هل تندلع الحرب في جنوب السودان مجددا؟
تاريخ النشر: 12th, March 2025 GMT
ملخص
ربما يكون على الأطراف الراعية تحجيم فرص الحرب بجنوب السودان ضرورة الاتجاه إلى بلورة اتفاقات شاملة وليست جزئية للسلام في الصراعات ذات الطابع العرقي والقبلي، لأنها الأكثر قدرة على الديمومة، وتعد استثماراً سياسياً طويل الأجل بما يجعل الكلف لهذه الاتفاقات الشاملة أقل من نظيرتها الجزئية على الصعيد الاقتصادي.
يشهد جنوب السودان حالاً من تصاعد التوتر السياسي والأمني منذ أشهر عدة توجت بالهجوم على طائرة تابعة للأمم المتحدة، إذ قتل جنود تابعون للحكومة، أي الجيش الشعبي. التوتر المتصاعد يرشح جنوب السودان لاندلاع الفصل الثاني من الحرب الأهلية التي أنتج فصلها الأول 2013 - 2015 نحو 400 ألف ضحية، فضلاً عن نزوح مليوني نسمة من بلداتهم.
الرئيس سلفا كير يؤكد خياره في عدم الانزلاق إلى الحرب عبر التصريحات، لكن هل يملك الرئيس الجنوب سوداني معطيات النجاة من الحرب؟ غالب الظن لا، ذلك أن جنوب السودان دولة ذات مسارح متعددة للحرب مترابطة على مستوى النخب التي هي في حال تمرد وعدم رضا على المركز السياسي، هذا التمرد النخبوي له مجموعة من الأسباب بعضها تاريخي وبعضها قبلي.
وكذلك ارتبط هذا التمرد بطبيعة أداء دولة الاستقلال الوطني المعلنة عام 2011، التي يسيطر عليها حالياً حال حادة من الاحتقان السياسي أسفرت عن هجوم من جانب ميليشيات الجيش الأبيض التابعة لنائب الرئيس رياك مشار على مرتكز عسكري تابع للجيش الشعبي، أي الرئاسة في منطقة الناصر قبل 10 أيام تقريباً، وذلك في تطور يعني حدوث شروخ مؤثرة في اتفاق سلام 2018.
وعرف اتفاق 2018 باسم الاتفاق المنشط لحل النزاع في جمهورية جنوب السودان، الذي أسهم في تهدئة الصراع بين الرئيس سلفا كير ونائبه رياك مشار، الذي اندلع بينهما الصراع المسلح عام 2013 بتشكيل حكومة وحدة انتقالية2019. ومع ذلك تأخر إنشاء تشكيلها حتى فبراير (شباط) 2020، إذ تولى كير منصب رئيس الحكومة الانتقالية ومشار منصب النائب الأول للرئيس.
وبينما مدد الطرفان الفترة الانتقالية المقرر انتهاؤها في فبراير 2020 إلى وقتنا الراهن، يمارس الرئيس سلفا كير تغييراً في هذه الحكومة من عناصر موالية له، فأقال وزيرة الدفاع زوجة مشار، وحاكم البنك المركزي. وأخيراً أقال وزير النفط كانج شول، ونائب قائد الجيش غابرييل دوب لام، بينما وضع مسؤولون عسكريون كبار متحالفون مع مشار رهن الإقامة الجبرية، كما جرى اعتقال الوزير المعني بجهود إحلال السلام في البلاد ستيفن بار كول لفترة محدودة، وهو من السياسيين المشاركين في مفاوضات "اتفاق السلام" عام 2018.
صحيح أن الحكومة التزمت بإجراء المسح السكاني عام 2022 المؤسس للإجراءات السياسية المتضمنة في اتفاق السلام المنشط، فضلاً عن شروط التنمية المتوازنة، لكنها تجاهلت التشاور مع الأحزاب في شأن تشكيل الحكومة الانتقالية، ولم يتم وضع دستور دائم للبلاد، كما لم يتم وضع التشريعات اللازمة لتشكيل محاكم مختلطة، إذ تقع مسؤولية إنشاء المحكمة المختلطة على عاتق مفوضية الاتحاد الأفريقي. ونظراً إلى معارضة الحكومة المستمرة فقد ترددت مفوضية الاتحاد الأفريقي في إنشاء المحكمة المختلطة من جانب واحد. وفي الوقت نفسه جرت عرقلة إنشاء هيئة تسوية النزاعات.
