العقيدة الإسلامية هي حقيقة ثابتة وشاملة تُحدد علاقة الإنسان بربه، وبنفسه، وبالآخرين، وبالكون من حوله. فعاليتها تكمن في تحويل الإيمان إلى قوة دافعة للإصلاح والتنمية، مما يجعلها الأساس المتين لبناء الفرد والمجتمع.

الكاتب والمفكر التونسي الدكتور عبد المجيد النجار وهو أحد المفكرين والباحثين في مجال الفقه والفكر الإسلامي المعاصر يواصل في هذه السلسلة من المقالات التي تنشرها "عربي21" بالتزامن مع نشرها على صفحته على منصة "فيسبوك"، البحث في مدلول العقيدة الإسلامية ومفرداتها.



أ ـ التأطير العقدي للفكر

إن الفكر يسبق العمل، وليس العمل إلا نتاجا للفكر، ولا يكون الفكر الإسلامي رشيدا إلا إذا كان موصولا بالاعتقاد، صادرا عنه، ويتمّ ذلك بأن يكون المسلم في كل ما يفكر فيه لإنتاج الرؤى والتصوّرات والمخطّطات والمشاريع مستحضراً للعقيدة الإسلامية استحضارا تكون به تلك العقيدة حالا له لا مجرّد مفردات يحملها ذهنه.

وبهذا الاستحضار الحالي يتكيف الفكر بمقتضيات العقيدة أولا في مستوى القصد والعزم، فيوضع إذن الفكر في سياق الاعتقاد ابتداءً، ويوطّد على نهجه ليتحرّك ضمنه. ثمّ يتكيّف بعد ذلك في حركة بنائه للأفكار والصور بمقتضيات العقيدة بأن يتّخذ من معانيها ومقاصدها ناظماً ينظم كل تلك الرؤى والصور، ويكوّن منها بناءً متكاملاً في كل ميدان أراد فيه بناء، حتى تكون العقيدة هي الروح السارية في كل فكرة بعينها، وفي كل بناء فكري مركّب..

إن الفكر يسبق العمل، وليس العمل إلا نتاجا للفكر، ولا يكون الفكر الإسلامي رشيدا إلا إذا كان موصولا بالاعتقاد، صادرا عنه، ويتمّ ذلك بأن يكون المسلم في كل ما يفكر فيه لإنتاج الرؤى والتصوّرات والمخطّطات والمشاريع مستحضراً للعقيدة الإسلامية استحضارا تكون به تلك العقيدة حالا له لا مجرّد مفردات يحملها ذهنه.وعلى سبيل التمثيل لذلك فإن الفكر الإسلامي إنما يكون رشيدا عقديا حينما يكون نظره في الكون لبناء صورة علمية عنه موجّها في كلّ حين بحقيقة وحدانية الله في أفعاله، تلك الوحدانية التي كان بها الكون موحَّد القانون، فتحصل إذن تلك الصورة العلمية متولّدة عن وحدانية الله، وحينما يكون نظره لإنتاج قوانين تنظّم المجتمع موجّهاً بوحدانية الله في حكمه، فتكون إذن تلك القوانين مصاغة بحسب وحدانية الله في الحكم، وحينما يكون نظره في النظام الاقتصادي موجّهاً بحقيقة أن الملكية الحقيقية إنما هي ملكية الله، وليس الإنسان إلاّ مستخلفا فيها، وحينما يكون تخطيطه لبرامج استثمار الكون موجّها بعقيدة الارتفاق انتفاعا ورفقاً في نفس الآن، وهكذا الأمر في كل منشط من مناشط الفكر.

