تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يواصل دير القديس مار مرقس الرسول والقديس صموئيل المعترف في قلب مدينة جوهانسبرج بجنوب أفريقيا مسيرته الروحية رغم التحديات التي واجهها، أبرزها الهجوم المسلح الذي راح ضحيته القمص تكلا الصموئيلي واثنان من الرهبان في 13 مارس 2024.

 ومع حلول الذكرى السنوية الأولى لهذا الحدث الأليم، تجدد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عهدها بالمضي قدمًا في رسالتها الروحية وخدمة أبناء الإيبارشية هناك.

-الدير هو رسالة إيمان في أرض بعيدة

تأسس الدير عام 2007 على يد الأنبا أنطونيوس مرقس، مطران إيبارشية جنوب أفريقيا، ليكون مركزًا لنشر الإيمان الأرثوذكسي في القارة الأفريقية ، ويعد الدير أحد أهم المراكز الروحية للأقباط في المنطقة، حيث يضم كنيستين، الأولى تحمل اسم القديس مار مرقس الرسول، والثانية باسم السيدة العذراء مريم، كما أنه يشهد على توافد العديد من الرهبان الذين كرسوا حياتهم للخدمة هناك.

-حياة الرهبان في الدير
يعيش الرهبان في الدير وفقًا للتقاليد الرهبانية القبطية، حيث يقضون أوقاتهم في الصلاة، والتأمل، والخدمة ، ويقومون برعاية أبناء الجالية القبطية، إلى جانب تقديم المساعدات الروحية والمادية للمجتمع الأفريقي المحلي. 

ورغم التحديات الأمنية، يواصل الرهبان مسيرتهم بإيمان قوي، مستلهمين روح الإيمان التي تجسدت في حياة القمص تكلا الصموئيلي ورفيقيه.

إيبارشية جنوب أفريقيا ودورها الرعوي.

تعتبر إيبارشية جنوب أفريقيا للأقباط الأرثوذكس إحدى الإيبارشيات البارزة خارج مصر، ويترأسها  الأنبا أنطونيوس مرقس، الذي يقود العمل الكنسي في المنطقة منذ عقود، وتسعى المطرانية إلى توسيع نطاق خدماتها، من خلال إنشاء كنائس جديدة، ورعاية الأسر القبطية، وتعليم الأجيال الجديدة، إلى جانب تقديم خدمات اجتماعية وطبية للمجتمع المحلي.

ومع حلول الذكرى الأولى لرحيل القمص تكلا الصموئيلي والرهبان، تجدد الكنيسة التزامها بمسيرة الإيمان، مؤكدة أن دماء الشهداء لن تكون إلا بذارًا لحياة جديدة، واستمرارًا لنور المسيحية في جنوب أفريقيا.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الأرثوذكسي السيدة العذراء مريم جنوب أفریقیا

إقرأ أيضاً:

نهاية حتمية: هل يسلك نظام الأبارتايد الإسرائيلي طريق جنوب أفريقيا؟ (قراءة قانونية مقارنة)

في لحظات الانكسار التاريخي، تبرز دائما تجارب الشعوب التي قاومت الظلم وغيّرت مجرى الواقع. وتظل تجربة جنوب أفريقيا في إسقاط نظام الفصل العنصري واحدة من أكثر المحطات الملهمة في التاريخ المعاصر، إذ انتصر شعبها على منظومة جذرية من التمييز العرقي بوسائل نضالية متراكبة، جمعت بين الصمود الداخلي والضغط الدولي.

واليوم، في ظل ما يشهده قطاع غزة من حرب إبادة مروّعة، ووسط تصريحات إسرائيلية رسمية تفوح منها رائحة الفصل العنصري، تعود قضية الأبارتايد الإسرائيلي إلى واجهة النقاش الحقوقي والسياسي الدولي. لقد أصبح النظام الذي يحكم الفلسطينيين أكثر وضوحا في بنيته العنصرية، وأكثر افتضاحا في جرائمه، حتى باتت منظمات حقوقية مرموقة، ومنها إسرائيلية، تصفه بلا تردد بأنه نظام فصل عنصري مكتمل الأركان، بل ويقترن بجريمة الإبادة الجماعية وفق القانون الدولي.

