بغداد اليوم – بعقوبة

على مقربة من ضفاف نهر ديالى، تقف مقبرة الشريف في مدينة بعقوبة كشاهد على تاريخٍ حافل بالتنوع القومي والمذهبي، لكنها في الوقت ذاته تحتضن بين جنباتها قصصًا من الألم والفقدان، سطّرتها الحروب والنزاعات الدامية التي شهدتها المحافظة على مدار العقود الماضية. لم تعد هذه المقبرة مجرد مكان لدفن الموتى، بل تحوّلت إلى نقطة تلاقي لآلاف العوائل التي مزقتها الحروب، حيث يجتمع أبناؤها في الأعياد لزيارة قبور أحبائهم، في مشهد يُجسد حجم المأساة التي عاشها العراقيون.

حكايات نزوح ولقاء عند القبور

في القسم الشرقي من المقبرة، يقف عبد الله إبراهيم، وهو رجل مسنٌّ، عند قبور أربعة من أقاربه، تحيط به ذكريات لا تزال حاضرة رغم مرور الزمن. يقول في حديث لـ"بغداد اليوم": "جئت من إقليم كردستان قبل ساعة من الآن لزيارة قبور أقاربي، حيث نزحت من قريتي في حوض الوقف منذ 17 عامًا، وهذه القبور تمثل لي نقطة العودة إلى الأصل، فأنا أزورهم لأقرأ الفاتحة وأستذكر إرث الأجداد والآباء، الذي انتهى بسنوات الدم".

يشير عبد الله إلى أن حوض الوقف، الذي كان يُعد من أكبر الأحواض الزراعية في ديالى، تحول إلى منطقة أشباح بعد موجات العنف التي عصفت به، حيث اضطر آلاف العوائل إلى مغادرته، تاركين خلفهم منازلهم وأراضيهم، لتظل القبور هي الرابط الوحيد الذي يجمعهم بموطنهم الأصلي.

شتات القرى يجتمع في المقبرة

على بعد أمتار منه، يقف أبو إسماعيل، وهو أيضًا أحد النازحين من الوقف، لكنه اتخذ طريقًا مختلفًا، إذ نزح مع أسرته إلى المحافظات الجنوبية. لكنه، كما يقول، يعود في كل عيد ليقرأ الفاتحة على قبور أقاربه المدفونين هنا. يوضح في حديثه لـ"بغداد اليوم": "القبور جمعت شتات قرى الوقف، حيث لا يزال 70% من سكانها نازحين، والعودة بالنسبة للكثيرين أمر صعب، خاصة بعدما اندمجت العوائل النازحة في المجتمعات التي استقرت بها".

يتحدث أبو إسماعيل بحزن عن سنوات النزوح، مؤكدًا أن كل محافظة عراقية تكاد تضم عائلة نازحة من ديالى، هربت من دوامة العنف والإرهاب الذي اجتاح مناطقهم.

الوقف.. جرح لم يندمل

أما يعقوب حسن، الذي فقد شقيقين شهيدين وعددًا من أبناء عمومته، فقد نزح إلى العاصمة بغداد منذ 17 عامًا، لكنه يرى أن مقبرة الشريف باتت تجمع شتات القرى النازحة من حوض الوقف ومناطق أخرى من ديالى، فتتحول إلى مكان للقاء العوائل التي فرّقتها الحروب.

يقول يعقوب: "كنا نعيش في منطقة تجمعنا فيها الأخوّة والجيرة، لكن الإرهاب مزّق هذه البيئة المجتمعية المميزة بتقاليدها. الوقف كان من أكثر المناطق تضررًا على مستوى العراق، واليوم يبدو أن قبور الأحبة وبركاتهم هي ما تجمعنا بعد فراق دام سنوات طويلة".

هكذا، تبقى مقبرة الشريف شاهدًا حيًا على المآسي التي عاشتها ديالى، ومرآة تعكس حجم الفقدان والشتات الذي طال العوائل بسبب دوامة العنف، لكنها في الوقت ذاته تظل رمزًا للصلة التي لا تنقطع بين الأحياء وأحبائهم الذين رحلوا، وسط أمنيات بأن يكون المستقبل أكثر أمنًا وسلامًا.

المصدر: وكالة بغداد اليوم

إقرأ أيضاً:

تشييع جثامين 6 صحفيين في غزة بينهم أنس الشريف ومحمد قريقع (شاهد)

شيّعت جماهير فلسطينية في مدينة غزة، صباح الاثنين، جثامين ستة صحفيين اغتالهم الاحتلال الإسرائيلي بقصف استهدف خيمتهم أمام بوابة مجمع الشفاء الطبي مساء أمس الأحد.