وقد كانت المهمّة الأساسية للفكر الإسلامي هي أن يصوغ من الشرع أحكاماً توجّه الحياة، إما صياغة استنباط مباشر من النص، أو صياغة اجتهاد، وفي هذا المجال ظهرت أكبر تجلّياته متمثّلة في الفكر الشرعي المعبّر عنه بعلم الفقه بمعناه الواسع، سواء كان فقهاً تعبّديا أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً.وحينما نطبّق المبدأ الذي بيّناه آنفا في التأطير العقدي للفكر على الصورة الحالية التي عليها الفكر الشرعي موروثة على عهد الانحطاط مفصولاً فيها الوجه العملي عن الوجه العقدي، حينذاك فإن الترشيد الاعتقادي يقتضي أن يصاغ الفكر الشرعي من جديد صياغة عقدية بحيث تبدو فيه روح العقيدة سارية في مفرداته، وفي هيكله العامّ مؤطرة له في كلّ مساراته. ويكون ذلك بأن يتمّ هذا التأطير بصورتين متكاملتين:

الصورة الأولى ـ أن يعمد الفكر الشرعي إلى كل محور من المحاور الأساسية للشريعة فيدرج بين يديه مبحثا عقديا يتعلّق به، ويكون ذلك المبحث كالسند لكافّة قضايا المحور، يوجّه بناءها وترتيبها والاجتهاد فيها عن قرب. فإذا محور العبادات على سبيل المثال يتقدّمه مبحث عقدي في العبادة في المفهوم الإسلامي وخصائصها وأبعادها الروحية والتربوية، ومحور المعاملات الاقتصادية يتقدّمه بحث في المال من الناحية العقدية من حيث حقيقة الملكية في المفهوم الإسلامي، ودورها في الخلافة في الأرض. ومحور الأنكحة يتقدّمه مبحث في الأسرة من حيث أهميتها في البناء الاجتماعي، ودورها في التعمير، وقداسة روابطها ومواثيقها.

وهكذا يمكن أن تدرج في منظومة الأحكام الشرعية بحسب ما يناسب كل محور فيها مباحث عقدية أخرى مثل: قيمة الإنسان المبنية على التكريم، وغاية وجوده التي هي الخلافة في الأرض، وحقوق الإنسان في العدل والمساواة، وعلاقة الإنسان بالكون ومنزلته فيه، والعدالة الاجتماعية، والتكافل الاجتماعي، بحيث لا يخلو باب من أبواب الأحكام الشرعية إلا ويسند إلى مبحث تأصيلي من مباحث العقيدة.

الصورة الثانية ـ أن تقرن القضايا والأحكام الشرعية المندرجة في محاورها العامّة بمغازيها العقدية القريبة المندرجة في مباحثها الكلية المصدّرة بين يدي المحاور، بحيث لا يُقرّر حكم في النظر أو في التطبيق إلا وهو مرتبط بسند عقدي جزئي بالإضافة إلى استناده العام في نطاق محوره إلى السند العقدي العام للمحور كله، فإذا حُكم منع الاحتكار على سبيل المثال مرتبط عند تقريره بمغزى عقدي تربوي هو محاربة الأنانية والجشع والبغي، وذلك في نطاق ارتباطه ضمن محوره الاقتصادي بمبدإ عقدي عام هو أن الملكية الحقيقية للمال هي ملكية الله.

وإذا حُكم الوجوب في بعض وجوه الإنفاق التي يلزم بها وليّ الأمر أثرياء الأمّة مستند إلى مغزى عقدي هو حقّ كفالة المحتاج في المجتمع، وذلك في نطاق ارتباطه ضمن محوره الاجتماعي  بمبدإ عقدي عام هو تكريم الإنسان وحفظه من الهوان، وهكذا الأمر في سائر أحكام الشريعة حينما يباشرها بالتقرير والصياغة والتطبيق.

وبالتكامل بين هاتين الصورتين يكون الفكر الشرعي وهو يعالج واقع الأمة بأحكام الشريعة موجّها بالعقيدة في كل حال، فإذا ثماره من الأحكام تنتظم في سياق عقدي انتظاما محكما، فما من حكم يتقرّر إلاّ وقد وجّه بمغزى عقدي جزئي في نطاق ذلك الكلّي، فتصبح الشريعة بذلك في توجيهها لكافة مناشط الحياة موصولة بالعقيدة لما كان من تأطير عقدي دائم للفكر الذي يقرّرها، فتسري إذن روح العقيدة في كل خاطرة فكر، وفي كل حكم شرعي.

