تشريح المثقفين للمختلف معهم في الرأي تحت شجرة النيم وحديث من يتبول في الشارع وهو يرتدي بدلة من أشهر المحلات الباريسية وحقيقة هذا حالهم ولا أبالغ في الامر
يبدو أن البعض قد نذر نفسه لحراسة القوالب الجاهزة، فإذا خرج أحدهم عن خطّ مستقيم رسموه، سارعوا إلى تشريحه فكريًا ووضعه على مائدة التقييم القاسي، متناسين أن الفكر ليس سجنًا، وأن الكتابة ليست بيانًا حزبيًا يُقرُّ ولا يُراجع.

فهل يُفترض بمن يكتب أن يكون ثابتًا كالصخر؟ ألا يُتاح له حق إعادة النظر، أو مراجعة القناعات، أو حتى التحليق فوق المقولات الجاهزة دون أن يُتهم بالتلون أو النفاق؟
ولأنني لم أدّعِ يومًا أنني حكيم المعرة ولا أيس الكوفة الهَمْداني، فأنا أمارس الحياة كما يحلو لي، أتنقل بين قراءاتي وأفكاري، وأحاول أن أفهم المشهد السياسي كما هو، لا كما يريده المتحمسون لتصنيفي وفق مقولاتهم الجاهزة. أجل، انتقدتُ العسكر وعسكرة الدولة، وسأظل أنتقد كل هيمنة تُضيّق على الناس مساحة الحرية، فهل المطلوب أن أكون تابعًا أعمى كي يرضى عني حراس الأيديولوجيات؟
من القباب إلى الحداثة مسيرة لا تستحق السجن في قوالبكم
لم أولد وفي يدي بيان ماركسي أو خطاب ليبرالي، بل كانت طفولتي محاطة بالقباب، حيث تعلمتُ القرآن كغيري من أبناء ذلك الجيل، قبل أن تأخذني رياح الأسئلة الكبرى إلى ماركس، فوجدتُ في طرحه نقدًا عميقًا للبنى التقليدية، لكنني لم أكتفِ به، فالعالم أرحب من أن يُرى بعين واحدة. انفتح فضائي الفكري على الحداثة وما بعدها، لا لأهرب من الأسئلة، بل لأعمّقها، ولأختبر الأجوبة خارج إطارات الصراع الإيديولوجي الضيق. فهل يُعد ذلك خيانة فكرية أم بحثًا عن المعنى؟
عناوين جذابة أم مضامين سطحية؟ السفسطة ليست مشكلتي
اتهمني البعض بأنني أجيد العناوين الجذابة، لكن مضموني فارغ أو معقد، كأنما المطلوب مني أن أختصر السياسة في هتافات الشوارع. حسنًا، لن أدافع عن نفسي في هذا، فالقارئ الذي يقرأ لي بعين مُنصفة سيعرف أنني لا أمارس الكتابة كحرفة ميكانيكية، بل كبحث مستمر عن الفهم. وإن كانت بعض كتاباتي تستفز البعض، فلأنها تخرج من المساحات الرتيبة إلى أسئلة أكثر عمقًا. ومن لا يريد الغوص، فالبحيرات الضحلة متاحة للجميع.
بين هذا وذاك لا تضيقوا واسعًا، فالكتابة بحرٌ أوسع من صدوركم الضيقة
لستُ مثاليًا، ولا أملك مشروعًا فكريًا عظيمًا يستحق القراءة العميقة، ولستُ تاجر أفكار يُسوّق نفسه باعتباره المُخلّص الفكري لهذا الزمان. أكتب لأنني أريد أن أفهم، ولأنني لا أطيق اختزال الواقع في ثنائية قاتلة بين الأبيض والأسود. لا يزعجني النقد، لكنه يُضحكني حين يأتي من مثقف يرتدي بدلة اشتراها من أشهر محلات باريس، ثم يتحدث عن النقاء الثوري وهو يتبول في الشارع أمام الجميع.
أيها المتحمسون لجلدي فكريًا، تحيَّ شجرة النيم التي ظللتني ذات يوم، تحيَّ رياح الأسئلة التي لم تتوقف عن ملاحقتي، وتحيا الكتابة كمساحة رحبة لا تُختزل في تقييماتكم الضيقة.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

عالجوا الالتهابات قبل مجيئ الانتخابات !؟

بقلم: عمر الناصر ..

