من (وعي) المحاضرة الرمضانية الرابعة عشرة للسيد القائد 1446هـ
تاريخ النشر: 20th, March 2025 GMT
أكد السيد القائد – عليه السلام – في محاضرته الرمضانية الرابعة عشرة للعام الهجري 1446 هـ ، أن سعي سيدنا إبراهيم في قومه كان سعيا لهدايتهم وفق البراهين المهمة التي تبين لهم أن الله وحده هو من له الحق الوحيد للعبادة، والإنسان في وجوده مملوك لله وهو ولي النعمة عليه، وفي مقدمة تلك النعم نعمة الهداية، والله هو مصدر الهداية وهي قبل الطعام والشراب، وحاجة الإنسان لهداية الله مهمة جدا ولو كان الإنسان بدون هداية لكان مجرد كتلة لحم فقط، أو لكان جهاز كمبيوتر بدون برامج، وفي البداية تكون الهداية الفطرية للإنسان وبعد أن يولد مباشرة بحاجته للحليب أو به المرض أو اذا استوحش نجده يصيح، وهذه رعاية من الله، ومع التقدير والخلق منح الله الهداية، وفي الدراسات المعاصرة تظهر العجائب في كيفية الهداية لعالم الكائنات الحية مثل النمل والنحل والأسماك، وهذه كلها تصرفات وفق هداية فطرية منحها الله إياها ، ومثل قصة الهدهد الذي قدم لسيدنا سليمان تقريرا مفصلا عن حالة قوم سبأ، وكذلك قصة النملة مع سيدنا سليمان عليه السلام.
إن الإدراك لدى الإنسان بالهداية الفطرية واسعه جدا، وسبب ذلك احتياجاته الواسعة أيضا ، والهداية الفطرية للإنسان تبدأ بإدراك التمييز والتعقل، وبنعمة الهداية الفطرية يأتي التذكير بالنعم لعله يهتدي هداية في داخله وفي محيطه بالحياة، فالهداية للإنسان هي نعمة عظيمه جدا، والهداية هذه تبنى عليها أساسيات المعرفة، والهداية الإرشادية للإنسان توضح له في البداية الهداية التي تبين له أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق له والإقرار بربوبية الله وحده لا شريك له ، ومغروز في فطرية الإنسان الأسس للمفاهيم الأخلاقية والفضائل، ومن العناوين التي تعبر عن الفضائل الحق والإحسان والصدق والشرف والرحمة والكرامة، والمجتمع البشري يذم الكذب والظلم والباطل والرذيلة وهي نقائص عند البشر، وهذه الهداية الفطرية عند كل الناس..
عنوان الهدى عنوان مفضل عند البشر وعنوان الضلال عنوان سيئ عند البشر، و الفطرة البشرية تنجذب للهدى ، ومع ذلك فإن الهداية الفطرية تتعرض للمؤثرات السلبية التي تجعل الإنسان يتمادى في الباطل والضلال، واستصاغة المفاسد هي حالة أفسدت الإنسان، وهذا بسبب ابتعاده عن القيم العظيمة، و لتزكية النفس فإن الإنسان بحاجة للهداية الإرشادية التي هي من الله وعبر كتبه ورسله، والله هو رب العالمين والإنسان يعيش في مملكة الله الواسعة في اطار دور يقوم به لا يخرج عن اطار العبودية لله سبحانه وتعالى، والإنسان بما وهبه الله في نفسه من طاقات وقدرات ومدارك وما منحه من نعم في الأرض والسماء ليعيش افضل حياة، ولهذا فالإنسان عليه مسئولية أمام الله، وعليه أمانه كبيرة ذات تأثير كبير في الحياة، و لأهمية دور الإنسان وحجم مسئوليته ارتبط ذلك بعقاب كبير لمن ينحرف عن نهج الله واتجه للشر، ولذلك فهو بحاجة لهداية الله، لأن انحرافه خطير عليه جدا..
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
رحلة العمر
(1)
ربما أنا أشهر مَن في هذا الوجود.. ربما لا يحظى كائن بما لديّ من مكانة.
