يوم 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي، نشر فريق من الباحثين نتائج جديدة في مجلة "ساينس" المرموقة حول المخاطر المحتملة الناجمة عن تطوير ما يسمى البكتيريا المرآوية، وقال الفريق، المؤلف من 38 خبيرًا بارزين يعملون في نطاقات المناعة والبيئة وعلم الأحياء التطوري، إن العمل على إنشاء هذا النوع من البكتيريا شهد تقدمًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة، ونحتاج 10 سنوات فقط للوصول إليها.

لذلك، فإن التهديد الذي تمثله البكتيريا المرآوية ليس وشيكًا، لكن البيانات التي خلصت إليها الورقة البحثية تشير إلى أن مجرد ظهورها قد يشكّل مخاطر كبيرة على الكائنات الحية والبيئة. ومن ثم، فقد دعا المؤلفون إلى إجراء محادثات واسعة النطاق بين العلماء وصُناع السياسات وممولي الأبحاث، بغرض وضع مسار أفضل ومحاولة تخفيف المخاطر المستقبلية المحتملة.

لكن ما هي تلك البكتيريا الخطيرة التي تتخذ اسما عجيبا؟ وكيف يعمل العلماء على تخليقها؟ وهل حقًا يمكن أن نتجنب تحويلها لسلاح بيولوجي فتاك؟ حول هذا حاورت الجزيرة نت دكتور جورج تشرش، أستاذ علم الوراثة في جامعة هارفارد والمؤلف المشارك لـ716 ورقة بحثية و164 منشور براءة اختراع، وهو أحد الخبراء المشاركين في تأليف الورقة البحثية المذكورة.

كائنات حية صناعية معكوسة على المستوى الجزيئي (غيتي) كائنات حية معكوسة الجزيئات

في البداية طلبنا من الدكتور تشرش أن يشرح للقارئ بشكل مُبسّط فكرة الحياة المرآوية، فأجاب بأنها كائنات حية صناعية معكوسة على المستوى الجزيئي، وهي مسألة لا تزال افتراضية حتى الآن، لكن التقدم التقني قد يجعلها ممكنة في وقتٍ ما.

ولكي نفهم الأمر، سوف نفترض أنك تضع يدك اليمنى أمام المرآة، وفي هذه الحالة سوف يبدو انعكاسها كما لو كان ليدك اليسرى. وبشكلٍ مماثل، يمكن نظريا أن نصنع نسخة مطابقة معكوسة من الجزيئات الحيوية التي تتكوّن منها الكائنات.

فعلى المستوى الجزيئي، تمتلك هذه الجزيئات أيضًا يدًا تستخدمها وتتعرف من خلالها على بعضها بعضا، ونحن نصف هذه الجزيئات (مثل النيوكليوتيدات التي تبني الحمض النووي أو الأحماض الأمينية التي تبني البروتينات) بأنها يسارية أو يمينية في تكويناتها.

إعلان

إن المسألة أشبه بغرفة مليئة بأشخاص، بعضهم يمتلك يدا يمنى فقط والبعض الآخر لديه يد يسرى، ومن الصعب أن يقوم هؤلاء بالمصافحة بهذه الطريقة، فليس من الطبيعي أن أقوم بمصافحة بين اليدين اليمنى واليسرى، لكن الطبيعي أن نفعل ذلك باليد ذاتها، والشيء نفسه في الجزيئات، فهي تعتمد على اليد، وتتعرف على بعضها البعض من خلال الشكل الذي يشمل اليد، ومن ثم يحدث بينها الترابط بالطريقة التي تتقابل بها اليدان اليمنى واليسرى للمصافحة.

مخاطر محتملة

ويشير مايكل كاي، أستاذ الكيمياء الحيوية في جامعة يوتا، وهو أحد المشاركين أيضًا في الورقة البحثية، إلى أن إنشاء بكتيريا مرآوية قد يمثل تهديدًا نظرًا لإمكانية تكاثرها دون رادع، لأنه ليس من الوارد في حالة مثل هذه أن يتم التحكم فيها بواسطة أي من آليات المكافحة الطبيعية التي تمنع البكتيريا من التكاثر والنمو والمفرط.

