الإنجيليون تيار الولادة الثانية في الكنيسة البروتستانتية
تاريخ النشر: 17th, March 2025 GMT
تيار ديني تجديدي محافظ، انبثق من رحم الكنيسة البروتستانتية، يضم مجموعة من الكنائس المستقلة، تجمع بينها مبادئ عقدية، ترتكز على التحول للإيمان بالتوبة (الولادة الثانية)، والاعتقاد بالسلطة المطلقة للكتاب المقدس وحده، وصلب المسيح وتضحيته، ونشر الإنجيل في جميع أنحاء العالم.
والإنجيلية حركة مسيحية عالمية، يُقدر عدد أتباعها بما يزيد على 600 مليون نسمة حول العالم (وفق بيانات التحالف الإنجيلي العالمي)، يتجمع أكثر من 90 ألفا منهم في الولايات المتحدة الأميركية، يشكلون قوة سياسية مؤثرة في الانتخابات الأميركية وقرارات البيت الأبيض المتعلقة بالسياسات الداخلية والخارجية.
ويَعتبر الإنجيليون دعم الاحتلال الإسرائيلي مسألة عقدية، لأن إقامة إسرائيل -في نظرهم- وسيادتها في الأراضي المقدسة (فلسطين) "تحقق نبوءة آخر الزمان"، التي تنتهي ببناء الهيكل وعودة المسيح المخلص، الذي سيحكم العالم من القدس.
ولطالما مارس الإنجيليون ضغوطا على الإدارة الأميركية، لتقديم مزيد من الدعم لإسرائيل، ففي الولاية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب (2016-2020)، والذي يمثل الإنجيليون ثلث قاعدته الانتخابية، اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها بين العامين 2017 و2018.
وفور تنصيبه للولاية الثانية مطلع عام 2025، ألغى أمرا تنفيذيا يسمح بفرض عقوبات على المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، وضغط لتهجير فلسطينيي قطاع غزة، وإضافة إلى ذلك سارع الإنجيليون إلى الضغط عليه للسماح لإسرائيل بضم الضفة الغربية كاملة.
إعلان النشأةتعود جذور الإنجيلية إلى حركة الإصلاح الديني في الكنيسة الكاثوليكية، التي تزعمها مارتن لوثر وأتباعه في أوروبا في القرن السادس عشر، والتي تقوم على الاعتقاد بالكتاب المقدس مصدرا وحيدا موثوقا ومُلزما للحقيقة الدينية، وكان أتباع هذه الحركة أول من أُطلق عليهم "إنجيليون"، لتمييزهم عن غيرهم من أتباع الحركات الإصلاحية الأخرى.
وفي القرن السابع عشر نشأت حركة الإحياء الإنجيلي، وهي حركة تجديدية داخل الكنيسة البروتستانتية، رافضة للشكليات والجمود الذي طغى على الكنيسة، وشكلت تلك الموجة التيار الثاني الذي غذى الإنجيلية بعد الإصلاح اللوثري.
وكانت البداية من ألمانيا تحت مسمى "حركة التقوى"، التي تأسست بجهود من القس اللوثري فيليب جاكوب سبينر، وركزت على التحول و"التجديد "الداخلي للإنسان" والاعتقاد بأن مثل هذه التجربة ضرورية للخلاص.
ومع دخول القرن الثامن عشر أخذت هذه الحركة تنتشر في إنجلترا، وكان من أبرز المبشرين بها تشارلز ويسلي مؤسس حركة الميثودية، وبلغ تأثير الإنجيليين ذروته في بريطانيا في القرن التاسع عشر، إذ أثرت المعتقدات والممارسات الإنجيلية آنذاك بشكل عميق على الحياة والفكر والسياسة المحلية والاستعمارية البريطانية.
ولم يقتصر نشاط تيار الإنجيلية في إنجلترا على نشر الأعمال اللاهوتية، بل نشروا أعمالا أدبية وعملوا في تحرير المجلات وإدارة الجمعيات، وساهموا بقوة في النشاط الثقافي.
