ثار الحديث في نهاية العام الماضي عن مشروع يعمل بالذكاء الاصطناعي لإسكات الأصوات المؤيدة للقضية الفلسطينية في الولايات المتحدة، وبالأخص في الجامعات، ويدعى "مشروع أستير".

ومع عودة رحى الحرب على غزة إلى الدوران، عادت الحركة الطلابية في أميركا من أجل فلسطين للعمل مرة أخرى، خاصة بعد اعتقال إدارة الهجرة والجمارك في الولايات المتحدة الطالب محمود خليل من جامعة كولومبيا.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2المسألة الدستورية في أفغانستان.. كيف تحكم طالبان؟list 2 of 2هل اقترب الحسم العسكري في السودان؟end of list

وحول مشروع أستير وتمسّك إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بملاحقة الطلاب المشاركين في الحراك من أجل فلسطين، نشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية بعنوان "قمع مؤيدي فلسطين بالذكاء الاصطناعي لمأسسة "الترامبية" وتغيير هوية المجتمع الأميركي"، ناقش فيها الباحث الدكتور الحاج محمد الناسك الأهداف الحقيقية لترامب من وراء محاربة معاداة السامية، وإلى أي مدى سينجح -بمساعدة مؤسسات اليمين المتطرف- في مأسسة "الترامبية" وإسكات الأصوات المؤيدة للقضية الفلسطينية؟

مشروع اليمين لخدمة إسرائيل

لا يتوانى ترامب إذن عن تنفيذ ما وعد به، فقد صمم القائمون على المشروع أداة أستير لتنظيم وتوجيه جميع الشركاء الراغبين في جهد منسق يوظف كل الموارد المتاحة لمكافحة معاداة السامية في الولايات المتحدة، وعبروا عن أملهم في وصول "إدارة أميركية راغبة في تنفيذه".

إعلان

وحصل القائمون على المشروع على مناهم، ووصل إلى البيت الأبيض من يرغب في تنفيذه والمباهاة به وجعله في مصاف القضايا الملحة، حتى إن أعضاء في إدارته كانوا جزءا أساسيا في تنفيذه، ومنهم وزير الخارجية ماركو روبيو، مما يحوله إلى سياسة فدرالية في عهد ترامب.

ومنذ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تجند الغرب بقواه الناعمة، إلى جانب قواه العسكرية، لدعم تلك الحرب، وسخّر مؤسساته الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي والمؤسسات الرياضية والأكاديمية لتسويغ إجرام إسرائيل.

ومع ظهورالسردية المضادة، التي قاد طلاب الجامعات الأميركية جزءا منها، انزعج أنصار إسرائيل في الولايات المتحدة، وبدأ اللوبي الصهيوني في توحيد الجهود ضد "هامان العصر" وإعادة إحياء "أستير"، البطلة اليهودية التاريخية التي أنقذت اليهود من بطشه.

وبذلك وضع الإطار النظري لمشروع أستير: "إستراتيجية وطنية لمكافحة معاداة السامية"، في إحياء آخر مزدوج للسياسة المكارثية التي تنبعث من رمادها على نحو أكثر تطرفا، لكن هذه المرة لتوزيع لصاقات "معاداة السامية" بدل لصاقات "الشيوعية".

وعلى ذكر المكارثية، فإن تطبيقها يعني أن مجرد نفحة من التعاطف مع الفلسطينيين تكفي لوصف منظمة أو فرد ما بأنه جزء من شبكة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ومن يدعو لتطبيقها اليوم ليس السيناتور جون مكارثي، بل مؤسسة "هيريتيج" (Heritage)، وهي المؤسسة التي تقف وراء تطوير "مشروع 2025"، و"مشروع أستير" كجزء منه.

وساعدت "هيريتيج" في تشكيل سياسات الرؤساء الجمهوريين على مدى عقود، وهي تركز الآن على "مأسسة الترامبية"، وقد صاغت "مشروع أستير" بالتعاون مع معهد "أميركا أولا للسياسات"، الذي يوصف أحيانا بـ"حكومة البيت الأبيض القادمة" (The White House in waiting).