ويضيف كاي إن هذه الآليات، المتمثلة في الجهاز المناعي وإنزيمات الجهاز الهضمي أو في المضادات الحيوية، تعمل مثل الكائنات المفترسة للبكتيريا وتساعد في إبقائها تحت السيطرة، وليس متوقعًا أن تعمل هذه الآليات على الكائنات المرآوية بالطريقة ذاتها، لأنه على الرغم من تلك البكتيريا تشبه كيميائيا البكتيريا المعتادة، إلا أن انعكاسها الكيميائي يصعب ارتباط المضادات الحيوية مثلا بها، نحتاج في هذه الحالة لمضاد حيوي معكوس الصورة، من ناحية كيميائية، وربما لا يصلح.

ومن جانبه، لا يقدم تشرش تأكيدًا تامًا على ما ذكره كاي، حيث يرى أنه ربما تكون هناك كائنات مرآوية بالفعل على الأرض وأن أجسامنا قد اعتادت التعامل معها، لكن ذلك سيبقى أمرًا غير معلوم، صحيح أن لا أحد سبق أن عثر عليها، لكن هذا لا يعني أنها غير موجودة، ربما فقط لم نبحث عنها بشكل صحيح.

كما أن ثمة احتمالًا لوجود إنزيمات يمكنها التعامل مع الشكل المرآوي دون أن نعلم شيئًا عنها، وربما أيضًا تتمكن البكتيريا الطبيعية من التعامل مع المرآوية والتخلص منها في حالة ظهور الأخيرة، أو أن البكتيريا الطبيعية في ذلك الوقت قد تتطور وتصبح قادرة على التهامها.

إعلان

ويضيف تشرش "ونحن نعلم أن البشر لا يتكونون من خلايا بشرية فقط، فهم مغطوّن ومليئون بطبقة من الكائنات الدقيقة والبكتيريا. وبالتالي، فإن الكائنات الحية الدقيقة في أجسامنا وأجسام النباتات قد تحقق ما لا يستطيع الجسم البشري القيام به بمفرده".

وعلى سبيل المثال، تحتوي أمعاء الناس في اليابان على ميكروبات تفرز بعض الإنزيمات القادرة على هضم الأعشاب البحرية، بينما لا يمتلك الناس في أميركا الشمالية ميكروبات مماثلة، وقد يحدث أن تتكيف الكائنات الحية في أجسامنا مع الوضع في حالة ظهور بكتيريا مرآوية.

ومع ذلك، يشير تشرش إلى أنه إذا ابتكر شخص ما عمدًا نوعًا من البكتيريا الخارقة، فلا يزال ثمة احتمال قائم بأن تطغى على جهاز المناعة لدينا، لأن جهاز المناعة البشري مهم لمحاربة البكتيريا وقد تدرب وتطور للقيام بذلك مع الوقت، وإنشاء بكتيريا جديدة قد يؤدي إلى إخفاق الجهاز المناعي في التعرف عليها، وبالتالي عدم القدرة على هضمها وقتلها والتسبب في الإصابة بالأمراض.

ويعني ذلك وجود قدر كبير من عدم اليقين في الوقت الحالي، فليس هناك ما يكفي من المعلومات للتنبؤ بالمسار الذي قد تتخذه الكائنات الدقيقة المرآوية في حالة ظهورها، ولا بالمخاطر التي قد تترتب على ذلك.

ليس هناك ما يكفي من المعلومات للتنبؤ بالمسار الذي قد تتخذه الكائنات الدقيقة المرآوية في حالة ظهورها (شترستوك) سلاح بيولوجي أم سبيل للعلاج؟

وبسؤال دكتور تشرش حول إمكانية سعي بعض المعامل العسكرية إلى تسريع العمل على إنتاج بكتيريا المرآة بغرض استخدامها كسلاح بيولوجي، أشار إلى ذلك كان بالفعل جزءًا من المخاوف التي طرحتها الورقة البحثية.