وفي أواخر القرن الثامن عشر نمت الإنجيلية في الولايات المتحدة، واتسع نطاق الدعوة لها بشكل متزايد في أوروبا وأميركا بحلول القرن التاسع عشر، من خلال رجال الإحياء الديني الأميركيين، أمثال: تشارلز غرانديسون فيني ودوايت إل. مودي، وأرسلت الحركة بعثات تبشيرية عالمية، استهدفت أميركا الجنوبية وأفريقيا وآسيا.
وتنامت قوة الإنجيلية وامتدادها في العالم، ووحد أتباعها من مختلف الطوائف حول العالم جهودهم وشكلوا التحالف الإنجيلي عام 1846 في لندن، ثم أنشؤوا فروعا أخرى له بين العامين 1846 و1955 في العديد من الدول، مثل فرنسا وألمانيا وكندا والولايات المتحدة والسويد والهند وتركيا وإسبانيا والبرتغال، ونشطت المؤتمرات العامة في أوروبا وأميركا.
مع اندلاع الثورة العلمية التي بدأت في نهاية القرن التاسع عشر، واجهت المسيحية البروتستانتية تحديا جديدا، تمثل في النقد الكتابي، وهو ما جعل بعض الكنائس تميل مع هذا الاتجاه على حساب الأصولية الكنسية.
إعلانوفي الاتجاه المعاكس نشأ تيار ثالث في الإنجيلية، دافع عن التعاليم المسيحية البروتستانتية التقليدية، وفي الوقت نفسه نظر إلى الكتاب المقدس لا لكونه مصدرا لاهوتيا فقط، بل باعتباره أساس الحياة الشخصية والجماعية.
وفي القرن العشرين أدت الخلافات حول تفسير الكتاب المقدس إلى حركة انشقاق داخل الكنيسة البروتستانتية في الولايات المتحدة، وأصبح واضحا الانقسام بين الإنجيليين التقدميين والأصوليين حول قضايا مثل النقد الكتابي والمشاركة الاجتماعية، لذلك انفصل بعض الأصوليين عندما فقدوا التأثير في طوائفهم، وأسسوا كنائس جديدة، وكليات ومعاهد دينية ملتزمة بالفكر الأصولي.
ومع منتصف القرن نشأت حركة جديدة أطلق عليها "الإنجيلية الجديدة" ثم الإنجيلية فقط لاحقا، لتمييز أفرادها عن الأصوليين الانفصاليين، وتألفت الإنجيلية الجديدة من الطوائف التي حافظت على التعاليم الأصولية، وعلى عكس الانفصاليين، أبقت على الود مع الطوائف المسيحية الأخرى، وكان من أبرز قادتها بيلي غراهام، الذي أصبح شخصية محورية في حمل الرسالة الإنجيلية عبر العالم.
وفي حين رغب الأصوليون في رؤية أنفسهم إنجيليين، أراد الإنجيليون الآخرون تمييز أنفسهم باسم "الإنجيليون الجدد"، ومع ذلك، بقي لدى الطرفين فيما بعد الكثير من القواسم المشتركة حول عناصر التجديد في الكنيسة.
الانتشار حول العالمشهد القرن العشرون انتشارا واسعا للإنجيلية حول العالم، وشكل قادتها في الولايات المتحدة الرابطة الوطنية للإنجيليين عام 1942، وفي النصف الثاني من القرن، اتسع انتشار الإنجيلية في العديد من الدول، مثل البرازيل وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية والفلبين، وغدت الإنجيلية قوة مهمة في العالم المسيحي، تعمل بشكل منظم عبر تشكيل "الزمالة الإنجيلية العالمية" عام 1951، والتي سُميت لاحقا "التحالف الإنجيلي العالمي".
إعلانوأسست الحركة مجموعة من المنظمات المدنية تضم أصحاب المهن مثل الأطباء والعلماء والرياضيين، وأصبحت قوة ثقافية مهمة، لها نشاطات في الكثير من الجامعات، وساهمت في نشر دراسات حول العلوم واللاهوت والدراسات الثقافية في المجلات العلمية، واستغلت كذلك البث الإذاعي والتلفزيوني لإيصال رسالتها.
