نشر موقع "arabnews" تقريراً جديداً قال فيه إنَّ "حزب الله قادر على بناء نفسه في لبنان"، وذلك بعد الحرب الأخيرة التي شهدتها البلاد ضد إسرائيل واستمرت لنحو 15 شهراً. ويقول التقرير الذي ترجمهُ "لبنان24" إنه "كما كان متوقعاً، رفضت إسرائيل الانسحاب الكامل من لبنان في 18 شباط، تاركة قواتها في 5 مناطق حدودية.
والواقع أن الحفاظ على الاحتلال على هذا النحو يشكل على وجه التحديد نفس الحياة الذي يحتاج إليه حزب الله لإحياء نفسه". وأكمل: "في الثالث والعشرين من شباط، أقام حزب الله جنازة أمينه العام السابق السيد حسن نصر الله، الذي تم اغتياله في غارة جوية إسرائيلية في السابع والعشرين من أيلول من العام الماضي. كانت الجنازة مناسبة للحزب لإظهار أنه لا يزال يتمتع بدعم قوي بين الطائفة الشيعية". وأضاف: "قبل بضعة أسابيع، قال وفيق صفا، المسؤول عن وحدة التنسيق والارتباط في الحزب، إن حزب الله سوف يخرج أقوى مما كان عليه من قبل. ربما يكون صفا مُحقاً في ذلك، فقد نشأ هذا التأييد نتيجة للمظالم التي تسبب بها الغزو
الإسرائيلي في عام 1982. والآن نجحت إسرائيل في خلق ما يكفي من الكراهية والألم لإعطاء الحزب الدفعة التي يحتاج إليها لإعادة بناء نفسه". وأردف: "قبل الانسحاب من المناطق التي غادرتها، حرصت القوات الإسرائيلية على حرق المنازل التي لم تدمرها بالفعل، كما دمرت البلدات القريبة من الحدود، مثل كفركلا، تماماً. إن جنوب لبنان مجتمع زراعي، حيث يعيش الناس هناك من المحاصيل التي يزرعونها، وقد قصفت إسرائيل الجنوب بقنابل الفوسفور لضمان عدم تمكن هؤلاء الناس من زراعة أراضيهم". وأكمل: "تحاول السلطات الإسرائيلية إنشاء أرض لا أحد عليها غير معلنة، وهي منطقة عازلة على طول الحدود مع لبنان، وتأمل أن يثبط كل الدمار عزيمة الناس عن العودة إلى ديارهم. ومن خلال هذه المنطقة العازلة والسيطرة على 5 نقاط استراتيجية على طول الحدود، تعتقد إسرائيل أنها تستطيع ضمان أمن مستوطناتها في الجليل". وقال: "بالإضافة إلى ذلك، يعتقد الإسرائيليون أن وجودهم داخل الحدود اللبنانية يعني أنهم سيكونون قادرين على التحرك بحرية هناك واستهداف أي شخص يريدونه. قبل بضعة أيام، على سبيل المثال، نفذت القوات الإسرائيلية هجوماً بطائرات من دون طيار في صيدا اغتالت فيه أحد نشطاء حماس ويدعى محمد شاهين. تستطيع طائرات الاستطلاع والمراقبة التابعة لإسرائيل اختراق المجال الجوي اللبناني والتجوال فيه كما يحلو لها. من وقت لآخر، تحلق على ارتفاع منخفض وتكسر جدار الصوت، مما يخلق الخوف والقلق بين الشعب اللبناني". وذكر التقرير أنَّ "السلطات الإسرائيلية لا ترى أي قيود على تصرفاتها"، وأضاف: "إن إسرائيل قادرة على فعل ما تشاء، فقد انتهكت كل القوانين الدولية في غزة ولم تواجه أي عواقب، فلماذا لا تفعل ذلك في لبنان؟". وقال: "لكن الإسرائيليين لا يقدرون