أحمد عمر هاشم: ذكرى فتح مكة تبشر إخواننا في غزة بقدوم نصر الله
تاريخ النشر: 21st, March 2025 GMT
عقد الجامع الأزهر، الخميس، عقب صلاة التراويح، احتفالية كبرى بمناسبة ذكرى "فتح مكة"، وذلك بحضور الدكتور محمد عبدالرحمن الضويني، وكيل الأزهر، الشيخ خالد خضر، رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف، والدكتور عباس شومان، أمين عام هيئة كبار العلماء، الدكتور محمد الجندي، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، محمود الشريف، نقيب الأشراف، عبدالهادي القصبي، شيخ مشايخ الطرق الصوفية، الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، الدكتور إسماعيل الحداد، رئيس المجلس الأعلى للأزهر، الشيخ أيمن عبدالغني، رئيس قطاع المعاهد الأزهرية، الدكتور محمود الهواري، الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، ونخبة من كبار العلماء بالأزهر الشريف ولفيف من القيادات الدينية والوطنية.
وقال الدكتور أحمد عمر هاشم، إن فتح مكة جدير بأن تحتفي به الأمة في مشارق الأرض ومغاربها، وأجدر بأزهرنا الشريف في هذا اللقاء المشرق أن يتذكر ما في هذا اليوم العظيم من عبر ودروس وآيات باهرات، إنه ليبهرنا خروج نبينا صلى عليه وسلم من مكة بدموع رجراجة وكلمات ضارعة، قائلا: "يا مكة واللَّهِ إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللَّهِ، وأحبُّ أرضِ اللَّهِ إلى اللَّهِ، ولولا أنِّي أُخرِجتُ منكِ ما خرجتُ"، وما هي إلا خطوات على مشارف الجحفة فيتنزل عليه القرآن قائلا: " إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ"، فكان على يقين وهو خارج في خطواته الأولى، أنه سيعود إلى مكة ظافرا فاتحا بأمر الله العزيز الحكيم، فشاء الله أن يأتي في هذا الشهر المبارك، وأن يأتي مكة وأن يأتيها فاتحا منتصرا.
وبين عضو هيئة كبا العلماء أن نبينا صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة فاتحا، لم يأخذه زهو الفاتحين ولكن كان في قمة التواضع، فقد دخلها خاشعا خاضعا مطأطئ الرأس، تكاد ذؤابة عمامته أن تمس ظهر راحلته من شدة انحنائه وخشوعه وخضوعه لمن نصره وأيده في هذا اليوم العظيم، الذي يدخل فيه مكة، وغداة يدخلها وعلى مشارفها يسمع سعد بن عبادة يقول، مفتخرا منتصرا بعد أن أخذه زهو النصر: "اليوم يوم الملحمة، اليوم تستباح الحرمة"، فيرفض رسولنا صلى الله عليه وسلم هذا القول، ويجعله بعيدا عن الراية، ويسلمها لغيره ويقول "بل اليوم يوم المرحمة، ليس يوم الملحمة، بل اليوم يوم المرحمة"، ودخل عليهم وهو يقول: " مَن دخل دارَ أبي سفيانَ فهو آمِنٌ، ومَن دخل المسجدَ فهو آمنٌ، ومَن أغلق بابَه فهو آمِنٌ"، فنشر الأمن على الجميع، حتى على الذين أخرجوه و آذوه، فكانت عبرة للمعتبرين وكانت تبصرة للقادة عبر العصور، ألا يأخذ أحدا منهم الزهو بل الانتصار لأنه من عند الله، العزيز الحكيم، وراح يشكر ربه ويدخل الكعبة، ويصلي داخلها شكرا لله، ثم ذهب يطوف بالبيت الحرام، فحمل يوم فتح مكة من العبر والدروس في الصفح والتسامح، وأن المظلومين في الأرض لهم يوم سينصرهم الله نصر عزيز مقتدر، ونرسلها رسالة إلى أشقائنا المعذبين الآن، والذين يتلقون بصدورهم ضربات نيران أعدائهم الصهاينة الظالمين الذين اعتدوا على إخواننا في غزة، ونقول لهم، يأتي يوم الفتح ليبشركم بأن النصر قادم وأن إعزاز الله لكم قادم، وأن الظالم له نهاية، وأن دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة.
