في رمضان .. نساء غزة بين أنقاض الحرب ومعركة البقاء
تاريخ النشر: 10th, March 2025 GMT
على مقربة من فرن الطين البدائي الصنع، تجلس أم محمود ذات الثلاثة والخمسين عامًا، تشعل بعض الأخشاب المتناثرة على ركام المنازل المدمرة، وتعد طعامًا للصائمين، ويتداخل بجوارها أصوات الأطفال الذين يلعبون كرة القدم في مكان لا يصلح لهذا الأمر إطلاقًا.
وتحاول هذه المرأة بكل ما أوتيت من قوة أن تعد وجبة إفطار بسيطة لعائلتها المكونة من عشرة أفراد، وبجوارها كيس من الأرز وما تبقى من بعض الخضروات التي تلقتها من المساعدات الغذائية الشهرية.
وتقول أم محمود بصوت محشرج بينما تتصاعد رائحة خبز محترق من فرن الطين المجاور لها: "رمضان شهر الخير والبركة، لكن ما باليد حيلة، الأوضاع صعبة للغاية، كنا في الماضي نقول: سيأتي رمضان ويأتي الخير معه، لكن للأسف، توقفت المساعدات وأُغلق المعبر منذ بداية رمضان، وهذا هو رمضان الثاني ونحن في حالة حرب، بيوتنا تدمرت، وحالنا تغير، وزوجي استشهد في الشهر الأول للحرب، ومنذ ذلك الحين وأنا أعيش دور الأب والأم معًا، والأعباء ثقيلة، والأوضاع تتدهور من سيء إلى أسوأ".
تناولت أم محمود ورقة لتمسح بها دموعها وهي تدس أعواد الخشب تحت طعامها قبيل موعد الإفطار بقليل، ثم أضافت قائلة: "نحن لسنا بحاجة إلى الكثير، فقط بعض الغذاء والدعم لنتمكن من إطعام أطفالنا ومواجهة متطلبات شهر رمضان بكرامة".
وتشكل المرأة الفلسطينية نصف المجتمع وعموده الفقري، حيث بلغت نسبتها 49% من إجمالي عدد السكان في فلسطين مع نهاية العام 2024 حسب مركز الإحصاء الفلسطيني، بما يعادل 2.71 مليون أنثى، توزعن بواقع 1.65 مليون في الضفة الغربية و1.06 مليون في قطاع غزة، وتؤدي المرأة الفلسطينية دورًا حيويًا في مختلف مجالات الحياة؛ فهي شريكة أساسية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما أنها ركيزة مهمة في تعزيز الصمود الوطني ومواجهة التحديات التي يفرضها الواقع الفلسطيني.
الحياة أصبحت لا تطاق في ظل إغلاق المعابر وارتفاع أسعار السلع
على مقربة منها، تصطف مجموعة من نساء الحي المدمر أمام فرن الطين في انتظار دورهن لخبز الأرغفة مقابل بضع شواكل تحصل عليها الشابة أم يزن ذات الـ33 عامًا، وتجلس أمام الفرن تضع رغيفًا تلو الآخر بينما تدس لها أختها الحطب وبعض قصاصات الكرتون بين الفينة والأخرى، وتمسك أم يزن سيخًا من الحديد المقوى تحرك به الأرغفة للحصول على لونها الذهبي، بينما تنطلق رائحة لذيذة للخبز الطازج، وتقول أم يزن: "لتخفيف من أعباء مصاريف شهر رمضان المبارك، قمت بإنشاء هذا الفرن، أقوم بإشعاله منذ الصباح الباكر، ونساء الحي يحفظن أدوارهن، تأتي كل واحدة منهن للخبز وأحصل بالمقابل على مبلغ مقابل عدد الأرغفة التي أخبزها، لا يوجد مخبز قريب من المنطقة، الآن سعر الدقيق ارتفع بشكل كبير بسبب إغلاق المعابر، والناس في حيرة من أمرهم ما بين دفع النقود لشراء المستلزمات الضرورية أو ترميم بعض الأشياء داخل البيوت، صعوبة الحياة أصبحت لا تطاق".