لكن، هل يعيد التاريخ نفسه؟ وهل يصلح النموذج الجنوب أفريقي دليلا لفهم مسار الصراع في فلسطين؟ وهل يمكن للفلسطينيين وأنصارهم حول العالم استلهام أدوات تفكيك الأبارتايد الجنوب أفريقي لتسريع انهيار النظام الإسرائيلي؟ وهل العالم اليوم -برغم كل التواطؤ الرسمي- أكثر وعيا وشجاعة لمواجهة منظومة عنصرية تُبَثّ جرائمها على الهواء مباشرة؟

في هذا المقال، لا نبحث عن إجابات مثالية، بل عن قراءة واقعية تجمع بين التحليل القانوني والتاريخي والسياسي، وتقارن مسارين شكّلا علامتين فارقتين في سجل العدالة الدولية. سنسبر الفروق الدقيقة، ونتأمل اللحظات الفاصلة، ونحاول أن نستشرف المستقبل، لنفهم: هل يمكن أن يكون زمن إسقاط الأبارتايد في فلسطين أقصر من زمنه في جنوب أفريقيا؟ وهل أصبح الاحتلال الإسرائيلي يواجه لحظته الحاسمة؟

أولا: نجاح تجربة جنوب أفريقيا والعوامل المساعدة في تفكيك الأبارتايد

نجحت جنوب أفريقيا في تفكيك نظام الفصل العنصري بعد عقود من القوانين والممارسات التي كرست هيمنة الأقلية البيضاء منذ 1948، وجاء هذا النجاح نتيجة تراكم نضال داخلي وضغط خارجي متواصل. داخليا، واجهت الأغلبية السوداء النظامَ بحملات مقاومة سلمية وعصيان مدني منذ الخمسينيات، مرورا بانتفاضات شعبية كبرى مثل احتجاجات سويتو 1976 والإضرابات العمالية والمقاطعات الاقتصادية، وصولا إلى الكفاح المسلح المحدود بعد انسداد أفق النضال السلمي. هذا الزخم جعل البلاد شبه غير قابلة للحكم مع تصاعد كلفة القمع في الثمانينيات.

خارجيا، لعبت الأمم المتحدة دورا محوريا عبر قرارات إدانة وعقوبات متدرجة، بدءا من حظر السلاح الطوعي عام 1963 حتى الحظر الإلزامي عام 1977، واعتماد الاتفاقية الدولية لمكافحة الأبارتايد (1973) التي صنفته جريمة ضد الإنسانية. بالتوازي، نشطت حركات التضامن العالمية في مقاطعة اقتصادية ورياضية وثقافية شاملة، ودفعت ضغوط الرأي العام الغربي حكومات مترددة، كالإدارة الأمريكية والبريطانية، إلى فرض عقوبات اقتصادية وقانون مكافحة الأبارتايد عام 1986.

بحلول أواخر الثمانينيات تراجعت قدرة النظام على الصمود تحت وطأة العزلة الاقتصادية والسياسية، خصوصا بعد انتهاء الحرب الباردة وفقدانه ذريعة "مكافحة الشيوعية". في 1990 اضطر دي كليرك للإفراج عن مانديلا وبدء المفاوضات الانتقالية التي أفضت إلى انتخابات ديمقراطية عام 1994 ودستور يساوي بين جميع المواطنين.

تُظهر التجربة أن تفكيك الأبارتايد نتج عن تضافر نضال شعبي من الداخل مع ضغط دولي منظم، وأن الجمع بين المقاطعة والعقوبات والقيادة الحكيمة قادر على إسقاط أكثر الأنظمة العنصرية رسوخا، وهو درس حاضر اليوم في تقييم السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.

ثانيا: البنية القانونية والسياسية والممارسات القمعية.. أوجه التشابه والاختلاف

يتشابه نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا مع النظام الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين في جوهره: سيطرة مجموعة إثنية على أخرى، مقنَّنة عبر قوانين تمييزية وممارسات قمعية منهجية. لكن تظل هناك اختلافات مرتبطة بالسياقين التاريخي والديموغرافي.

1- البنية القانونية والمؤسسية:

- جنوب أفريقيا: أقرّت قوانين صريحة للفصل مثل "تسجيل السكان" و"المناطق الجماعية" و"تصاريح التنقل"، وحظرت الزواج المختلط، وأنشأت "البانتوستانات" لعزل السود وحرمانهم من حقوق المواطنة.

- إسرائيل: لا قانون باسم "الأبارتايد"، لكنها تطبق منظومة قوانين مزدوجة: مدنية تمنح اليهود امتيازات كاملة، وعسكرية تحرم الفلسطينيين من الحقوق السياسية والمدنية. يشمل ذلك قانون القومية (2018)، ومنظومات التصاريح والحواجز، وهدم المنازل، إضافة إلى حرمان اللاجئين من حق العودة. ففي الضفة وغزة تُطبق منظومتان قانونيتان متناقضتان على أرض واحدة: مدنية للمستوطنين وعسكرية للفلسطينيين.

