عربي21:
2025-07-30@06:26:17 GMT

أهداف بريطانيا من اتفاقية المئة سنة مع أوكرانيا

تاريخ النشر: 25th, February 2025 GMT

وقعت بريطانيا وأوكرانيا يوم 16 يناير 2025 اتفاقا استراتيجيا مثيرا للغاية لأنه يمتد على مئة سنة، ونوعية الاتفاق الذي يركز أساسا على ما هو عسكري وطول المدة الزمنية يبرز التوجهات الكبرى لبريطانيا مستقبلا، وكيف ستكون هناك حرب باردة بينها وبين موسكو، على شاكلة تلك التي وقعت في القرن التاسع عشر.

ووقع رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر، والرئيس الأوكراني فلولوديمير زيلينسكي على هذه الاتفاقية النوعية والمثيرة جيوسياسيا، وهي بعنوان «إعلان شراكة المئة عام بين المملكة المتحدة وأوكرانيا».

تتضمن الكثير من الفقرات. وهي دون شك، تعتبر من أطول الاتفاقيات من حيث المضمون، الموقعة في العلاقات الدولية خلال العقود الأخيرة. وتبقى الاتفاقية الممتدة الأكثر زمنيا في وقتنا الراهن، ومن الصعب العثور على اتفاقية مشابهة لها. والمثير أن روسيا وإيران وقعتها يوم 17 يناير 2025، بفارق يوم واحد على اتفاقية استراتيجية مشابهة، ولكنها لا تمتد لمئة سنة. شأنها شأن الاتفاقية التي وقعتها إيران مع الصين خلال مارس 2021 وتمتد فقط 25 سنة وباستثمار يصل الى 400 مليار دولار.

وفي الفقرة الأولى، لا تتحدث الاتفاقية عن التعاون الاقتصادي أو السياسي، بل مباشرة حول التعاون العسكري والدفاع، وجاء في الجملة الأولى للاتفاقية ودون تمهيد، بل إعلان نوايا واضحة في البند الأول، تحت عنوان فرعي «الدفاع» ما يلي، «إقامة تعاون دفاعي وقواعد صناعية أقوى وأوثق في مجال الدفاع». وفي جملة أخرى من البند الأول كذلك، تؤكد الاتفاقية على، «كما سنعمل على تعميق التعاون في مجال القدرات الضاربة بعيدة المدى، والدفاع الجوي والصاروخي المتكامل، ومخزونات الأسلحة المعقدة لتعزيز الردع، سيؤدي ذلك إلى تعزيز قدراتنا الدفاعية وضمان تصدير الأسلحة المشتركة إلى الأسواق الخارجية».

تدرك بريطانيا أن عودة أوكرانيا إلى حضن روسيا، يعني عودة الإمبراطورية الروسية في حلة تجمع بين روسيا القيصرية والاتحاد السوفييتي، ستكون مصدر خطر على أوروبا بالكامل توجد سبع نقاط في البند الأول كلها حول التعاون العسكري. وركز البند الثاني بعنوان «الأمن» على التعاون والدفاع المشترك، لاسيما في النقطة الثالثة التي تنص على ما يلي «وطوال مدة سريان هذا الإعلان، لا يجوز ترك أي من الطرفين بمفرده في مواجهة الهجوم أو العدوان. وفي حالة تعرض أحد الطرفين لهجوم ينتهك ميثاق الأمم المتحدة والمبادئ الأساسية للقانون الدولي، يتشاور الطرفان في غضون 24 ساعة، لتحديد التدابير اللازمة لمواجهة العدوان أو ردعه». وتؤكد الاتفاقية على ضرورة مساعدة أوكرانيا على «استعادة الأراضي الخاضعة للاستعمار مؤقتا» في إشارة الى الأراضي التي تحتلها روسيا، مع تركيز كبير على التعاون في مجال البحرية الحربية والملاحة. وتركز الاتفاقية على الدفاع والتعاون العسكري أكثر من المجالات الأخرى، ولهذا خصصت البنود الثلاثة الأولى لهذا الغرض، وبالتالي هي اتفاقية ذات نفس عسكري محض، رغم الاهتمام بالجانب الثقافي والاقتصادي والتعاون السياسي، الذي يحتل مكانة ثانوية فيها، خاصة أن التبادل التجاري بين البلدين ليس كبيرا.

