موقع النيلين:
2025-06-07@08:09:04 GMT

أسري وخاص ..كيف تبادل العرب و الزرقة الأدوار ؟

تاريخ النشر: 26th, February 2025 GMT

يناقشني أحد أبناء العمومة الأعزاء و هو غاضب : مشكلتنا الآن هي مع الجيش لأنه يقصف أهلنا في نيالا بالطيران !! . ثم مضى في طريقه للتهديد و الوعيد لهذا الجيش (الآثم)٠
لوقت طويل ظل شبابنا من عرب البقارة يحملون السلاح و يمّمون نحو الخرطوم مدفوعين بدعاية المليشيا التي سرت بينهم سريان النار في الهشيم. الدعاية التي حملتهم على “جهاد الطلب” القبلي المقدس في “دار جلّابة” فاعتمدوا على مقولات مبهمة حول تهميش الدارفوريين ، و إستئثار الجلابة بالثروات و أي كلام متصل بالكلمة المقدسة : ” القضية”.

و القضية هي كلمة فاصلة في عُرف العرب تختصر لعيّيّ الكلام إيضاح المقاصد و شرح الأهداف. و كانت الحرب حينها مثمرة كثيرة الغنيمة قليلة التكلفة البشرية على الناس. ثم اشتد أوار الحرب و عادت الأنباء بقتل الكثيرين من شباب القضية في نواحي الخرطوم. و بدأ حينها أن للجلابة شباباً قادرين على الثأر و الإنتقام و ليس كما كتب يوسف ميخائيل عن المهدي أول قدومه للأبيض زائراً و داعيةً أن الناس رأوه “جميلاً أملس الجلد كما هو حال أهل البحر”.
حينها خرجت مقولات أخرى لتحرّض الشباب على مواصلة القتال في مشروع المليشيا رغم إنشغال الناعي و كثرة المآتم. فظهرت عبارة البيشي التي فض بها مجلساً غاضباً من عشيرته الذين لاموه على التمرد ضد الدولة. فقال لهم : إننا ذقنا حلوها فيجب أن نصبر على مرّها . و يعني بالحلو عهد الثروة السهلة و المعاش الضخم حال قتالك في اليمن. و في مجلس أقامه أعمامي لأحد قرابتي من الشباب المتحمسين ردّد حينها مقولة البيشي. فعرفت أنها شعار المرحلة التي تتطلب تذكيراً بفضائل آل دقلو السابقة عليك و الدين المعقود في عنقك لهم ، فقد حضر آوان قضائه. و قُتل هذا الشاب كما قُتل البيشي ، فصار القتال تحت راية المليشيا إنتحاراً و ليس موتاً محتملاً. و هنا أظهروا لنا شعار : اتنين بس ، نصر أو شهادة . و هم يعلمون أن إحتمال النصر قد استحال و بقيت الشهادة فقط على مذهبهم.

أعود لصاحبي الذي قال بأن القضية إنتقلت الآن إلى الدفاع و حماية الحواضن من إنتقام الجيش عبر الطيران العسكري المميت. و “شعار” حماية العرض من إغتصاب “-الجلابة” هو فصل جديد لحض شبابنا على القتال و جعل مهمة الجيش في إخضاع دارفور أصعب. لكن ذكرتني مقولات الطيران ما سمعته من بعض المقاتلين غير العرب خلال عملي في دارفور كطبيب بين ٢٠٠٦ إلى ٢٠١٢. فقد بدأت تمرد “حركة تحرير السودان” في جبل مرة ثم في شمال دارفور للإنتقام من طيران الجيش. و على هذا الشعار تم تجنيد المقاتلين و تدريب الشباب. و زادت هذه الدعاية عندما دخل مناوي بقواته إلى مطار الفاشر و دكّ الطائرات في مرابضها و أسر قائد القوة الجوية التابع للجيش السوداني آنذاك. سرت هذه الدعاية سريان النار في الهشيم و كان الأمل أن تنتصر “التاتشر” على الطيران. خلال عشرين سنة كلّنا يعلم الدمار الذي لحق بدارفور “الغير عربية” و التي حاولت تجييش شبابها ضد الدولة و طيرانها. الآن اختار مناوي كرسيّاً أثيراً في قيادة تلك الدولة التي ترسل الطائرات ، بينما رضي هذا العربي الغاضب ببدء طريق مناوي من أوله : التهديد و الوعيد الغاضب ضد نتائج القصف الجوي و الثأر بالإنتقام. من أقنع عرب دارفور بالسماح لدقلو بحملنا على تبادل الأدوار مع قوات مناوي ؟ لماذا صرنا خصوماً للطيران و مستعدين لبدء عقدٍ أو عقدين من القتال ضد الآلة الحربية الرهيبة لنصل إلى ذات القناعة التي وصلها المحاربون ضد الطيران عبر العقود.