2- الممارسات القمعية:

كلا النظامين اعتمد القمع الممنهج:

- مجازر ضد المحتجين (شاربفيل وسويتو مقابل الانتفاضات ومسيرات العودة).

- الاعتقال السياسي الواسع (مانديلا 27 عاما مقابل آلاف الأسرى الفلسطينيين والاعتقال الإداري).

- العقاب الجماعي (إغلاق البلدات السوداء مقابل حصار غزة وهدم منازل عائلات منفذي العمليات).

- التهجير القسري والتطهير المكاني (ترحيل صوفياتاون مقابل تهجير أحياء القدس والخليل والنقب).

-  الخطاب الأمني: وصم المقاومة بالإرهاب لتبرير القمع.

3- أوجه الاختلاف:

- الديموغرافيا: البيض كانوا أقلية صغيرة تحكم أغلبية ساحقة، أما إسرائيل فتسعى للحفاظ على أغلبية يهودية داخل 1948 مع عزل الكتلة الفلسطينية في جيوب منفصلة.

- الشرعية الدولية: جنوب أفريقيا واجهت عزلة دولية شاملة، بينما تفادت إسرائيل الوصم الكامل لعقود مستفيدة من دعم الغرب وذرائع أمنية.

- العلنية والإنكار: الأبارتايد الأفريقي كان صريحا، بينما الأبارتايد الإسرائيلي يتخفّى خلف خطاب أمني وقومي.

ثالثا: دور الأمم المتحدة والعقوبات ومواقف الغرب في الحالتين

في جنوب أفريقيا، لعبت الأمم المتحدة دورا محوريا منذ الستينيات في مواجهة الأبارتايد؛ إذ أدانت الجمعية العامة النظام رسميا عام 1962 وشكّلت لجنة خاصة لمكافحته، فيما أصدر مجلس الأمن سلسلة قرارات أدت تدريجيا إلى فرض عقوبات: حظر سلاح طوعي عام 1963 ثم إلزامي 1977، وحظر نفطي واسع عام 1987، إضافة إلى مقاطعة رياضية وثقافية بموجب اتفاقية غلين إيغلز 1977. قادت دول عدم الانحياز ومنظمة الوحدة الأفريقية ضغوطا لعزل بريتوريا، فيما تبنّت دول الشمال الأوروبي دعما سياسيا وماليا لحركات التحرر. أما أوروبا الغربية والولايات المتحدة فتبنتا بداية سياسة "الارتباط البناء"، وعرقلتا العقوبات الشاملة بالفيتو، قبل أن تتغير مواقفهما منتصف الثمانينيات تحت ضغط الرأي العام، لتفرضا عقوبات اقتصادية وعسكرية ساهمت في إسقاط الأبارتايد.

أما في الحالة الإسرائيلية، فالوضع مختلف جذريا. ورغم أن الجمعية العامة أصدرت عشرات القرارات منذ 1967 تؤكد حقوق الفلسطينيين وتدين الاستيطان والضم، لم يُفرض أي عقاب إلزامي بسبب الفيتو الأمريكي المتكرر. حتى رأي محكمة العدل الدولية عام 2004 ضد جدار الفصل لم يُترجم لإجراءات، بينما واصلت الدول الغربية تقديم الدعم العسكري والاقتصادي لإسرائيل. تقارير منظمات كـهيومن رايتس ووتش والعفو الدولية وصفت سياسات إسرائيل بأنها أبارتايد، لكن الولايات المتحدة وأوروبا لم تفرض عقوبات، بل حاولت بعض دولها تجريم حركة المقاطعة (BDS) على عكس ما حدث مع جنوب أفريقيا؛ حيث تجاوبت الحكومات أخيرا مع ضغط شعوبها للمقاطعة.

ومع ذلك، بدأ مسار قانوني يتشكل: المحكمة الجنائية الدولية أعلنت عام 2021 ولايتها على الجرائم في الأراضي الفلسطينية، ومجلس حقوق الإنسان أنشأ لجنة تحقيق دائمة، كما طلبت الجمعية العامة في 2022 رأيا استشاريا جديدا من محكمة العدل الدولية حول شرعية الاحتلال. لكن حتى الآن، يبقى الموقف الغربي الرسمي مترددا ومزدوج المعايير، فيما يظل الضغط الشعبي وحملات المقاطعة الأمل الأبرز لتكرار تجربة العزلة الدولية التي أسقطت الأبارتايد في جنوب أفريقيا.