ويضيف "ولكن إذا كنت قلقًا من استخدامها مستقبلًا كسلاح، فهناك الكثير من الأشياء التي يمكن توظيفها بهذا الشأن، حيث يجب أن تقلق من الفيروسات أيضًا، ونحن نجري الكثير من الأبحاث حول الفيروسات، ولا يمكن أن نوقف ذلك لمجرد أن شخصًا أو جهة يمكنه استخدامها كسلاح، لذلك لم أتفق تمامًا مع بعض استنتاجات البحث، لكني شعرت بأنه من الهام مناقشتها علنًا بدلا من إخفائها".

إعلان

جدير بالذكر أن تشرش نجح عام 2016، بمشاركة فريق من الباحثين في جامعة تسينغهوا الصينية، في تطوير إنزيم مرآوي يقوم باثنتين من أهم العمليات الحيوية، هما: نسخ الحمض النووي وتحويله إلى حمض نووي ريبوزي، وهو الأمر الذي وصفه تشرش في ذلك الوقت بـ"العلامة الرائعة الفارقة". والحمض النووي يمثل شفرات الحياة الموجودة في أنوية كل خلايانا، والمسؤولة عن تركيب كل شيء في الجسم تقريبا، بداية من لون الشعر والعينين ووصولا إلى أدق التراكيب الخلوية.

لكن هذا لا يحدث بشكل مباشر، بل يجب أن تخرج تلك الشفرات خارج النواة ليتم فكها، وهنا يظهر الحمض النووي الريبوزي الذي يمثل الرسول الناقل لتلك الشفرات، ومن ثم يتم تحويلها إلى بروتينات.

وفي هذا السياق، أشار تشرش إلى أن هدفه النهائي، المتمثل في صُنع خلية مرآوية، لا يزال يواجه تحديات هائلة، نظرًا لأن ترجمة الحمض النووي الريبوزي إلى بروتينات تتم بواسطة الريبوسوم، وهو آلة جزيئية معقدة وتبدو إعادة بناء صورة معكوسة لها مهمة شاقة. وبدلا من ذلك، كانت جهود تشرش تتركز في محاولة تحوير الريبوسوم الطبيعي بغرض تمكينه من التعامل مع الحمض النووي الريبوزي المرآوي.

ووفقا لذلك، فإن مشاركة تشرش في الورقة البحثية الأخيرة -التي تناقش المخاطر المحتملة لبكتيريا المرآة- تأتي في سياق الدعوة إلى مناقشة متأنية ومدروسة لهذه المخاطر، قبل اتخاذ قرارات بشأن متابعة الأبحاث بهذا الصدد، وأنه لا ينبغي المضي قدمًا في إنشاء بكتيريا مرآوية إذا لم تظهر أدلة دامغة تؤكد أن هذه الكائنات لن تشكل تهديدًا على الحياة، خاصة أن ثمة فريقًا على جانب آخر يرى منافع منتظرة وجوانب إيجابية في توليد خلايا مرآوية.

وبسؤاله عن أوجه الاستفادة تلك، أشار تشرش إلى أن الجزيئات المرآوية تعيش لفترة أطول سواء في البيئة أو الجسم البشري، وهذه هي الميزة الرئيسية التي يمكن استثمارها في النواحي العلاجية، نظرًا لأن بعض الأدوية المكوّنة من بروتين، تواجه تحللًا سريعًا في الجسم بواسطة الإنزيمات الهضمية، ويحدث ذلك أحيانا في غضون دقائق ويجعل علاج الأمراض المزمنة صعبًا.