جيداً الدافع الذي يغذيه هذا بين اللبنانيين للرد، وخاصة بين الشيعة الذين دمرت منازلهم وأراضيهم، وهذا أمر يستطيع حزب الله، رغم ضعفه، أن يستغله لصالحه". وأكمل: "لكي نفهم سقوط الجماعة بالكامل، فلابد أن نفهم سبب صعودها. لقد نشأت جماعة حزب الله نتيجة للحاجة إلى محاربة الاحتلال الإسرائيلي، وتطورت من مجموعات صغيرة عشوائية إلى قوة حرب عصابات هائلة ومنظمة تنظيماً جيداً قادرة على نشر الخوف بين الجنرالات في تل أبيب. وبطبيعة الحال، جاء تأسيسها بعد ثلاث سنوات من الثورة الإيرانية، وبعد الغزو الإسرائيلي لبيروت مباشرة، وكان صعود حزب الله بمثابة أول تصدير للثورة الإيرانية إلى العالم العربي، وكان نجاحه راجعاً في المقام الأول إلى الحاجة المحلية إلى محاربة الاحتلال الإسرائيلي". وأردف: "بعد الانسحاب الإسرائيلي الأحادي من لبنان في عام 2000، فقد حزب الله مبرر وجوده كمنظمة مقاومة. وفي أعقاب انسحاب القوات السورية في عام 2005، دخلت الجماعة معترك السياسة، وشعر أعضاؤها بضرورة ذلك لأنهم فقدوا راعيهم السوري. كانت السلطة السياسية تمثل أداة لحماية أسلحتهم؛ ولم يرغبوا في وجود حكومة لا يستطيعون السيطرة عليها، وقد تطلب منهم نزع سلاحهم امتثالاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1559 لعام 2004 واتفاق الطائف لعام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان". وقال: "في عام 2008، شدد حزب الله قبضته من خلال اتفاق الدوحة، الذي تم توقيعه في 21 أيار من ذلك العام، والذي كان مصمماً لإنهاء أزمة سياسية استمرت 18 شهراً حيث كانت الأسلحة التي كانت الجماعة توجهها إلى الإسرائيليين موجهة إلى الداخل اللبناني. في السابع من أيار 2008، استولى حزب الله على بيروت بالقوة، وأصبح جزءاً من البنية السياسية في البلاد". وأردف: "مع توسعه في المنطقة، اكتسب حزب الله الكثير من الأعداء، كما فقد أي شرعية كانت له في العالم العربي عندما دخل سوريا وتصرفت كوكيل لإيران كجزء من سعي الأخيرة للهيمنة الإقليمية". وتابع التقرير: "لقد كان الهجوم الإسرائيلي على حزب الله في العام الماضي باستخدام أجهزة البيجر المفخخة وغيرها من أجهزة الاتصال، والحرب الأوسع نطاقاً التي اندلعت مؤخراً على لبنان، بمثابة جرس إنذار للجماعة وزعمائها الذين ما زالوا على قيد الحياة، فقد أدركوا أنهم أفرطوا في استنزاف أنفسهم بالتدخل في شؤون بلدان أخرى في المنطقة". وأكمل: "لهذا، فإنَّ السبيل الوحيد أمام حزب الله لإعادة بناء نفسه يتلخص في العودة إلى أصوله كمقاومة مسلحة للاحتلال الإسرائيلي، والواقع أن المظالم في جنوب لبنان قوية بما يكفي لتغذية هذا المشروع". وأضاف التقرير: "إن وفيق صفا لم يكن مخطئاً تماماً حين تنبأ بأن حزب الله سوف يخرج في نهاية المطاف أقوى مما كان عليه من قبل، لكن هذا التطور سوف يكون خطيراً للغاية لأنه سوف يؤدي