أكد الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن شهر رمضان المبارك يُعد مدرسة روحية وتربوية عظيمة، يُهذب النفوس، ويرتقي بالقلوب، ويُربي الإنسان على معاني الصبر، والتقوى، والالتزام، مشيرًا إلى أن رمضان ليس مجرد شهر للصيام والقيام، وإنما هو محطة إيمانية يتزود منها المسلم بالخير والطاعات ليواصل مسيرته بعده بنفس الروح والهمة، وهو اختبار عملي للإنسان في مدى قدرته على الاستمرار في الطاعة والمحافظة عليها بعد انتهاء الشهر الكريم.

وأوضح فضيلته، خلال لقائه التلفزيوني اليومي مع الإعلامي حمدي رزق في برنامج "أسأل المفتي" على فضائية صدى البلد، أن الصيام ليس فقط امتناعًا عن الطعام والشراب، بل هو منهج متكامل يُزكي النفس ويهذب الأخلاق، ويُعلم الإنسان الصبر على المشقة، والتحكم في رغباته وشهواته، مستشهدًا بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، موضحًا أن الهدف الأسمى من الصيام هو تحقيق التقوى، أي أن يكون الإنسان مُراقبًا لله في كل أفعاله وأقواله، في رمضان وبعده، لأن التقوى ليست عبادة مؤقتة أو شعورًا لحظيًّا، بل هي مسار حياة يجب أن يستمر طيلة العام.

وأضاف فضيلته أن كثيرًا من المسلمين يحققون في رمضان مستوىً إيمانيًّا عظيمًا، فيحرصون على الصلاة في أوقاتها، وقراءة القرآن، والذكر، والصدقات، وصلة الرحم، ولكن البعض قد يُهمل هذه العبادات بمجرد انتهاء الشهر الكريم، وهو ما قد يُنذر بأن هذه العبادات لم تُترجم إلى سلوك دائم، بل كانت مجرد التزام مؤقت. ولذلك، فإن العلماء أكدوا أن علامة قبول الطاعة هي الاستمرار عليها بعد انتهاء وقتها، مستشهدًا بقول بعض السلف الصالح: "من علامات قبول الحسنة أن يُتبعها العبد بحسنة أخرى".

وأشار مفتي الجمهورية إلى أن الثبات على الطاعة بعد رمضان يتطلب عدة أمور، منها الصحبة الصالحة التي تُعين المسلم على الخير، والبيئة الإيمانية التي تشجعه على الاستمرار في العبادة، والتخطيط الجيد لما بعد رمضان بحيث يجعل الإنسان لنفسه وردًا يوميًّا من العبادات لا يتخلى عنه، حتى وإن كان قليلًا، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ".

كما أوضح فضيلته أن هناك بعض العوامل التي قد تؤدي إلى تراجع الإنسان بعد رمضان، منها ضعف الوازع الديني، والانشغال بالدنيا ومشاغلها، والانجراف وراء العادات اليومية التي قد تُبعده عن الطاعة، بالإضافة إلى التأثير السلبي لبعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي التي قد تُروج لمظاهر اللهو والغفلة بعد رمضان، مما قد يؤدي إلى فتور في العبادة.

وشدد فضيلته على أن الله سبحانه وتعالى لا يُحب العبادات الموسمية التي يؤديها الإنسان في أوقات محددة ثم يتركها بعد ذلك، مشيرًا إلى أن الإسلام لم يجعل العبادات محصورة في شهر معين، بل جعلها ممتدة على مدار العام، فالصيام لا يقتصر على رمضان فقط، بل هناك صيام النوافل مثل صيام الستة من شوال، وصيام يومي الاثنين والخميس، وصيام الأيام البيض، وكذلك قيام الليل لا يجب أن يكون محصورًا في رمضان فقط، بل يمكن أن يحرص المسلم على ركعتين في جوف الليل في أي وقت، ليظل متصلًا بالله سبحانه وتعالى.

وأكد مفتي الجمهورية أن الإسلام دين يوازن بين الروح والجسد، فلم يُطالب الإنسان بأن يكون في قمة نشاطه وعبادته طوال الوقت، لأن ذلك قد يؤدي إلى الإرهاق ثم الترك، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا"، موضحًا أن المقصود بهذا الحديث هو أن العبادة ينبغي أن تكون ضمن قدرة الإنسان، بحيث لا يُرهق نفسه ثم ينقطع عنها، بل يكون له ورد يومي ثابت يستطيع الاستمرار عليه.

وأشار فضيلته إلى أن العبادة ليست فقط صلاة وصيامًا، بل تشمل كل أعمال الخير والإحسان، فالمسلم يمكنه أن يستمر في عبادة الله من خلال أداء عمله بإخلاص، والتعامل مع الناس بأخلاق حسنة، ومساعدة المحتاجين، والإحسان إلى الفقراء والمساكين، والحرص على بر الوالدين، وصلة الرحم، وهذه كلها عبادات يؤجر عليها الإنسان إذا قصد بها وجه الله.