من جانبه، أوضح فضيلة الدكتور أبواليزيد سلامة أننا وإن كنا لم نشهد هذا الفتح بأبصارنا، إلا أننا نستطيع أن نرى العبر والدروس من هذا الفتح ببصائرنا، ونستطيع أن نرى هذا التواضع الكبير من سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، حين تجمع حول أهل مكة، وهم الذين آذوه، فإذا به صلى الله عليه وسلم ينادي عليهم بثقة المؤمن وإيمان الواثق، ماذا تظنون أني فاعل بكم، فإذا بالقوم يردون بثقة في عدله ورحمته فيقولون: "أخ كريم وابن أخ كريم"، فإذا به صلى الله عليه وسلم يفيض عليهم برحمته التي تحدث عنها ربنا سبحانه وتعالى بقوله: " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"، فيقول: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، هكذا كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يوجه الرسالة للعالمين، لا يدخل مكة منتشيا إلا بذل العبودية لله تعالى، لا يفيض على الناس إلا برحمته ومحبته، الحاضرين واللاحقين بعد ذلك، حتى أنه صلى الله عليه وسلم حينما يتحدث عنا يقول: "وددت لو أني رأيت إخواننا" فيقولون له يارسول الله "أو لسنا إخوانك، قال بلى أنتم أصحابي، وإخواني قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني".
وأضاف مدير عام شؤون القرآن الكريم بالأزهر أن الدرس الثاني الذي ينقله لنا هذا الفتح العظيم، حب الأوطان، فأوطاننا نحن كمسلمين نفتديها بدمائنا وأنفسنا، فبلادنا وأوطاننا كما أننا نحيا فيها، فإننا نحيا بها وعليها وإنها تحيا في قلوبنا لا نفارقها، وهكذا كان شوق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حينما دخلوا مكة، وهذا بلال، الذي طالما خفت صوته وهو يعذب ويقول أحد أحد، فإذا به في مكة يقف قبالة الكعبة، وقيل على جدرانها، ليرفع صوته "الله أكبر" فإذا به يقول لنا جميعا، إن بلادنا وأوطاننا وحبنا لهذه الأوطان من الدين، وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم كأنه يقول لنا، أن هذه الأوطان لا تباع ولا تشترى، وإنه لا هجرة بعد الفتح ولا يستطيع أحد أن ينزعنا من أوطاننا أو ينزع حبها من قلوبنا.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الجامع الأزهر أحمد عمر هاشم فتح مكة غزة العشر الأواخر من رمضان المزيد صلى الله علیه وسلم فتح مکة فی هذا
إقرأ أيضاً:
كم كان عمر الرسول عند وفاته؟ اعرف يوم وتاريخ رحيله بالهجري والميلادي
كم كان عمر النبي عند وفاته؟ توفى الرسول محمد-صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين الموافق 12 من ربيع الأول، في العام الحادي عشر هجريًا، وهو ما يوافق عام 633 ميلاديا من شهر يونيو، وكان عُمره 63 عامًا، وكانت وفاة النبي-صلّى الله عليه وسلّم- في المدينة المنورة، في حجرة السيدة عائشة -رضي الله عنها-، وقُبض صلى الله عليه وسلم-ورأسه على فخذ عائشة رضي الله عنها، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة.
واختلف العلماء في تحديد عمر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم عند وفاته، فصح حديث روي عن السيدة عائشة -رضي الله عنها-: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توفي وهو ابن ثلاث وستين». (رواه البخاري: 4466)، وفي حديث آخر عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: «توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين». (رواه مسلم: 2353)،ووردت رواية عن أنس -رضي الله عنه-: «أنها ستون سنة». (رواه البخاري: 5900).
