من برلين إلى طوكيو.. مخاوف من سباق تسلح نووي جديد
تاريخ النشر: 24th, March 2025 GMT
خلال الحرب الباردة، اتفقت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي على نقطة واحدة على الأقل: انتشار الأسلحة النووية يشكّل خطراً على الجميع.
في ستينيات القرن الماضي، أطلق الرئيس الأمريكي جون كينيدي محادثات أدت إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وهي اتفاقية بين القوى العظمى حدّت من عدد الدول التي تمتلك أسلحة نووية حتى يومنا هذا.
لطالما اعتمدت سياسة الردع الأمريكية على تقديم ضمانات أمنية لحلفائها لمنعهم من تطوير أسلحتهم النووية. لكن تحت إدارة دونالد ترامب، تضاءلت هذه الضمانات بشكل غير مسبوق، وفقاً لتقرير في صحيفة "فايننشال تايمز".
فقد أدى توجه ترامب نحو موسكو وإهماله لحلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى دفع حلفاء قدامى – مثل ألمانيا وبولندا وكوريا الجنوبية واليابان – إلى التفكير فيما كان غير وارد سابقاً: كيف يمكنهم الاستعداد لاحتمال انسحاب المظلة النووية الأمريكية؟
يقول أنكيت باندا، الباحث في مؤسسة كارنيغي ومؤلف كتاب "العصر النووي الجديد": "التوافق الكبير بين القوى العظمى بشأن عدم الانتشار النووي يتآكل. ظاهرة ترامب أعطت دفعة قوية للأصوات في الدول الحليفة للولايات المتحدة التي ترى أن امتلاكها للأسلحة النووية هو الحل الوحيد لمشكلة عدم موثوقية واشنطن."
بموجب معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT)، يقتصر امتلاك الأسلحة النووية رسمياً على الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن: الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، والمملكة المتحدة. في المقابل، طورت الهند، باكستان، وإسرائيل أسلحة نووية دون التوقيع على المعاهدة، بينما انسحبت كوريا الشمالية منها ونجحت في تطوير سلاح نووي.
From Berlin to Tokyo, the fears of a new nuclear arms race https://t.co/gH5veFsTvP
— FT Europe (@ftbrussels) March 24, 2025ويخشى المحللون من أن انهيار المعاهدة، خاصة إذا تخلّت الولايات المتحدة عن التزاماتها، قد يؤدي إلى عالم يضم 15 إلى 25 دولة نووية، وهو السيناريو الذي حذّر منه كينيدي، مما يزيد من احتمالية نشوب حرب نووية مدمرة.
ألمانيا: جدل غير مسبوقأثارت تصريحات فريدريش ميرتس، المرشح لمنصب المستشار الألماني، ضجة كبيرة حين دعا إلى بحث إمكانية توسيع "المشاركة النووية" لتشمل ألمانيا، أو الاعتماد على الحماية النووية البريطانية والفرنسية.
ألمانيا تستضيف حالياً نحو 20 قنبلة نووية أمريكية في قاعدة بيوتشل الجوية، جنوب كولونيا، لكن النقاش حول امتلاك ألمانيا لأسلحة نووية خاصة بها كان حتى وقت قريب من المحرمات، بحسب الصحيفة.
وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس رفض هذا النقاش، واصفاً إياه بأنه "تصعيد غير ضروري"، إلا أن بعض المسؤولين الألمان بدأوا يتساءلون سراً عما إذا كان على بلادهم الاستعداد لهذا السيناريو.
المحلل ثورستن بينر يرى أن ألمانيا يجب أن تستثمر في "الجاهزية النووية"، أي بناء البنية التحتية التي تتيح لها تصنيع سلاح نووي عند الحاجة، دون امتلاكه فعلياً.
بولندا: تسابق نحو الردع النوويأما في بولندا، فقد تسارعت وتيرة النقاش النووي، حيث أصبح رئيس الوزراء دونالد توسك أول زعيم بولندي يطرح علناً فكرة السعي إلى امتلاك أسلحة نووية أو المشاركة في برنامج ردع نووي مع فرنسا.
لكن الرئيس البولندي أندريه دودا قدّم اقتراحاً مختلفاً، داعياً إلى نقل الأسلحة النووية الأمريكية إلى بولندا، وهو ما تعتبره موسكو استفزازاً خطيراً.