يزعم المشروع أن دوافع الجماعات المؤيدة للشعب الفلسطيني وفهمها للتاريخ يأتيان "مباشرة من صفحات" البيان الشيوعي.

إعلان

والمثير في المشروع أن فيه نوعا من "النسخ واللصق" من البيان الشيوعي لفهم دوافع الجماعات المؤيدة للشعب الفلسطيني وفهمها للتاريخ، وبذلك يتعمد المشروع الإشارة إلى أن خطر المناصرين للقضية الفلسطينية شبيه بالخطر الشيوعي الذي داهم الولايات المتحدة قبل 70 عاما، وذلك لتشريع إعادة إحياء المكارثية التي قضت على الشيوعيين في البلاد مرة أخرى.

يقول الأستاذ في جامعة كولومبيا جوزيف هاولي، الذي شارك في تنظيم أعضاء هيئة التدريس اليهود المعارضين للحرب واستغلال معاداة السامية، "لقد أراد المهيمنون الصهاينة من اليمين المتطرف أن يجعلوا من اليهود المعادين للصهيونية أو غير الصهاينة أو المنتقدين لإسرائيل خارجين عن القانون، وقد نجحوا في تحويل ذلك إلى سياسة لدى الجامعات.. والآن يريدون جعله قانونا فدراليا".

ورغم أن الأميركيين المعارضين لدعم الولايات المتحدة للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في فلسطين يتعرضون لقمع واسع النطاق، فإن المشروع يسعى لمأسسة القمع وجعله حكوميا قائما لترحيل المتعاطفين مع فلسطين أو سجنهم أو حرمانهم أو طردهم أو دفعهم للاختباء تحت الأرض، كما سيجري تطهير المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة من أي عناصر متعاطفة مع القضية الفلسطينية.

ويقول مراسل مجلة بوليتيكو في البيت الأبيض إيري سنتنر إن الجمهوريين أبغضوا الجامعات لعدة سنوات بسبب تحولها إلى أرض خصبة لإنتاج حملات الحرب الثقافية مثل "اليقظة"، المعروفة بـ"ووك كلتشر" التي تدافع عن التنوع والمساواة والإدماج والأطر الأكاديمية، وقد وجدوا الفرصة في احتجاجات فلسطين لمعاقبتها.

محمود خليل (وسط) طلب الحماية من رئيسة جامعته قبل يوم من اعتقاله (رويترز) محمود خليل.. أول الضحايا

وتحدث موقع أكسيوس الإخباري عن استعانة وزارة الخارجية الأميركية بالذكاء الاصطناعي لإلغاء تأشيرات الطلاب الأجانب "الذين يبدو عليهم تأييد حماس"، وذلك ضمن حملة "القبض والإلغاء" التي تهدف لمراجعة عشرات الآلاف من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي لحاملي التأشيرات الطلابية، وذلك بالتعاون مع وزارتي العدل والأمن الداخلي، فيما وصفه أحد كبار المسؤولين في الخارجية الأميركية بأنه "نهج يشمل الحكومة بأكملها".

إعلان

ويعد الطالب محمود خليل أول ضحايا هذه السياسة، فقد علق ترامب على اعتقاله بالقول إنه ستتبعه اعتقالات أخرى، وأضاف في منشور على منصة تروث سوشيال إن "إدارة خدمات الهجرة والجمارك ألقت القبض بفخر على محمود خليل، وهو طالب أجنبي متطرف موال لحماس في حرم كولومبيا"، كما نشر حساب البيت الأبيض على منصة إكس صورة خليل مرفقة بعبارة "شالوم محمود".