وفي عام 2024 ونظراً إلى تصاعد مؤشرات التوتر السياسي والقبلي وأيضاً الأمني، جرى نشر قوات حفظ سلام إضافية وقوات عاجلة في النقاط الساخنة في جنوب السودان، التي عانت خطف المدنيين، ونزوح نتيجة التغير المناخي والمجاعات الغذائية.
وهكذا تبلورت عوامل التوتر السياسي، مما أسفر عن تأجيل الانتخابات الرئاسية، أكثر من مرة لتكون سنوات حكم سلفا كير 14 عاماً متصلة، إذ من المقرر أن يجري إجراؤها على المستوى النظري نهاية العام المقبل.
على المستوى التاريخي
نتيجة الحساسيات القبلية بين القبائل الجنوب سودانية المترتبة على هيمنة قبيلة الدينكا الأكبر من حيث عدد السكان لجأ الرئيس نميري في اتفاق أديس أبابا إلى السلام عام 1972 إلى تقسيم جنوب السودان إلى ثلاث ولايات تتمتع بنوع من الإدارة المستقلة بما يضمن خفض مستوى التوترات القبلية.
على أن انهيار اتفاق عام 1972 بين شمال وجنوب السودان بسبب اكتشاف البترول في الجنوب ورغبة الشمال في الاستفادة منه أبرز فكرة التقسيم لجنوب السودان التي ظلت مسيطرة على النخب المتضررة من سيطرة قبيلة الدينكا، مما أسفر عن الاتجاه نحو المطالبة بأنماط حكم تراوح ما بين اللامركزية والكونفيدرالية في جنوب السودان، وذلك في مؤتمرات عقدت في وقت مبكر من هذه الألفية، كما تكررت أعوام 2014 و2015 في الولاية الاستوائية، إذ جرت العودة إلى فكرة الانقسام، أي الكوكورا بلغة الباري، التي طرحت من جانب جوزيف لاجو عام 1981، في خطوة نظر إليها باعتبار أنها تسهم في هيمنة الشمال على جنوب السودان، مما أسهم بدوره في اندلاع صراعات مسلحة، خصوصاً في إقليم الاستوائية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
على المستوى القبلي
بدأت الحرب الأهلية في البلاد ديسمبر (كانون الثاني) 2013، في البداية بين أنصار الرئيس سلفا كير ميارديت، الذي تقع قاعدته السياسية في منطقة بحر الغزال في شمال غربي البلاد، ضد المتمردين على سلطته من منطقة أعالي النيل الكبرى في الشمال الشرقي.
الصراع بدأ لأسباب سياسية من جانب أطراف كانت مرتبطة بجون قرنق الزعيم التاريخي لجنوب السودان، لكنه تطور ليكون صراعاً قبلياً بين الدينكا القبيلة المهيمنة في جنوب السودان وبين النوير الأقل وزناً، لكنها تملك مناطق إنتاج البترول السوداني.
اتفاقا السلام اللذان عُقدا عامي 2015 و2018 لم يتطرقا إلى الطرف الثالث في المعادلة القبلية في جنوب السودان، وهي الولاية الاستوائية التي تمتد على الثلث الجنوبي من البلاد، وتتموضع فيها عاصمة البلاد جوبا. تجاهل الولاية الاستوائية كان سبباً في اندلاع أعمال العنف في جميع أنحاء الولاية في النصف الثاني من عام 2016، إذ تدفق مئات الآلاف من سكان الاستوائية فراراً إلى أوغندا، فيما يسمى أكبر نزوح للاجئين في أفريقيا منذ الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.
هذا التطور صدم المراقبين وفتح الباب للنظر في شأن طبيعة وخطورة الانقسامات الداخلية في جنوب السودان بصورة عامة، إذ جرت إضافة حال السخط الاستوائي لعوامل التوتر في جنوب السودان، وكذلك تداعياته الراهنة في ضوء العنف الذي مارسته قوات الجيش الشعبي ضد المواطنين الاستوائيين، من حيث تصاعد السخط على قبيلة الدينكا المهيمنة التي لا ترى أنه لا حقوق للاستوائيين على قاعدة أنهم لم يشاركوا في مجهودات الحصول على الاستقلال عن الدولة الأم السودان.
