دينا الرميمة
معتكفون ظللنا في محراب الحزن رجاء أن يكون ما سمعناه مُجَـرّد هذيان، ومنذ لحظة سماع خبر استشهاد سماحة السيد حسن نصر الله، ولأربعة أشهر وقلوبنا تصلي وتنسج الدعوات عساه يطل ويمد يديه إلينا لنمضي سويًّا إلى باحات الأقصى، حَيثُ موعدنا فنفك قيود الأسر عن القدس ونطهرها من رجس اليهود وتغدو متوضئة وفيها ومن خلفه نصلي فتحاً ونصراً وعزاً.
وحتى لحظة الوداع الأخير وأرواحنا تؤمل أنه من بين الأكف سينهض، وأن ما ظنه العدوّ تشييعاً لجبل أزيح من طريقه سيكون حياة يعيد الحياة لأرواحنا وللأرض التي ترتجف خشية الاحتضان!!
وحاشاه أن يكون جحوداً منا بأحقيته بالشهادة، ففيه رأينا وجه الحسين -عليه السلام- ومن كلماته أدركنا معنى أن تكون مقاوماً على خطى جده العظيم، ومن سبابته المرفوعة تعلمنا كيف تنتزع الحقوق.
ولا يستغرب أحد علينا كشعب يمني حجم الصدمة التي لحقت بقلوبنا حال سماعنا نبأ استشهاد سماحة السيد نصر الله، فوحده كان معنا حين خذلنا الجميع ومنذ اليوم الأول الذي شُنت فيه الحرب على اليمن، التي انقسم القادة العرب والمسلمين في مواقفهم منها بين مؤيد مشارك فيها ومؤيد صامت ألجمت أفواههم الريالات السعوديّة، وتركوا يمننا وحيدة تجابه حرباً أمريكية بتنفيذ وتمويل عربي، وفي ثاني أَيَّـام الحرب ظهر نصر الله مديناً لتلك الحرب الغاشمة وأعلنها نهارًا جهارًا وقوفه وتضامنه مع اليمن، واعتبر هذا الخطاب أعز وأشرف وأجل عمل عمله في حياته، متجاهلاً الهزيمة التي لحقت بالكيان الصهيوني على يديه كأول هزيمة يلحقها العرب بالكيان الصهيوني، ولا تقديم ابنه هادي شهيداً في سبيل الله وسبيل تحرير لبنان.
وكان سماحته متابعاً لكل مجريات الحرب وتعودنا في كُـلّ خطاباته أن يكون لنا منها نصيب يتكلم عن معاناة الشعب اليمني ومظلوميته التي وصفها بكربلاء العصر، وقال إنها فاقت مظلومية شعب فلسطين!!
وكان يظهر مفاخرًا بصمود اليمنيين وشجاعتهم وبسالة جيشهم قائلًا: إنه تفوق على كُـلّ الجيوش التي جلبتها دول العدوان لاحتلال اليمن.
ودائمًا كان يشيد ويباهي بقيادتنا الحكيمة المتمثلة بالسيد عبدالملك -سلام الله عليه- وتمنى أن يكون جنديًّا مقاتلاً تحت لوائه.
وما بين التنهيدة أخرجها عندما سأله مذيع قناة المنار عن اليمن وعبرت عن عظيم تأثره بصمود شعبها، ليجيب بعدها “اليمن سلام الله على اليمن”.
فبادله كُـلّ اليمنيين في ذات اللحظة قائلين: (ومن اليمن للسيد سلام).
إلى الدمعة التي سقطت من عينيه المباركة رداً على موقف أعلنه السيد عبدالملك بأن اليمن ستتقاسم رغيف الخبز مع شعب فلسطين، وتساءل سماحته: إن كنا نملك رغيف الخبز لنتقاسمه مع شعب فلسطين، ونحن المحاصرون براً وبحراً وجواً؟! ونحن بحمد الله لم نخيب ظنه وفعلاً انتصرنا كما راهن وتوعد، وكنا له أوفياء وبه مرتبطون ارتباطاً جرمته دول العدوان واعتبرته إرهابًا وانهالت تقدح فيه وزاد من عدد أعدائه، في حين يتباهون بعلاقتهم مع اليهود ويعقدون معهم صفقات التطبيع التي قال سماحته: إن من أفشلها هم شهداء اليمن وتضحيات شعب اليمن.
هو نفسه الموقف اتخذه سماحة السيد نصر الله في العدوان الصهيوني على غزة، ومن ثاني أيامه اندرجت مقاومة حزبه في هذه الحرب؛ ما جعلهم يأتونه بالطائرات محملة بالغضب والبارود لتنهال عليه ويرتقي شهيداً، ظنه العدوّ نصراً ووصفه بالمنجز الأكبر في تأريخ كيانهم!!