وقال الإمام النووي -رحمه الله-: «توفي -صلى الله عليه وسلم وله ثلاث وستون سنة، وقيل: خمس وستون سنة، وقيل: ستون سنة، والأول أصح وأشهر، وقد جاءت الأقوال الثلاثة في الصحيح».
وعن اختلاف عمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأحاديث السابقة، ذكر الإمام النووي: قال العلماء: «الجمع بين الروايات أن من روى ستين لم يعد معها الكسور، ومن روى خمسًا وستين عدّ سنتي المولد والوفاة، ومن روى ثلاثًا وستين لم يعدهما، والصحيح ثلاث وستون».
الساعات الأخيرة من حياة النبي
صورت الساعات الأخيرة التي سبقت وفاة أعظم البشر مواقف حاسمةً للغاية، أوّلها عندما كان المسلمون يصلّون صبيحة فجر يوم الاثنين وكان إمامهم أبو بكرٍ، فحلّت إطلالةٌ باسمة من وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدما كشف ستارة حجرة عائشة -رضي الله عنها-، وثانيها عند ارتفاع شمس الضحى، إذ أمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بحضور ابنته فاطمة -رضي الله عنها- إليه، وأسر إليها فبكت، ثمّ أسر إليها أخرى فضحكت، فكانت الأولى إخبارها بأنه سينتقل إلى الرفيق الأعلى، أمّا الثانية فقد أخبرها بأنّها أول أهل بيته لحاقًا به، وبأنّها سيدة نساء العالَمين، وثالثها دعوته للحسين والحسن، وتقبيلهما، وتوصيته بهما حُسنًا، ورابعها دعوته لنسائه، ووعظهنّ.
وحدثت معجزة إلهية عند غسل النبي محمد-صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته، حينمااحتار الصحابة -رضي الله عنهم- في كيفية غسل النبي -صلى الله عليه وسلم- هل يجردونه من ملابسه أم يباشرون الغسل وثيابه -عليه الصلاة والسلام- عليه دون نزعها،فلما اختلفوا ألقى الله تعالى عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره، ثم كلمهم مكلِّم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن اغسلوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليه ثيابه، واستجاب الصحابة -رضي الله عنهم- لكلام المنادي، وفعلوا ما أمرهم به.وروت هذه القصة السيدة عائشة -رضي الله عنها- فقالت: «لمَّا أرادوا غسلَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قالوا: واللَّهِ ما ندري أنُجرِّدُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ من ثيابِهِ كما نجرِّدُ مَوتانا، أم نَغسلُهُ وعلَيهِ ثيابُهُ؟ فلمَّا اختَلفوا ألقى اللَّهُ عليهمُ النَّومَ حتَّى ما منهم رجلٌ إلَّا وذقنُهُ في صَدرِهِ، ثمَّ كلَّمَهُم مُكَلِّمٌ من ناحيةِ البيتِ لا يَدرونَ من هوَ: أن اغسِلوا النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ وعلَيهِ ثيابُهُ».وباشر علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- غسلَ النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وحده، وأسنده إلى صدره، وكان يقول وهو يُغسّله: «ما أطيبك يا رسول الله حيًّا وميتًا»، أما العبّاس وابناه: الفضل، وقثم فكانوا يُقلّبون النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وكان أسامة وشقران يصبّان الماء، وشَهد الغسل أوس بن خولي من بني عمرو بن عوف من الخزرج؛ فقد طلب ذلك من عليّ فأذن له، وتمّ تكفين النبيّ -صلّى الله عله وسلّم- بثلاثة أثوابٍ من القطن دون نزع ثيابه عنه.