وذكر موقع "زيتيو" أن خليل طلب -قبل يوم من اعتقاله- من كاترينا أرمسترونغ رئيسة جامعة كولومبيا الحماية، وقال لها في رسالة إلكترونية "لم أتمكن من النوم خوفا من أن تأتي وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك أو أي شخص إلى منزلي"، لكنه لم يلق تجاوبا منها واعتقل من منزله وهو مع زوجته الحامل في شهرها الثامن ونقل إلى سجن اتحادي للمهاجرين في لويزيانا.

ووصل الحد بالإجراءات العقابية تجاه الجامعات إلى إلغاء إدارة ترامب نحو 400 مليون دولار من المنح والعقود الممنوحة لمجموعة جامعات من بينها كولومبيا، مما قد يحرم كثيرا من الطلاب حول العالم من متابعة دراستهم في الجامعات الأميركية، وذلك بدعوى تقاعس الجامعات عن مواجهة المضايقات المستمرة للطلاب اليهود.

شماعة "معاداة السامية"

قد ينجح ترامب بعض الشيء من خلال ترحيل بعض الطلاب الأجانب في إخماد بعض الأصوات المؤيدة للقضية الفلسطينية، لكنه لن يتمكن من تحقيق ما يصبو إليه، فالطلاب ليسوا سوى جزء يسير من قاعدة عريضة من الأميركيين المؤيدين للحق الفلسطيني، خاصة بعد الحرب على قطاع غزة.

وحتى إن سلمنا جدلا بأن من يحاربهم ترامب هم طلاب الجماعات فحسب، فالمهمة ليست سهلة أيضا، فقد أصدر القاضي جيسي فورمان قرارا بعدم ترحيل خليل "ما لم تأمر المحكمة بذلك"، وأثار اعتقاله موجة من النقد والإدانة ممن اعتقدوا أن عمليات الترحيل يمكن أن تنتهك الدستور الأميركي في حال تنفيذها، بمن فيهم الاتحاد الأميركي للحريات المدنية.

إعلان

واستنكر نواب في مجلس النواب الأميركي اعتقال خليل، ورأوا فيه "سابقة خطرة وانتهاكا لحرية التعبير المكفولة في الدستور"، كما حذرت الصحفية إيميلي تامكين من أن تركيز إدارة ترامب على معاداة السامية قد يجعل اليهود أقل أمنا، مشيرة إلى أن ترامب يسعى لمهاجمة التعليم العالي وحرية التعبير والتجمع ومعايير الهجرة، وكل ذلك بشماعة مؤامرات معاداة السامية.

وكتب الأستاذ الفخري لدراسات جنوب آسيا في جامعة كولومبيا شيلدون بولوك لتامكين "لقد بذلت إدارة جامعة كولومبيا قصارى جهدها لإرضاء إدارة ترامب.. لكنها لم تنجح، وهذه الهجمة لا علاقة لها بمعاداة السامية".

ونددت الأمم المتحدة على لسان أمينها العام أنطونيو غوتيريش باعتقال خليل، وقال إن من الضروري "تسليط الضوء على أهمية صون الحق في حرية التعبير والحق في التجمع السلمي في كل مكان".

في المحصلة، يبدو أن الرئيس ترامب يتخذ من حربه على "معاداة السامية" ذريعة لتحقيق مآرب أخرى، وهي فرض أجندة يمينية تؤمن بتفوق العرق الأبيض وتسعى إلى تغيير هوية المجتمع الأميركي، وهو كما وصفه الكاتب الصحفي توماس فريدمان "انهيار عظيم يجري على قدم وساق".

 

[يمكنكم قراءة الورقة التحليلية كاملة عبر هذا الرابط]

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان دراسات فی الولایات المتحدة للقضیة الفلسطینیة معاداة السامیة جامعة کولومبیا البیت الأبیض محمود خلیل

إقرأ أيضاً:

أرحلوا حالًا... الولايات المتحدة تنهي الوضع القانوني المؤقت للإثيوبيين

أعلنت الولايات المتحدة إنهاء الوضع القانوني المؤقت للمواطنين الإثيوبيين المقيمين على أراضيها، في خطوة جديدة ضمن حملة إدارة الرئيس دونالد ترامب لتشديد القيود على الهجرة القانونية وغير القانونية.

