المسرح السياسي في الجزائر.. كيف واجه عبد القادر علولة التطرف بالفن؟
تاريخ النشر: 10th, March 2025 GMT
في وقت كانت الجزائر تعيش واحدة من أصعب فتراتها التاريخية، وسط صعود الجماعات المتطرفة التي استهدفت المثقفين والفنانين، وقف عبد القادر علولة بمسرحه ليواجه الظلام بالفن، رافعًا راية التنوير في وجه الإرهاب، كان المسرح بالنسبة له أكثر من مجرد وسيلة ترفيه، بل أداة مقاومة فكرية ضد التعصب والانغلاق.
المسرح كأداة وعي سياسيمنذ بداياته، آمن علولة بأن المسرح قادر على إحداث تغيير حقيقي في المجتمع، فاختار أن يكون مسرحه قريبًا من الناس، مستوحى من الحكايات الشعبية والتقاليد الجزائرية.
في أعمال مثل “الأجواد” و"اللثام” و"القوال”, قدّم علولة نقدًا لاذعًا للواقع السياسي والاجتماعي، مستخدمًا الفكاهة والسخرية كسلاح لمواجهة القهر والظلم، كان يطرح أسئلة وجودية عميقة حول الحرية والعدالة، محاولًا تحفيز الجمهور على التفكير بدلاً من تقديم إجابات جاهزة.
استهداف المثقفين في “العشرية السوداء”في تسعينيات القرن الماضي، دخلت الجزائر ما يعرف بـ”العشرية السوداء”، حيث استهدفت الجماعات المتطرفة المثقفين والفنانين الذين اعتبروا رموزًا للتحرر والتنوير، وبصفته أحد أبرز الأسماء في الساحة الفنية، كان عبد القادر علولة في مرمى هذا العنف.
في 10 مارس 1994، تعرض علولة لمحاولة اغتيال أثناء خروجه من المسرح في وهران، حيث أُطلق عليه الرصاص من قِبل مجموعة مسلحة. وبعد ثلاثة أيام، فارق الحياة، ليكون أحد شهداء الكلمة والفن في الجزائر.
إرث علولة وتأثيره بعد رحيلهرغم رحيله المأساوي، لم تنطفئ شعلة مسرحه لا تزال أعماله تعرض حتى اليوم، وتحظى باهتمام واسع من قبل الأجيال الجديدة من المسرحيين، كما أن مهرجانات ومبادرات فنية عديدة تُقام تخليدًا لاسمه، تأكيدًا على أن أفكاره ما زالت حية
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الإرهاب الجزائر الحكايات الشعبية المسرح الجزائري المزيد
إقرأ أيضاً:
التدمير الخـلّاق وحده القادر على تعزيز قدرة أوروبا التنافسية
في حين كانت المناقشات حول آفاق النمو الواهنة في أوروبا مستمرة على الأقل منذ مطلع القرن الحالي، فإن عقد العشرينيات منه أضفى على هذه المناقشات درجة غير مسبوقة من الإلحاح. لم يكشف الغزو الروسي لأوكرانيا عن الاعتماد بدرجة خطيرة على الطاقة المستوردة فحسب، بل أجبر تغيير الإدارة في الولايات المتحدة الأوروبيين على إعادة النظر في كيفية ضمان رخائهم، وأمنهم، وسيادتهم في المستقبل. علاوة على ذلك، مع تسابق أمريكا والصين في مجال الذكاء الاصطناعي ــ الذي يُفترض على نطاق واسع أنه سيكون التكنولوجيا التالية ذات الغرض العام، على قدم المساواة مع الإنترنت ــ تحول افتقار أوروبا إلى الديناميكية إلى أزمة طارئة.
لا تقتصر المشكلة على الفجوة المستشهد بها على نحو شائع بين دخل الفرد في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. بل تكمن في حقيقة مفادها أن أوروبا كانت لفترة طويلة متخلفة عن الركب التكنولوجي، حيث تتباهى بقِلة من الشركات الرائدة المعترف بهم عالميا في اقتصاد المنصات الرقمية، والذكاء الاصطناعي، وسباق الفضاء الجديد، وغير ذلك من القطاعات التي ستكون أساسية لتعزيز القدرة التنافسية والأمن في القرن الحادي والعشرين.
الواقع أن أوروبا التي تعتمد بشدة على تكنولوجيات متقدمة مصنوعة في أماكن أخرى، والعاجزة عن توليد النمو اللازم لتمويل أهدافها الاستراتيجية والتزاماتها في المستقبل، تشكل مثالا نموذجيا على أهمية التدمير الخلّاق ــ الإطاحة بالشركات الأقل إنتاجية من قبل منافسين جدد مبدعين. إذا أضعت الفرصة، فلن تكون آفاق النمو المنخفضة إلى حد ما سوى بداية مشاكلك.