إعلان

ولكن الإنزيمات الهضمية لا تتعرف على الجزيئات المعكوسة (المرآوية) مما يمنحها القدرة على الاستمرار داخل الجسم لوقت أطول وأداء وظيفتها بفعالية. وفي الوقت الحالي يتم تحضير هذه العلاجات المرآوية كيميائيا، غير أن ذلك مكلف ماديا، وفي حالة تطوير بكتيريا مرآوية يمكنها أن تقوم بتصنيع مثل هذه الجزيئات المعكوسة، بما يسمح بإنتاج العلاجات المرآوية على نطاق واسع وبطريقة أكثر كفاءة.

المضادات الحيوية جزيئات صغيرة تستهدف آليات البقاء أو التكاثر في البكتيريا (شترستوك) المضادات الحيوية.. تأثير محدود

وحول إمكانية ابتكار أو استخدام مضادات حيوية مرآوية أيضًا، لمكافحة بكتيريا المرآة في حالة تفشيها أو تهديدها للحياة مستقبلًا، أوضح دكتور تشرش أن المضادات الحيوية جزيئات صغيرة تستهدف آليات البقاء أو التكاثر في البكتيريا، وتشكل واحدة من أهم الطُرق لمكافحة العدوى البكتيرية، ورغم أن معظم المضادات الحيوية ليست مرآوية، لكن هناك مجموعة من الحقائب التي تحتوي على مواد كيميائية، ونعلم من خلال النظر إليها أنها قادرة على العمل في حالة بكتيريا المرآة، كما أن تلك المضادات الحيوية التي لن تعمل إلا في الحياة الطبيعية، يمكن (بدرجات متفاوتة من الصعوبة) أن نصنع منها نسخا مرآوية.

لكن المشكلة تكمن في التغطية، لأن انتشار عدوى بكتيريا مرآوية لن يفرق بين الإنسان والنباتات والحيوانات، وسوف تكون الأنواع كلها معرضة للخطر، ونحن لم نضطر أبدًا إلى حمايتهم جميعا في وقت واحد، أضف لذلك قابلية هذه البكتيريا للتنوع التطوري في البرية، وبالتالي فإن المضادات الحيوية ربما لن تمنع إلا جزءا ضئيلا من ضرر هائل.

وتتناول الورقة البحثية هذه المسألة بالمزيد من التفصيل، حيث تشير إلى احتمالية تطور أنواع معينة من البكتيريا المرآوية، بحيث تصبح بعيدة عن منال أي من المضادات الحيوية المعروفة، كما أن قابلية استجابة البكتيريا للمضاد الحيوي ليست العامل الوحيد الذي يحدد الفعالية السريرية.

إعلان

وعلى سبيل المثال، فإن الخصائص الحركية الدوائية للمضاد الحيوي قد تجعله غير قادر على الوصول إلى موقع معين من العدوى بتركيز كافٍ لإحداث التعافي. وبالتالي، فمن غير المؤكد ما إذا كان المضاد الحيوي -الذي من المتوقع أن يحتفظ بفعاليته عبر أنواع مختلفة من البكتيريا المرآوية- سوف يعالج فعليًا الالتهابات الناجمة عن سلالة بكتيرية مرآوية معينة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات المضادات الحیویة الورقة البحثیة من البکتیریا الحمض النووی التعامل مع فی حالة إلى أن

إقرأ أيضاً:

معركة الوعي والتعبير بين هارفارد وأخواتها

التعليم عنصر رئيس ومبتغى حيوي للمؤسسات الحكومية والخاصة، العالمية والمحلية، وحتى الأفراد حين يتصاعد الحديث حول تشكيل الوعي أو توجيهه في بلاد ما، أو حتى في العالم أجمع، لا سيما مع ما يعيش العالم اليوم من انفتاح وتسارع يجعل مهمة تشكيل الوعي مهمة مفتوحة تفاعلية بين الأنا والآخر.