ونمت الحركة في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، بسبب التقارب بين تيار المحافظين فيها مثل الكنائس المشيخية والمعمدانية، وتيار التقاليد الميثودية كالكنائس الخمسينية وكنائس القداسة، ووحد الجانبان جهودهما، وهو الأمر الذي ساعد في تسارع انتشار الحركة حول العالم مع دخول القرن الحادي والعشرين.
وفي عام 2020، أظهرت دراسة فرنسية تستند إلى 25 وثيقة حول الإنجيلية في العالم، أن قارة آسيا تضم أكبر تجمع للإنجيليين، بتعداد وصل إلى نحو 215 مليون نسمة، وجاءت أفريقيا في المرتبة الثانية بتعداد بلغ 185 مليونا.
وكان أبرز تجمع لهم على مستوى الدول في الولايات المتحدة، التي ضمت 93 مليون إنجيليّ، تليها الصين بتعداد 66 مليونا، ونيجيريا بنحو 58 مليونا والبرازيل بحوالي 47 مليون نسمة.
وبمرور السنوات، أصبح التحالف الإنجيلي العالمي عبارة عن شبكة من الكنائس تنتشر في أكثر من 140 دولة، وتخدم أكثر من 600 مليون مسيحي إنجيلي حول العالم، وهو ما يعادل نحو ربع المسيحيين في العالم.
تعود أصول كلمة "الإنجيلية" إلى اللغة اليونانية وتعني "البشارة السارة"، وجاء في الموقع الرسمي للاتحاد الإنجيلي العالمي، أن كلمة "إنجيلي" مشتقة من كلمة "إنجيل"، لأنها تعني الشخص المنتسب إلى الإنجيل، والذي يشكل هذا الكتاب السماوي محور تفكيره وحياته واهتمامه.
ولا تُعد الإنجيلية طائفة بعينها، وإنما هي تيار ديني ينتمي المؤمنون به إلى كنائس وطوائف مختلفة، مثل الكنائس المعمدانية والسبتية والميثودية وكنائس المسيح وكنائس القداسة والكنائس الخمسينية.
إعلانولا توجد سلطة مركزية عالمية تخضع لها تلك الكنائس، بل هي مجموعة كنائس مستقلة، تعتمد على سلطة القادة الإنجيليين المحليين، وتجمع بينها مبادئ عقدية مشتركة، تُعرف بها وتميزها عن غيرها من الكنائس المسيحية الأخرى، وترتكز على 4 مبادئ أساسية:
التحول:يؤكد الإنجيليون على أهمية تجربة التحول الصادق إلى الإيمان، والذي يأتي من خلال التوبة، والانتقال من حياة الخطيئة إلى الإيمان، وهو ما يُسمى بالولادة الثانية، لذلك يطلق عليهم أيضا "المولودون من جديد".
ويمثل طقس المعمودية أهمية مركزية عندهم، لأنه يدل على التحول والميلاد الجديد، الذي يعتبره الإنجيليون نقطة تحول كبرى في مسار حياة الإنسان، تحدد هويته وتختم خلاصه.
سلطة الكتاب المقدس:يعتمد الإنجيليون على الكتاب المقدس وحده (العهد القديم والعهد الجديد)، فهو السلطة العليا في جميع أمور الاعتقاد والطقوس، ويجب أن تكون له الأسبقية دائما على العقل والتقاليد والسلطة الكنسية والخبرة الفردية.
ويعتمد الإنجيليون المعنى الحرفي الظاهر من نصوص الكتاب المقدس، ويرفضون جهود التأويل، فهم يرون أن الإنسان قادر على معرفة الله من خلال الكتاب المقدس وحده، لأن الله قد كشف فيه الحقيقة الشاملة والأبدية بطريقة يمكن للجميع فهمها.
وتشكل صورة إنسان (رجل أو امرأة) يحمل الكتاب المقدس في يده رمزا للإنجيلية في كثير من أنحاء العالم، للدلالة على الإيمان بقوة الكتاب المقدس.
صلب المسيح وتضحيته:تعتبر هذه القضية مركزية لرسالة الإنجيل، وتشكل جوهر المعتقدات الإنجيلية، ويقصد بها أن كلمة الله الأزلية حلّت في يسوع الناصري، الذي أظهر الله بشكل واضح للبشرية، وأنه مات على الصليب، للتكفير عن خطايا البشرية.