على الرغم من كل نجاحاتها كقوة تجارية وتنظيمية، ستظل أوروبا عُرضة للخطر ما لم تتمكن من إطلاق العنان للإبداع بذات الوتيرة والحجم المشهودين في الولايات المتحدة والصين وغيرهما. ولأن الذكاء الاصطناعي قادر على توليد المعرفة والأفكار الجديدة، بالإضافة إلى أداء مجموعة واسعة من الخدمات أو الوظائف الإنتاجية التقليدية، فقد يعمل كمحرك قوي مضاعف القوة لذلك النوع من التدمير الخلاق الذي يدفع النمو في نهاية المطاف بمرور الوقت. يصبح الإبداع الرائد أكثر أهمية كلما اقترب الاقتصاد من الحدود القصوى للتكنولوجيا.
ولكن برغم أن زيادة الاستثمار في البحث والتطوير ضرورة أساسية لتوليد الإبداع الثوري، فإن هذا ليس كافيا. فكما أكد رئيس البنك المركزي الأوروبي ورئيس الوزراء الإيطالي السابق ماريو دراجي في تقرير للمفوضية الأوروبية بعنوان «مستقبل التنافسية الأوروبية»، ستظل القارة عالقة في الإبداع التكنولوجي التراكمي المتوسط ما لم تحرز تقدما كبيرا على ثلاث جبهات رئيسية: إزالة جميع العوائق التي تحول دون تحقيق سوق متكاملة تماما للسلع والخدمات؛ وإنشاء نظام بيئي مالي مناسب لتشجيع الشركات على المخاطرة للأمد البعيد، بدءا من رأس المال الاستثماري والمستثمرين المؤسسيين (صناديق التقاعد، وصناديق الاستثمار المشترك)؛ والدفع باتجاه سياسة صناعية داعمة للإبداع ومواتية للمنافسة في مجالات رئيسية مثل تحول الطاقة، والدفاع، والفضاء (بما في ذلك الذكاء الاصطناعي) والتكنولوجيات الحيوية.
لم تكتف أوروبا بتجنب السياسة الصناعية بحجة تنفيذ سياسة المنافسة، بل أكَّدَت أيضا على المنافسة بين الشركات القائمة داخل أوروبا بينما لم تولِ قدرا كبيرا من الاهتمام لدخول لاعبين جدد والمنافسة من خارج أوروبا، بدءا بالولايات المتحدة والصين.
إن دخول شركات مبدعة جديدة من بقية العالم السوق هو في حقيقة الأمر جوهر التدمير الخلاق الذي تحتاج إليه أوروبا لكي يتسنى لها النمو بسرعة أكبر. في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، أظهر جيوسيبي نيكوليتي وستيفانو سكاربيتا من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنه في حين أن «الخضخضة» (استبدال الشركات القديمة الأقل كفاءة بشركات جديدة خَـلّاقة) لعبت دورا مهما في نمو الإنتاجية في الولايات المتحدة، فإن معظم مكاسب الإنتاجية في أوروبا كانت تحدث داخل الشركات القائمة. ويمكن إرجاع العديد من مشاكل أوروبا الحالية إلى هذا الاختلاف الأساسي.
في عموم الأمر، تحتاج أوروبا إلى تحديث عقيدتها الاقتصادية التي حولتها إلى عملاق تنظيمي وقزم عندما يتعلق الأمر بالموازنة. أولا، عند تطبيق حدود معاهدة ماستريخت على عجز الميزانية، ينبغي لصُنّاع السياسات أن يكفوا عن وضع الاستثمارات المعززة للنمو على قدم المساواة مع مختلف برامج الإنفاق العام المتكررة (مثل معاشات التقاعد والمزايا الاجتماعية). علاوة على ذلك، ينبغي لهم أن يسمحوا بتمكين السياسات الصناعية المحكومة على النحو اللائق، لا سيما عندما تكون هذه السياسات مصممة لتكون داعمة للمنافسة وداعمة للإبداع. أخيرا، لابد من السماح لبلدان منطقة اليورو بالاقتراض الجماعي من أجل الاستثمار في الثورات التكنولوجية الجديدة، ما دامت البلدان الأعضاء تبدي الانضباط في إدارة أطر الإنفاق العام التي تخصها.
يتطلب تعزيز التدمير الخلاق والإبداع الخارق في أوروبا أيضا سياسات تكميلية للمساعدة في إعادة توزيع العاملين من القطاعات المتأخرة إلى القطاعات الأكثر تقدما، وتعويض الخاسرين في الأمد القريب نتيجة للإصلاحات البنيوية. لتحقيق هذه الغاية، دعوت إلى تبني نموذج «الأمن المرن» على الطراز الدنماركي، حيث تغطي الدولة رواتب العمال المزاحين أثناء سعيهم إلى إعادة التدريب وإعادة التوظيف.
إن الثورة الصناعية التي يحركها الذكاء الاصطناعي لا تتطلب أقل من ذلك. كان الأوروبي جوزيف شومبيتر، هو من أدرك مركزية التدمير الخلاق في التنمية الاقتصادية. ويتعين على الأوروبيين اليوم أن يتبنوا هذا التدمير الخلاق، ولكن من الأهمية بمكان أن يجعلوه شاملا ومقبولا اجتماعيا إذا كان لهم أن يزدهروا في السنوات والعقود المقبلة.