نحسب أن الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين كان له غرض في هذا المعنى من الوصل بين العقيدة والشريعة في نطاق غرضه الأعلى الذي هو الإحياء الروحي لعلوم الدين، ذلك أنه رأى أن علوم الشريعة انحرف بها أهلها إلى الفصل بين أحكامها كما تقررها أفهامهم، وبين روح العقيدة الإسلامية، فتبدّدت بذلك وتشتّتت..ونحسب أن الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين كان له غرض في هذا المعنى من الوصل بين العقيدة والشريعة في نطاق غرضه الأعلى الذي هو الإحياء الروحي لعلوم الدين، ذلك أنه رأى أن علوم الشريعة انحرف بها أهلها إلى الفصل بين أحكامها كما تقررها أفهامهم، وبين روح العقيدة الإسلامية، فتبدّدت بذلك وتشتّتت، فألّف هذا الكتاب الذي بناه على صورة فقهية لأغراض من أهمّها " ترتيب ما بددوه، ونظم ما فرّقوه"، وذلك بإعادة الربط بين العقيدة وبين أحكام الشريعة، فإذا هو يصدّر كتابه ذا الصورة الفقهية بمبحث عقدي عام شامل ترجم له بكتاب قواعد العقائد، ثم هو يتعهّد كل محور فقهي بعد ذلك، وأحيانا كل حكم شرعي بعينه بالوصل بينه وبين مغزاه العقدي ليكون الفكر المستنبط أو الفكر القارئ المتفهم مرتبطا دوما بمعاني العقيدة، مقاومة منه في ذلك لما رآه من "ميل أهل العصر عن شاكلة الصواب، وانخداعهم بلامع السراب، واقتناعهم من العلوم بالقشر عن اللباب" . إنها إذن حركة ترشيد عقدي قام بها الغزالي يريد بها تأطيرا عقديا للفكر كلّه، وهو ما تدعو الحاجة إليه الآن في نطاق ما ندعو إليه من الترشيد العقدي.

ويلحق بالفكر في هذا المجال كل ما هو شبيه به من ألوان المنازع الإنسانية في توليد الصور والتعبير عنها، مثل سائر الآداب والفنون شعرا وأناشيد ورسوماً وحركات جسمية وسواها، فإنها هي أيضاً ينبغي أن تكون موصولة بمعاني العقيدة صادرة بتوجيه منها، بحيث تكون واقعة في النفوس موقع الدفع إلى المتعة الجمالية بآيات الله في الكون، أو موقع الحثّ على العمل والتحفيز إليه، أو موقع الإثارة للدفاع عن النفس أو عن الإنسان المظلوم عامّة، أو الإثارة للحركة في سبيل نشر الخير والحقّ بين الناس لتحقيق معنى الشهادة عليهم، فهذه المواقع التي تقعها في نفوس المخاطبين إنما هي دالّة على المواقع التي منها تصدر من المخاطبين، وهي مواقع التوجيه العقدي الشامل.

إقرأ أيضا: العقيدة الإسلامية أساس الدين كله والمرجع الذي يوجّه الأحكام..

إقرأ أيضا: العقيدة الإسلامية من الدلالة الغيبية النظرية المؤسّسة إلى البعد العملي

إقرأ أيضا: ترشيد مدلول العقيدة في تصوّر المسلمين يستلزم نظرا جديدا في المفردات

إقرأ أيضا: العقيدة الإسلامية ليست مفاهيم تنحصر قيمتها في التصديق القلبي بها

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير العقيدة اجتهاد عقيدة اجتهاد مفاهيم سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العقیدة الإسلامیة الفکر الإسلامی علوم الدین إقرأ أیضا الله فی فی نطاق ذلک فی موج ها فی هذا

إقرأ أيضاً:

الجهاد الإسلامي لـعربي21: ويتكوف لم يكن وسيطا نزيها ولن نسمح بابتزاز المقاومة

استنكر المتحدث الإعلامي باسم حركة الجهاد الإسلامي، محمد الحاج موسى، التصريحات الأخيرة التي أطلقها المبعوث الرئاسي الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، التي اتهم فيها حركة حماس بعرقلة المفاوضات، قائلا: "هذه التصريحات ليست سوى امتداد لتكتيك أمريكي قديم ومعروف يُستخدم عند كل فشل سياسي، لكننا لن نسمح بابتزاز المقاومة"، لافتا إلى أن "ويتكوف لم يكن وسيطا نزيها".