النشاط التبشيري:ويقصد به الالتزام بنشر الإيمان و"البشارة السارة" للمسيح بين جميع الناس في العالم، وإثبات حقيقة الإنجيل في التبشير والخدمة الاجتماعية.
إعلانوفضلا عن تلك العقائد المشتركة، لكل كنيسة من الكنائس الإنجيلية خصوصيتها العقدية والفكرية التي تميزها عن غيرها، فقد تختلف كنائس الإنجيليين فيما بينها في تفصيلات تتعلق بالطقوس وأسلوب العبادة وموقفها من القضايا الاجتماعية وبعض المسائل اللاهوتية، مثل: المعمودية ودور المرأة في القيادة.
وتركز الحركة الإنجيلية على استقامة السلوك، وقد اعتاد المؤمنون بها في القرون الأولى الابتعاد عن التدخين والكحول وممارسة الجنس المحرم والطلاق والرقص ومشاهدة الأفلام، ولكن الالتزام بهذه الأمور بدأ يتراجع نسبيا مع مرور الزمن، إلا أن الإخلاص في الزواج ظل أمرا بالغ الأهمية.
تفاعلات اجتماعية وقوة سياسيةكوّن الإنجيليون بمرور الزمن، أنماطا مشتركة في التفكير وأسلوب الحياة، مثل الهوية المسيحية في المشاركة السياسية، والحركات المناهضة للشذوذ الجنسي والخمر والإجهاض، وطوروا وفقا لذلك تحالفات تنظيمية وشبكات للتفاعل الاجتماعي.
وساد بين كثير منهم اتجاه عام يقوم على التفاعل مع المجتمع المدني، وبدأت الإنجيلية تظهر بصفتها حركة اجتماعية تجمع بين مبادئ الإيمان والشعور بالحماسة والالتزام المُغيّر للحياة، وتم إنشاء صالات الألعاب الرياضية للكنائس وقاعات الزمالة والمقاهي والمكتبات وتجمعات للباحثين مصممة للترفيه، وتديرها الكنيسة.
واستطاع الإنجيليون الانتشار من خلال إنشاء مؤسسات تعليمية وفنية ومدارس دينية، وقد ارتبط صعودهم ببرامج الدعم الاجتماعي التي أسسوها والأنشطة الإنسانية التي قادوها، مثل إنشاء المدارس والعيادات وحفر الآبار والمساعدة في إطلاق مشاريع تجارية.
وسعى الإنجيليون إلى التأثير في الجانب السياسي، فحرصوا على رفع مستوى مشاركتهم السياسية، لا سيما في الولايات المتحدة، إذ طوروا أيديولوجية سياسية خاصة بهم، وشكلوا مؤسسات وشبكات من المسيحيين المحافظين بهدف نشر أيديولوجياتهم في هذا المجال، وكونوا مجموعات ضغط مثل منظمة " التركيز على الأسرة" و"تحالف الإيمان والحرية".
إعلانوتُظهر إحصائيات مركز الأبحاث الأميركي "بيو" للفترة بين عامي 2023 و2024، أن الإنجيليين هم المجموعة الدينية الكبرى في الولايات المتحدة، وقد مثلوا نسبة تصل إلى 23% من إجمالي البالغين في البلاد، وبذلك شكلوا كتلة انتخابية ضخمة، أصبحت دعامة رئيسية للقاعدة الانتخابية للحزب الجمهوري، الذي يتماشى أكثر مع المواقف المحافظة التي يتبنونها في القضايا الدينية والأخلاقية والاجتماعية.
وارتبط الإنجيليون بالأحزاب المحافظة في العديد من البلدان الأخرى حول العالم، ففي أميركا اللاتينية أسسوا أكثر من 20 حزبا، أثروا من خلالها في السياسة، ومن ذلك، دعم الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، الذي يعتنق أفكارهم، للوصول إلى السلطة في العام 2018.
وفي أفريقيا، تضغط الحركة الإنجيلية على الساسة ونخب الدول للتأثير في صناعة القرار السياسي على المستوى المحلي أو الوطني، لا سيما في الدول ذات النسبة العالية من السكان الإنجيليين.