كما بيَّن فضيلته أن من الوسائل التي تساعد المسلم على الثبات بعد رمضان أن يجعل لنفسه أهدافًا إيمانية بعد الشهر الكريم، مثل قراءة عدد معين من أجزاء القرآن يوميًّا، أو المحافظة على صلاة الفجر في المسجد، أو الالتزام بورد من الأذكار والاستغفار، لأن هذه الأمور تُعينه على الاستمرار في القرب من الله، وتحميه من الفتور والانقطاع.

ووجَّه مفتي الجمهورية رسالة إلى المسلمين، أكد فيها أن رمضان ليس مجرد شهر عابر في حياتنا، وإنما هو بداية جديدة للتوبة والطاعة، وموسم عظيم للرجوع إلى الله، مشددًا على أن المسلم الحقيقي هو من يجعل رمضان نقطة انطلاق لحياة إيمانية متوازنة، فلا يعود إلى المعاصي بعده، ولا يترك العبادات التي اعتاد عليها، بل يحافظ على ما اكتسبه من نفحات إيمانية، ويجعل العبادة جزءًا من حياته اليومية، سواء كان ذلك في رمضان أو بعده.

وختم فضيلته حديثه بقوله: "اجعلوا من رمضان بداية جديدة للطاعة، ولا تجعلوه محطة مؤقتة في حياتكم، فمن استمر في العبادة بعد رمضان فليبشر، لأن ذلك من علامات القبول عند الله، وأسأل الله أن يتقبل منا جميعًا، ويجعلنا من عباده الصالحين".

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مفتي الجمهورية رمضان المزيد مفتی الجمهوریة بعد رمضان فی رمضان إلى أن

إقرأ أيضاً:

القومي لحقوق الإنسان يشارك في فعاليات المنتدى العربي الأفريقي للمؤسسات التجارية

شارك المجلس القومي لحقوق الانسان، ممثلا في الدكتور ولاء جاد الكريم عضو المجلس أمين لجنة العلاقات الدولية، في فعاليات المنتدى العربي الأفريقي للمؤسسات التجارية وحقوق الإنسان، والذي انعقد في مدينة مراكش بالمغرب.

وبحسب بيان للمجلس، تم تنظيم المنتدى بالتعاون بين المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان بالمغرب، والشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الانسان، والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، وصندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة.

وشهد المنتدى مشاركة واسعة من الخبراء الدوليين والشركات ومؤسسات حقوق الانسان في المنطقة العربية وأفريقيا.

وشارك الدكتور ولاء جاد الكريم في فعاليات المنتدى، بتقديم ورقة عمل حول “الالتزام بمعايير الاستدامة وحقوق الإنسان في مؤسسات الأعمال وعلاقتها بمؤشرات التنافسية”.

وتضمنت الورقة تحليل للممارسات ذات الصلة وانعكاساتها على مؤشرات التنافسية والاستثمار والمساهمة في التجارة الدولية.

كما قدمت الورقة توصيات تهدف لمعالجة التحديات القائمة على مستوى الأطر التنظيمية والقانونية وممارسات مؤسسات الأعمال، ومؤشرات قياس التنافسية.

وتمثلت أهم التوصيات في بناء قدرات مؤسسات الأعمال والهيئات التنظيمية وتطوير آليات قياس ورقابة وطنية ومبادرة المنتديات والمؤسسات العالمية المعنية بالتنافسية بتطوير منهجية أعداد ومحاور مؤشرات التنافسية لتشمل دمج اعتبارات الاستدامة وحقوق الإنسان.

جدير بالذكر أن المجلس القومي لحقوق الإنسان يولي اهتماما بتطبيق إطار الأمم المتحدة للأعمال التجارية وحقوق الإنسان، ويحرص على الانخراط في المناقشات الدولية والإقليمية الهادفة لتعزيز دور مؤسسات الأعمال في احترام حقوق الانسان.

طباعة شارك المجلس القومي لحقوق الإنسان البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة المنتدى العربي الأفريقي للمؤسسات التجارية الدكتور ولاء جاد الكريم الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الانسان منظمة الأمم المتحدة للطفولة

مقالات مشابهة

  • فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
  • موعد صيام تاسوعاء وعاشوراء وقصتهما وهل يجب صوم يوم قبله أو بعده؟
  • قبول: غدًا آخر يوم لإضافة الرغبات التي تتطلب شروطًا خاصة
  • منصة قبول: غدًا آخر يوم لإضافة الرغبات التي تتطلب شروط قبول خاصة
  • قبول : غداً اخر يوم لإضافة الرغبات التي تتطلب شروط قبول خاصة
  • عاجل - قبول : غداً اخر يوم لإضافة الرغبات التي تتطلب شروط قبول خاصة
  • محافظ القليوبية يعتمد تنسيق قبول الصف الأول الثانوي العام بمجموع 220 درجة
  • المَدْرسة المتميزة «عاتكة بنت زيد».. الإدارة التي تصنع الأثر
  • أفضل الأعمال يوم عاشوراء.. 3 عبادات عظيمة أوصى بها النبي
  • القومي لحقوق الإنسان يشارك في فعاليات المنتدى العربي الأفريقي للمؤسسات التجارية