ومع التركيز على التعليم كانت مؤسسات التعليم العالي هدفا للتأثير والتأثر بين ما لا يمكن تجاهله، وما لا ينبغي تداوله، لكن السؤال اليوم هو ذاته سؤال الدوائر المغلقة قديما عن مجتمعات معزولة، أو جماعات متفرقة، فهل يمكن عزل المؤسسة الأكاديمية -خاصة الجامعات- عما يحدث سياسيا أو اقتصاديا أو حتى مجتمعيا؟ ثم هل هذا العزل والإقصاء في مصلحة الجامعات ومنتسبيها؟ ليس هذا الطرح بالمبحث الجديد؛ فطالما تدخلت الجامعات بأساتذتها وطلابها لتغيير مجرى الأحداث الكبرى مجتمعيا بتشكيل جبهة لصنع الرأي، وتجييش الجهود وصولا لهدف أراده الساعون مرآة لمستوى وعي المنتسبين لهذه الجامعات.

وما هذا السجال بين الجامعات الغربية، وحكوماتها اليوم إلا انعكاس لضفتي التأثير والتأثر بين جامعات متحققة واثقة بمستوى الوعي، والقدرة على التأثير والتغيير معا، وحكومات همها تنفيذ أجنداتها السياسية والاقتصادية دون تشويش الجامعات ومنتسبيها على هذه الخطط، وكأنها تضع الجامعات في مربع التلقي والتلقين وحسب، بعيدا عن خطابات التعبير عن الرأي، أو قرارات المؤسسة التعليمية التي قد تتعارض والسياسات الحكومية. ولو كان نقاشا حول جامعات غير معروفة لكان الأمر هينا مسكوتا عنه، لكن كيف لجامعة لها ثقلها في التصنيف العالمي الركون للصمت، والاستسلام للدعة، بل واختيار التعامي عما يحدث من كوارث وحروب صنعتها حكومات يحركها النزاع على السلطة والتوسع والاحتكار؟!

منذ بدأت أحداث غزة الأخيرة وبعض الجامعات الغربية تنهض بدورها في احترام حرية الرأي والتعبير، فيما استسلم بعضها الآخر لضغوطات التهديد بوقف الدعم وتقليص الإنفاق، وبين هذه وتلك دفع الكثير من منتسبي الجامعات ضريبة رأيهم السلبي أو الإيجابي بين استهجان العامة والمقاطعة المجتمعية، أو تحمل العقوبات الإدارية من تقييد أنشطة وتهميش، وحتى الفصل وإنهاء الخدمات. لكن المؤسسة ذاتها تعرضت للأمرين بين نشاط بلغ الإصرار على الضغط على الجامعات وشركائها لقطع علاقاتها مع إسرائيل، وردود فعل حكومية بلغت قطع أو تقليص ميزانية هذه الجامعات؛ عقابا على موقفها المخالف للحكومة.

وخلال هذه الأيام تعود هذه المواجهة بين الطرفين؛ إذ توافد -على مدار 24 ساعة متواصلة -عشرات من الطلاب والأكاديميين والنشطاء إلى ساحة جامعة هارفارد الأمريكية في وقفة حداد قرأوا خلالها أسماء قرابة 12 ألف طفل فلسطيني قتلتهم القوات الإسرائيلية في قطاع غزة، في مشهد مهيب يعكس فداحة المأساة الإنسانية المستمرة منذ أكثر من 600 يوم من الحرب والحصار، بالتزامن مع إعلان منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» أن نحو 50 ألف طفل فلسطيني استشهدوا أو جُرحوا منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، مشيرة إلى أن القطاع أصبح «أخطر مكان في العالم على الأطفال».

أتت هذه الوقفة بعد إعلان السلطات الأمريكية إعادة النظر في التمويل الممنوح لجامعة هارفارد البالغ 9 مليارات دولارعلى خلفية اتهامات بـ«معاداة السامية» في الحرم الجامعي، وذلك بعد سحب ملايين الدولارات من جامعة كولومبيا التي شهدت احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين، ضمن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتجريد هذه الجامعات من التمويل الفيدرالي لموقفها من حرب إسرائيل على غزة في 7 أكتوبر 2023. كما طلب من مسؤولي الهجرة ترحيل الطلاب الأجانب المتظاهرين لاسيما حاملي بطاقات الإقامة. وسينظر المسؤولون في عقود بقيمة 255.6 مليون دولار بين هارفارد والحكومة بالإضافة إلى 8.7 مليار دولار من التزامات المنح متعددة السنوات للمؤسسة المرموقة، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». ويرى منتقدون أن حملة إدارة ترامب انتقامية، وسيكون لها تأثير مخيف على حرية التعبير، بينما يصر مؤيدوها على أنها ضرورية لإرساء النظام في الجامعات، وحماية الطلاب اليهود.

