ريهام العادلي تكتب: طقوس رمضان في صعيد مصر
تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT
يعد شهر رمضان المبارك مناسبة استثنائية في صعيد مصر، حيث تمتزج العادات والتقاليد العريقة بروحانية الشهر الكريم، في مشهد يجسد التلاحم الاجتماعي والدفء الأسري.
يتميز الصعيد بأجوائه الخاصة خلال هذا الشهر، حيث تنبض الشوارع بالحياة، وتتعالى أصوات الأذكار والتواشيح، ويعم الخير بين الناس.
قبل حلول الشهر الكريم، تبدأ الأسر في صعيد مصر بالتحضير له بشكل خاص.
كما يقوم الأهالي بتنظيف المنازل وتزيين الشوارع بالفوانيس والزينة الرمضانية، في مشهد يعكس بهجة استقبال الشهر الفضيل.
واحدة من العادات الأصيلة في الصعيد هي إقامة الإفطار الجماعي للصائمين، سواء في المساجد أو في الدوار الخاص بكل عائلة، كما يحرص الكثيرون على إرسال الطعام إلى الجيران والأقارب، تأكيدًا على قيم التراحم والتآزر الاجتماعي.
يتميز رمضان في الصعيد بأجواء روحانية مميزة، حيث تمتلئ المساجد بالمصلين لأداء صلاة التراويح، ويحرص الكثيرون على ختم القرآن الكريم خلال الشهر. كما تتجلى روح التضامن في إخراج الزكاة وإطعام الفقراء، وهو ما يعزز الروح الإيمانية بين الناس.
إحدى العادات الجميلة التي لا تزال قائمة هي حلقات الذكر والتواشيح التي تقام في المساجد، حيث يجتمع كبار السن والشباب لسماع القصائد الدينية وإنشاد المدائح النبوية. كذلك، يخرج الأطفال في الشوارع حاملين الفوانيس ويرددون الأناشيد الرمضانية، في مشهد يعكس البهجة والفرحة.
وجبة السحور في الصعيد لا تقل أهمية عن الإفطار، حيث تتجمع الأسر في الساعات الأخيرة من الليل ، ومن العادات المتوارثة وجود “المسحراتي” خاصة في القري، الذي يطوف الشوارع بطبلته مرددًا العبارات التي تحث الناس على الاستيقاظ للسحور .
لا تزال بعض القرى في الصعيد تحتفظ بتقليد إطلاق مدفع الإمساك، سواء الحقيقي أو الرمزي، وهو من الطقوس التي تضفي أجواءً مميزة على الشهر الكريم، خاصة لدى الأطفال الذين يترقبون صوته يوميًا.
ليالي رمضان في الصعيد عامرة بالأنشطة الاجتماعية، حيث يتجمع الأهل والجيران بعد صلاة التراويح في المجالس العائلية المعروفة باسم “جلسات السمر”، حيث يتبادلون الأحاديث ويتسامرون حتى وقت السحور.
كما يحرص الشباب على المشاركة في الألعاب الشعبية مثل “التحطيب” و”السيجة”، وهي ألعاب تراثية تعكس أصالة المجتمع الصعيدي. فيما يفضل البعض متابعة المسلسلات الرمضانية أو حضور الندوات الدينية التي تُعقد في المساجد الكبرى.
مع اقتراب نهاية الشهر الكريم، يحرص الكثيرون على الاعتكاف في العشر الأواخر، ومسابقات حفظ القرآن الكريم التي عادة ما تكون التي يتم خلالها توزيع مبالغ مالية وهدايا عينية تساهم بشكل غير مباشر في دعم المحتاجين.
رمضان في صعيد مصر ليس مجرد شهر للصيام، بل هو مناسبة لتعزيز قيم المحبة والكرم والتكافل الاجتماعي. من لحظة رؤية الهلال حتى إعلان العيد، يعيش أهل الصعيد تجربة روحانية واجتماعية غنية بالموروثات العريقة التي تجعل لهذا الشهر طابعًا خاصًا لا يتكرر في أي وقت آخر من العام .