علامات اقتراب أجل النبيروت السيدة عائشة -رضي الله عنها- قول النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لابنته فاطمة -رضي الله عنها- عندما جاءت إليه، وأجلسها إلى جانبه، حيث قالت: «إنَّا كُنَّا أزْوَاجَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عِنْدَهُ جَمِيعًا، لَمْ تُغَادَرْ مِنَّا واحِدَةٌ، فأقْبَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ تَمْشِي، لا واللَّهِ ما تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِن مِشْيَةِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ قَالَ: مَرْحَبًا بابْنَتي ثُمَّ أجْلَسَهَا عن يَمِينِهِ أوْ عن شِمَالِهِ، ثُمَّ سَارَّهَا، فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ، فَإِذَا هي تَضْحَكُ، فَقُلتُ لَهَا أنَا مِن بَيْنِ نِسَائِهِ: خَصَّكِ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالسِّرِّ مِن بَيْنِنَا، ثُمَّ أنْتِ تَبْكِينَ، فَلَمَّا قَامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَأَلْتُهَا: عَمَّا سَارَّكِ؟ قَالَتْ: ما كُنْتُ لِأُفْشِيَ علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سِرَّهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ، قُلتُ لَهَا: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بما لي عَلَيْكِ مِنَ الحَقِّ لَمَّا أخْبَرْتِنِي، قَالَتْ: أمَّا الآنَ فَنَعَمْ، فأخْبَرَتْنِي، قَالَتْ: أمَّا حِينَ سَارَّنِي في الأمْرِ الأوَّلِ، فإنَّه أخْبَرَنِي: أنَّ جِبْرِيلَ كانَ يُعَارِضُهُ بالقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وإنَّه قدْ عَارَضَنِي به العَامَ مَرَّتَيْنِ، ولَا أرَى الأجَلَ إلَّا قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللَّهَ واصْبِرِي، فإنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أنَا لَكِ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ بُكَائِي الذي رَأَيْتِ، فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ، قَالَ: يا فَاطِمَةُ، ألَا تَرْضَيْنَ أنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ، أوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هذِه الأُمَّةِ».
- ما رآه العبّاس -رضي الله عنه- في رؤيا يُشير تفسيرها كما أخبره النبيّ إلى قُرب وفاته، فقد ثبت عن العبّاس -رضي الله عنه- أنه قال: «رأَيْتُ في المنامِ كأنَّ الأرضَ تنزِعُ إلى السَّماءِ بأَشْطانٍ شِدادٍ، فقصَصْتُ ذلك على رسولِ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم، فقال: ذاك وفاةُ ابنِ أخيك».
- حديث النبيّ-صلى الله عليه وسلّم- مع معاذ بن جبل حينما بعثه إلى اليمن، فأخبره بما يدلّ على اقتراب أجله، إذ قال: «يا معاذُ إنَّك عسى ألَّا تَلقاني بعدَ عامي هذا لعلَّك أنْ تمُرَّ بمسجدي وقبري».- ما رواه العرباض بن سارية من حديث النبيّ بقوله: «صلّى بنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ذاتَ يومٍ، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظةً بليغةً، ذرفت منها العيون، ووجِلت منها القلوبُ، فقال قائلٌ : يا رسولَ اللهِ كأنّ هذه موعظةُ مُودِّعٍ، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: أوصيكم بتقوى اللهِ والسمعِ والطاعةِ...».
أصاب النبي محمد -صلى الله عليه وسلّم- في بداية مرضه صُداع شديد في رأسه وهو عائد من جنازة كانت في البقيع، ووضع عصابة على رأسه نظرًا لشدة الألم، وحينما اشتد به الألم استأذن أزواجه أن يقضي فترة مرضه عند عائشة -رضي الله عنها-، فأخذه الفضل بن عباس وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- إلى حجرتها، وقبل 5 أيام من وفاتهأحس النبي -صلى الله عليه وسلم- بخفة في جسمه وارتفعت حرارة جسمه -صلى الله عليه وسلم-، ثم اشتد عليه المرض، ودخل المسجد وعلى رأسه عصابة، وخطب بالناس وهو جالس على منبره، وصلى بهم الظهر.