يُعتبر الإنجيليون جزءا من الحركة المسيحية الصهيونية، التي تؤمن بأن فلسطين هي الأرض المقدسة التي وُعد بها اليهود في الكتاب المقدس، وأن القدس هي عاصمتهم، ويعتقدون بوجوب المساهمة في تحقيق ذلك الوعد.
ويتعلق الإنجيليون بشدة بالنبوءة التوراتية التي تقول إن اليهود سيعودون إلى الأرض المقدسة (فلسطين) في آخر الزمان، ويسودون عليها، ويبنون الهيكل في القدس، ويَعُد الإنجيليون هذه النبوءة إحدى عقائدهم المركزية.
وترى النبوءة أن حربا ستقع في أعقاب بناء الهيكل، يُقتل فيها ثلثا اليهود، ويعتنق الثلث الآخر المسيحية، وبعد 7 سنوات ينزل المسيح من السماء ليخلص البشرية، ويقود المؤمنين للنصر في المعركة المسماة "هرمجدون"، التي ستقع في وادي جبل مجدو، شمالي فلسطين المحتلة، ويحكم ألف عام من الهيكل في القدس.
وينشغل الإنجيليون بالنبوءة وتحقيقها، وينظمون بشكل مستمر رحلات دينية إلى القدس والأراضي الفلسطينية، تشمل زيارة جبل مجدو، يستمعون أثناءها إلى روايات رجال الدين حول النبوءة والمعركة التي ستقع في تلك المنطقة.
وقد حمل هذا المعتقد الإنجيليين على تقديم دعم غير محدود لإسرائيل، يتجلى في التبرعات المالية الضخمة والدائمة، والتي تتضاعف في حالات الحروب، وتأييدهم السيطرة الإسرائيلية التامة على كامل أراضي فلسطين التاريخية، ودعم الاستيطان فيها، إضافة إلى جهود إعلامية قوية مناصرة لإسرائيل، والوقوف معها في كل حروبها.
إعلانوقد أسسوا مجموعة من المنظمات، تهدف إلى تقديم الدعم والمناصرة للاحتلال الإسرائيلي، منها:
منظمة مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل، وتعد أكبر المنظمات الإنجيلية المناصرة لإسرائيل، تأسست عام 1992، وتضم أكثر من مليون عضو.
منظمة السفارة المسيحية العالمية، وتضم مسيحيين متضامنين مع إسرائيل من كافة أنحاء العالم، وتعمل في 170 دولة. لها فروع في 90 دولة، وتنفذ برامج لتشجيع هجرة اليهود إلى المستوطنات، بما فيها منح كل مهاجر راتبا شهريا مجزيا.
مؤسسة الصداقة، وتنشط بشكل أساسي في دعم الهجرة والاستيطان في إسرائيل.
وتقدم الإنجيلية في الولايات المتحدة خصوصا، دعما سياسيا غير محدود لإسرائيل، ومن صوره التصويت لمرشح الرئاسة الداعم أكثر للاحتلال، ثم استثمار ذلك لاحقا وسيلة ضغط لتحقيق مطالبهم، والتي منها التمكين لإسرائيل.
وقد ضغطت الكتلة الإنجيلية التي انتخبت ترامب في ولايته الأولى عام 2016، والتي شكلت حوالي ثلث ناخبيه، من أجل إعلان القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها.
وفي انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2024، صوت نحو 80% من الإنجيليين لصالح ترامب، بما يمثل حوالي ثلث ناخبيه، وبمجرد تنصيبه في يناير/كانون الثاني 2025، حقق بعض مطالبهم، فقد ألغي أمرا تنفيذيا للرئيس الأميركي السابق جو بايدن، كان يسمح بفرض عقوبات على المستوطنين في الضفة الغربية، وضغط لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.
ولم تكتف الحركة بذلك، فسرعان ما ضغطت عليه لتحقيق مطالب إضافية، منها السماح لإسرائيل بضم الضفة الغربية.
ولكن هذه الأفكار بدأت تتقلص في جيل الشباب من الإنجيليين، الذي بدأ يتبنى وجهة نظر أكثر انفتاحا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، تطالب "بتحقيق العدالة لجميع الأطراف".