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: شهر رمضان صعيد مصر العادات والتقاليد شهر رمضان المبارك المزيد الشهر الکریم فی صعید مصر فی الصعید رمضان فی
إقرأ أيضاً:
د. هبة عيد تكتب: نعيب زماننا والعيب فينا
نعيب زماننا والعيب فينا.. جملة تبدو للوهلة الأولى شكوى عابرة، لكنها في الحقيقة مفتاح لفهم الكثير من الفوضى التي نعيشها. نحن نميل دائمًا لأن نُخرج أنفسنا من دائرة المسؤولية، فنلوم الزمن والناس والظروف، ونتجاهل أن كثيرًا مما نُعاتب عليه الأيام هو في الأصل صدى لقرارات صنعناها نحن، ولمواقف سكتنا عنها، ولوجوه عرفنا زيفها ولم نواجهها.
ومن أكثر ما نشكو منه اليوم هو النفاق… ذلك الوجه الذي يتلوّن كالماء، ينساب في كل اتجاه، ويبحث عن المنافع لا عن المبادئ. نراه في بعض المكاتب، في العلاقات، في المجاملات، وفي المواقف التي تتبدّل بسرعة البرق. نرى من يبتسم اليوم لمن كان بالأمس موضع سخرية، ومن يرفع راية الولاء لمن تولّى فقط لأن "المشهد تغيّر". ونسمع دائمًا ما يشبه المسرحية القديمة: "عاش الملك… مات الملك".
مواقف تتغير لا بدافع فهم جديد، ولا ضوء ظهر، بل بدافع المصلحة الخالصة، التي ما إن تتبدّل حتى يتبدّل معها وجه أصحابها.
والأغرب… أن كثيرًا ممن يمارسون هذا التلوّن هم أوّل من يهاجم النفاق في كلامهم! ينتقدونه في المجالس، ويشجبونه في أحاديثهم، وكأنهم غير معنيين به، وكأن العيب في الزمن نفسه لا فيهم.
لكن…ورغم هذا كله، ورغم ضجيج الوجوه المتعددة، فإن الخير لم يغِب. الخير ما زال موجودًا، يلمع في النفوس التي لم يفسدها التقلّب، وفي القلوب التي ترفض الكذب مهما كان مغريًا، وفي الذين لا يغيرون مبادئهم بتغيّر الناس. الخير ما زال في أمة محمد ﷺ، باقٍ كما وعد الله ورسوله، حتى وإن خفتَ صوته أمام ضوضاء المصالح.
هناك من يختار الثبات، حتى لو سار وحده. هناك من يرفض أن يقف مع "الناس الخطأ" حتى لو كان صفهم أطول. هناك من يعرف أن الحق أحيانًا يحتاج إلى من يحمله، لا إلى من يُصفّق له.
ونحن حين نلوم الزمن، ننسى أن الزمن لا فعل له… الزمن لا يتآمر، ولا يخطط، ولا يتلوّن. الناس هي التي تتغير، والقلوب هي التي تنقلب، والمواقف هي التي تضعف أو تقوى.
وما الزمن إلا مرآة… تعيد لنا ما وضعناه أمامها.
ولو امتلك كل واحد منا شجاعة الاعتراف، لبدأ التغيير من أقرب نقطة: من الداخل. من تلك المساحة التي لا يراها أحد إلا الله والضمير.
حينها نكتشف أن كثيرًا مما نشتكي منه اليوم ليس خطأ الدنيا، بل خطأ التهاون، وخطأ الصمت، وخطأ المجاملة في مواقف كان يجب أن نقول فيها "لا". ونكتشف أيضًا… أن الخير أقوى مما نظن، لكنه فقط أقل صخبًا.
ولأن الصدق لا يعلو صوته، لكنه لا يسقط… يبقى أثره، ويبقى معه وعدٌ جميل بأن الحق لا يضيع ما دام له أهل يحملونه.
وفي النهاية، لا توجد كلمات تختم هذه الحقيقة أجمل من أبيات الإمام الشافعي التي صاغ بها خلاصة الحكمة كلها:
نعيبُ زمانَنا والعيبُ فينا
وما لزمانِنا عيبٌ سِوانا
ونهجو ذا الزمانَ بغيرِ ذنبٍ
ولو نطقَ الزمانُ لنا هجانا