وصلى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بالمسلمين الصلوات جميعها حتى يوم الخميس قبل وفاته بأربعة أيام، ولما حضرت صلاة عشاء الخميس اشتد المرض عليه، فسأل عن صلاة الناس مرارًا بعدما غُمي عليه، فأخبروه أنّهم ينتظرونه، ثمّ أمر أبا بكر أن يصلّي بالناس، حيث قالت عائشة -رضي الله عنها-: «ثَقُلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَالَ: أصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، قَالَ: ضَعُوا لي مَاءً في المِخْضَبِ، قَالَتْ: فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ، فَذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عليه، ثُمَّ أفَاقَ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يا رَسولَ اللَّهِ، قَالَ: ضَعُوا لي مَاءً في المِخْضَبِ قَالَتْ: فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عليه، ثُمَّ أفَاقَ، فَقَالَ: أصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يا رَسولَ اللَّهِ، فَقَالَ: ضَعُوا لي مَاءً في المِخْضَبِ، فَقَعَدَ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عليه، ثُمَّ أفَاقَ فَقَالَ: أصَلَّى النَّاسُ؟ فَقُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يا رَسولَ اللَّهِ، والنَّاسُ عُكُوفٌ في المَسْجِدِ، يَنْتَظِرُونَ النبيَّ عليه السَّلَامُ لِصَلَاةِ العِشَاءِ الآخِرَةِ، فأرْسَلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى أبِي بَكْرٍ بأَنْ يُصَلِّيَ بالنَّاسِ، فأتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ:
إنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَأْمُرُكَ أنْ تُصَلِّيَ بالنَّاسِ، فَقَالَ أبو بَكْرٍ -وكانَ رَجُلًا رَقِيقًا-: يا عُمَرُ صَلِّ بالنَّاسِ، فَقَالَ له عُمَرُ: أنْتَ أحَقُّ بذلكَ، فَصَلَّى أبو بَكْرٍ تِلكَ الأيَّامَ».وقبل يومين من وفاته كان النبي-صلى الله عليه وسلّم- قد وجد تحسُّنًا في جسمه، فخرج إلى المسجد، وكان أبو بكر -رضي الله عنه- يُصلّي بالناس، فلمّا رآه أبو بكر قدّمه للإمامة بالمسلمين، فأشار إليه النبي -صلى الله عليه وسلّم- بألّا يتأخّر، وقد صلّى أبو بكرٍ سبع عشرة صلاة في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وثَقُل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - المرض، فجعل يسأل أزواجه: يقول: «أين أنا غدًا، أين أنا غدًا؟»؛ يريد يوم عائشة، فأذِنَ له أزواجه يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها، وكانت عائشة تقرأ بالمعوِّذات والأدعية التي حفِظتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكانت تَنفُث على نفسه، وتمسحه بيده رجاء البركة.
بعد أن انتهى الصحابة -رضي الله عنهم- من تغسيل النبيّ -صلى الله عليه وسلّم-، وتكفينه، وضعوه في بيته على سريره؛ ليُصلّى عليه، وقد صلّى عليه المسلمون فُرادى من غير إمامٍ يؤمّهم؛ بحيث تدخل جماعةٌ من الناس تصلّي عليه وتخرج، فصلّى عليه الرجال، ثمّ النساء، ثمّ الصبيان، وقد دُفِن النبيّ في مكان فراشه في المكان الذي قبض الله فيه روحه الطاهرة، وتمّ إدخال النبيّ إلى القبر من جهة القبلة، وجُعِل قبره مُسطَّحًا غير بارزٍ، ورشّ بلال بن رباح -رضي الله عنه- الماء على قبره ابتداءً بالشقّ الأيمن لرأس النبيّ الكريم، وانتهاءً بقدميه الشريفتَين، وكان الدفن ليلة الأربعاء، وقد نزل في قبره: علي بن أبي طالب، والفضل بن العباس، وأخوه قثم، وشقران مولى النبي، وقيل أسامة بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، فكانوا هم من دفنوا النبي.