وهكذا، فإن اتفاق السلام، الذي أنتج وقف إطلاق نار ناجح جزئياً بين قوات كير ومشار، لم يكن إلا اتفاقاً جزئياً، لم يفعل كثيراً لمعالجة الأزمة الوطنية الأوسع أو إنهاء انعدام الأمن المتفشي في جميع أنحاء جنوب السودان. وكما هي الحال مع عديد من محن جنوب السودان، فإن الأزمة والصراع في الإقليم الاستوائي ينبعان من معضلات بنيوية عميقة، وهما إرث عقود من الصراع قبل استقلال جنوب السودان والإخفاقات السياسية لنخبته السياسية.
في هذا السياق فإن تجنب الحرب التي بدأت شرارتها في الأفق وتحقيق السلام المستدام يتطلب من مواطني جنوب السودان أن يتحملوا المهمة غير المكتملة لاتفاق 2018 المتمثلة في الاتفاق فيما بينهم على كيفية تقاسم السلطة والموارد والسيادة في الدولة التي ناضلوا طويلاً من أجل إنشائها.
أما على الصعيد الدولي وفي ضوء التفاعلات الدولية المرتبطة بسياسات دونالد ترمب، وطبيعة الأزمات المنبثقة منها في أوروبا، وكذلك الانشغال بترتيبات الشرق الأوسط المتعلقة بمستقبل غزة فإنه من المطلوب أن تنشغل قيادات إقليمية في منطقة البحيرات العظمى بوجود احتمالات باندلاع حرب أهلية جديدة في جنوب السودان، وربما يكون يوري موسيفني الرئيس الأوغندي هو المرشح لتجديد أدواره المرتبطة باستقرار جنوب السودان، خصوصاً في ضوء تداعيات الحالة في جنوب السودان على بلاده، من حيث ارتفاع معدلات النزوح إليها.
وربما يكون على الأطراف الراعية تحجيم فرص الحرب بجنوب السودان ضرورة الاتجاه إلى بلورة اتفاقات شاملة وليست جزئية للسلام في الصراعات ذات الطابع العرقي والقبلي، لأنها الأكثر قدرة على الديمومة، وتعد استثماراً سياسياً طويل الأجل بما يجعل الكلف لهذه الاتفاقات الشاملة أقل من نظيرتها الجزئية على الصعيد الاقتصادي.
نقلا عن اندبندنت عربية
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الرئیس سلفا کیر فی جنوب السودان من جانب
إقرأ أيضاً:
عبد العزيز آدم الحلو رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال
زعيم سياسي وعسكري معارض للحكومة السودانية، يرأس الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال بجبال النوبة وكردفان، وله تاريخ طويل في العمل المسلح والسياسي في مناطق جنوب كردفان وجبال النوبة. شارك في مفاوضات السلام مع الخرطوم، ويعتبر من أبرز الشخصيات المؤثرة في النزاعات المسلحة والانفصالية في شمال السودان.
المولد والنشأةولد عبد العزيز آدم الحلو بقرية "الفيض أم عبد الله" بالمنطقة الشرقية لجبال النوبة التابعة لمحلية رشاد بجبال النوبة يوم 7 يوليو/تموز 1954، وينحدر من قبيلة المساليت.
الدراسة والتكوين العلميدرس الحلو القرآن الكريم في الخلوة (الكتاب) وتلقى تعليمه الأولي بمدرسة "دلامي"، والمتوسطة بمدرسة الدلنج المتوسطة، ثم الثانوية بمدرسة كادقلي الثانوية وصار رئيسا لاتحاد الطلاب.
وأكمل دراسته الجامعية بكلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم، وتخرج فيها عام 1979، ثم عمل في هيئة الكهرباء والمياه حتى العام 1985.
التجربة السياسيةوأثناء دراسته الجامعية التقى الحلو بيوسف كوه المكي، الذي كان يسبقه في الدراسة بالكلية نفسها (الاقتصاد)، وذلك من خلال عضويته في رابطة أبناء جنوب كردفان بجامعة الخرطوم.
وكان يوسف كوه يرأس تلك الرابطة، وبعد انضمام الحلو إليها، سرعان ما تم تجنيده في تنظيم "كمولو" المناوئ لحكومة الرئيس جعفر النميري آنذاك، وكانت هذه أولى خطواته نحو العمل المسلح.
وكان الحلو قد شارك في المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد حكومة النميري عام 1984، والتي دبرها فيليب عباس غبوش.
تطورت الأحداث عندما انضم تنظيم "كمولو" المسلح عام 1986 إلى "الحركة الشعبية لتحرير السودان" بزعامة جون قرنق، وتلقى الحلو التكليف الأول بالتنسيق مع لام أكول، أحد قادة الجيش الشعبي الذي كان يدرس في جامعة الخرطوم آنذاك.