“If we go in this direction, we will die.”#TheEuropeConversation sits down with former Polish president Lech Wałęsa to discuss whether French or American nuclear weapons should be stationed in Poland to protect Europe.
Watch more: https://t.co/c1uEPGvZQ0 pic.twitter.com/lwTGspcbk4
من الناحية العملية، لا تمتلك بولندا البنية التحتية أو الخبرة التقنية لبناء سلاح نووي، رغم أنها تستعد لإنشاء أول محطة نووية مدنية خلال العقد المقبل.
كوريا الجنوبية: رغبة في الاستقلال النوويتسببت التهديدات النووية المستمرة من كوريا الشمالية، إلى جانب عودة ترامب إلى السلطة، في تعميق المخاوف الأمنية في كوريا الجنوبية.
يقول الباحث سانجسين لي إن "دعم حصول كوريا الجنوبية على أسلحة نووية يتزايد ويزداد صلابة."
بينما لم تدعم الأحزاب الرئيسية بشكل مباشر امتلاك السلاح النووي، فإن بعض قادتها بدأوا يطالبون بخيار "الجاهزية النووية"، أي امتلاك القدرة على تصنيع سلاح نووي بسرعة إذا لزم الأمر.
عمدة سيول، أوه سي-هون، طالب الولايات المتحدة بالسماح لبلاده بتخزين المواد النووية كما تفعل اليابان، مما يمنحها القدرة على تطوير سلاح عند الحاجة.
تمتلك كوريا الجنوبية واحدة من أعلى كثافات المفاعلات النووية في العالم، ويؤكد الخبراء أنها تستطيع تصنيع قنابل نووية بدائية في غضون ثلاثة أشهر، لكنها ستحتاج إلى عامين لإنشاء برنامج نووي كامل.
اليابان: التابو النوويتُعتبر اليابان الدولة الوحيدة التي تعرضت لهجوم نووي، مما جعل فكرة امتلاكها أسلحة نووية من المحرمات السياسية والاجتماعية لعقود.
ومع ذلك، فإن التطورات الجيوسياسية الأخيرة، بما في ذلك التوسع العسكري الصيني، والشكوك حول الالتزام الأمريكي، دفعت البعض إلى إعادة التفكير في هذا الموضوع.
Does Japan want its own nuclear weapons?
✍️ Philip Patrick https://t.co/He0AwhUzMB
رغم أن اليابان موقعة على معاهدة عدم الانتشار، إلا أنها تمتلك مخزوناً ضخماً من البلوتونيوم – يكفي لصنع آلاف القنابل النووية. وبفضل صناعتها المتقدمة، يمكنها بناء سلاح نووي خلال بضعة أشهر إذا حصلت على الموافقة السياسية.
لكن الحاجز الأكبر أمام الخيار النووي الياباني ليس تقنياً، بل نفسياً وسياسياً. يقول ستيفن ناجي، أستاذ الدراسات الدولية في جامعة طوكيو: "الخيار الأول لليابان هو الاعتماد على الولايات المتحدة. والخيار الثاني هو التمسك أكثر بالولايات المتحدة. أما الخيار الأخير – الذي لا يزال مستبعداً – فهو امتلاك أسلحة نووية."
العالم أمام سباق تسلح جديد؟مع تصاعد الشكوك حول الالتزامات الأمريكية، وتزايد التهديدات النووية من دول مثل روسيا وكوريا الشمالية، أصبح سباق التسلح النووي احتمالاً أكثر واقعية، كما ترى الصحيفة.
