هل أنكر المالكية صيام الست من شوال؟.. الإفتاء توضح حقيقة خلاف العلماء
تاريخ النشر: 1st, April 2025 GMT
أكدت دار الإفتاء المصرية، أن صيام الست من شوال متتابعة بداية من اليوم الثاني من شوال هو الأفضل، وأن صيامها مجتمعة أو متفرقة في شوال في غير هذه المدة لا حرج فيه وله ثوابه.
وأضافت دار الإفتاء، في فتوى عبر موقعها الإلكتروني، أن صيام الست من شوال يبدأ بعد يوم عيد الفطر الأول مباشرةً؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَذَاكَ صِيَامُ الدَّهْرِ».
وأكدت دار الإفتاء أنَّ ذلك يعدلُ في الثواب صيام سنة كاملة؛ فروى الإمام مسلم في "صحيحه" عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْر».
وأوضحت أن عامة العلماء استحبّ صيام هذه الأيام الست في شوال؛ فرُويَ ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وطاوس والشعبي وميمون بن مهران، وهو قول ابن المبارك وإسحاق -انظر: "المغني" لابن قدامة (3/ 56، ط. دار إحياء التراث العربي)، و"لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 218، ط. دار ابن حزم)-، وأقوال جمهور فقهاء المذاهب المتَّبعة على أن صيام هذه الأيام الستة مستحب.
هل يجوز صيام الست من شوال في أيام متفرقة؟.. الإفتاء تحدد الأقرب للسُنة
حكم من أكل أو شرب ناسيا في صيام الست من شوال.. هل عليه الإعادة؟
الافتاء: يجوز الجمع بين صيام نية القضاء والست من شوال
حكم من ترك صيام الست من شوال.. الإفتاء توضح فضلها
وأشارت الإفتاء إلى الإمام مالك معروف عنه أنه قائل بالكراهة، وقد جاء في "الموطأ" (ص: 310، ط. دار إحياء التراث العربي): [قال يحيى: وسمعت مالكًا يقول في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان: إنه لم يرَ أحدًا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وإن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته، وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهلُ الجهالة والجفاء لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم ورأوهم يعملون ذلك] اهـ.
وأوضحت دار الإفتاء أنه من الواضح من كلام الإمام مالك أن الكراهة عنده معللة بالخوف من أن يظن جهّال العوام أن هذه الأيام ملحقة برمضان، فإذا انتفت تلك العلة تنتفي الكراهة.
فضل صيام الست من شوالوعن حكم صيام الست من شوال أكد دار الإفتاء، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَذَاكَ صِيَامُ الدَّهْرِ» رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي، ورواه أحمد من حديث جابرٍ رضي الله عنه، وعن ثوبان رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَنْ صَامَ رمضان وسِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا» رواه ابن ماجه.
وأوضحت أن الحسنة بعشر أمثالها؛ فصيام رمضان بعشرة أشهر وصيام الست بستين يومًا، وهذا تمام السَّنة، فإذا استمر الصائم على ذلك فكأنه صام دهره كله، وفي الحديثين دليلٌ على استحباب صوم الست بعد اليوم الذي يفطر فيه الصائم وجوبًا وهو يوم عيد الإفطار.
وتابعت أن المتبادر في الإتْباع أن يكون صومُها بلا فاصلٍ بينه وبين صوم رمضان سوى هذا اليوم أي أول يوم من عيد الفطر الذي يحرم فيه الصوم.
واختتمت "أن المتبادر أيضا أن تكون الست متتابعة، وإن كان يجوز أن تكون متفرقة في شوال، فإذا صامها متتابعة من اليوم الثاني منه إلى آخر السابع فقد أتى بالأفضل، وإذا صامها مجتمعة أو متفرقة في شوال في غير هذه المدة كان آتيًا بأصل السنة".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: صيام الست من شوال الست من شوال صيام الست من شوال متتابعة دار الإفتاء الإفتاء المزيد صلى الله علیه وآله وسلم صیام الست من شوال رضی الله عنه دار الإفتاء أن صیام فی شوال
إقرأ أيضاً:
الشورى في عهد عمر بن عبد العزيز.. تجديد الخلافة بروح النبوة ومشورة العلماء
اهتمّ عمرُ بنُ عبد العزيز رحمه الله بتفعيل مبدأ الشورى في خلافته، ومن أقواله في الشورى: «إنَّ المشورةَ والمناظرةَ بابُ رحمةٍ، ومفتاحُ بركةٍ، لا يضلُّ معهما رأيٌ، ولا يفقدُ معهما حزم». وكان أول قرارٍ اتخذه عمر بعدما وَلِيَ أمرَ المدينة للوليد بن عبد الملك، يتعلق بتطبيق مبدأ الشورى وجعلهِ أساساً في إمارته، حين دعا فقهاء المدينة وكبار علمائها، وجعل منهم مجلساً استشارياً دائماً (النموذج الإداري والمستخلص من إدارة عمر، محمد القحطاني، ص 285).