وقال، في حديث خاص مع "عربي21": "تصريحات ويتكوف مردودة عليه، وخالية من أي أدلة أو براهين، لأنه لا يملك ما يقوله من الأساس، وخصوصا أن الكل سمع أنه كان بصدد التوجه إلى العاصمة القطرية الدوحة لإعلان التوصل إلى اتفاق بعد الرد الذي قدمته قوى المقاومة، بعدما عكس هذا الرد أجواء إيجابية ومتفائلة، قبل أن ينقلب الكيان الصهيوني على المفاوضات".

وأضاف الحاج موسى: "كالعادة، تقوم الإدارة الأمريكية دوما بالتغطية على جميع الجرائم والمواقف التي تتخذها حكومة الكيان الإسرائيلي. وفي هذا الإطار لم تختلف سياسة ترامب عن سياسة سلفه بايدن في شيء، بل ربما يكون موقفه أكثر تماهيا مع حكومة اليمين النازي في الكيان".

وحول ما ورد على لسان ويتكوف بشأن "خيارات بديلة" لتحرير الأسرى الإسرائيليين، قال موسى: "هذه العبارة المغلّفة ليست جديدة، بل يستخدمها الاحتلال كلما أراد التمهيد لمجازر جديدة أو تصعيد جرائمه ضد غزة".

وتابع: "الواضح أن واشنطن، من خلال تصريحات ويتكوف الأخيرة، تمنح تل أبيب الضوء الأخضر لمواصلة القتل والإبادة. لكن يبقى السؤال: ما الذي يستطيع الكيان والإدارة الأمريكية من ورائه القيام به ولم يجرباه على مدى ما يقرب من عامين من أبشع حرب إبادة همجية شهدتها البشرية في العصر الحالي؟".


انسحاب إسرائيلي متعمد

وذكر أن توصيف ما جرى في مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى أقرب إلى "انسحاب متعمد" من جانب الاحتلال، مشيرا إلى أن "الوفد الإسرائيلي لم يكن جادا في التفاوض، بل استغل الجولة الأخيرة في الدوحة لتمرير الوقت، خدمةً لأهداف سياسية ودعائية مرتبطة برئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو".

وأضاف: "الوسطاء جميعا، بمن فيهم الوسيط الأمريكي، يدركون تماما أن المقاومة أبدت كل درجات المرونة الممكنة، وتعاملت بمسؤولية وجدية كبيرة لإنجاح المفاوضات، لكن العدو انسحب من المفاوضات فور إدراكه أنه لم يعد قادرا على المناورة أو اللعب بالأوراق، بعد أن نزعت المقاومة كل ذرائعه وأحرجته سياسيا".

ومنذ 6 تموز/ يوليو الجاري، تُجرى بالدوحة مفاوضات غير مباشرة بين حماس وإسرائيل، بوساطة قطر ومصر ودعم الولايات المتحدة، لإبرام اتفاق لتبادل أسرى ووقف إطلاق النار.

وعن سبب عدم إصدار رد من الوسطاء على تصريحات ويتكوف، أجاب الحاج موسى: "يُسأل عن ذلك الإخوة المصريون والقطريون، أما موقفنا فواضح: نحن مع استمرار جهود الوساطة القطرية والمصرية بهدف وقف هذه الجرائم المروعة والقيام بكل ما من شأنه إنقاذ أطفال غزة ونسائها وأهلها من براثن التجويع والوحشية والهمجية التي يمارسها الكيان النازي".

ومساء الخميس، أعلن ويتكوف إعادة وفد بلاده من الدوحة لإجراء مشاورات بعد الرد الأخير من حركة حماس الذي زعم أنه يُظهر "عدم رغبتها في التوصل إلى وقف إطلاق نار بغزة".

يأتي ذلك في الوقت الذي أكدت فيه حماس مرارا استعدادها لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين "دفعة واحدة"، مقابل إنهاء الإبادة، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة.