وقالت وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية كريستي نويم، في إشعار نشر في السجل الفيدرالي الجمعة، إن إثيوبيا «لم تعد تستوفي الشروط اللازمة» للاستفادة من برنامج الحماية المؤقتة، وذلك بعد مراجعة الأوضاع في البلاد والتشاور مع الجهات الحكومية المعنية.

ويمنح وضع الحماية المؤقتة للأشخاص القادمين من دول تشهد كوارث طبيعية أو نزاعات مسلحة أو ظروفًا استثنائية، ويتيح لهم الحصول على تصاريح عمل وحماية مؤقتة من الترحيل.

إلغاء برنامج بايدن

وكان البرنامج قد أنشئ عام 1991، وشهد توسعًا كبيرًا خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن، التي مددت الحماية لنحو 600 ألف فنزويلي وأكثر من 521 ألف هايتي. إلا أن وزيرة الأمن الداخلي ألغت هذه التمديدات في فبراير الماضي، معتبرة أنها «لم تعد مبررة».

وخلال الأشهر الأخيرة، رفعت إدارة ترامب الحماية المؤقتة عن مواطنين من عدة دول، من بينها هايتي وميانمار وجنوب السودان وسوريا وفنزويلا، كما أعلن الرئيس في نوفمبر الماضي إنهاء الحماية الممنوحة للصوماليين في ولاية مينيسوتا.

ويجعل ترامب من تشديد الرقابة على الهجرة محورًا رئيسيًا في ولايته الرئاسية الثانية، حيث ينظر إلى إلغاء برامج الحماية المؤقتة على أنه دعم لخطته الرامية إلى ترحيل ملايين المهاجرين. وقد قوبلت هذه القرارات بطعون قانونية أمام المحاكم.

وفي هذا السياق، سمحت المحكمة العليا الأمريكية في أكتوبر الماضي للإدارة بالمضي قدمًا في إلغاء وضع الحماية المؤقتة لمئات الآلاف من الفنزويليين، بعد تعليق حكم قضائي سابق كان قد اعتبر أن وزيرة الأمن الداخلي لا تملك صلاحية إنهاء البرنامج أثناء نظر الدعاوى القضائية.

كما أعلنت وزارة الأمن الداخلي، في إشعار منفصل، أنها لم تعد تعالج القضايا القديمة ضمن برنامج لمّ شمل العائلات الكوبية والهايتية، وهو برنامج يسهّل على المواطنين الأمريكيين والمقيمين الدائمين إحضار أفراد عائلاتهم إلى الولايات المتحدة.

طباعة شارك واشنطن إثيوبيا بايدن ترامب هجرة

مقالات مشابهة

  • الولايات المتحدة تدين هجوم سيدني: لا مكان لمعاداة السامية في العالم
  • أول رد من نتنياهو عن هجوم سيدني: معاداة السامية سرطان ينتشر عندما يصمت القادة
  • ترحيل آلاف الإثيوبيين بعد إنهاء حمايتهم المؤقتة بأميركا
  • هيرتسوج: لقد حذرنا أستراليا من ضرورة استئصال معاداة السامية
  • مجموعة أممية تطالب بالإفراج عن ناقلة النفط التي احتجزتها الولايات المتحدة في الكاريبي
  • كانديس أوينز.. اليمينية السوداء التي ناصرت فلسطين وعادت الصهيونية
  • أرحلوا حالًا… الولايات المتحدة تنهي الوضع القانوني المؤقت للإثيوبيين
  • اتفاق تاريخي بين الولايات المتحدة والمكسيك لتقاسم المياه بعد تهديد ترامب
  • أرحلوا حالًا... الولايات المتحدة تنهي الوضع القانوني المؤقت للإثيوبيين
  • الولايات المتحدة تعتزم تفتيش حسابات التواصل الاجتماعي للراغبين بدخولها