سبب صلاة جنازة النبي فرادى
ويعد موت النبي محمد -صلى الله عليه وسلم، من علامات الساعة وروى الإمام البخاري عن عوف بن مالك الأشجعيّ أنّه قال: «أَتَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزْوَةِ تَبُوكَ وهو في قُبَّةٍ مِن أَدَمٍ، فَقالَ: اعْدُدْ سِتًّا بيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي»، وثبت أن الصحابة -رضي الله عنهم- صلوا الجنازة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرادى، ولم يصلوها في جماعة، فعنأَبِي عَسِيبٍ أَوْ أَبِي عَسِيمٍ رضي الله عنه:«أنَّهُ شَهِدَ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْهِ؟ قَالَ: ادْخُلُوا أَرْسَالًا أَرْسَالًا. قَالَ: فَكَانُوا يَدْخُلُونَ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنَ الْبَابِ الْآخَرِ»، وعن سبب صلاتهم فرادييقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: «صلى الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرادا لا يؤمهم أحد، وذلك لعظم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتنافسهم في أن لا يتولى الإمامة في الصلاة عليه واحد».
أبناء الرسول من الذكوريبلغ عدد أبناء الرسول محمد -صلّى الله عليه وسلّم- سبعةٌ من الذّكور والإناث، فله من الذّكور ثلاثة، وله من الإناث أربعة، ومن المتّفق عليه أنّ جميع أولاده من السّيدة خديجة بنت خويلد، إلّا إبراهيم فإنّه ابن السّيدة ماريّة القبطيّة، وجميع أولاده توفّاهم الله في حياته، إلّا السّيدة فاطمة فإنها توفّيت بعده.
أبناء الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- من الذكور ثلاثة؛ وهم:
القاسم: وهو أوّل أولاد رسول الله وذلك قبل نبوّته، وهو أيضًا أوّل أولاده انتقالًا إلى الرّفيق الأعلى، وكان يكنّى النبي بأبي القاسم نسبةً إليه.
عبد الله: كان يلقبّ بلقبين: الطّيب والطّاهر، وورد اختلافٌ في ولادته، هل وُلد قبل النّبوة أم بعدها، والرّاجح من القول أنّه ولد بعد النّبوّة، وقد توفي وهو في عمرٍ صغيرٍ في مكّة المكرّمة.
إبراهيم: كان مولده في شهر ذي الحجّة، في السّنة الثّامنة للهجرة، وكانت حياته قصيرة، حيث توفّي وهو صغير في مرحلة الرّضاعة، حيث قال في حينها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ إبراهيمَ ابني، و إنه مات في الثدْي، و إن له ظِئْرَيْنِ يُكْمِلَانِ رضاعَه في الجنةِ)، وفي اليوم الذي توفّي فيه إبراهيم وقعت حادثة كسوف الشّمس، فظنّ النّاس حينها أنّ الشّمس انكسفت لموته، وتداولوا الأقوال في ذلك، ثمّ كان ردّ رسول الله حينها أنّ أقوالهم خاطئة، وهذا بيّنٌ في الحديث الشّريف: (كَسَفَتِ الشَّمْسُ علَى عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ، فَقالَ النَّاسُ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ فَصَلُّوا، وادْعُوا اللَّهَ).