إلى حرب أخرى. إن السلطات في إسرائيل الآن في حالة من الفوضى، وتدعمها إدارة متساهلة في الولايات المتحدة، وهذا يعني أنه إذا نشأت أي مقاومة فإن الرد الإسرائيلي سوف يكون مدمراً للغاية للبنان". وختم: "يتعين على الولايات المتحدة أن تكون حكيمة بما يكفي لكي تدرك أن استمرار وجود القوات الإسرائيلية في لبنان، وعملياتها هناك بهدف قتل كل عضو في حزب الله، لن يؤدي إلا إلى تعزيز قوة الجماعة في الأمد البعيد. ومن أجل تحقيق الاستقرار، لا بد أن تنسحب إسرائيل، ولا بد من تعزيز الدولة اللبنانية. إذا حدث هذا فإن حزب الله سوف ينتهي في نهاية المطاف إلى نزع سلاحه كحركة مسلحة". المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية:
حزب الله
فی لبنان
فی عام
إقرأ أيضاً:
«كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون»
من منا لم يخطئ يومًا في هذه الحياة؟ فالأخطاء جزء من طبيعتنا البشرية، نقع فيها أحيانًا عن قصدٍ وتعمد، وأحيانًا أخرى عن غير إدراك أو نية. يتعلّم الإنسان من زلاته إن أنصت لضميره، وراجع خطواته، وواجه نفسه بصدق. لكن المؤلم أن بعضنا يصرّ على الإنكار، يكذب على ذاته، ويقنع نفسه بأنه معصوم عن الخطأ، رغم أن داخله يصرخ بالحقيقة، ويعلم يقينًا أنه قد أذنب في حق غيره. وهنا يكون الفرق، فالصادق مع نفسه يراجعها، ويحاسبها قبل أن يُحاسب بين يدي الله، أما المكابر، فلا يزيده الإنكار إلا بعدًا عن التوبة والإصلاح.
البعض يتربص بالآخرين، ويغني بهفواتهم وأخطائهم، ويتلذذ بتمزيقهم بمشرط جراح تمددت أمامه جثة إنسان ضعيف، فالقوي لا يدرك بأنه يرتكب جريمة أخرى في حق نفسه قبل أن يرتكبها في حق الآخرين، وعندما ينتهي من جريمته بتجريح القلوب وإذلال النفوس يقول بأنها «وجهة نظر»!
أيها البشر، ترفقوا ببعضكم البعض، واعلموا بأن الوقوف على الأخطاء ليس معناه معاقبة الآخرين وجلدهم وتمزيق قلوبهم وجلب كل ما من شأنه إدخال التعاسة إلى نفوسهم، فبعض الأخطاء يمكن تصحيحها بسهولة دون أن تكبر دائرة الذنب أو ارتكاب أخطاء جديدة بحقهم، ليس هناك فينا من لا يخطئ، ولكن الله منحنا الفرص لكي نصلح ما أفسدناه، وإرجاع الأمور إلى نصابها الصحيح. الاعتراف بالخطأ ليس انهزامًا أو قلة حيلة كما يعتقد الجهلاء والسفهاء من الناس بل هو جزء من الشجاعة وحسن الخلق، فعندما نخطئ في حق أحد منا، لا ننتظر بأن يخاصمنا الآخر إلى «القضاء أو إلى الله» بل علينا أن نبادر ونسارع إلى تنظيف الجرح الذي أحدثناه، وذلك بالعمل على تطييب القلوب، فرب كلمة طيبة تزيح صخورًا ثقيلة على قارعة قلوب المظلومين. لا تظننّ أنك معصوم عن الخطأ، بل تمهّل قليلًا وتأمّل حديثك، وتصرفاتك، ونيّاتك، وتلك الوساوس الخفيّة التي يدفعك الشيطان بها نحو الزلل... ستجد إن كنت منصفًا مع نفسك أن هناك هفواتٍ قد خرجت منك، دون قصد أو بغير وعي، تحتاج منك إلى وقفة صادقة.