وقد كشف استطلاع للرأي، أُجري بتكليف من جامعة نورث كارولينا عام 2021، أن الإنجيليين الأصغر سنا (أقل من 30 عاما) انخفضت نسبة الداعمين منهم لإسرائيل ما بين العامين 2018 و2021 من 75% إلى 34%.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان فی الولایات المتحدة الضفة الغربیة الکتاب المقدس الإنجیلیة فی من الکنائس حول العالم فی العالم فی القرن من خلال أکثر من
إقرأ أيضاً:
سياسات منطقة الخليج ووعي أجياله
الحديث عن دول الخليج ليس من باب الانتماء المتعالي، كما لا يمكن فصلها عن عالمها العربي لمشتركات عديدة على رأسها الدين واللغة، وفي المقابل لا يعيش الخليج بمعزل عن التحولات العالمية في الجوانب السياسية والاجتماعية والمعرفية والاقتصادية، إلا أن دول الخليج مرت بنقلة نوعية مع بدايات اكتشاف النفط، أحدث شيئا من التحول المادي والديمغرافي أثر في الجانب الثقافي، كما أثر في تحولات الوعي لدى أجياله، وإن بدأ الحراك الثقافي والمعرفي مبكرا في البحرين والكويت خصوصا، ثم حدث شيء من الاستقرار في السعودية منذ خمسينات القرن العشرين، ثم إن باقي الدول تبعتها في الاستقرار المادي، والانتعاش الاقتصادي، والانفتاح الخارجي والديمغرافي منذ بداية سبعينات القرن الماضي كما في عُمان والإمارات وقطر.
ودول الخليج سياسيا دول ملكية أسرية وراثية، استقرت على هذا ردحا من الزمن، بيد هذه الأسر لها خصوصيتها من حيث القرب من شعوبها، والبساطة في الانفتاح لهم بدل البرتوكولات المعقدة، أو العظمة المستبدة، وكما يرى محمد البغيلي أن «الملكيات منذ القدم تفتح أبوابها للنقد والاعتراض، حتى في الخليج؛ شريطة عدم القرب من السلطة، أو أن تكون النوايا صادقة للإصلاح، وفي وقته، فخوفهم من دخول بيانات سرية، وتنظيمات مخيفة، ودخول أسلحة باسم المعارضة أو الإصلاح فهذا طبيعي يخيفهم».
بيد أن دول الخليج في محاولتها للتحرر من التأثيرات الماركسية، وكان خطابها قويا في الستينات من القرن العشرين كما في الكويت والبحرين وجنوب اليمن، إلا أنها كظاهرة معرفية تحررية امتدت في جميع دول الخليج بما فيها صحراء نجد وعُمان وما حولهما، ولإضفاء بديل خطابي اتجاه الخطاب الماركسي؛ من هذه الدول من حاولت تغليب الثقافة بشكلها العام بعيدا عن الأدلجة الماركسية، ومنها من حيث الاتجاه الأكبر مالت إلى خطابات الأسلمة، والتي بعد عام 1979م ستتشكل في اتجاهات حركية تحت منظومة أسلمة الدولة كما يرى زكي الميلاد أنه «بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران ... تبنت بعض الحركات الإسلامية مناهج للتغيير في مجتمعات لا تناسبها مثل هذه المناهج على الإطلاق، واندفعت حركات أخرى باتجاه تصعيد وتيرة العمل، والانتقال به إلى مراحل متقدمة، وفجأة وجدت بعض هذه الحركات نفسها في صدام عنيف مع السلطات في دولها»، ومنها دول الخليج بأشكال متنوعة، خصوصا بعد منتصف ثمانينات القرن الماضي.
عاشت الشعوب الخليجية لأكثر من نصف قرن تحت تأثير خطابات الأسلمة بشكل أكبر، مع محاولة غالب دولها على تشجيع الانفتاح الثقافي من حيث الإعلام الرسمي العام، بيد أن تأثير الأول كان أكثر تأثيرا واستغلالا لقضايا المنطقة كفلسطين وأفغانستان وكوسوفو والشيشان وغيرها، كما نقلها من التدين الشعبي البسيط المتعايش مع بعضه إلى التدين الآحادي الشكلاني الملغي للمختلف، والذي ينظر بريبة إلى الآخر حتى داخل الدين أو المذهب ذاته، والذي تطور إلى اتجاه حركي بين فترة وأخرى.