واتفاقية من هذا النوع لا يمكن أن تكون مشروع حكومة لوحدها، وطارئة في الزمن، بل ليست مرتبطة فقط بالحرب الروسية – الأوكرانية لوحدها، لاسيما حكومة حزب العمال في ولايتها الأولى، بل هي نتيجة تفكير سنوات طويلة وسط الدولة العميقة البريطانية، من مؤسسة عسكرية واستخبارات ودبلوماسية وهيئات اقتصادية. وهذا ما يفسر السياسة الحازمة للندن في الحرب الروسية – الأوكرانية بما في ذلك ما يتردد من عرقلة رئيس الحكومة الأسبق بوريس جونسون لاتفاقية السلام التي كانت ستوقع عليها موسكو وكييف في تركيا. لماذا بريطانيا هي التي بادرت لهذه الاتفاقية، وهي التي لا تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي ولا تجمعها حدود جغرافية مع أوكرانيا، بدل دول مثل ألمانيا وخاصة فرنسا؟ يبقى الجواب هو معرفة التوجه الجيوسياسي البريطاني خلال العقود المقبلة، بل على امتداد قرن كامل، ثم العودة الى النبش في التاريخ، لاسيما العلاقات المتوترة تاريخيا بين موسكو ولندن. تدرك بريطانيا ذات النظرة الجيوسياسية العميقة أن العالم يذهب إلى حربين باردتين، الأولى بين الصين والولايات المتحدة في منطقة الهادئ -الهندي، والثانية ستكون بين أوروبا وروسيا وهي امتداد للنزاعات الطويلة بين الطرفين التي تعود الى قرون، لاسيما وأن كل المؤشرات تدل على فشل تيار الرئيس دونالد ترامب في التمهيد لإقناع روسيا بالانضمام الى المحور الغربي في مواجهة الصين. كما أن روسيا لن تدخل في حرب باردة مع الصين، وهي التي تجمع معها 4209 كلم وتفوقها كثافة سكانية سبع مرات، وتقدم عسكري وعلمي هائل وزبون رئيسي يعوضها عن باقي العالم.

علاقة بهذا، ما زالت بريطانيا تؤمن بالنظريات الكلاسيكية في مجال الجيوبولتيك، أو جيوسياسي خاصة نظرية البريطاني هالفورد ماكندر، الواردة في كتابه الشهير «المحور الجغرافي للتاريخ»، الذي يعتبر أن من يحكم قلب أوروبا الشرقية وجزء من آسيا الوسطى سيحكم العالم، وهو ما فعلته روسيا. كما تؤمن بنظرية مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق بريجنسكي الذي يقول، إن روسيا وأوكرانيا منفصلتين هما مجرد بلدين، ومتحدتين تشكلان إمبراطورية تشكل خطرا على الغرب. ولم تؤثر نظرية ماكندر، رغم الانتقاد الشديد لها، في بريطانيا وحدها، بل هي التي تتحكم في الحلف الأطلسي في توسعه نحو شرق أوروبا.

ومن جهة أخرى، تعتبر أوكرانيا بالنسبة لبريطانيا خزانا للمعادن الثمينة النادرة ومختلف الموارد الطبيعية الأخرى، خاصة أن عددا من دول الكومنولث مرشحة للابتعاد عن التاج البريطاني بسبب يقظة أمم الجنوب التي تريد التخلص من علاقات الماضي الاستعماري، ما سيحرمها من مصدر مهم للمواد الأولية. كما تدرك بريطانيا أن عودة أوكرانيا الى حضن روسيا، يعني عودة الإمبراطورية الروسية في حلة تجمع بين روسيا القيصرية والاتحاد السوفييتي، ستكون مصدر خطر على أوروبا بالكامل، بما فيها بريطانيا وليس فقط الاتحاد الأوروبي، أو أوروبا الشرقية في وقت تنشغل فيه الولايات المتحدة، حامي الغرب بما يفترض الخطر الصيني.