أبناء النبي من الإناث
أبناء الرسول محمد من الإناث أربعة وهن :
زينب: وهي الابنة الكبرى لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان مولدها في السّنة الثّلاثين من مولد رسول الله، وكان زواجها من أبي العاص بن الرّبيع، فهو من أكثر رجال مكّة أمانةً، ومالًا، وبراعةً في التّجارة، وهو على قرابةٍ بالسّيدة خديجة، فهو ابن أختها، وقد تمّ الزّواج بناءً على رغبة السّيدة خديجة، حيث يعدّ أبو العاص بن الربيع عندها بمثابة ابنها، وبعد نبوّة رسول الله آمنت السّيدة خديجة مع بناتها، إلّا أنّ أبا العاص بقي مشركًا.
وكان لهما من الأولاد: عليّ وأمامة.
وقد توفّي عليٌّ بعد وفاة السّيدة زينب التي كانت وفاتها في السّنة الثّامنة من الهجرة، أمّا أمامة في حين وفاة أمّها كانت لا تزال صغيرة، وكان رسول الله يعتني بها اعتناءً شديدًا، ويعطف عليها كثيرًا، وتزوّجها علي بن أبي طالب، وذلك بعد وفاة خالتها السّيدة فاطمة، ثمّ تزوّجت بعد استشهاده بالمغيرة بن نوفل الهاشميّ، أمّا أبوها أبو العاص فكانت وفاته في السّنة الثّانية عشرة بعد وفاة زوجته بأربع سنين، وقد أسلم قبل ذلك وعاد إلى السيدة زينب رضي الله عنها.
رقيّة: كان مولدها في السّنة الثّالثة والثّلاثين من ميلاد رسول الله، وكانت تُعرف بشدّة جمالها، وقد تمّ زواجها من الخليفة عثمان بن عفّان في مكّة المكرّمة، ورافقت زوجها في الهجرة إلى الحبشة، والهجرة إلى المدينة، وكان لهما من الأولاد عبد الله، وعمرو، وكانت كنية عثمان بن عفّان بابنه عبد الله، لكن بعدما توفّي حين بلغ من العمر ستّ سنوات، أصبح يكنّى بابنه عمرو، وتوفّيت السّيدة رقيّة إثر مرضٍ أحلّ بها، وكان ذلك تزامنًا مع وقوع معركة بدر، لكن عندها أمر رسول الله زوجها عثمان أن يبقى معها، ولا يذهب للمعركة، وبشّره أنّ له أجر حضور بدر.
أمّ كلثوم: وكان تعرف بكنيتها هكذا، ولم يرد اسمٌ لها، وتزوّجت من الخليفة عثمان بن عفّان وذلك بعد وفاة أختها رقيّة في السّنة الثّالثة من الهجرة، لذلك لقّب عثمان بن عفّان بذي النّورين؛ لزواجه من ابنتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولم يكن لها من الأولاد أحد، وكانت وفاتها في السّنة التّاسعة من الهجرة، حيث صلّى عليها رسول الله ودموعه تتساقط من عينيه من شدّة الحزن.
فاطمة: هناك محلّ اختلافٍ في سنة ولادتها، فقد قيل إنّه قبل النّبوّة بخمس سنين، وقيل في السّنة الواحدة والأربعين من مولد رسول الله، وكان زواجها من عليّ بن أبي طالب في السّنة الثّانية من الهجرة، وكان لهما من الأولاد الذّكور: الحسن، والحسين، والمحسن، أمّا المحسن فقد مات صغيرًا، ومن الإناث: أمّ كلثوم، وزينب، وتزوّجت أم كلثوم من الخليفة عمر بن الخطّاب، وكان لهما من الأولاد: زيدًا، ورقيّة، في حين تزوّجت زينب من عبد الله بن جعفر، وأنجبت له عدّة أولاد.
وقد كان لـ فاطمة مكانةً عند رسول الله، فقد كان يحبّها حبًّا شديدًا، فيفرح إذا فرحت، ويرضى إذا رضيت، ويغضب إذا غضبت، وقد عدّها رسول الله بأنّها سيّدة نساء هذه الأمّة، وكانت وفاتها بعد انتقال رسول الله إلى جوار ربه بستّة أشهر.