وكلّف الحلو باستقطاب أبناء جنوب كردفان وإلحاقهم بصفوف الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان لتكوين نواة الجيش الكبير الذي أشعل حربا انفصالية كبرى بعد سنوات من ذلك التاريخ.
رصدت أجهزة الأمن السودانية نشاط الحلو الساعي للانفصال، فأمره قرنق بأن يخرج من العاصمة تفاديا لاعتقاله، ويتوجه إلى أديس أبابا، وهناك أعلن رسميا انضمامه للحركة الشعبية.
التجربة العسكريةتدرّب الحلو داخل كلية الدراسات العسكرية الدرع الرابع التابعة للحركة الشعبية في أديس أبابا، وتخرج برتبة نقيب، وأرسل في عام 1987 ضمن القوة العسكرية المتمردة المتجهة إلى جبال النوبة.
إعلانوعقب أن أصبح الحلو قائدا لـ"كتيبة السودان الجديد" فرع "الجيش الشعبي لتحرير السودان-شمال" في أواخر تسعينيات القرن الماضي، جند مئات من أبناء قبيلة المساليت للانضمام إلى الحركة الشعبية.
كلّف الحلو في تلك الفترة بالإشراف على نقل سلاح الحركة سيرا على الأقدام من إثيوبيا إلى جبال النوبة بأيدي أبناء النوبة، الذين مات كثير منهم في عملية النقل التي استغرقت أشهرا.
خاض الحلو بعدها سلسلة من المعارك الصعبة في القردود وأم دورين بولاية النيل الأبيض ضد بعض القبائل العربية، وأثار ذلك حفيظة بعض المنظمات الحقوقية والدولية التي قالت بوجود انتهاكات محتملة.
نقله قرنق لاحقا إلى ولاية شرق الاستوائية جنوب السودان، حيث قاد عمليات واسعة ضد المخالفين لسياسات الحركة، ثم تولى قيادة الجبهة الشرقية.
وبرز الحلو قائدا ميدانيا متمرسا وعرف بلقب "رجل المهمات الصعبة"، بفضل دوره المحوري في عمليات الإمداد والتعبئة والتجنيد ووضع الخطط العسكرية.
ومن أبرز محطاته قيادته للتحضيرات الخاصة لاقتحام نقطة همشكوريب بشرق السودان، قبل أن يواصل الصعود في هياكل القيادة العسكرية والسياسية إلى أن نال رتبة فريق في "الجيش الشعبي لتحرير السودان".
في عام 2001، تولّى الحلو منصب حاكم ما تسميها الحركة "المناطق المحررة" في جبال النوبة عقب وفاة يوسف كوه مكي، ومنذ ذلك الحين بدأ بإعادة هندسة المشهد القيادي داخل المنطقة.
تعزيز نفوذهوعمد الحلو إلى إبعاد قيادات النوبة ذات الخلفية العسكرية في الجيش السوداني والشرطة، باعتبارها عناصر قد تنافسه أو تحدّ من نفوذه، في مقابل تقريب عناصر غير متعلمة يسهل توجيهها وتنفيذ أوامره دون تردد.
وبعد تعيينه نائبا لوالي جنوب كردفان، اتسعت دائرة نفوذه داخل الحركة الشعبية وفي جبال النوبة، وترسخت سلطته باعتباره صاحب القرار الأول في القضايا السياسية والعسكرية.
لاحقا، انتقل الحلو إلى مستوى أكثر تنظيما في إدارة القوة، فطور إستراتيجيته العسكرية وافتتح معسكرات تدريب لفرق "كمولو"، وتمكّن من تجنيد آلاف المقاتلين، إلى جانب جلب كميات كبيرة من الأسلحة من الجنوب.
ومع مرور الوقت تحوّل الحلو إلى الراعي المركزي لحركات جبال النوبة وجنوب كردفان، مانحا إياها المأوى والسلاح والدعم والمعسكرات.
وشنت الحكومة السودانية حملة ضخمة ضمّت 8 آلاف جندي بهدف إسقاط كاودا من 5 محاور. لكنه استطاع كسر هذا الهجوم وفرض هزيمة قاسية على الجيش السوداني الذي أجبر على الانسحاب، إلى أن تم توقيع اتفاق سويسرا لوقف إطلاق النار عام 2002.