إن اتفاقية بريطانيا- أوكرانيا هي محاولة من لندن احتواء ما تعتبره التوسع والخطر الروسي مستقبلا، وهو تكرار للحرب الباردة بينهما التي وقعت في القرن التاسع عشر. إذ شهد القرن التاسع عشر حربا باردة من نوع مثير تعرف في التاريخ بـ»اللعبة الكبرى»، حيث سعت بريطانيا إلى منع روسيا من الوصول إلى الهند وإلى البحر الأبيض المتوسط، وجعلت من أفغانستان حاجزا في آسيا ومن الإمبراطورية العثمانية حاجزا في البحر المتوسط. وتخللت هذه المرحلة منافسة وحروبا أبرزها حرب جزيرة القرم بين سنتي 1853-1856. والآن، اتفاقية المئة سنة الموقعة يوم 16 يناير 2025 هي تتويج للفكر الجيوسياسي البريطاني، وترجمته الى أرض الواقع بعد البريكست، ويرى أن «العدو المنافس» هو روسيا، لأن هذه الأخيرة تعمل على تعزيز نفوذها في البحر الأبيض المتوسط وأوروبا، لاسيما عسكريا، وهي مناطق نفوذ بريطانية بامتياز. وترى في روسيا مصدر خطر أكبر من الصين بسبب قربها الجغرافي من قلب أوروبا.
(القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه بريطانيا بريطانيا اوكرانيا زيلينيسكي مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة رياضة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هی التی فی مجال

إقرأ أيضاً:

الدبلوماسية التي تغير العالم تبدأ بالتعاطف

في عالمٍ تتزايد فيه الأزمات عددًا وحدّة، لا يمكن تحقيق السلام إلا منكامل الغريبي لماذا يجب أن تتبنى الدبلوماسية الحديثة التعاطف خلال التعاون الصادق.

فكما قال البابا ليون الرابع عشر في حديثه إلى السلك الدبلوماسي، فإن التعاون الحقيقي لا يُبنى على الإكراه، بل ينبع من الاحترام المتبادل والإصغاء الفعّال.

لقد أثبتت التجارب أن الحلول الدائمة في السياسة الخارجية لا تتحقق عبر الضغط، بل عبر قوة الشراكة. فعندما يتم التعامل مع الدول بروح من الاحترام والتعاطف، تكون أكثر استعدادًا للدخول في حوار بنّاء والسعي نحو حلول مشتركة؛ لاسيّما عند مواجهة تحديات معقّدة كالهجرة غير النظامية، التي تتطلب التعاون لا المواجهة.

إن العلاقات الدولية الإيجابية، القائمة على الثقة والمنفعة المتبادلة، تُعدّ السبيل الأنجع لتحقيق تقدم حقيقي ومستدام. فنهج التعاون القائم على الاحترام المتبادل لا يسهم فقط في تعزيز الانسجام العالمي، بل يضمن أيضًا نتائج ملموسة ومستدامة لجميع الأطراف المعنية.

وإذا أردنا إحداث تحول حقيقي، فعلينا أن نؤمن بقوة الدبلوماسية لا بسياسات الفرض. وحده هذا الطريق قادر على بناء نظام دولي أكثر عدلاً، واستقرارًا، وشمولًا.


© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)

محرر البوابة

يتابع طاقم تحرير البوابة أحدث الأخبار العالمية والإقليمية على مدار الساعة بتغطية موضوعية وشاملة

الأحدثترند الدبلوماسية التي تغير العالم تبدأ بالتعاطف "ذا فويس" يعود بحلة جديدة ولجنة تحكيم عربية شابة نجم ريال مدريد البرازيلي معزول عن الفريق وقريب من الرحيل أزمات نفسية وإعاقات في صفوف الجيش الإسرائيلي الكشف عن مصير سفينة "حنظلة" Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا حل مشكلة فنية الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTube

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن

اشترك الآن

اقرأ ايضاًطبق الخبز المحمص الفرنسي بالكسترد للفطور © 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter

مقالات مشابهة

  • ترامب يمهل روسيا 10 أيام لوقف الحرب في أوكرانيا
  • ترامب: روسيا ستواجه عقوبات أميركية جديدة إذا لم تنه حرب أوكرانيا في 10 أيام
  • اللقاء الإنساني بصنعاء يؤكد على تنفيذ الاتفاقية الموقعة بين المنظمات ووزارة الخارجية
  • التعليم العالي والعدل في سوريا توقعان اتفاقية لتعزيز وتطوير التعاون العلمي والأكاديمي
  • موانئ أبوظبي توقع اتفاقية مساطحة بميناء خليفة لمدة 50 عاما
  • الكرملين لا يستبعد لقاء بوتين وترمب.. روسيا تشترط استبعاد أوكرانيا من الناتو للتسوية
  • ترامب يمنح روسيا 12 يوماً لإنهاء حرب أوكرانيا ويهدد بعقوبات
  • رئيس وزراء بريطانيا يهنئ بـ «يورو 2025»
  • روسيا: نفضل السبل الدبلوماسية لحل النزاع في أوكرانيا
  • الدبلوماسية التي تغير العالم تبدأ بالتعاطف