ابدأ بمواجهتها داخليًا، وصحّحها مع ذاتك أولًا، ثم بادر إلى تصويبها مع من تأذّى منك، حتى لا تُعيد الكرّة، ولا يتكرّر الخطأ؛ فالإصلاح الحقيقي يبدأ من الاعتراف، لا من الإنكار أو التبرير. ثق دائمًا بأن ساحات المعارك التي تدخلها مع الآخرين قد تخرج منها منتصرًا، بقدر ما يمكن أن تسبب لك في خسائر لن تلتفت إليها ساعة الذروة، ولكن ما أن تهدأ الأمور ستجد بأن ثمة جرحًا يدمي قلبك وعينك. نعم، الخطأ وارد في مسيرة الإنسان، فهو جزء من فطرته وضعفه، لكن الاستمرار في درب الخطيئة هو ما حذرنا منه المصطفى صلى الله عليه وسلم، إذ إن التمادي وعدم التراجع هو ما يثقل الميزان ويفسد القلوب. فمن الناس من لا يُلقي بالًا لما يصدر عنه من لغو أو أذى أو ظلم للآخرين، تغريه قوته، ويغلفه غرور المكانة، ويعميه الحسب والنسب عن التواضع والاعتراف بالزلات، فلا يُفكّر في التوبة، ولا يستشعر عِظم الخطأ الذي ارتكبه، كأن كبرياءه يمنعه من أن يطرق باب الله، متناسيًا أن التوبة شرف، والرجوع عن الذنب فضيلة، والاعتراف أول أبواب الرحمة.
كم من أناسٍ ترجلوا عن هذه الدنيا وقلوبهم مثقلة بالحزن، يعتصرها ألم الظلم الذي وقع عليهم، بينما الظالم يقف مزهوًا بقوته، وبقدرته على أن يحرز إنجازًا يعتقد بأنه مفخرة أمام الآخرين، لكنه يخطئ في هذا الظن، فالظلم ظلمات يوم القيامة. لذا، كلّما أخطأنا في حق أحد فلنُبادر إلى مراجعة أنفسنا، وإصلاح ما يمكن إصلاحه قبل أن يحين الأجل، فما أقسى أن نغادر هذه الحياة وحولنا دعاء مظلوم، أو عقوبة تنتظرنا في ميزان العدل الإلهي، فالحياة كما نراها كل يوم: «فرح هنا، وعزاء هناك»، والأرواح تسافر ولا تبقى في مكانها.
يجمع علماء الدين والفقهاء على أن «الظلم من أقبح الكبائر، وهو ظلمات يوم القيامة»، ودليلهم على ذلك ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة»، وقال عليه الصلاة والسلام: يقول الله عز وجل: «يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا»، ويقول في القرآن الكريم في سورة الفرقان: «وَمَن يَظْلِمْ مِنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا»، ويقول في سورة الشورى: «وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ»، إذن ليعرف الناس بأن الظلم شره عظيم، وعاقبته وخيمة، نسأل الله تعالى العفو والمغفرة. يسخّر الله تعالى لعباده من الأدوات والقدرات ما يعينهم في دروب الحياة، فيمنح بعضهم قوة في القول، وبأسًا في الفعل، وسلطة في التأثير، فمنهم من يهتدي بتلك النعمة، فيسخّرها في الخير، ويجعل منها بابًا للعون والإصلاح. لكن آخرين، للأسف، يوجهون هذه القوة نحو الأذى، ويتخذون من سلطانهم وسيلة للتسلّط على الخلق، خاصة إذا التفّ حولهم بطانة فاسدة، لا ترشدهم للحق، بل تزيّن لهم المعصية، وتدفعهم إلى ارتكاب الآثام؛ فيغرق في غياهب الغرور، وتبتعد روحه عن نور الهداية، وتغشى بصيرته غمامة لا تكشفها إلا صحوة متأخرة، أو حساب لا مفر منه.