فمهما كانت لغة القوم أو بلادهم أو زمانهم، ستجد صُوَري على جُدران شوارعهم وحواريهم، وستراني مرسوما هنا وهناك، وأنا حاضر دائما في كراريس المراهقين، وفي رسائل جهابذة الأدب والفكر، لا يعلو صوت على صوتي أبدا، ورغم ذلك لا يعرف الناس حقيقتي.
لا يعرفون أنني جوهر روحيّ لطيف، ومركز الإدراك، والتكليف، والإيمان، وأنا السرّ الذي يخطو بالمرء نحو الله قبل أن تخطو قدماه، وأنا الرسالة التي لا تُرى، وكتاب الإنسان الذي يُقرأ يوم القيامة قبل كُتبه، وأنا المكان الوحيد الذي إذا تطهّر، صار الإنسان معه أكبر من العالم، وإذا فسد، ضيّع العالم كله مِن بين يديه.
أنا -يا سادة- محلّ نظر الله.. فأي شرف هذا؟
بل أنا النافذة التي يَرى بها الإنسان ربه والعالم ونفسه، أنا تلك اللطيفة الربانية المتعلِّقة بالروح، التي تعي وتُريد وتُحب وتكره، أنا جوهر علوي لطيف يُدرِك المعاني، وأنا المخاطَب والمُطالَب، وأنا المقبول والمردود، باختصار أنا موضع العقل، موضع الإيمان، موضع الهوى، وأنا مَلِك الجوارح، فإذا صلح أمري صلحت كلُّها.
أنا القلب يا سادة.
(2)
يخلط الناس بيني وبين القلب المعروف، هذا العضو المادي، تلك المضخة العضلية التي تَدفع الدم عبر الجسم، بأُذَينيه وبُطينيه وصمّاماته، وعمله الفيزيولوجي.
أما أنا، فأقع في باطن الإنسان لا في جسده المادي، ويسميني العلماء: القلب المعنوي، أو القلب الروحاني، أو اللطيفة الربّانية، أو النفس العاقلة.
وقد قال العلماء: إن بيننا ارتباطا لا تطابقا، مثل العلاقة بين الروح والجسد؛ فالقلب العضوي هو المَقر الذي أرتبط به أنا "القلب الروحي"، لكنه -بلا شك- ليس إيّاي، فالقلب يُطلق على العضو، ويُطلق أيضا على المعنى القائم بالإنسان، وهو محل العقل.
إعلاننعم، القلب يطلق على اللحم الصنوبري، ويطلق عليّ كجوهر لطيف رباني هو حقيقة الإنسان، ولهذا قال الله تعالى: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾، ورغم أني قلب معنوي إلا أن الخالق قال: ﴿فِي الصُّدُورِ﴾ للإشارة إلى ارتباط المعنوي بالعضوي، لكن دون مساواتهما.
وإذا كان الأمر غير مفهوم لك دعني أقدِّم لك مثالا:
القلب العضوي مثل جهاز الكمبيوتر (الهارد وير)، أما أنا -القلب الروحي- فمثل نظام التشغيل (السوفت وير).
الجهاز مهم، لكن الذي يوجِّه، ويختار، ويحدِّد الوظائف هو البرمجة الداخلية.
المشكلة الكبرى هي أن الناس لا تفرِّق أحيانا بيني وبين العقل، ينسون أن العقل وظيفة وليس عضوا، بل هو صفة لي أنا القلب حين أُدرِك وأُميز وأَستبصر
(3)
وإذا كان الفرق بين القلب العضوي والقلب الروحي بات واضحا لك، فإني متأكد أن المشكلة الكبرى هي أن الناس لا تفرِّق أحيانا بيني وبين العقل، ينسون أن العقل وظيفة وليس عضوا، بل هو صفة لي أنا القلب حين أُدرِك وأُميز وأستبصر، فالعقل صفة أو فعل للقلب، ليس شيئا قائما بنفسه، نعم العقل نور يقذفه الله في القلب، العقل هو قدرة القلب على التمييز.