بينما تحاول بعض الدول استكشاف بدائل، يبدو أن العالم يقترب خطوة أخرى نحو عصر نووي جديد، حيث قد يصبح امتلاك الأسلحة النووية ضرورة استراتيجية وليس مجرد خيار.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الحرب الأوكرانية برلين طوكيو الولايات المتحدة الولایات المتحدة الأسلحة النوویة کوریا الجنوبیة أسلحة نوویة سلاح نووی
إقرأ أيضاً:
هل يرجح ترامب كفة سباق الذكاء الاصطناعي لصالح الصين؟
وانج يا تشيانج
تشي يوان شو
ربما وصلت حرب التعريفات الجمركية بين الولايات المتحدة والصين إلى طريق مسدود، لكن المنافسة بينهما على التفوق التكنولوجي تتحول الآن نحو مستوى أعلى من الـحِـدّة بينما تتصارع الدولتان على الهيمنة في مجال الذكاء الاصطناعي ــ ومكاسب الإنتاجية والمكاسب الجيوسياسية التي ستصاحبها ــ يلوح في الأفق سؤال واحد. هل تلحق قدرات الصين في مجال الذكاء الاصطناعي بقدرات الولايات المتحدة ــ بل وتتفوق عليها؟
يدفع هذا الاتجاه سلسلة من السياسات التي قدمتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. تمثل رئاسة ترامب خروجا دراماتيكيا عن الالتزام بالانفتاح الذي عزز ريادة أمريكا التكنولوجية لعقود من الزمن. وقد ترتد التدابير التي تهدف إلى إعادة الإبداع إلى الولايات المتحدة في الاتجاه المعاكس، وقد تنتهي بها الحال إلى تمهيد الطريق للهيمنة الصينية. ربما يوفر تطور الاقتصاد الرقمي بعض الأفكار والبصائر حول كيفية سير سباق الذكاء الاصطناعي اليوم في أعقاب سياسات ترامب. في تسعينيات القرن الماضي، قادت الولايات المتحدة ثورة الإنترنت، وهيمنت على مرحلة «صفر إلى واحد» المحورية من خلال نقل الإبداعات بسرعة من المختبر إلى السوق. وقد غذى ذلك ما أشاد به كثيرون في ذلك الوقت باعتباره «الاقتصاد الجديد»، الذي اتسم بالنمو السريع، ومكاسب الإنتاجية القوية، والتضخم المنخفض. أما الصين، التي كانت في البداية تابعة، فقد أضفت في وقت لاحق ديناميكية ملحوظة على الاقتصاد الرقمي من خلال توسيع نطاق تكنولوجياتها المبتكرة. توالت فصول التطور الرقمي في الصين على ثلاث مراحل. الأولى كانت النسخ والاتباع: من منتصف التسعينيات إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت الشركات الصينية تحاكي النماذج الأمريكية، فأطلقت بوابات إلكترونية وخدمات على الإنترنت أفضت إلى نمو هائل في أعداد المستخدمين.
المرحلة الثانية كانت التوطين والتحسين. فمع نضوج النظام البيئي الرقمي في الصين بين عامي 2005 و2015، بدأت شركات التكنولوجيا الصينية تستفيد من فهمها العميق للمستخدمين المحليين وظروف السوق لضبط خدماتها. ولم تكتفِ منصات مثل WeChat و Taobao بتكييف المفاهيم الأمريكية، بل عملت على البناء عليها، لتتفوق في نهاية المطاف على نظيراتها الغربية، مثل WhatsApp و Ebay، في السوق الصينية. تميزت المرحلة الثالثة بالابتكارات الخارقة. على مدار العقد الماضي، تحولت شركات التكنولوجيا الصينية من التقليد إلى الإبداع، حيث ابتكرت نماذج رقمية جديدة وتفوقت على المنافسين الأجانب. والمثال الأكثر نجاحا على نحو لافت للنظر تطبيق TikTok من شركة ByteDance، الذي وضع الصين في طليعة الثقافة على الإنترنت، وأعاد تشكيل وسائط التواصل الاجتماعي، وأجبر الشركات الأمريكية مثل Meta على محاولة اللحاق بالركب.
تتضح هذه الديناميكية بالفعل في مجالات مثل الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية، ولن يكون الذكاء الاصطناعي استثناء. بعد إطلاق ChatGPT في أواخر عام 2022 ــ والذي بوسعنا أن نزعم أنه كان إيذانا بانتقال الذكاء الاصطناعي إلى عصر التبني الجماعي ــ أظهرت الصين بسرعة قدرتها على نسخ النماذج الغربية.