كانت تتحدث بينما تؤكد النساء المستمعات قولها إن الأوضاع المعيشية أصبحت صعبة للغاية ولا يمكن تحملها.
هؤلاء النسوة لسن الوحيدات اللواتي يواجهن هذه الظروف الاقتصادية الصعبة في قطاع غزة، حيث يعيش أكثر من 65% من السكان تحت خط الفقر، وتتحمل النساء العبء الأكبر في إدارة شؤون الأسرة خلال شهر رمضان.
ومع شح المساعدات الغذائية وارتفاع أسعار المواد الأساسية، أصبحت مهمة إعداد مائدة الإفطار والسحور، تشكل تحديًا يوميًا يتطلب إبداعًا وصبرًا لا حدود لهما.
وبين الجوع والمسؤولية، تتعاظم التحديات أمام النساء، ويتجلى ذلك في حالة أم يزن التي قالت: "كل يوم في رمضان هو عبارة عن معركة، متطلبات كثيرة وما باليد حيلة"، ثم أشارت وهي تفرك يديها المتشققتين من العمل الشاق أمام الفرن وحرارته المرتفعة إلى الخيمة التي أقامتها فوق أنقاض مسكنها المهدم بعد رحلة نزوح ما بين دير البلح ورفح ومواصي خانيونس استمرت أكثر من 15 شهرًا، وقالت: "أحاول أن أوفر وجبة واحدة على الأقل تحتوي على بعض البروتين كل أسبوع لتغذية أطفالي الصغار والصائمين، لكن في كثير من الأحيان، نعتمد على بعض الخضروات والبقوليات فقط بسبب غلاء الأسعار".
ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فإن أكثر من 80% من سكان غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية لتأمين غذائهم اليومي، ومع تقلص هذه المساعدات بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية، أصبحت النساء الفقيرات في مواجهة مباشرة مع خطر الجوع وسوء التغذية.
كما أظهرت تقارير المركز الإحصاء الفلسطيني بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الذي يصادف الثامن من مارس أن 13,901 امرأة فلسطينية تواجه واقعًا مأساويًا بعد فقدان أزواجهن نتيجة حرب الإبادة الجماعية، ليصبحن المعيلات الوحيدات لأسر حرمت من عائلها الأساسي، حيث تتحمل هؤلاء النساء أعباءً ثقيلة لتأمين لقمة العيش ورعاية الأبناء، في ظل ظروف اقتصادية خانقة تفاقمت بفعل الحصار والدمار.
وإضافة إلى صعوبة الحفاظ على استقرار الأسر، فإنهن يواجهن تحديات مضاعفة في إعالة عائلات فقدت سندها، وتربية أطفال بين أنقاض المنازل، في ظل شحّ الموارد الذي يفاقمه الحصار.
وأوضح "الإحصاء"، في بيان استعرض أوضاع المرأة الفلسطينية عشية يوم المرأة العالمي أنه على مدار 471 يومًا من العدوان على قطاع غزة وحتى يومنا هذا، ما زالت المرأة الفلسطينية تواجه تحديات جسيمة للتعافي واستعادة الحياة الطبيعية.
المرأة الفلسطينية بين جحيم العدوان وتحديات إعالة الأسرة.
وحسب ما ورد عن وزارة الصحة الفلسطينية، فإن النساء والأطفال شكلوا ما نسبته 69% من إجمالي الجرحى البالغ عددهم 111,759 جريحًا، كما أن 70% من المفقودين في قطاع غزة نتيجة العدوان هم من النساء والأطفال، حيث بلغ عددهم 14,222 مفقودًا.