وعام 2003 شنّ الحلو هجوما على القوات الحكومية في مدينة راجا بجنوب السودان، ثم تحرك إلى دارفور مع اندلاع الحرب هناك.
وعقب توقيع اتفاق السلام الشامل (نيفاشا 2005) وتعيين الحلو نائبا لوالي جنوب كردفان، تراجع اهتمام "الجيش الشعبي" بالمساليت، وقرر كثير من أفراده الاندماج في حركات دارفور التي كانت تهيمن عليها قبيلتا الفور والزغاوة.
انفصال السودانبعد استفتاء انفصال جنوب السودان عام 2011 وإعلان الدولة الجديدة، أعاد الحلو تشكيل الحركة الشعبية لتحرير السودان–قطاع الشمال، بهيكل ورؤية مختلفين عن النسخة القديمة، وتولى رئاستها وزعامتها.
إعلانكما تقلد مالك عقار منصب نائب الرئيس، بينما شغل ياسر عرمان موقع الأمين العام، قبل أن ينقسم القطاع عام 2017 إلى جناحين: الأول بقيادة الحلو في جبال النوبة، والثاني بزعامة عقار في النيل الأزرق.
وفي تلك المرحلة، خاضت الحركة الشعبية–شمال صراعا مسلحا ضد الحكومة السودانية وقوات الدعم السريع، إلى جانب مجموعات متمردة أخرى، في مواجهات طويلة لم تستطع الخرطوم حسمها لسنوات.
وفي ظل هذا الصراع، رسّخ الحلو سيطرته على سلسلة جبال النوبة الممتدة، مما جعل المنطقة واحدة من أكثر الجيوب العسكرية تحصينا في البلاد.
ومع اندلاع الثورة السودانية في ديسمبر/كانون الأول 2018، ثم سقوط نظام عمر البشير في أبريل/نيسان 2019، بقيت الأوضاع في جنوب كردفان على ما هي عليه، دون تغيير يذكر في ميزان القوى أو خارطة السيطرة.
تحالفات وصراعاتوفي 24 مارس/آذار 2020، اتهمت الحركة الشعبية بقيادة الحلو الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بحشد قواتهما في الخطوط الخلفية لميدان الصراع، ما زاد التوتر في المنطقة. وفي المقابل، دفعت رعاية دولية وإثيوبية نحو إطلاق مسار جديد للسلام مع الحلو، تبنته حكومة عبد الله حمدوك بوصفه أحد ملفاتها الأكثر حساسية.
وفي 4 سبتمبر/أيلول 2020، توصّل حمدوك والحلو إلى اتفاق مبدئي على استئناف مفاوضات غير رسمية حول القضايا العالقة، وعلى رأسها إقرار علمانية الدولة مدخلا لتحقيق تسوية مستدامة للصراع.
عارضت الحركة الشعبية لتحرير السودان-جناح الحلو اتفاق جوبا للسلام 2021، الذي وقع بين المدنيين والعسكريين برئاسة رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وانضم الحلو إلى جانب حركة تحرير السودان-جناح عبد الواحد محمد نور، بينما وقعت بقية الحركات المسلحة من دارفور وجبال النوبة، بما فيها جناح مالك عقار.
ومنذ بداية الحرب السودانية في أبريل/نيسان 2023، ظلت قوات الحلو تدير معارك جانبية ضد الجيش السوداني بهدف السيطرة على جبال النوبة.
وعقب 9 أشهر من اندلاع الحرب، شهد موقف الحلو تحولا مفاجئا، إذ شاركت قواته إلى جانب الجيش السوداني في شن هجمات ضد قوات "الدعم السريع" التي حاولت التقدّم نحو مدينة الدلنج، ثاني أكبر مدن جنوب كردفان الخاضعة لسيطرة "الحركة الشعبية–شمال". ويعكس هذا التحول استجابة الحلو للمتغيرات الميدانية والسياسية في المنطقة، وحرصه على إعادة ترتيب تحالفاته الاستراتيجية.
وفي يوليو/تموز 2025، جاءت خطوة تعزيز التنسيق السياسي والعسكري لتأكيد هذا التحول، حيث أعلن تحالف "تأسيس" التأسيسي عن تشكيل هيئته القيادية، برئاسة قائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي"، وتعيين الحلو نائبا للرئيس، مما يعكس التقارب الجديد بينهما وتوافق المصالح بعد تغير مواقف الحلو.