يجلب له أنصارا أو يعطيه مساحة هدنة داخلية. ولقد سمعنا أن خطاب كل منقلب هو بالقوة خطاب شعبوي وأن وراء الخطاب الجميل يكمن شيطان رجيم، ومن لُدغ من حنش يُخيل إليه أن كل حبل حنش (وأنا أكتب من تونس والله غفور رحيم).

لكن وجب التنبيه إلى أن خطاب التحرر من الهيمنة الفرنسية سابق على هذا الانقلاب، وقد انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي بلغات أفريقية (لم نفهمها) وبلغات أخرى وصلنا مضمونها جليا. توجد موجة غضب عارمة ضد فرنسا في مستعمراتها القديمة استعادت خطاب حركة التحرر الوطني وتدعو إلى قطع كل صلة مع المحتل.

فكرة التحرر من فرنسا تروج وتكبر وتوحد جمهورا أفريقيا كبيرا، ومهما كانت نية الانقلاب تجاهها فإننا نراه إما يخضع لها أو أنها تتجاوزه وربما تتحول إلى فكرة قائدة تنجز ثورتها على الجميع
هل قام انقلاب النيجر فعلا على مضمون هذا الخطاب وتوّجه بحركة سياسية أم أنه يسرق روح الخطاب ويخطط لسلطة غاشمة؟ كل ما قرره الانقلاب حتى الآن يصب في خانة تحرير بلاده من الهيمنة الفرنسية، وهو ما يحرض خطاب الحرية في بلده وخارجها، حيث نتوقع وصول روح التحرر إلى كل مستعمرات فرنسا القديمة. وهناك على الأقل في الجزائر نغمة شعبية عالية ضد فرنسا، والسلطة القائمة لا تقف ضدها وتسمح لها بالتعبير عن نفسها.

فكرة التحرر من فرنسا تروج وتكبر وتوحد جمهورا أفريقيا كبيرا، ومهما كانت نية الانقلاب تجاهها فإننا نراه إما يخضع لها أو أنها تتجاوزه وربما تتحول إلى فكرة قائدة تنجز ثورتها على الجميع. تفاؤل مفرط؟ نعم لقد سقطت فكرة أن العالم بلا فرنسا لا يساوي شيئا، وهي جملة يرددها أنصارها في تونس. صنم فرنسا الأفريقي انكسر في النفوس ولا نراها تفلح في استعادته بالانقلابات مرة أخرى.

هل تقوم حرب بالوكالة؟

ليس لدينا معلومات كافية من النيجر عما يجري هناك، لكن نرى تشكل جبهتين قد تصلان إلى الاشتباك العسكري؛ إحداهما (الايكواس) يتوافق خطابها مع خطاب رئيس فرنسا وتصب في أجندته الأفريقية استعادة النيجر لنفوذ فرنسا، أي استعادة وضع هيمنتها على مناجم اليورانيوم ومخزون الذهب التي يبدو أنها فقدتها في أول قرار اتخذته قيادة الانقلاب، أما الثانية فهي جبهة ضحايا فرنسا حيث جرح توماس سنكارا لا يزال مفتوحا.

كلما تبينت نوايا التدخل العسكري في النيجر يزداد خطاب التحرر من فرنسا مصداقية، أما خطاب مقاومة الإرهاب والجماعات وبوكو حرام.. الخ، فأظنه صار خطابا مثيرا للسخرية، فهو خطاب يستحضر لتبرير تدخلات عسكرية غير مشروعة، فضلا على أن هذه الجماعات ظهرت أو زرعت خربت الداخل ولم تمس المحتل بسوء، لذلك فهي بلا مصداقية عند من يستمع إلى خطاب التحرر
كلما تبينت نوايا التدخل العسكري في النيجر يزداد خطاب التحرر من فرنسا مصداقية، أما خطاب مقاومة الإرهاب والجماعات وبوكو حرام.. الخ، فأظنه صار خطابا مثيرا للسخرية، فهو خطاب يستحضر لتبرير تدخلات عسكرية غير مشروعة، فضلا على أن هذه الجماعات ظهرت أو زرعت خربت الداخل ولم تمس المحتل بسوء، لذلك فهي بلا مصداقية عند من يستمع إلى خطاب التحرر.

لكن أليست هذه الموجة التحررية تمويها وتغطية لدور روسي صيني في أفريقيا؟ يحرض الدول على فرنسا ليحل محلها قوة استعمارية جديدة؟ هذا احتمال كبير وربما تكون خطابات التحرر مجرد تلهية ويكون تفاؤلنا بها غباء آخر يقارن بغباء تصديق "التطبيع خيانة عظمى"، وهي جملة ضيعت بلدا وشعبا.

لكن فيما انكشف لنا من تاريخ الهيمنة الاستعمارية لم نر ولم نعش أسوأ من الاحتلال الفرنسي، وها نحن نشهد تعرية الاتفاقيات المبرمة مع الدول الأفريقية منذ الاستقلالات الصورية، وكنا نظنها دولا مستقلة فانكشفت عن قهر بلا نظير في التاريخ. ومهما كانت نوايا الروس أو الصين في أفريقيا، فإن من قدر على التحرر من فرنسا لن يعجزه غيرها فطعم الحرية لذيذ.

