قرأ كتابين.. وأفتى!
تاريخ النشر: 15th, March 2025 GMT
يوسف عوض العازمي
@alzmi1969
"الوصية لطلبة العلم أن يتفقَّهوا في الدين، وأن يتعاونوا على البِرِّ والتقوى، وأن يتواصوا بالحق والصبر عليه، وأن ينشروا العلم بين الناس، أينما كانوا" الشيخ ابن باز.
*****
لا شك أن طلب العلم أمر مفيد للإنسان، والتفكر بالتعلم والدراية والمعرفة، ولعل أهم العلوم التي يحسن البدء بها والتفكر بها ودراستها هي العلوم الشرعية، من خلال الدراسة والقراءة لطلبة العلم ومشايخه الثقات، وفي ذلك خير كثير للمسلم، إذ قال تعالى: "وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" (الأنعام: 155)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (مُتفق عليه).
وطالب العلم الشرعي من ذوي الثقة يرجع إليه العديد من الناس للسؤال عما يجهلون من أمور دينهم، وفي هذا فضل عظيم ففيه تيسير للناس ونشر للعلم بطريقة عملية، وبالطبع لن يأتي الناس إلا الموثوق به أخلاقيا و علميا ولا نزكي على الله أحدا، وهنا أركز على المكانة العالية التي يفترض أن يتبوأها طالب العلم الشرعي اجتماعيًا بين عامة الناس، وبما يكلفه ذلك من مسئولية جسيمة؛ حيث العديد من الناس يربط بعض أمورهم الهامة من أحوال خاصة وما يتعلق بالعبادات و كذلك في مسائل المواريث ومصالحهم الدنيوية كأعمال التجارة والتعاملات وفقا لأجوبة الشيخ طالب العلم حول الحلال والحرام في هذه الأمور، وحتى مع تطور وسائل الاتصالات ما تزال مكانة طالب العلم الشرعي راسخة.
إنما وبناءً على ما سبق ونظرًا لأهمية الفتوى أو المشورة الشرعية، فهنا يفترض وجود شيخ أو طالب علم على كفاءة في تقدير الموقف ذو الصلة ببعض الأمور، حتى تكون الفكرة لديه واضحة ومن خلال هذا الوضوح بإمكانه تحديد الصح والخطأ والحلال والحرام، أي يتحرى الصحة فيما يقول، ويقوم بقياس الوضع بشكل دقيق، حتى يتيقن من الإجابة عن أي سؤال أو طلب فتوى، أو يلجأ للاعتذار على طريقة كفى الله المؤمنين القتال، ويقول المثل الشائع: من قال لا أدري فقد أفتى!
طالب العلم الشرعي الموثوق والذي يجتهد لخدمة دينه وخدمة الناس من خلال إبداء المشورة الشرعية، تجده ينفتح على طل جديد من متطورات العلم والتكنولوجيا ووسائل العصر المعاصر، حتى تكون لديه نبذة و فكرة تامة عما يجري من تطورات وذلك من خلال تواصله مع المختصين حتى يستطيع ربط ما يحصل مع مسائل الشرع ويتتبع مُستحداث العلم أيضا من خلال المختصين الثقات، وهذا ديدن طالب العلم الشرعي، حتى تكون الأمور في محلها ومتثبتة وواضحة للجميع وحتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود عبر البحث العلمي البحث.
يتذكر المتابعون ما حصل عندما تم تحريم "الستالايت" في بداية ظهوره؛ بل ووصم من يضع الستالايت بمنزله بأبشع الصفات، وكذلك الهاتف النقال الذي به الكاميرا، وما حصل بشأنه، وأيضا ما حدث حول قيادة المرأة للسيارة وتبعات ذلك، لك أن تتصور طالب علم يحرم كل ما سبق ثم تجده يحللها بعد ذلك، ليس بسبب فتوى علمية شرعية، إنما بسبب قرارات حكومية أتاحت هذه الأمور للناس وأهمها قيادة المرأة للسيارة!
القصة ليست هكذا فقط؛ بل عندنا في الكويت هناك من يُحرِّم "القرقيعان" وهي عادة تتجدد في رمضان تتعلق بالأطفال؛ حيث يقوم الأطفال بالتجول عبر البيوت القريبة بأهازيج يغنونها حاملين أكياسا حيث يأخذون القرقيعان من أهل البيوت والقرقيعان عبارة عن حلويات ومكسرات متنوعة، وتوقيت هذه العادة في منتصف الشهر الكريم بعد صلاة التراويح. وحدث أنه في السنوات الماضية وحتى الآن على ما اظن أن بعض طلبة العلم الشرعي حرَّموا هذه العادة لأسباب عديدة، وأيضا العديد من طلبة العلم الشرعي اعتبروا الموضوع لا يخرج عن اللهو المباح، وما تزال الاختلافات حول ذلك!