عرب دارفور لديهم حياة وادعة في حواكيرهم خاصة في أراضي المسيرية و السافنا الغنية حول نيالا. و لقد جرى إستغلالهم ليكونوا وقوداً لحربٍ لا تحقق مصالحهم و ليس لديهم أي رؤية للإنتصار فيها إلا اللهم شماتة العناصر القبلية المناوئة التي حاربت الوهم القادم من السحاب و تسعد اليوم بتسرب ذلك الوهم إلى منافسيها القبليين من العرب ليشربوا من ذات الكأس . ابن عمي العزيز الذي توعد بالصمود أمام الطائرات غادر مجموعة الواتساب يومه ذاك. لكنه قد يقرأ هذا المقال الآن أو في أي يوم قبل أن ألتقيه بعد عقدٍ من الزمان إن طالت بنا الحياة لنرى نتائج تجريب المجرّب في هذا البلد الذي خبِر جيشه الحروب. بينما دفع البسطاءُ فيه حياتهم لأنهم سمحوا للمحرضين و الفتّانين بإشعال النيران. أكتب له اليوم لنصل إلى كلمة سواء و لأقترح عليه أن نلتقي في بورتسودان ليوم واحد و غرض واحد. و هو فقط أن نسأل مناوي إن كان ما زال تعتمل في صدره نوازع الإنتقام و الثأر من الطيران ؟ أم علمته الأيام حكمة جديدة و مساراً آخر.

عمار عباس

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

محمد في مكة

قبل أكثر من مائة وأربعين عاماً لاحظ المستعمرون الهولنديون أن الحجاج الأندونيسيين يعودون بعد رحلة الحج إلى بلادهم، متحفزين للثورة ضد الاستعمار الهولندي. أراد الهولنديون معرفة السر وراء روح «التضحية» والمقاومة التي يمتلئ بها الحجاج بعد أداء المناسك، فتقرر إرسال مستشار الحكومة، المستشرق «كريستيان سنوك هرخرونيه» عام 1884، إلى مكة التي دخلها على أساس أنه حاج مسلم، وطُلب منه تقديم تفسير لهذه المعضلة الكبيرة التي واجهها الهولنديون، وهو ما فعله هرخرونيه في بحث قدمه لنيل درجة الدكتوراه، بعنوان: «الاحتفالات والمراسم في مكة».

وقبل ذلك بكثير نكلت «مملكة أورشليم» الصليبية بالحجاج المسلمين، وأمعنت فيهم قتلاً ونهباً وتشريداً، لمنعهم من الذهاب من بلاد الشام إلى مكة، لأسباب منها أن آثار الحج على هؤلاء الحجاج كانت مزعجة للصليبيين الذين اضطروا فيما بعد لمغادرة الأراضي التي احتلوها في الشام، تحت ضربات المسلمين.

ما الحكاية؟
في القرن السابع الميلادي ظهر الإسلام، في بيئة عربية لم يكن للدين تأثير عميق فيها على حياة الناس، وعلى الرغم من ضعف التأثير الديني على حياة العرب، إلا أن ذلك التأثير كان أكثر ضعفاً لدى الرعاة، سكان البوادي، منه لدى المزارعين والتجار في حواضر الجزيرة العربية قبل الإسلام، حسبما يرى المستشرق البريطاني، مونتغمري وات، في كتابه «محمد في مكة».

كان العربي القديم – إذن – يعطي القيم الأخلاقية أهمية أكبر من الأهمية التي يعطيها للقيم الدينية التي كانت مجرد تقاليد موروثة، ليس لها أبعاد روحية أو اجتماعية قوية. وقد بدا ذلك جلياً في تغني العرب بمكارم الأخلاق من كرم وشجاعة ومروءة ونجدة ونصرة، وغيرها من الخصال التي نجدها طاغية الحضور في الشعر العربي، وبشكل لا يمكن مقارنته بحضور مفردات الدين في هذا الشعر.

ولعل الضعف الذي اعترى «عبادة الأصنام» كان أحد أسباب تحول العرب عنها إلى «عبادة الله» الديانة التي أصبح اسمها «الإسلام». ومن الفرائض التي جاء الإسلام لإحيائها، وإعادة تعريفها أو ضبطها فريضة الحج الذي ينظر إليه في زمن التفسير المادي للمعتقدات والأفكار والتاريخ على أساس أنه يحوي بقايا من الديانات الوثنية، قبل الإسلام، وهي الديانات التي لم يكن لها تأثير كبير على جوانب الحياة العربية، حيث لم يكن العربي يذكر آلهته إلا في بعض المناسبات مثل الذهاب للحرب، التي تُحمل إليها الآلهة، طلباً للنصر.