وودّع الصحفيون زملاءهم أنس الشريف ومحمد قريقع وإبراهيم ظاهر ومحمد نوفل ومؤمن عليوة ومحمد الخالدي، الذين قضوا في قصف اسرائيلي مباشر ومتعمّد لهم.

وبدأ التشييع من مجمع الشفاء الطبي عقب الصلاة على الشهداء، بمشاركة عدد كبير من الصحفيين والإعلاميين، ومن ثم تم التوجه لدفن الشهداء أنس الشريف وإبراهيم ظاهر ومحمد نوفل في مقبرة الشيخ رضوان وسط المدينة.


وجرى دفن الشهيدين محمد قريقع ومؤمن عليوة في مقبرة بجانب المستشفى المعمداني.
ومساء الأحد، استشهد الصحفيان أنس الشريف ومحمد قريقع، مراسلا قناة الجزيرة في غزة، وأربعة صحفيين آخرين، في قصف إسرائيلي غربي المدينة.

وأفاد مراسل وكالة "صفا"، باستهداف طائرات الاحتلال خيمة الصحفيين أمام مستشفى الشفاء غربي مدينة غزة، ما أدى لاستشهاد طاقم قناة الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع وإبراهيم ظاهر ومحمد نوفل ومؤمن عليوة ومحمد الخالدي.

View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)

أعداد كبيرة تشارك في تشييع الشهداء الصحفيين أنس الشريف ومحمد قريقع وإبراهيم ظاهر ومؤمن عيلوة ومحمد نوفل ومحمد الخالدي في غزة. pic.twitter.com/Hsn8eC5cXK — Al-Saeed????️السيد (@SaeedPalestin) August 11, 2025
عيون غزة رحلوا..

جانب من تشييع الصحفيين ومواراتهم الثرى في مدينة غزة.#أنس_الشريف pic.twitter.com/okrqCVGBN6 — Muhammad Talha (@mtalha2000) August 11, 2025
وأثارت جريمة اغتيال الصحفيين الستة تنديدًا فلسطينيًا ودوليًا، في محاولة لطمس الحقائق، وتغطية الاحتلال على جرائمه في قطاع غزة، بما في ذلك جريمة إعادة احتلال قطاع غزة الوشيكة.

وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن عدد الشهداء من الصحفيين ارتفع إلى 238 شهيدًا، منذ بداية حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، وذلك بعد الإعلان عن استشهاد الصحفيين الستة.

وأقر جيش الاحتلال الإسرائيلي -في بيان- باستهداف الصحفي أنس الشريف في قطاع غزة، زاهمة أنه عضو في حركة حماس.

ويأتي الاغتيال بعد يومين من إقرار حكومة الاحتلال فجر الجمعة، خطة لاحتلال قطاع غزة بالكامل، ضمن حرب إبادة جماعية مستمرة للشهر الـ22، وسط تحذيرات داخلية ودولية ومن خطورة ذلك على الأسرى الإسرائيليين بغزة.


وجاء التصعيد الإسرائيلي أيضا بعد ساعات من مكالمة هاتفية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ناقشا فيها خطة "إسرائيل" لاحتلال قطاع غزة.

وفجر الجمعة، أقر الكابنيت خطة تبدأ باحتلال مدينة غزة، عبر تهجير سكانها البالغ عددهم نحو مليون نسمة إلى الجنوب، ثم تطويق المدينة وتنفيذ عمليات توغل في التجمعات السكنية.

ويلي ذلك مرحلة ثانية تشمل احتلال مخيمات اللاجئين وسط القطاع، التي دمرت "إسرائيل" أجزاء واسعة منها، ضمن حرب متواصلة بدعم أمريكي منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

مقالات مشابهة

  • سر لم يُكشف من قبل.. قصة عبد الغفور البرعي التي غيرت حياة نور الشريف
  • شاهد - التحولات التي أحدثها القرار اليمني في 19 مايو على موازين القوة البحرية
  • شاهد..حالة “عمي موسى” المواطن الذي تعرض للسرقة و الضرب بعين فكرون
  • أنس الشريف ورفاقه.. حكاية طاقم الجزيرة الذي قتل أمام العالم
  • أنس الشريف.. شاهد وشهيد
  • تشييع جثامين 6 صحفيين في غزة بينهم أنس الشريف ومحمد قريقع (شاهد)
  • أنس الشريف.. صوت غزة الذي اغتاله جيش الاحتلال
  • أنس الشريف .. صوت غزة الذي فضح جرائم الاحتلال
  • شاهد.. تشييع جثماني أنس الشريف ومحمد قريقع بعد استشهادهما
  • شاهد: استشهاد الزميلين أنس الشريف ومحمد قريقع مراسلي الجزيرة في غزة