رابعا: التداخل بين التأثير الشعبي والتأثير الرسمي في تفكيك النظامين

أثبتت تجربة جنوب أفريقيا أن الحراك الشعبي، محليا ودوليا، كان المحرّك الأساسي لاعتماد العقوبات الرسمية ضد نظام الأبارتايد. فقد بدأت حملات المقاطعة بقيادة طلاب ونقابات وكنائس وفنانين منذ أواخر الخمسينيات، وتوسعت في الستينيات والسبعينيات، قبل أن تلحق بها الحكومات بسنوات. مثلا، جاءت مقاطعة فريق الكريكت الجنوب أفريقي عام 1970 نتيجة ضغط رياضي وأخلاقي واسع، فيما انسحبت شركات كبرى مثل بنك باركليز استجابة لحملات طلابية وحقوقية، قبل العقوبات الرسمية. هذا الزخم الشعبي خلق وعيا عالميا اعتبر الأبارتايد قضية ضمير إنساني، ومع تصاعد الانتفاضات الداخلية في الثمانينيات، أدى التقاء الضغطين الداخلي والخارجي إلى انهيار النظام. وقد تُوّج ذلك بقرارات حكومية كقانون العقوبات الأمريكي عام 1986، نتيجة تراكم نضالات شعبية مستمرة.

في الحالة الفلسطينية-الإسرائيلية، يلعب الضغط الشعبي الدولي دورا متصاعدا في ظل غياب إجراءات رسمية فعالة. فقد أطلقت حركة المقاطعة (BDS) عام 2005 بنداء فلسطيني واضح، مستلهمة تجربة جنوب أفريقيا، وسعت لعزل إسرائيل أكاديميا وثقافيا واقتصاديا من خلال قيادة مجتمعية مدنية دولية. ورغم غياب جهة رسمية تقودها كحال المؤتمر الوطني الأفريقي، حققت الحركة اختراقات رمزية مؤثرة، أبرزها انسحاب بعض الكنائس والشركات والجامعات من استثمارات مرتبطة بالاحتلال، إلى جانب إلغاء فعاليات رياضية وفنية في إسرائيل. ورغم محدودية الأثر المادي، فقد أرست وعيا عالميا جديدا بمعاناة الفلسطينيين، وهو ما يُقلق إسرائيل ولوبياتها، التي تسعى لتجريم المقاطعة قانونيا.

في المقابل، يشهد الموقف الرسمي الفلسطيني والعربي قصورا واضحا؛ فالسلطة الفلسطينية مقيدة باتفاقات أوسلو، والدول العربية منقسمة وبعضها مطبع. لذا، باتت المبادرات المدنية الدولية شريانا حيويا لإبقاء القضية حيّة، كما تجلّى ذلك في تضامن حركات مثل "حياة السود مهمة"، والمظاهرات الواسعة في الغرب أثناء عدوان 2021. هذه الحراكات الشعبية بدأت تُغيّر الخطاب السائد، حتى بات تشبيه إسرائيل بجنوب أفريقيا مطروحا علنا، بل يتبناه بعض المثقفين الإسرائيليين أنفسهم.

خلاصة القول: الضغط الشعبي هو المحرّك الأساسي حاليا لمقاومة الأبارتايد الإسرائيلي، تماما كما حدث في جنوب أفريقيا. فكلما زاد تأثير المقاطعة، اقترب اليوم الذي تُجبر فيه الحكومات على التحرك باتجاه فرض عقوبات وإجراءات رسمية.

خامسا: إلى متى سيستمر الأبارتايد الإسرائيلي؟

رغم مرور 56 عاما على احتلال 1967 و75 عاما على نكبة 1948، لا تزال نهاية الأبارتايد الإسرائيلي بعيدة المنال، بخلاف تجربة جنوب أفريقيا التي انتهت خلال 46 عاما. ومع ذلك، توجد اليوم عوامل قد تُعجّل بزواله:

- التوافق الأخلاقي والقانوني الدولي على تجريم الأبارتايد، مع إرث حقوقي جاهز يسهّل مساءلة إسرائيل.

- ثورة الإعلام الرقمي التي تكشف الانتهاكات لحظة بلحظة وتخلق تعاطفا عالميا واسعا، خاصة لدى الأجيال الشابة.

- تحولات في ميزان القوى الدولي تسمح بتحالفات جديدة تضغط على إسرائيل خارج الإطار الغربي التقليدي.