في هذه المرحلة لم تستطع دول الخليج خلق مؤسسات ثقافية مستقلة تنطلق من داخلها، وتقرأ واقعها وتحولها وفق المرحلة، فكانت أقرب إلى ردات الفعل الآنية، وفي كثير من الأحوال هي ذاتها لبست لباس الأسلمة، وحجمت من النشاطات الثقافية المستقلة، فعاشت النقيضين، بين خطاب وإعلام خارجي ورسمي داخلي أقرب إلى الاتجاهات الثقافية في جوها اللبرالي المنفتح، وبين خطاب داخلي شعبي أقرب إلى اتجاهات الأسلمة، مع تخوف واضح من وجود اتجاهات ثقافية مستقلة ناقدة وقارئة بعمق للتحول الاجتماعي في منطقة الخليج، وإن وجد فأغلب رموزه من خارج المنطقة، أي من أجزاء الوطن العربي بشكل عام.
وفي المقابل بسبب الوفرة المالية، والاستقرار السياسي؛ دعمت بشكل واضح التحديثَ في المنطقة، وإن نظرت بريبة إلى الحداثة، ففي أقل من خمسين عاما كان التحديث المادي واضحا؛ أدى إلى الهجرات العمالية إلى الخليج، وهذه تهاجر بثقافاتها ولغتها وأفكارها، مما سيؤثر لاحقا في التفكير الاجتماعي، وفي الوقت ذاته استخدمت دول الخليج الأسس الاشتراكية في مجانية التعليم، والتشجيع عليه، كما شجعت على إرسال البعثات الخارجية، خصوصا في العقود الثلاثة الأخيرة، ليرجع جيل أكثر انفتاحا، حيث العديد ممن رجع يحمل مفردات الحداثة، ولا يتوقف عند التحديث فقط، فأصبحت دول الخليج منتجة لرموز ثقافية ومعرفية لا يقلون شأنا عن إخوانهم في الوطن العربي، وأصبح لهم حضورهم الكتابي والمعرفي والثقافي والفني بشكل عام.
وإن كانت الحاسة السياسية في الخليج قبل 1995م خصوصا متحكمة إداريا في توجيه الإعلام داخل الدولة القطرية وفق خصوصيتها السياسية والدينية والثقافية والفنية، إلا أنه مع الانفتاح التقني في الشبكة العالمية، واشتراكية الحضور الإعلامي، وقدرة الفرد على كسر حاجز التعبير عن رأيه، وتقديم ما يضمره من معرفة، ولو خارج السياق الديني والثقافي والسياسي بل والجندري وفق ما يراه كفرد، حيث انتقل من المعرفات الوهمية في الشبكات الإلكترونية، ومن التحيزات الفئوية والجمعية في الفضائيات وبعض المواقع، إلى الفردانية والتصريح بفكره صوتا وصورة وكتابة بعد 2006م من خلال شبكات التواصل الاجتماعي.
كل هذا وغيره - حيث يصعب حصر ذلك في مقالة قصيرة كهذه - أثر في امتداد الوعي رأسيا وأفقيا، وهذا مشاهد بشكل واضح، فينبغي أن يكون تفكير سياسات منطقة الخليج وفق المرحلة التي نعيشها اليوم، وأن يكون التقنين متلائما مع هذه المرحلة من تطور مستوى الوعي والحداثة، لا أن يكون بذات العقليات قبل خمسين عاما، فإن كان كذلك سوف يزيد من درجة الفجوة بين سياسات المنطقة، وبين ما تحمله الأجيال الحالية من وعي، وأن تدرك هذه السياسات أن قوتها في الاقتراب من وعي شعوبها والاستماع لهم، ومن الانفتاح على الجميع بشكل مؤسسي يوسع من دائرة الحريات، وهذا لا يغني عن أهمية وجود مؤسسات بحثية تقرأ هذا السياق الزمني بعمق، حتى لا تتكرر الأخطاء الفردية، والقرارات الانطباعية غير القارئة بعمق للواقع المعيش.