غير أن النصر لم يكن إلَّا لمن نال الشهادة غاية تمناها وسعى لها سعيها، وستظل روحه باقية حولنا ما حيينا؛ فهذا الرحيل لم يزدنا إلا غضباً وتحديًّا وثباتاً لمواصلة ما بدأه القادة، وبحجم وجع الوداع وكم الدموع فقد كان مشهد التشييع المهيب شاهدًا بأن نصر الله ليس شخصًا عاديًّا سيواريه الثرى ويطويه الزمن وينسى؛ إنما هو رجل بحجم أُمَّـة، شيعته الإنسانية جمعاء، ودين علينا كأمة لن نوفيه إلَّا بالسير على نهجه، فنم قرير العين يَا نصر الله والأمة فَــإنَّا على العهد
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: نصر الله أن یکون
إقرأ أيضاً:
الإمام العياني.. نجم بزغ في سماء اليمن وقائد جمع بين السيف والقلم
يمانيون| محسن علي
في فترة من تاريخ اليمن, حيث كانت البلاد مسرحا للتقلبات السياسية والانقسامات المذهبية, بزع نجم الإمام المنصور بالله القاسم بن علي العياني’ كواحد من أبرز أئمة الزيدية في اليمن فكان العالم المجاهد’ والمصلح الساعى لتوحيد الكلمة وإقامة العدل, وكانت حياته أشبه بملحمة من العلم والجهاد, تركت بصمة واضحة في تاريخ اليمن والزيدية ودور محوري في تاريخ المنطقة خلال القرن الرابع الهجري.
نسبه الشريف:
هو الإمام المنصور بالله القاسم بن علي بن عبدالله بن محمد بن الإمام القاسم بن إبراهيم عليهم السلام ومنهما إلى الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام.
كنيته الجهادية: (أبو الحسين)
أولاده: سليمان، ويحيى، وعبدالله، وعلي، وجعفر.
النشأة والحياة العلمية
ولد الإمام القاسم بن علي العياني سنة 310هـ (922م)في منطقة تبالة من بلاد خثعم (عسير حاليا) ونشأ في بيئة علمية’ حيث تلقى العلم على يده والده وغيره من علماء عصرة, ولُقب بـ “المنصور بالله”، وهو من ذرية الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ,وتشير المصادر إلى أنه كان أعلم أهل زمانه، وقد جمع بين العلم والجهاد وكانت له مكانة علمية مرموقة.
ما قيل عنه
قال الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى عليه السلام:
والقاسم بن علي المشهور بالــعلم الغزير الواسع الدفاق.
الدعوة والإمامة
بدأ الإمام القاسم بن علي العياني دعوته للإمامة في سنة 388هـ (998م) من بلاد خثعم في الشام، ثم أرسل رسله إلى اليمن ثم رحل إلى الحجاز، ودخل اليمن، فاستقر في صنعاء إلى أن توفاه الله تعالى.
أبرز ملامح جهاده وإمامته
أعلن دعوته من بلاد خثعم، وأرسل رسائل إلى أهل اليمن ونجران يدعوهم فيها إلى مبايعته , فكانت بداية الدعوة في (الشام)388هـ ومن ثم ـتولى الإمامة في اليمن، وكانت فترة حكمه قصيرة لكنها حافلة بالجهاد والحركة, وواجه العديد من التحديات والصراعات مع قوى محلية كانت ترى في دعوته تهديدا لنفوذها.
منهجه وصفاته وأساس دعوته
تميز بمنهج قرآني للإصلاح الشامل حيث كان حريصا على نشر العلم وتطبيق العدل كأساس لدعوته, إذ عرف عنه ورعه الشديد والتسامح, وقوة الشكيمة في عزل الولاة غير الأكفاء, كما أنه كان شاعرا بليغا, ومؤلفا غزير الإنتاج.
الإمامة في اليمن389هـ – 393هـ
بعد أن ذاع صيته وعلمه, بدأت وفود اليمنيين تصل إليه وتدعوه للقدوم إلى اليمن لقيادتهم وإصلاح شؤونهم, ومع إصرارهم في دعوته توجه إلى صنعاء وعند وصوله باعيه الداعي يوسف بن يحيى أحد أحفاد الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام, وانضوى تحت رايته مما أعطى دعوته زخما كبيرا,واستطاع أن يمد نفوذه بقوة إلى مناطق واسعة في اليمن ومنها نجران.
الحملات العسكرية
كان بينه وبين الإمام الداعي إلى الله يوسف بن يحيى تعاون على إقامة دين الله وإحياء السنن، مما يشير إلى تحالفات سياسية ودينية في تلك الفترة.
الإرث العلمي والمؤلفات
إرثه العلمي الضخم وحركته الجهادية القصيرة والمؤثرة جعلته شخصية محورية في تاريخ الزيدية واليمن, إذ كان غزير الإنتاج العلمي، وقد ذكرت المصادر أن له مؤلفات تقارب المئة في الفقه والأصول, وقد جُمعت كتبه ورسائله في “مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم العياني” .
من أبرز مؤلفاته:
ترك الإمام القاسم العياني مكتبة غنية من المؤلفات التي تدل على سعة وغزاة علمه ومن أبرزها:
كتاب الأدلة من القرآن على توحيد الله
وكتاب التوحيد
وكتاب التجريد
وكتاب التنبيه.
الوفاة ومكان مرقده المبارك:
سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة ( 393 هـ 1003م) بعد فترة اعتلال.
مشهده: في منطقة عيان ببلاد سفيان بمحافظة عمران شمال محافظة صنعاء, وخلفه في الإمامة ابنه المهدي الحسين بن القاسم، الذي واصل مسيرة أبيه.
يمثل الإمام القاسم بن علي العياني نموذجاً للإمام الذي جمع بين السيف والقلم, فقد كان عالماً فقيهاً مجتهداً، وقائداً عسكرياً وسياسياً لم يتردد في امتلاك عناصر القوة والإعداد في سبيل الله لمواجهة أعداء الله لتكون كلمة الله هي العليا وإقامة دعوته في اليمن.
مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم العياني #أئمة_الهدى_في_اليمن#الإمام_القاسم_العياني