نجاة عبد الرحمن تكتب: هدم الأسرة هدم للدولة
تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT
هدم الدولة يبدأ من هدم الأسرة، مما يترتب عليه من تفكك وعدم الاستقرار. ويعود فى النهاية على الدولة وترابطها وصلابتها وقوتها، كيف لمجتمع مفكك أسريا يقوم بالبناء والنهضة .
يعد تدخل الأهل في حياة أبنائهم المتزوجين انتهاكاً لخصوصية العلاقة الزوجية، وظاهرة يعاني منها المجتمع المصري بشكل كبير، وأحد الأسباب الرئيسية في ارتفاع معدلات الطلاق في مصر، و يأتى تدخل الأهل في حياة أبنائهم ضمن أسباب الطلاق المبكر، بسبب عدم توافر خصوصية للعلاقة الزوجية، و هذا الأمر يؤدي إلى طرح أفكار سواء من هذا الجانب أو ذاك على الشباب، وهي أفكار قد تكون سلبية أو إيجابية، ولا انكر أن هناك "أسرا حكيمة تتدخل بشكل إيجابي من أجل بقاء هذه الأسرة، وتنمي فيها الشعور بالانتماء لبعضهما البعض".
لذلك يجب على اهل الزوجين عدم التدخل فى شئون اولادهم المتزوجين، و"ترك مساحة للزوجين لخوض التجربة وضرورة وجود نوع من الاستقلالية في الحياة حتى يسطيع الزوجان حل مشاكلهما دون تفاقم أو الوصول لـ الطلاق المبكر ، ولتقليل نسب الطلاق داخل المجتمع المصري بعدما اصبحت ظاهرة تهدد استقرار المجتمع .
سعت الدولة المصرية من جانبها بكل مالديها من صلاحيات لتقليل نسب الطلاق عن طريق عدة إجراءات منها مبادرة "مودة" التي تهدف إلى تنظيم دورات تدريبية للمقبلين على الزواج، على أن يكون احد الشروط الملزمة التى يطلبها المأذون لعقد القران هو شهادة تفيد بحصول العروسان على دورة تدريبية وتم اجتيازها بنجاح وتكون ملزمة للمقبلين على الزواج، كتدريب، يحصل عليه الشباب وفق 3 خطوات؛ لأن عملية الزواج وبناء أسرة ليست عملية بسيطة، والدولة ترغب في الحفاظ على الأسرة المصرية، وخفض معدلات الطلاق وحماية الأطفال من أسر مفككة وتداعياته السلبية على الأطفال.
فإن استقرار المجتمع المصري أساسه استقرار الأسرة في كيان واحد لذلك عملت الدولة المصرية على تدشين منهج تدريبي يضم علماء الدين، والمناهج التربوية والنفسية للمقبلين على الزواج من النواحي الأسرية، والاجتماعية، والنفسية، والتوسع في مجالات الاستشارات النفسية ومواجهة جميع المشاكل الأسرية والصحية، ومتابعة الزوجين برامج التربية الايجابية للأطفال.
وتأتى السوشيال ميديا من أهم أسباب الطلاق المبكر التي تنهي الحياة الزوجية بسبب تداول الخلافات البسيطة عبر صفحاتها و يتدخل كل من هب و دب ويدلي بدلوه مما يؤدى الى اشتعال الامر بين الزوجين وخاصة فى مرحلة ما قبل الانفصال حيث تبدأ العلاقة الزوجية فى اتخاذ شكلين مهمين، الانفصال العاطفي أو الخرس الاختياري، وهي المرحلة التي يصل فيها الزوج والزوجة لمرحلة من اليقين أنه لا مفر سوى الانفصال.
لذلك لابد من النصح للزوجين بضرورة البعد عن السوشيال ميديا وعدم طرح امورهم الخاصة وخلافاتهم عبر عالم افتراضى، ويجب أن يعمل كل طرف على إصلاح نفسه قبل أن ينظر لأخطاء الطرف الثاني ويتعايش تعايشا سلميا والتأقلم مع الظروف الموجودة، وأن يكون هناك حسن استماع وإنصات وتبادل الأدوار لمعرفة تأثير أي رد فعل يصدر منا على الطرف الأخر .
والحذر ثم الحذر من اللجوء لطرف ثالث عند حل المشكلات حتى لا تتفاقم وألا تطول فترة الخصام وعدم الوصول بالخلاف لمرحلة الانفجار، و لا بد من وجود تنازل نسبي في بعض المواقف للحفاظ على كيان الأسرة .
وكما ذكرت خلال السطور السابقة أن تدخل الآباء يعد من أكبر الكبائر في الحياة الزوجية ويؤدي إلى الانفصال السريع، نظراً لوجود غضب مكبوت داخل الزوج والزوجة نتيجة الشحن الدائم من قبل الأهل، ويلحق ضررا نفسيا قبل الضرر الاجتماعي و 70% من حوادث الطلاق في مصر تمت خلال العام الأول من الزواج، بسبب تدخل الأهل في حياتهم وتقوية كل طرف على الأخر.