إذن العقل هو النور الداخلي الذي يمنحني أنا القلب القدرة على الفهم، أنا مثل الوعاء الذي يحمل الفهم والإرادة والنية، والعقل هو القوة التي تمكِّنني من التمييز بين الحق والباطل.
أنا الذي يرفع الإنسان أو يُرديه.
ولهذا كان النظر الإلهي إليّ وحدي، لا إلى الصورة، ولا إلى الذكاء.
نعم العقل يُحلل، لكني أنا الذي أختار.
العقل يرى الطريق، لكني أنا الذي أُحدِّد الوجهة.
وقد يعرف الإنسان الصواب ولا يفعله؛ لأن العقل أَدرك، لكن أنا القلب لم أوافق.
العقل قوة معنوية يستعملها القلب لفهم الحقائق ووزن الأمور؛ لأن التفكير في المنظور القرآني ليس مجرد تحليل، بل تحليل، زائد ضمير، زائد بصيرة، زائد نية، زائد خُلُق، وهذا كله يتجمَّع عندي أنا القلب بوصفي مركز الإنسان الداخلي، ولهذا يقول الله عن الكفار: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا﴾ ، العقل هو آلة التمييز التي يستخدمها القلب؛ فالقلب يرى، والعقل يفسر، العقل يحلل المعلومات، بينما القلب يوجّه النية والاختيار، العقل يشتغل بالبرهان، والقلب بالبصيرة، وهذا هو حال من أُوتوا الذكاء ولم يُؤتَوا البصيرة.
(4)
لكن دعني أعترف بعيوبي، فأنا -رغم ذلك- مسرح تتصارع فيه قوى متضادة، وهذا ما يجعل الإنسان مخلوقا عجيبا، قادرا على أن يكون شفيفا حتى تظن أن الملائكة تحفه، وقادرا في اللحظة ذاتها أن ينحدر إلى ظلمات الشهوة حتى يبهت وجهه، فأنا قابل للانجذاب نحو الأعلى أو الأسفل، أتقلّب بين الأضداد، بين الحِكمة والهوى، بين النور والظلمة، ولذلك قال عني حذيفة بن اليمان: إن ساعة تأتي علي أمتلئ بالإيمان، حتى لا يكون للنفاق فيّ مغرز إبرة، وتأتي ساعة عليّ أمتلئ بالنفاق، حتى لا يكون للإيمان بي مغرز إبرة.
القلب مسرح تتصارع فيه قوى متضادة، وهذا ما يجعل الإنسان مخلوقا عجيبا، قادرا على أن يكون شفيفا حتى تظنّ أن الملائكة تحفّه، وقادرا في اللحظة ذاتها أن ينحدر إلى ظلمات الشهوة حتى يبهت وجهه
هذا هو لبّ المشكلة، فبداخلي استعدادان متعاكسان، استعداد للهداية والتعقل والحكمة، واستعداد للغواية والأهواء، ولذلك فإني بحاجة إلى ميزان دائم، وإلا هُزم صاحبي؛ فالإنسان لا يُهزم من الخارج، بل من الداخل، من قلبه، فإذا ضاع الميزان في الداخل، اختلّت الخطوات في الخارج.
إعلانوعلى هذا تصبح حياة الإنسان بطولها وعرضها ليست سوى رحلة تهذيب للقلب من أجل الوصول إلى الله، وإذا كان التقلّب مشكلتي الدائمة، فإن مشكلتي الأخطر ربما هي ما يصيبني -أنا القلب- من أمراض، بل أحيانا من خراب، وقد قال ابن القيم "إن مرض القلب خروج عن صحته واعتداله، فإن صحته أن يكون عارفا بالحق، محبّا له، مؤثرا له على غيره، ومرضه إما بالشك فيه، وإما بإيثار غيره عليه".
وهكذا يقضي المرء عمره وهو يجاهد نفسه، حتى لا يميل الميزان، وحتى لا ينتصر الطالح على الصالح، إنها رحلة مستمرة وطويلة مع القلب، لا تنتهي إلا بنهاية العمر، لتصبح رحلة العمر -مهما طالت أو قصرت- ليست إلا رحلة إلى تطهيري، للوصول إلى الله.