طالب العلم الشرعي يفترض فيه سعة الأفق، وفهم الأمر الواقع وتطورات الحياة، و التيقن من أي مسألة بسؤال المختصين بها علميا حتى تتكون الصورة أمامه كاملة، لأن هناك الكثير من المسائل المعقدة التي تحتاج البحث من خلال مختصيها وعلمائها الثقات الذين يعينون طالب العلم الشرعي بإعطاء نبذة وفكرة واضحة لا لبس فيها، حتى يتمكن من خدمة دينه و تنوير الناس السائلين، ليس معقولا أن يأتي حديث عهد بالعلم الشرعي ويجيب عن المسائل الشرعية ذات الجدل، وبدون أساس علمي فقط بناء على قاعدة سد الذرائع ودرء المفاسد!
لا أن شك بلادنا تفتخر بطلبة العلم الشرعي الثقات، الذين كانوا وما يزالون هم شمعة الأمة ونبراسها، وهم القدوة للذين يقومون بخدمة الناس بمسائل دينهم، ويتعبون على التعامل مع المسائل المعاصرة لخدمة الدين والناس، نفع الله بهم وزادهم علما.
قال العلامة السعدي رحمه الله: "من تعلم علمًا، فعليه نشره وبثه في العباد، ونصيحتهم فيه، فإن انتشار العلم عن العالم من بركته، وأجره الذي ينمى".
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ارفعوا العلم عاليًا
فايزة بنت سويلم الكلبانية
faizaalkalbani1@gmail.com
عندما نُطلق العنان للخيال الوطني ونرى العلم يرفرف عاليًا فوق أطول سارية في تاريخ سلطنة عُمان، فإننا لا ننظر إلى مجرد مشروع إنشاء سارية علم؛ بل نرى رمزًا يحمل في طياته معاني الفخر والاعتزاز بمجد هذا الوطن العريق.
مشروع “ساحة الخوير”، المزمع افتتاحه في قلب العاصمة مسقط، هو أكثر من مجرد مبادرة هندسية؛ إنه انعكاس حي للطموح العُماني والحرص على إبراز الهوية الوطنية بطرق تعكس العمق الحضاري والرؤية المستقبلية.
في يوم تاريخي يُراد له أن يخلد في ذاكرة العُمانيين، ستحتضن ساحة الخوير هذا الحدث الوطني المهيب؛ حيث سيرتفع العلم العُماني على سارية شاهقة بارتفاع 126 مترًا، وهو ما يعادل ارتفاع 40 طابقًا وفق معايير الأبنية. هذه السارية، المصنوعة من 135 طنًا من الحديد الصلب، تعد معجزة هندسية بحد ذاتها، بقاعدة قطرها 2800 مم تتناقص تدريجيًا إلى 900 مم عند القمة، مما يضمن ثباتها وشموخها رغم ارتفاعها الهائل. وقد زُودت بنظام إنارة تحذيري للطائرات، ما يعكس اهتمام المشروع بأدق التفاصيل لتحقيق أعلى معايير السلامة والجودة.
وعلى الرغم من أن المشروع قد يبدو في ظاهره استثمارًا في إنشاء سارية علم فقط، إلّا أن أبعاده تتجاوز هذا المفهوم الضيق؛ فهو مشروع متكامل يجمع بين الطابع الترفيهي والفني والبيئي، مما يجعل من ساحة الخوير وجهة شاملة لجميع الفئات. فقد تم تصميم المساحات الخضراء بعناية لتحتضن العائلات والممارسين للأنشطة الرياضية، إلى جانب الممرات المخصصة للمشي وركوب الدراجات. إضافة إلى ذلك، يضفي المعرض المفتوح للفنون والحرف اليدوية بُعدًا ثقافيًا يُثري زوار الساحة ويعزز من ارتباطهم بالتراث العُماني الأصيل.
أما الجانب البيئي، فقد أُخذ بعين الاعتبار في تصميم المشروع، حيث تم استخدام أشجار النخيل والغطاء النباتي الملائم لتوفير بيئة طبيعية متناغمة، ما يعكس اهتمام السلطنة بالحفاظ على بيئتها وتوفير أماكن تجمع مستدامة. كما تم تجهيز المشروع بمرافق عامة تخدم الزوار، من مواقف للسيارات إلى دورات مياه، لتُضفي على الساحة طابعًا عمليًا يواكب متطلبات الحياة العصرية.
تفاصيل السارية نفسها تروي قصة اهتمام عُمان بالتطور والإبداع؛ فهي ليست مجرد حامل للعلم؛ بل أيقونة تصميمية تجسد الطموح والاعتزاز بالوطن، أبعاد العلم العُماني المرفرف فوق السارية، التي تبلغ 18 مترًا طولًا و31.5 مترًا عرضًا، تجعل من هذه السارية مشهدًا يلفت الأنظار ويُحيي مشاعر الفخر في قلوب الجميع.
إن افتتاح ساحة الخوير ورفع العلم العُماني على هذا الارتفاع الشاهق يرسّخ مفهومًا مهمًا في وجدان كل عُماني؛ وهو أن الوطن لا يُقاس بحدوده الجغرافية فقط؛ بل بتجليات فخرنا واعتزازنا به، وبقدرتنا على ترجمة هذه المشاعر إلى إنجازات تُلهم الأجيال المقبلة. ففي هذا الحدث الوطني المهيب، سنُعلن بصوتٍ واحد: “ارفعوا العلم عاليًا”، ليظل خفاقًا شاهدًا على عراقة الماضي وطموحات المستقبل.
رابط مختصر