نكتب هذا من تونس وقد وهمنا أن من ذاق طعم الحرية لا يتنازل عنه أبدا، لكن تجربتنا علمتنا أن الردة ممكنة ونحن بذلك لا نرقى إلى موقع نصح الأفارقة في ما يفعلون بثورتهم على فرنسا (ولو أنها لا تزال رغبة سابقة على الفعل). فقط نذكر الأعقل منهم أنه في كل بلد خضع للاحتلال الفرنسي زرعت نخبا مالية وثقافية وعسكرية صنعتهم القوة الاستعمارية على هواها وملكتهم مقاليد بلدانهم، وهم الممثلون الحقيقيون لنظام مصالحها من وراء الحدود، وهم من يظن أن العالم لا يكون بلا فرنسا. هذا هو الطابور الخامس الذي تحكم به فرنسا مستعمراتها (أكثر من الانقلابات العسكرية) وهم من يضمن مصالحها، فإذا كان هناك مشروع تحرر من هيمنة فرنسا فإن نقطة البداية تكون من التنبه لطابورها والبدء بقطع يده عن سلطة المال والأمن والسياسة في أي بلد يروم التحرر.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه انقلاب النيجر تونس فرنسا أفريقيا انقلاب فرنسا النيجر تونس أفريقيا مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة صحافة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

النيجر توقع اتفاقا لتزويد الشمالي المالي بحاجياته من النفط

وقّعت مالي والنيجر اتفاقا ثنائيا جديدا يهدف إلى تزويد مناطق شمال مالي بالمحروقات، وذلك في إطار جهود مشتركة لمعالجة الأزمة الحادة في إمدادات الوقود التي تعيشها تلك المناطق منذ أسابيع.

وتمّ الإعلان عن الاتفاق يوم الجمعة الماضي في نيامي عاصمة النيجر، عقب زيارة رسمية قام بها وزير الصناعة والتجارة المالي، موسى ألسان ديالو.

وفي تصريح للصحافة المحلية، قال وزير التجارة والصناعة المالي إن الاتفاق يضمن تزويد المناطق الشمالية بالمحروقات حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2025، مشيرا إلى أنه تم التوصل إلى تفاهمات شاملة لا تقتصر فقط على الكميات، بل تشمل تسعيرة المنتجات البترولية.

ويأتي هذا الاتفاق بعد توقف الإمدادات النفطية الجزائرية -والتي كانت وسيلة لتزويد مناطق ميناكا وغاو وكيدال وتمبكتو- بسبب الأزمة الدبلوماسية بين مالي والجزائر، التي أثّرت على حركة التجار ومهرّبي النفط.

وفي هذا السياق، قال وزير التجارة في النيجر إن بلاده تعتبر شمال مالي جزءا لا يتجزأ من الفضاء المشترك لتحالف دول الساحل، وستبقى وفية له، وتعمل على توفير حاجياته.

صعوبات التنفيذ

ورغم أهمية هذا الاتفاق، فإن تنفيذه يبقى محفوفا بالمخاطر بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في بعض المناطق الحدودية المشتركة بين البلدين، حيث لا تزال القوافل التي تنقل الوقود عرضة لهجمات الجماعات المسلّحة، التي تشنّ هجمات متكرّرة ضدّ مصالح الحكومات في المنطقة.

إعلان

ورغم أنه في وقت سابق من هذا الشهر، وصلت 40 شاحنة نفط إلى مدينة غاو، فإن استمرار العمليات يواجه تحديات أمنية كبيرة، خاصة في منطقة تيلابيري النيجرية، التي تشهد نشاطا متزايدا للمسلحين.

وفي فبراير/شباط الماضي، أعلن عدد من سائقي الشاحنات في غاو الإضراب عن النقل بعد تعرضهم لهجوم مميت، وطالبوا السلطات بتوفير الحماية لهم حتى يتمكنوا من استئناف العمل وتزويد المناطق الشمالية بحاجياتها من النفط.

وإلى جانب التحديات الأمنية، تبرز الإشكالية المرتبطة بقدرة نيامي على توفير كميات كافية من الوقود، فالمصفاة المحلّية لا تلبي سوى نحو نصف احتياجات النيجر، الأمر الذي سيدفع البلدين إلى إكمال النقص باللجوء إلى الواردات القادمة من نيجيريا، أو عبر ميناء لومي في توغو.

مقالات مشابهة

  • رئيس وزراء النيجر يناقش التحديات الإقليمية المشتركة مع الفريق صدام حفتر
  • اجتماع تاريخي للمقاومة اليمنية في تعز يدعو لتعزيز العمل العسكري وإنهاء الانقلاب
  • النيجر توقع اتفاقا لتزويد الشمالي المالي بحاجياته من النفط
  • الوحدة اليمنية قضية تحرر واستقلال وليست قضية المناطقي والمذهبي والمرتهن..
  • دولة أفريقية ساعدت حزب الله.. تقريرٌ أميركي يُحدّدها!
  • منظمة دولية: أجور القطاع العام في دول أفريقية تراجعت إلى النصف
  • المخلافي: لن تحقق الشرعية الانتصار على الانقلابيين إذا كان فيها من يمارس الانقلاب على القانون
  • صفحات سوداء سوف يطويها التاريخ!!
  • محافظ شبوة: وحدة اليمن صمام الأمان في معركة التحرر وبناء الدولة المستقلة
  • برباعية.. منتخبنا الوطني يتفوّق على النيجر