ومع التسليم بأن الحج كان معروفاً لدى العرب قبل الإسلام، إلا أن سردية أن بعض شعائر الحج تعود لجذوره الوثنية عند العرب، لا تعدو كونها ضرباً من التهويم، حيث يعود الحج إلى ما هو أبعد من زمن وثنية قريش، وهو موجود لدى معظم الديانات التي سبقت الإسلام، ومنها اليهودية والمسيحية، وما مظاهره المادية إلا ترجمة فعلية لطريقة الأديان في تخطي الماديات – والوصول عبرها – إلى المرامي الروحية البعيدة.

هناك سورة في القرآن الكريم باسم «سورة الحج»، جاء فيها أمر الله لإبراهيم عليه السلام بأداء هذه الفريضة: «وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم.»…

«تلبية» الأذان هو الهدف، و«الإتيان» هو الغاية، وهو هنا إتيان لمنافع مادية «منافع لهم»، وأخرى روحية «يذكرون اسم الله»، الذي تمتلئ بذكره الأرواح والعقول بمشاعر وأفكار لا يمكن وصفها، وهي حالة روحية لا يمكن لمحدودي الخيال من «الماديين» فهمها، حيث تتحول الماديات بالمفهوم الديني إلى رموز إشارية، تنفتح على دلالات روحية، ذات أهداف اجتماعية غير خافية، تجلى بعضها في ما لمسه الهولنديون من بعث روح «التضحية» ضد الاستعمار لدى الحجاج الأندونيسيين، بعد عودتهم من مكة.
«خلال جميع رحلاتي في الشرق لم أتمتع براحة كالتي عشتُها في مكة»
إنها رحلة روحية من طراز فريد يحتشد فيها التاريخ والجغرافيا والمعاني والدلالات، ويستحضر من خلالها الحاج شخصيات إبراهيم وإسماعيل، ورمزيات انبعاث الحياة، مع تفجر ماء زمزم، والرحلة من «واد غير ذي زرع» إلى مدينة عامرة: «أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف»، ناهيك عن مناسك السعي بين الصفا والمروة، بحثاً عن ماء الحكمة وينبوع الحياة، والطواف بالبيت العتيق الذي يمثل طبيعة الرحلة إلى الله، عدا عن «رمي الجمرات»، وهي العملية التي تنفتح على دلالات ضرب الشر، ورمي المجرمين، حيث يحسن أحياناً تجسيد الشر، ومن ثم التعامل معه مادياً، تمهيداً للتخلص منه، وهي طريقة مجدية في علم النفس للتخلص من شرور النفس وآثامها.

يشير المستشرق البريطاني المختص بشؤون أفريقيا، إيوان ميردين لويس وهو عميد المستشرقين البريطانيين في الشأن الإفريقي، إلى دور الحج العميق في صياغة «الهوية المشتركة» التي تجمع مختلف الانتماءات العرقية والسياسية والجهوية، وإلى كونه مناسبة للتبادل الثقافي والنفعي بين شعوب مختلفة، الأمر الذي يكرس وحدتها.

ختاماً، سجل الرحالة السويسري جون لويس بيركهات أو (إبراهيم بن عبدالله) انطباعاته عن مكة التي زارها سنة 1814 في كتابه «رحلات العرب» الذي جاء فيه: «خلال جميع رحلاتي في الشرق لم أتمتع براحة كالتي عشتُها في مكة»، المدينة الرمز التي تشهد رحلة تبدأ وتنتهي بالطواف حول «البيت العتيق»، في مسار دائري رمزي إشاري، يشبه المسارات المعراجية التي تتصاعد في حركات دائرية إلى السماء، مع ما يكتنف الرحلة من متاعب وصعاب.

القدس العربي

مقالات مشابهة

  • أبو زعيمة
  • الآن.. الجيش يدخل المباني المهددة في الضاحية!
  • شاب يتحدى أسرته بقدرته على الطيران ليلقى مصرعه في الحال
  • بزشكيان يهاتف بن سلمان.. تبادل شكر وتوسيع علاقات وتأييد مواقف
  • مقتل وإصابة العشرات في الفاشر بقصف من قوات الدعم السريع
  • أطباء بلا حدود: العنف والجوع يدمران حياة السودانيين بجنوب دارفور
  • عراقجي يطرح في بيروت رفع الحظر عن الطيران ويتجنّب مفاوضاته مع واشنطن
  • محمد في مكة
  • الإمارات تدين بشدة الهجوم على قافلة إغاثة إنسانية شمال دارفور
  • الإمارات تدين بشدة الهجوم على قافلة إنسانية شمال دارفور