قبيل كل موسم انتخابي ترتفع نسبة الالتهابات السياسية وتتأزم العلاقات بين القوى الحاكمة ويشتد سعير المنافسة والتسقيط المؤدلج والمبرمج ، ويكون امام بعض المرشحين مهمة معقدة لاجل استقطاب اكبر عدد من الناخبين من خلال الاستغلال الفعلي لامكانيات وموارد الدولة لضمان تحقيق عنصرين اساسيين في خطة الانتشار الناعم هما ، قوة وتنظيم الية ووحدة الخطاب او حجم ووحدة مساحة التأثير ، ليكون الاهتمام مؤقت وليس مستدام بنشاطات وفعاليات وحراكات تجذب اكبر عدد ممكن من الناخبين “المگاريد”، مما يجعل قرارهم في المشاركة بالانتخابات بين سندان الرغبة والطموح باحداث تغيير وبين سندان حالة الدهشة والصدمة جراء ” الدهاء والفنود ” والطرق الميكيافيلية التي يسلكها بعض المرشحين ، لحين وصولهم لنقطة الحسم والتردد باتخاذ قرار حازم بالمشاركة الانتخابية من عدمها ، بسبب ارتفاع منسوب وكمية الاحباط لديهم ، نتيجة تكاثر طرق الاحتيال وكمية “البلتيقات” التي تستخدم من قبل البعض ومحاولة تسخين الساحة الانتخابية باساليب وطرق ثعلبية عدة يقع ضحيتها الشارع ومنها رفع درجة حرارة الخطاب الطائفي والعنصري والمناطقي ، واشاعة خطابات الكراهية الممجوجة التي بدأ يلفضها حتى الجمهور المحتكر والثابت والمؤدلج الذي يطمح بإعادة الكرامة، او الضحك على ذقون البسطاء من خلال اظهار مشاهد البكاء والتعاطف على حالة انسانية بعدسة عين الصقر ” صورني واني ما ادري ” التي تثير الشفقة على المرشح “ابو گذيلة ” اكثر من الحالة الانسانية نفسها مما يجعل الكثير منهم في محط للسخرية ، او نافذة لترفيه المواطن الذي يشكر الله على نعمة الديموقراطية كونها تمنحه الفرصة لاجل الضحك المستمر على الشعارات الرنانة والموسيقية التي تُرفع والتي اعتقد بأنها لا تشفي التهابات يعاني منها جسد الانتخابات .

انتهى …

خارج النص // يعتقد البعض بأن المشاركة في الانتخابات هو موسم للتسوق .

عمر الناصر

مقالات مشابهة

  • عندما يلبس المثقف لباس الواعظ في إقصاء المختلف
  • إصابة 12 شخصا بينهم سيّاح إثر سقوط شجرة معمّرة في إيطاليا
  • الطرقات استعادة للوعي والمصالح
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (وعن … أنت منو عشان تتكلم..؟)
  • الصناعة تعلن نتائج طرح الوحدات الصناعية الجاهزة بـ 10 محافظات
  • التقنيات الجديدة شريك ذكي يثري تجربة الكتابة
  • هل مات جو بايدن بالفعل؟
  • الفوضى الرقمية بين أوهام الحرية والخصوصية المستباحة
  • وزير الحج: تظليل 170 ألف م2 وزراعة 20 ألف شجرة في مكة لتعزيز راحة الحجاج
  • عالجوا الالتهابات قبل مجيئ الانتخابات !؟