- تطرّف الحكومة الإسرائيلية قد يدفع حتى حلفاءها إلى إعادة تقييم دعمهم إذا بلغ القمع ذروته.

لكن في المقابل، توجد عوائق كبيرة:

أولا، الدعم الغربي الثابت لإسرائيل سياسيا وعسكريا لا يزال يشكّل سدا منيعا أمام أي محاولة لفرض عقوبات فعّالة.

ثانيا، التشرذم الفلسطيني والانقسام العربي يفتقران لوحدة استراتيجية تضاهي جبهة المؤتمر الوطني الأفريقي التي قادت النضال ضد الأبارتايد في جنوب أفريقيا.

ثالثا، الحل السياسي في الحالة الفلسطينية أكثر تعقيدا، إذ لا يقتصر على المواطنة فحسب، بل يشمل قضايا التهجير واللاجئين والاستيطان والحصار، بخلاف النموذج الجنوب أفريقي الذي بدا "أبسط" نظريا: دولة واحدة لكل المواطنين.

رابعا، تمارس إسرائيل نوعا من الالتفاف الذكي على الضغط الدولي، عبر إجراءات شكلية وتسهيلات اقتصادية تُبقي على جوهر السيطرة والهيمنة.

وبين هذه القوى المتعارضة، يصعب التنبؤ بزمن دقيق لانهيار نظام الأبارتايد، لكنه قد يأتي فجأة كما حدث في جنوب أفريقيا، التي احتاجت إلى 46 عاما من النضال بين 1948 و1994، من المقاطعة الطوعية إلى العقوبات الإلزامية، ومن تراكم الوعي الشعبي إلى التحوّل الرسمي. الفرق أن في الحالة الفلسطينية، الجرائم ليست مخفية أو مقنّعة كما كانت في جنوب أفريقيا، بل مفضوحة ومفزعة وتُبثّ حيّا على الهواء، ومع ذلك لم يتحرّك العالم رسميا بعد. وهذا ما يجعل الاستمرار في الصمت أكثر كلفة على النظام الدولي.

إن نهاية الأبارتايد الإسرائيلي لم تعد احتمالا بل حتميّة تُقرّها سنن الكون ومسار العدالة التاريخية، لكنها لا تتحقق تلقائيا، بل تتطلب نضالا فلسطينيا متصاعدا ومحاسبة دولية فاعلة. فإسرائيل لا تمارس عنصرية فحسب، بل تنفّذ مشروعا استعماريا ممنهجا. وأي عدالة ما بعد هذا النظام لن تكون حقيقية ما لم تبدأ باعتراف صريح بالانتهاكات، وضمان حق العودة والتعويض، وتوثيق الظلم ضمن آلية جذرية للعدالة الانتقالية. فالمصالحة ليست غفرانا مجانيا، بل مساءلة من ارتكب وخطّط وتواطأ، تمهيدا لبناء نظام قانوني وسياسي قائم على المساواة لا على إدارة الفوارق. وفي نهاية المطاف، لا تسوية دون تفكيك الاحتلال، لأن الاحتلال هو الأبارتايد ذاته. وكما انتهى نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا بحل سياسي مشترك، فإن إسرائيل أمام الخيار نفسه: إما الاعتراف بالحقيقة، أو الاصطدام بها.

مقالات مشابهة

  • توقعات بموجة أمطار قوية بجنوب البنغال مع تكوّن منخفض جوي.. الأربعاء
  • اتفاقية لدعم صندوق الإغاثة بجنوب الشرقية
  • أنهار وأودية.. سيول وأمطار سانت كاترين تصنع شلالات وبحيرات بجنوب سيناء
  • بعد غياب 8 سنوات.. تاتا تعود إلى سوق سيارات جنوب أفريقيا بطموح متجدد
  • يوم رياضي مفتوح للقوى بجنوب الشرقية
  • نهاية حتمية: هل يسلك نظام الأبارتايد الإسرائيلي طريق جنوب أفريقيا؟ (قراءة قانونية مقارنة)
  • في علي النهري البقاعية.. قطع طريق ومسيرة لمُناصري الحزب
  • أمن الدولة: تضحيات شهداء الجيش ستبقى منارة عز وفخر للأجيال
  • من تراث ثقافي إلى ثروة اقتصادية.. مراحل تطور تدريب الهجن بجنوب سيناء
  • القضاء بجنوب أفريقيا يأمر بإعادة جثمان الرئيس السابق لونغو لزامبيا