وجاء قرار ويتكوف بإعادة وفد بلاده فور إعلان نتنياهو أيضا سحب وفده من الدوحة للتشاور في خطوة ادعى عقبها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي أن حكومته تعمل على إنجاز صفقة جديدة لاستعادة الأسرى، وهو ما عده مراقبون بمثابة "مرواغة" جديدة من الأخير فيما يتعلق بملف المفاوضات مع حماس.

واشنطن طرف في العدوان على غزة

وشدّد المتحدث الإعلامي باسم حركة الجهاد الإسلامي، على أن "الإدارة الأمريكية، وكما أكدت الفصائل الفلسطينية مرارا، ليست وسيطا في الحرب الدائرة على قطاع غزة، بل هي الطرف الرئيسي الذي يقود هذا العدوان".

وأوضح أن "الولايات المتحدة تملك مفاتيح إنهاء الحرب منذ لحظاتها الأولى، بل كان بإمكان الرئيس الأمريكي وقفها بمجرد تغريدة، تماما كما فعل في أزمات دولية أخرى، لكنها اختارت بدلا من ذلك توفير الغطاء السياسي والدولي للحرب، وتزويد الاحتلال بالسلاح، واستخدام الفيتو لحمايته، مما جعلها شريكة مباشرة في مشروع تهجير الشعب الفلسطيني وقتله من أجل القتل، واستمرار الإبادة والتغيير الديموغرافي في غزة".

وواصل الحاج موسى، حديثه بالقول: "ليست لدينا ثقة بالإدارة الأمريكية، والتجربة تؤكد ذلك؛ فالاتفاق الذي تم التوصل إليه سابقا أُسقط بمساعدة مباشرة من واشنطن لصالح الاحتلال الصهيوني".

وأكد أن "موقف المقاومة واضح وثابت؛ فهي منفتحة على التوصل إلى اتفاق، وقد أبلغت الوسطاء ذلك بوضوح، بما يحافظ على جوهر أهداف الشعب الفلسطيني"، مُشدّدا على أنه "حتى اللحظة ليس هناك أي جدية لدى الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني".

ونوّه إلى أن "المقاومة الفلسطينية تريد الذهاب إلى اتفاق انطلاقا من موقع المسؤولية، وليس الضعف، وأنها موحدة في هذا التوجه مع الإخوة في حركة حماس وباقي الفصائل"، مردفا: "لا يوجد ما هو أهم لدينا من وقف آلة القتل ضد أهلنا، وأطفالنا، ونسائنا، وشيوخنا في قطاع غزة، ووقف سياسة التجويع".

خيارات مرحلية

وأكد أن "المقاومة لا تمانع التفاوض، وهي مستعدة للتعامل مع خيارات مرحلية، سواء صفقة جزئية أو شاملة، وأن كل ما يتعلق بكيفية وقف إطلاق النار هو قابل للنقاش، بشرط الحفاظ على جوهر الاتفاق".


وذكر الحاج موسى أن المقاومة أبدت مرونة وانفتاحا غير مسبوق، قائلا: "هل هناك مرونة أكثر من ذلك؟، نحن منفتحون تماما على التوصل إلى اتفاق. كل الشعب الفلسطيني ومقاومته موحدون على نفس الموقف، ويتعاملون بإيجابية واضحة، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في الإدارة الأمريكية والاحتلال".

وشدّد على أن "المقاومة تسعى للذهاب إلى اتفاق يحقق مصلحة شعبنا ويوقف الإبادة، وفي استمر الاحتلال في تعطيل المفاوضات، فإننا سنستمر في المقاومة، وسنجعل كلفة الاحتلال في غزة كبيرة جدا، وستكون أكبر في الأيام القادمة".

ولفت إلى أن "المقاوم الذي يقاتل في الميدان هو ابن هذا القطاع المنكوب، الذي يعيش الظلم والركام والجوع، بينما عائلته مشردة أو تحت الخيام. هذا المقاتل يقاتل دفاعا عن شعبه، وعن كرامة هذا الوطن، وثباته محسوم. نحن نقاتل حتى آخر رمق، وقد خضنا انتفاضات بحجارة، وكان العالم بأسره يتحدث عنها، فما بالك الآن؟".

