عربي21:
2025-12-07@14:41:48 GMT

جدلية التغيير ومقاومة البنى العميقة

تاريخ النشر: 27th, February 2025 GMT

حين ينهار نظام استبدادي، يتولد شعور عام بأن كل شيء سيتغير بين عشية وضحاها. يتوقع الناس تحسنًا فوريًا في الاقتصاد، والأمن، والخدمات، وكأن المشكلة كانت في رأس السلطة فقط، وليس في منظومة متجذرة تشكلت عبر عقود. هذه الحالة تجعل القوى الثورية أمام معضلة خطيرة: كيف تدير عملية التغيير دون أن تستنزفها الجماهير بتوقعات غير واقعية؟

الأنثروبولوجيا السياسية للثورات.

. لماذا لا يتغير كل شيء فورًا؟

تشير الدراسات الأنثروبولوجية إلى أن سقوط الأنظمة لا يعني بالضرورة تغير المجتمعات التي حكمتها. فالدولة ليست مجرد حكومة، بل هي نسيج من العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث تشكلت عبر الزمن أعراف وسلوكيات يصعب استئصالها بسرعة. الأنظمة الاستبدادية تخلق مؤسسات تبدو وكأنها تخدم الناس، لكنها في الحقيقة تؤسس لاستدامة القمع، بحيث يصبح التغيير الجذري أكثر تعقيدًا من مجرد الإطاحة بالحاكم.

في السودان، بعد سقوط عمر البشير، كان المشهد نموذجًا حيًا لهذا التحدي. خرجت الجماهير محتفلة بالنصر، لكنها بعد أسابيع قليلة بدأت تطالب الحكومة الانتقالية بتحقيق إنجازات اقتصادية وأمنية فورية، رغم أن الدولة كانت تعاني من انهيار مالي ومؤسسات مترهلة. هنا لعبت الثورة المضادة دورها، حيث عملت أجهزة الدولة العميقة، بما في ذلك بعض القوى العسكرية، على عرقلة عملية الانتقال، حتى أصبح الشارع نفسه يردد شعارات تتهم الثورة بالفشل، مما مهد الطريق لانقلاب عسكري أعاد السلطة إلى أيدي القوى التقليدية.

سيكولوجية الجماهير.. من الصبر على الاستبداد إلى استعجال الثورة

في علم النفس الاجتماعي، يُعرف "التنافر المعرفي" بأنه حالة من الصراع الداخلي تحدث عندما يواجه الإنسان واقعًا يتناقض مع توقعاته. فالجماهير التي صبرت على الفساد لعقود، تتوقع أن تُحل كل المشاكل فورًا بعد سقوط النظام، وعندما لا يتحقق ذلك، تنتقل سريعًا من التأييد إلى الرفض، مما يسهل على الثورة المضادة اختراقها.

لبنان مثال آخر على ذلك. حين اندلعت ثورة 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2019، امتلأت الساحات بالمحتجين المطالبين بإنهاء الفساد وإسقاط الطبقة السياسية. لكن مع مرور الوقت، بدأت المطالب تتشتت، وتحولت الحركة الاحتجاجية من قوة ضغط إلى حالة من الإحباط الجماعي. لعبت الأحزاب التقليدية على هذا الوتر، وبدلًا من أن تقدم حلولًا، دفعت نحو ترسيخ الفوضى الاقتصادية، حتى باتت الجماهير نفسها تطالب بالاستقرار بأي ثمن، ولو على حساب التغيير.

التاريخ يعيد نفسه.. كيف تُستنزف الثورات؟

ما يحدث في كل ثورة هو نمط متكرر، يمكن تلخيصه في ثلاث مراحل:

1 ـ التوقعات غير الواقعية: الجمهور ينتظر تحولات سريعة دون إدراك تعقيدات المشهد.

2 ـ المطالب التصعيدية: مع كل إنجاز يتحقق، تتزايد المطالب حتى تصبح غير قابلة للتنفيذ.

3 ـ استغلال النظام القديم للفوضى: عبر تأجيج الأزمات الاقتصادية والأمنية، ليجعل الجماهير نفسها تطالب بعودة "الاستقرار".

في الجزائر، بعد الحراك الشعبي الذي أطاح بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة، دخلت البلاد في مرحلة انتقالية معقدة. حاولت القوى العسكرية تقديم وعود بالإصلاح، لكن دون تفكيك فعلي لمنظومة الحكم السابقة. ومع تصاعد الإحباط الشعبي، بدأ الخطاب الرسمي يروج لفكرة أن الثورة لم تحقق شيئًا، وأن الحل الوحيد هو العودة إلى "حكم مستقر"، مما أدى إلى استنزاف الحركة الاحتجاجية تدريجيًا.

التغيير الحقيقي لا يتحقق بإسقاط الحكومات فقط، بل بترسيخ وعي جديد داخل المجتمع. الثورات التي تفشل هي تلك التي لم تستطع فصل نفسها عن الحالة العاطفية للجماهير، بينما تنجح الحركات الإصلاحية التي تدرك أن المعركة ليست في سرعة الإنجاز، بل في استدامة التحول. إذا لم يتغير وعي الشعوب، فستعود الأنظمة القديمة بأسماء جديدة، وستجد الجماهير نفسها تعيد إنتاج الطغيان الذي ثارت عليه، لأن المشكلة لم تكن في الحاكم وحده، بل في الثقافة السياسية التي سمحت له بالبقاء.ما الحل؟ نحو استراتيجية للتحصين ضد الثورة المضادة

إذا كانت الثورة المضادة تستغل الجماهير، فإن الحل يبدأ من الجماهير نفسها. يمكن تحقيق ذلك من خلال:

1 ـ إدارة التوقعات الشعبية

مصارحة الناس بأن التغيير التدريجي أكثر استدامة من التحولات الفورية.