ثم تأتي مواجهة جديدة للتصعيد بعد صخب الحرب الاقتصادية بين حكومة ترامب والصين؛ فقد أعلن وزير الخارجية ماركو روبيو أن الولايات المتحدة ستبدأ إلغاء تأشيرات بعض الطلاب الصينيين ضمن حملة أوسع تستهدف الطلاب الأجانب في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن القرار لا يقتصر على هارفارد وحدها؛ إلا أنه يزيد من حالة القلق وعدم اليقين في الحرم الجامعي، كما يقول أستاذ العلوم الحكومية في هارفارد ستيف ليفيتسكي: «إن اتهامات الإدارة ما هي إلا مبررات سياسية، ما نشهده هو محاولة منهجية لإضعاف استقلال التعليم الأكاديمي.

تتجاوز هذه التداعيات حدود حرم الجامعة في هارفارد»؛ إذ يُسهم الطلاب الأجانب بما يُقدّر بــ 40 مليار دولار سنويا في الاقتصاد الأمريكي، وفي الجامعة يشكلون حوالي 25 بالمائة من إجمالي الطلاب، وتزيد النسبة في بعض البرامج الدراسية العليا. كما أشار إلى أن الأمر لا يتعلق بهارفارد فقط، بل بمستقبل التعليم والديمقراطية في أمريكا محذرا من أن السماح للحكومة بمعاقبة الجامعات لأسباب سياسية يعد سابقة خطيرة.

ختاما؛ جدير بالمتعلمين والمثقفين اختيار الحق خيارا أبديا، فلا يمكن لمراكز التعليم والتعلم إلا تصدر صناعة الوعي، ونشر القيم في احترام الأرض والإنسان، والسعي لسلام العالم، وتنمية المجتمعات، وأمان مواطنيها. وما هذه المعارك التصادمية، وهذه المواجهات المفصلية إلا اختبار ثباتها في تأسيس المعارف، ونشر العلوم، وقياس قدرتها ومنتسبيها على تمثل الوعي سبيلا لخدمة الإنسان وتنمية الأوطان. وفي هذه المعارك تبقى الكلمة الفصل للوعي الحقيقي، والقيم النبيلة ثوابت لا تتغير، ويبقى الساسة وسباقاتهم ومصالحهم متغيرات يبدلها الوقت، وتغيرها المراحل.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية

مقالات مشابهة

  • ميسي على أعتاب الدوري السعودي.. مواجهة جديدة مع رونالدو تلوح في الأفق
  • عوالم خفية.. الجزيرة نت تحاور عالما عربيا فك شفرة ممالك النمل
  • مندوسا على أعتاب الرائد والإدارة تتحرك لتصفية الديون
  • هذا هو عقاب هارفارد والجامعات التي خانت طلابها
  • معركة الوعي والتعبير بين هارفارد وأخواتها
  • تواصل الأزمة بين ترامب وجامعة هارفارد
  • خبير اقتصادي: نمو القطاعات الحيوية يدفع بسوق العمل نحو التعافي
  • مفاجأة.. ميسي على أعتاب الدوري السعودي
  • رئيس جهاز المخلفات يترأس اجتماع اللجنة التنفيذية الرابع لمؤسسة الطاقة الحيوية للتنمية المستدامة
  • رئيس المخلفات يترأس اجتماع اللجنة التنفيذية لمؤسسة الطاقة الحيوية للتنمية المستدامة