المقاومة حاضرة في جميع الميادين

وأوضح المتحدث باسم الجهاد الإسلامي، أن "المقاومة ستظل حاضرة في جميع الميادين بثبات وصبر واحتساب، ومرتبطة بالله سبحانه وتعالى، وهذا الثبات لا يقتصر فقط على المقاتلين في الميدان، بل يمتد إلى طاولة التفاوض، حيث لن يتم ابتزاز المقاومة تحت أي ظرف".

وزاد: "نحن لا ننظر إلى مصالح فصائلية أو شخصية، بل نحمل مسؤولية وطنية حقيقية لوقف الحرب والإبادة، ولا نتعاطى مع هذا الملف برفاهية أو بعدم مسؤولية".

وقال إنه "لا بد من التذكير بأن انفتاح المقاومة الفلسطينية وتعاطيها بإيجابية ومرونة منذ اليوم الأول للعدوان، لم يكن نابعا من الضعف، بل من موقع القوة والمسؤولية"، مؤكدا أن "الاحتلال الصهيوني يدرك تماما ما لا يريد البعض – حتى من بني جلدتنا – أن يفهموه، وهو أن المقاومة تستنزف الاحتلال وتوجعه، وأنها لا تزال حاضرة بقوة في الميدان".

وأوضح أن "كل يوم يمر يجب أن يكون يوما للعمليات النوعية، وضرب تحشّدات الاحتلال، وقنص جنوده، من خلال عمليات مركبة تنفذها المقاومة بشكل مشترك أو فردي"، مُشدّدا على أن "استمرار المقاومة هو استحقاق وطني وأخلاقي وإنساني وإسلامي لا يمكن التراجع عنه".


واستطرد قائلا: "نتنياهو يحاول استغلال اللحظة الراهنة من أجل محاولة حصد مكاسب سياسية وانتخابية"، مؤكدا أن "هذا الرجل لا يقود الحرب بعقلانية أو استراتيجية واضحة، بل وفق مزاج شخصي متهور وأحمق".

وأوضح أن "الكيان الصهيوني سيواجه إشكاليات داخلية كبيرة بعد انتهاء الحرب، وأن وقف إطلاق النار بلحظة واحدة سيكشف تلك الأزمات المتراكمة، والمجتمع الدولي يدرك هذه الحقيقة، ونتنياهو نفسه يعلم أن انفجارا داخليا سيكون حتميا إذا ما توقفت الحرب، وهذا أحد أهم الأسباب التي منعت الذهاب إلى وقف إطلاق النار طوال الفترة الماضية".

وتقدر تل أبيب وجود 50 أسيرا إسرائيليا بغزة، منهم 20 أحياء، بينما يقبع بسجونها أكثر من 10 آلاف و800 فلسطيني يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.

ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تشنّ إسرائيل حرب إبادة جماعية بغزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.

وخلّفت الإبادة، بدعم أمريكي، أكثر من 203 آلاف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.

وتحتل إسرائيل منذ عقود فلسطين وأراضي في سوريا ولبنان، وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس، على حدود ما قبل حرب 1967.

مقالات مشابهة

  • تحولات العقيدة العسكرية الإسرائيلية.. من الردع إلى الحرب الدائمة
  • ليفاندوفسكي : الموسم المقبل ربما يكون الأخير لي مع برشلونة
  • حسن شاه حسيني: الحفاظ على الأمن والسلام والاستقلال وسيادة الأراضي السودانية يمثّل قوة لكل العالم الإسلامي
  • تسجيل الرغبات في تنسيق الكليات 2025‏.. تعرفعلى القواعد الأساسية
  • السودان.. كارثة إنسانية في الفاشر وانعدام شبه كامل للمواد الغذائية الأساسية
  • متى يكون اللبن مضرًا؟ تحذير خاص لمصابي الغدة الدرقية
  • الجهاد الإسلامي لـعربي21: ويتكوف لم يكن وسيطا نزيها ولن نسمح بابتزاز المقاومة
  • وزير الشئون النيابية يشهد مراسم توقيع عقدي تسوية شركتي سونكر لتموين السفن
  • حين يكون الحليب أغلى من النفط
  • المنتدى الاستراتيجي للفكر: المعبر المصري مفتوح.. والاحتلال هو من يعوق تدفق المساعدات