لذلك انصح الأهل بعدم التدخل في حياة أولادهم وفطامهم اجتماعياً وتركهم يشكلون حياتهم طبقا لرؤيتهم، وعلى الزوجة الصبر للحفاظ على الأسرة.
و طبقا للإحصائيات الرسمية عن سن الطلاق سجلت أعلى نسبة طلاق في الفئة العمرية (من 30 إلى أقل من 35 سنة)، حيث بلغ عدد الإشهادات بها 48342 إشهاداً بنسبة 19.8%، بينما سجلت أقل نسبة طلاق في الفئة العمرية (من 18 إلى أقل من 20 سنة)، حيث بلغ عدد الإشهادات بها 390 إشهاداً بنسبة 0,2% من جملة الإشهادات وقد بلغ متوسط سن المطلق 40.1 سنة خلال العام الماضي .
وبالنسبة للمطلقات، فقد سجلت أعلى نسبة طلاق في الفئة العمرية (من 25 إلى أقل من 30 سنة)، حيث بلغ عدد الإشهادات بها 43427 إشهاداً بنسبة 17.8%، بينما سجلت أقل نسبة طلاق فى الفئة العمرية (65 سنة فأكثر)، حيث بلغ عدد الإشهادات بها 1637 إشهاداً بنسبة 0,7% من جملة الإشهادات وقد بلغ متوسط سن المطلقة 33.8 سنة خلال العام الماضي، الامر الذى ينذر بكارثة حقيقية تهدد الامن القومي المصري .
لنا ان نتخيل خلال العشرين عاما القادمة سوف نجد اختفاء تام لكيان الاسرة ويصبح لدينا شباب وشابات نشأوا فى محيط مفكك تسوده صراعات بين الام والاب داخل ساحات المحاكم وأقسام البوليس، بالطبع سيكونوا مشوهين نفسيا واخلاقيا و غير قادرين على البناء وفاقدين للانتماء مما يعود بالضرر على مجتمع مفكك من الداخل، سهل النيل منه من الخارج .
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: طلاق فی
إقرأ أيضاً:
العراق: الإدارة المالية للدولة والعبث!
يفترض أن يكون الدستور والقانون، المرجع الوحيد ذا الطبيعة الإلزامية الذي يحكم عمل الدولة، وينظم السلطات العامة فيها. لكن في العراق لا تبدو هذه الفرضية صحيحة؛ وعلى جميع مستويات إدارة الدولة؛ فقد ألزم الدستور الحكومة بتقديم مشروع قانون الموازنة العامة والحساب الختامي (حساب الإيرادات الفعلية والمصروفات الفعلية لسنة مالية منتهية) إلى مجلس النواب لإقراره. لكن الحكومات المتعاقبة، ومجالس النواب المتعاقبة، تواطأت جميعها على إقرار قوانين الموازنة العامة دون إقرار قوانين الحسابات الختامية، وإلى حد هذه اللحظة لم تقدم الحسابات الختامية للسنوات 2016 إلى 2024 إلى مجلس النواب لإقرارها، وآخر حسابات ختامية قدمت إلى مجلس النواب، كانت موازنة عام 2015 وقد أقرت عام 2023!
ما يعكس عدم اهتمام مجلس النواب باقرار قوانين الحسابات الختامية، هو التنازع بين القوانين التي شرعها والمتعلقة بهذه المسألة؛ فبينما نص قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم 13 لسنة 2018 على أن «يعرض الحساب الختامي على المجلس في مدة لا تزيد على تسعة أشهر من تاريخ انتهاء السنة المالية» (المادة 21/ أولا). نص قانون الإدارة المالية رقم 6 لسنة 2019 على أن «يعلن وزير المالية تاريخ غلق الحسابات الختامية للسنة المالية المنتهية على أن لا يتجاوز (31/1) من السنة اللاحقة»، وأن يصدر ديوان الرقابة المالية تقريره عن هذه الحسابات «في موعد أقصاه نهاية شهر حزيران من السنة اللاحقة» (المادة 28/ أولا وثالثا). وبالتالي يفترض أن تعرض هذه الحسابات وتدقيقها خلال ستة أشهر وليس تسعة أشهر!
وسبق للمحكمة الاتحادية العليا أن أثبتت بقرارها (190/ اتحادية/ 2023) أن الحساب الختامي «يشكل عاملا أساسيا، إن لم يكن العامل الأول، في وقف هدر المال العام والحد من ظواهر الفساد المالي والإداري الذي تعاني منه مؤسسات الدولة». وأنها من خلال التحقيقات التي أجرتها قد ثبت لديها «عدم التزام كل من وزارة المالية ومجلس الوزراء بإنجاز الحسابات الختامية ضمن التوقيت المحدد في الدستور والقانون»، وألزمت رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية بتقديمها وفقا لتلك التوقيتات!