وكان إطلاق برنامج DeepSeek في يناير إشارة إلى دخول الصين مرحلة التوطين والتحسين، حيث كان نموذج R1 الذي أطلقته الشركة أرخص في الاستخدام بنحو 30 إلى 50 مرة من نموذج OpenAI. وبحلول فبراير، تقلصت فجوة الأداء بين أفضل النماذج الصينية والأمريكية إلى 1.7%، بعد أن كانت 9.3% في عام 2024. وبينما استغرق الأمر شهرين من ChatGPT للوصول إلى 100 مليون مستخدم نشط، وصل DeepSeek إلى هذا الإنجاز في سبعة أيام فقط. تتمثل إحدى المزايا الرئيسية التي تتمتع بها الصين في مجموعة كبيرة من المواهب الهندسية؛ حيث تنتج البلاد أربعة أضعاف عدد خريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات سنويا مقارنة بالولايات المتحدة. وبالإضافة إلى الحجم الهائل، يعكس هذا «العائد الهندسي» أخلاقيات العمل القوية والعقلية البرجماتية الموجهة نحو التحسين العملي المعقد، كما يتضح من بنية نظام DeepSeek. في ظل أكثر من مليار مستخدم للإنترنت وقاعدة صناعية متنوعة، توفر الصين أيضا ظروفا لا مثيل لها لنشر تطبيقات الذكاء الاصطناعي واختبارها وتحسينها.
تستحوذ الصين على ما يقرب من 30% من ناتج التصنيع العالمي، وتنتج كميات هائلة من البيانات. في عام 2019 وحده، أنتج قطاع التصنيع في الصين 1812 بيتابايت من البيانات، وتشير تقديراتنا إلى أن هذا الرقم ارتفع إلى 2435 بيتابايت في عام 2024. والطاقة عامل حاسم آخر. في عام 2023، أنتجت الصين ما يقرب من 9456 تيراواط/ساعة من الكهرباء ــ 32% من الإجمالي العالمي وأكثر من ضعف إنتاج الولايات المتحدة البالغ 4178 تيراواط/ساعة ــ وهذا يمنحها ميزة كبيرة في تشغيل مراكز البيانات الضخمة الضرورية لتبني الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع. وتزداد مكانة أمريكا ضعفا في سباق الذكاء الاصطناعي بفعل تخفيضات ترامب لتمويل الأبحاث والقيود المفروضة على الهجرة. في فبراير على سبيل المثال، سرّحت إدارة ترامب 170 موظفا، منهم خبراء في الذكاء الاصطناعي، في مؤسسة العلوم الوطنية واقترحت خفض ميزانية الوكالة بأكثر من 50%. تهدد هذه التخفيضات -إلى جانب تأخر تخصيص تمويل المعاهد الوطنية للصحة وتجميد ما يقرب من 2.2 مليار دولار من المنح الفيدرالية لجامعة هارفارد- بتعطيل الأبحاث التأسيسية وإعاقة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي. من ناحية أخرى، من المحتمل أن تؤدي سياسات الهجرة التقييدية إلى زيادة صعوبة اجتذاب الولايات المتحدة للمواهب العالمية والاحتفاظ بها، وقد يؤدي هذا إلى هجرة عكسية للأدمغة مع عودة عمال التكنولوجيا الصينيين المهرة إلى بلادهم لتولي وظائف مُـجزية الأجر في قطاع متنام. في حين دعمت إدارة ترامب مبادرات ضخمة في تشييد البنية الأساسية مثل Stargate ــ وهو مركز بيانات مقترح بقيمة 500 مليار دولار والذي سَـيُـبنى بواسطة OpenAI وOracle وSoftBank ــ فإن مثل هذه المشاريع تهدد بتعزيز هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى وخنق الإبداع اللازم لتحقيق اختراقات تكنولوجية تحويلية.
لكن المشكلة الأشد عمقا تكمن في تحول أمريكا بعيدا عن الانفتاح الاقتصادي. فمع تزايد انغلاق الشركات الأمريكية مثل OpenAI، تتبنى الشركات الصينية استراتيجيات المصادر المفتوحة. وبينما تؤدي سياسات ترامب التجارية وسياسات الهجرة إلى إقصاء المواهب العالمية والمتعاونين الدوليين، تعمل الصين بنشاط على تسويق نماذج الذكاء الاصطناعي المنخفضة التكلفة لشركائها التجاريين. لا شك أن الصين تواجه تحديات داخلية تخصها، والتي تتفاقم بِـفِـعل القيود التجارية الأمريكية التي حدت من قدرتها على الوصول إلى أشباه الموصلات المتقدمة. وعلى الصعيد المحلي، يجب على صناع السياسات الصينيين إيجاد توازن دقيق بين تشجيع الابتكار وفرض ضوابط صارمة على البيانات. ولكن بينما لا يملك أي من الطرفين طريقا سهلا نحو هيمنة الذكاء الاصطناعي، فإن أجندة ترامب «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» قد تساعد عن غير قصد في جعل الصين عظيمة مرة أخرى.