تعزيز الوعي بأن بناء الدول يحتاج إلى سنوات، وليس مجرد قرارات سريعة.

2 ـ تفكيك الدولة العميقة بشكل مرحلي

تجنب الصدام المباشر مع المؤسسات القائمة، والعمل على اختراقها وإصلاحها من الداخل.

بناء بدائل تدريجية، حتى لا يكون إسقاط النظام مرتبطًا بفراغ إداري وأمني.

3 ـ حماية القيادات الثورية من الاستنزاف

ـ تحديد أولويات واضحة، بدلًا من محاولة حل جميع المشاكل دفعة واحدة.

ـ توزيع الأعباء على مختلف القوى، بحيث لا يُستهلك الزخم الثوري في تفاصيل يومية.

4 ـ تحصين الجماهير ضد الدعاية المضادة

ـ إنشاء منصات إعلامية مستقلة تشرح الحقائق بلغة مبسطة، دون تضخيم الإنجازات أو التهويل من الصعوبات.

ـ كشف أساليب التلاعب الإعلامي التي تستخدمها الثورة المضادة لإثارة الإحباط واليأس.

الثورة كعملية طويلة الأمد

التغيير الحقيقي لا يتحقق بإسقاط الحكومات فقط، بل بترسيخ وعي جديد داخل المجتمع. الثورات التي تفشل هي تلك التي لم تستطع فصل نفسها عن الحالة العاطفية للجماهير، بينما تنجح الحركات الإصلاحية التي تدرك أن المعركة ليست في سرعة الإنجاز، بل في استدامة التحول. إذا لم يتغير وعي الشعوب، فستعود الأنظمة القديمة بأسماء جديدة، وستجد الجماهير نفسها تعيد إنتاج الطغيان الذي ثارت عليه، لأن المشكلة لم تكن في الحاكم وحده، بل في الثقافة السياسية التي سمحت له بالبقاء.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات الثورات سياسة عرب رأي ثورات مآلات مدونات صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الثورة المضادة

إقرأ أيضاً:

روسيا.. ابتكار هلام نانوي يسرع التئام الجروح العميقة

الثورة نت /..

ابتكر علماء جامعة سيتشينوف الطبية هلاما نانويا أساسه أكسيد السيريوم والكولاجين، يعمل على تسريع شفاء الأنسجة التالفة بشكل كبير، ويعزز التأثير المضاد للالتهابات ويحفز نمو الخلايا.
أظهرت التجارب المخبرية أن هذا الهلام ضاعف تقريبا سرعة استقلاب الخلايا الليفية. كما بينت الاختبارات على الحيوانات أن الجروح المعالجة بالتركيبة الجديدة التأمت أسرع بنحو الضعف مقارنة بالعلاج القياسي أو الشفاء الطبيعي.

وقالت يكاتيرينا سيلينا، مديرة مختبر علوم الحياة بالجامعة:
“تآزر تأثير جسيمات الكولاجين النانوية وأكسيد السيريوم يعزز خصائصهما المفيدة. يعمل الكولاجين في الهلام كمصفوفة لنمو الخلايا، بينما تكافح جسيمات أكسيد السيريوم النانوية الالتهاب، وتحمي الخلايا من الإجهاد التأكسدي، وتحفز نموها وانقسامها.”

ويخطط المبتكرون لاختبار هذه التكنولوجيا في علاج الجروح المصابة بعدوى، بما فيها المقاومة للمضادات الحيوية. ويأمل الفريق، استنادا إلى نتائج هذه الاختبارات، في ابتكار هلام عام لعلاج الجروح والإصابات الجلدية الشديدة.

المصدر: صحيفة “إزفيستيا”

مقالات مشابهة

  • دعماً للمنتخب.. الأولمبية تزوّد الجماهير العراقية في الدوحة بالأعلام والتيشيرتات
  • مصدر لـ«التغيير»: الدعم السريع تدفع بتعزيزات عسكرية غرب مدينة الأبيض
  • مؤسسة النفط تبحث مع إيني وبي بي بدء حفر أول بئر استكشافي في المياه العميقة بليبيا
  • أفكار حول الجذور العميقة للأزمة السياسية البنيوية
  • الأمم المتحدة: الجزائر تؤكد التزامها باتفاقية حظر الألغام وتدميرها
  • روسيا: بوتين بعث برقية تهنئة إلى الشرع بمناسبة مرور عام على التغيير
  • روسيا.. ابتكار هلام نانوي يسرع التئام الجروح العميقة
  • فوائد استبدال القهوة بالشاي الأخضر… ماذا يحدث للجسم عند هذا التغيير؟
  • فوائد شرب الحلبة في الشتاء لتعزيز المناعة ومقاومة البرد وتنشيط الجسم طبيعيًا
  • تركيا تناشد روسيا وأوكرانيا عدم استهدف البنى التحتية للطاقة