في عام 2023 أُقرت موازنة اتحادية لمدة ثلاثة أعوام، وبالرغم من أن قانون الإدارة المالية قد اشترط أن يقدم مجلس الوزراء مشروع قانون الموازنة إلى مجلس النواب «قبل منتصف شهر تشرين الأول من كل سنة»، واشترط أيضا أنه «لا يجوز أن يزيد العجز في الموازنة التخطيطية عن 3٪ من الناتج المحلي الإجمالي» (المادة 6/ رابعا) لكن مشروع قانون الموازنة لم يصل إلى مجلس النواب إلا في 16 آذار/ مارس 2023، أي بعد أكثر من خمسة أشهر عن التاريخ المحدد في القانون، فيما زادت نسبة العجز المخطط في الموازنة عن 20٪ تقريبا من الناتج المحلي الاجمالي، أي سبعة أضعاف النسبة المحددة في القانون (وفقا لأرقام البنك الدولي فقد بلغ الناتج المحلي الاجمالي للعراق 250.84 مليار دولار في العام 2023، فيما بلغت نسبة العجز المخطط في الموازنة ما يقارب 49.6 مليار دولار). كما قرر القانون أنه من بين مصادر تمويل هذا العجز الهائل، قروض داخلية وخارجية بما يزيد قليلا عن 10 مليار دولار!
يفترض أن يكون الدستور والقانون، المرجع الوحيد ذا الطبيعة الإلزامية الذي يحكم عمل الدولة، وينظم السلطات العامة فيها قبل أيام قرر مجلس الوزراء العراقي تخويل وزيرة المالية صلاحية «سحب مبالغ الامانات الضريبية التي لم يمض عليها خمس سنوات»، والتي تبلغ ما يقارب 2.3 مليار دولار، لتمويل وتسديد الرواتب الحكومية «على أن تجري التسوية النقدية شهريا عند المطالبة بها»، وسوغت وزريرة المالية هذا القرار بالقول: «الإجراء طبيعي لتعظيم إيرادات الموارد والسيطرة عليها بكافة انواعها»!
والأمانات الضريبية مبالغ تودعها الشركات لحين إكمال التحاسب الضريبي، ولا تعد من الإيرادات العامة للدولة، إلا بعد مرور خمس سنوات على إيداعها دون المطالبة بها كما يقرر القانون. وبالتالي فان قرار مجلس الوزراء يُعد اجراء مخالفا للقانون من أوجه عدة، وليس «إجراء طبيعيا» كما قالت وزيرة المالية.
فضلا على أن استخدام أموال الأمانات الضريبية لتسديد الرواتب االحكومية يمثل دينا داخليا إضافيا ما يزيد حجم هذا الدين الذي وصل إلى أرقام غير مسبوقة في ظل الحكومة الحالية؛ فقد ارتفع الدين الداخلي عام 2023 2023 من 48.624 مليار دولار إلى 55.033 مليار دولار، وارتفع أيضا في نهاية النصف الأول من عام 2024 ليصل إلى 58.995 مليار دولار وفقا لأرقام وزارة المالية. فيما يقدم البنك المركزي العراقي أرقاما مختلفة، فعلى موقعه الرسمي بلغ الدين الداخلي في العام 2024 ما يقارب 63.883 مليار دولار وفقا لسعر الصرف الرسمي، في حين قرر قانون الموازنة أنه يجب أن لا يزيد الدين الخارجي والداخلي عن 10 مليار دولار! كما أن قانون إدارة الدولة اشترط أن الااقتراض لتمويل العجز يجب أن يكون «ضمن الحدود القصوى المقررة في قانون الموازنة العامة الاتحادية» (المادة 39/ اولا)!
كان يمكن للدولة أن تلجأ إلى إجراءات أخرى لتخفيض العجز الكبير في الموزانة العامة، خاصة بعد الانخفاض الكبير في أسعار النفط (بلغ سعر برميل النفط المقدر في قانون الموازنة 70 دولارا وانخفاض سعر النفط عن هذا السعر سيعني زيادة العجز في الموازنة بأكثر من 1.5 مليار دولار عن كل دولار واحد) من بينها خفض الإنفاق الحكومي، أو خفض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار، لكنها لم تفعل ذلك لأسباب انتهازية بحتة، تتعلق بقرب موعد الانتخابات، وعدم استعدادها للذهاب إلى اجراءات اقتصادية يمكن أن تفقدها بعض الأصوات؛ لهذا كان الحل هو كالعادة اللجوء إلى انتهاك أحكام القانون في سياق التواطؤ الجماعي على عدم احترام القانون بشكل منهجي، فالقانون بالنسبة للطبقة السياسية العراقية مجرد «سطر تكتبه وسطر تمسحه» متى شاءت، ومتى ما اقتضت مصالحها ذلك!
(القدس العربي)