ونظرًا لحجم التحديات الجسيمة التي تواجهها النساء في قطاع غزة، تبقى هناك حاجة ماسة إلى تدخلات إنسانية عاجلة، من خلال دعم المنظمات الإغاثية وزيادة الوعي بحقوق النساء، من أجل التخفيف من معاناتهن وإعادة الأمل إلى حياتهن.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المرأة الفلسطینیة فی قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
علماء يكشفون المشروب الأفضل لصحة عظام المرأة مع التقدم في السن
أجرى الباحثون دراسة طويلة الأمد شملت آلاف النساء المسنات للتحقيق في تأثير استهلاك الشاي والقهوة على صحة العظام، النتائج التي نشرت في مجلة "Nutrients" كشفت عن علاقة مثيرة تربط بين استهلاك هذين المشروبين وكثافة العظام ومخاطر الإصابة بالكسور.
وخلصت الدراسة إلى أن تناول الشاي يوميًا قد يرتبط بزيادة طفيفة في كثافة العظام لدى النساء اللواتي تجاوزن الخامسة والستين، بينما ارتبط الإفراط في شرب القهوة بارتفاع احتمالية ضعف العظام.
تبرز هذه النتائج أهميتها بالنظر إلى مرض هشاشة العظام، الذي يصيب حوالي ثلث النساء بعد سن الخمسين، متسببًا في ملايين الكسور السنوية على مستوى العالم.
في السابق، تراوحت الآراء العلمية بشأن تأثير القهوة والشاي بين متناقضة وغامضة. إلا أن هذه الدراسة الأوسع والأطول أفصحت عن العلاقة بينهما بوضوح، من خلال متابعة بيانات حوالي عشرة آلاف امرأة وقياس كثافة عظام منطقتي الورك والعنق الفخذي، حيث تكثر الكسور مع تقدم العمر.
أظهرت النتائج القياسات أن النساء اللواتي أحافظهن على عادة شرب الشاي يوميًا قد سجلن كثافة عظمية أعلى بالمقارنة مع من لا يشربن الشاي. ومع أن الفرق كان محدودًا، إلا أنه اكتسب دلالة إحصائية تُبرز أثره. ويُعتقد أن مركبات "الكاتيكين" الموجودة في أوراق الشاي تلعب دورًا في تعزيز بناء العظام ومقاومة تدهورها الطبيعي مع التقدم في العمر.
أما تأثير القهوة فجاء أكثر تعقيدًا. فالاستهلاك المعتدل (ما يعادل كوبين إلى ثلاثة يوميًا) لم يظهر ضررًا على العظام، لكن تخطي خمسة أكواب يوميًا أدى إلى ارتفاع ملحوظ في العلامات التي تشير إلى خطر ترقق العظام. والأدهى من ذلك، تبين أن تأثير القهوة السلبي يتفاقم بين النساء اللاتي يستهلكن الكحول أيضًا. على الجانب الآخر، يبدو أن للشاي فائدة إضافية لدى النساء اللاتي يعانين من السمنة.
عزا العلماء التأثير السلبي المحتمل للقهوة إلى مادة الكافيين، التي قد تعيق امتصاص الكالسيوم وتسهم في فقدان المعادن الأساسية للعظام. وعلى النقيض، تساعد مركبات الشاي على تقليل هذه التأثيرات. ومع ذلك، يؤكد الباحثون أن هذه التأثيرات يمكن تخفيفها بسهولة عبر إجراءات بسيطة، مثل إضافة الحليب إلى القهوة أو الحرص على نظام غذائي غني بالكالسيوم.
الدراسة تحمل رسالتين مباشرتين إلى النساء الكبيرات في السن: الأولى تشجع على اعتبار الشاي اليومي ليس فقط كوسيلة للاسترخاء، لكنه عادة صحية وتعزيزية لصحة العظام. أما الرسالة الثانية فتوصي بالاعتدال في استهلاك القهوة وتجنب الإفراط، خاصًة عند اقترانها بتناول الكحول.
يشدد الباحثون على أن الهدف ليس الامتناع عن القهوة أو الإفراط في شرب الشاي، بل اتخاذ قرارات صحية واعية تستند إلى التوازن. ويذكرون أن عناصر مثل التغذية المتوازنة، والكالسيوم، وفيتامين "د" تبقى العمود الفقري لدعم صحة العظام، بينما يمكن للمشروبات اليومية أن تلعب دورًا تكميليًا وفوائد إضافية في هذا السياق الحياتي المعقد.