فعندما جاء الناسُ للسلام على الأمير الجديد بالمدينة وصلى، دعا عشرةً من فقهاء المدينة وهم: عروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأبو بكر بن سليمان بن أبي خيثمة، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر، وأخوه عبد الله بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وخارجة بن زيد بن ثابت، فدخلوا عليه وجلسوا، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «إني دعوتُكم لأمرٍ تؤجرون عليه، وتكونون فيه أعواناً على الحق، إنّي لا أريدُ أن أقطعَ أمراً إلا برأيكم أو برأي من حضرَ منكم، فإن رأيتُم أحداً يتعدّى، أو بلغكم عن عاملٍ لي ظُلامة فأحرِّج الله على منْ بلغه ذلك إلا أبلغني» (موسوعة فقه عمر بن عبد العزيز، قلعجي ص 548)، فقد أحدثَ عمر بن عبد العزيز مجلساً، حدّد صلاحياته بما يلي:
1 ـ أنهم أصحابُ الحقِّ في تقرير الرأي، وأنَّه لا يقطعُ أمراً إلا برأيهم، وبذلك يكون الأميرُ قد تخلّى عن اختصاصاته إلى هذا المجلس، الذي نسمّيه مجلسَ العشرة.
2 ـ أنّه جعلهم مفتّشين على العمل، ورقباء على تصرّفاته، فإذا ما اتصل بعلمهم أو بعلم أحدهم أنَّ عاملاً ارتكبَ ظلامة، فعليهم أن يبلّغوه، وإلا فقد استعدى الله على كاتم الحق.
ونلاحظ كذلك أنّ هذا التدبير قد تضمن أمرين:
1 ـ أنَّ الأميرَ عمر بن عبد العزيز لم يخصِّصُ تعويضاً لمجلس العشرة، لأنّهم كانوا من أصحاب العطاء، وبما أنّهم فقهاء، فما ندبهم إليه داخلٌ في صلب اختصاصهم.
2 ـ أنّ عمر افترض غيابَ أحدهم عن الحضور لعذرٍ من الأعذار، ولهذا لم يشترط في تدبيره حضورهم كلهم، وإنّما قال: "أو برأي مَنْ حضرَ منكم" (نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي، ظافر القاسمي، 1/562).
ـ أن هذا المجلس كان يستشار في جميع الأمور دون استثناء.
ونستنتج مِنْ هذا أهمية العلماء الربانيين وعلوَّ مكانتهم، وأنَّه يجبُ على صاحب القرار أن يدنيهم ويقرّبهم منه، ويشاورهم في أمور الرعية، كما أن على العلماء أن يلتفّوا حول الصالح من أصحاب القرار من أجل تحقيق أكبر قدرٍ ممكن من المصالح، وتقليل ما يمكن من المفاسد.
كما أنَّ عمر بن عبد العزيز لم يقتصر في شوراه على هؤلاء، بل كان يستشيرُ غيرَهم من علماء المدينة، كسعيد بن المسيب، والزُهري وغيرهم، وكان لا يقضي في قضاءٍ حتى يسأل سعيداً.
وفي المدينة أظهر عمرُ بن عبد العزيزِ إجلاله للعلماء وإكباره لهم، وقد حدث أنْ أرسلَ رحمه الله تعالى رسولاً إلى سعيد بن المسيب، فأخذ سعيدٌ نعليه، وقام إليه في وقته، فلمّا رآه عمرُ قال له: "عزمتُ عليك يا أبا محمد إلاّ رجعتَ إلى مجلسِكَ حتى سألك رسولُنا عن حاجتنا، فإنّا لم نرسِلْه ليدعوك، ولكنّه أخطأ، إنما أرسلناه ليسألك"". (سيرة عمر بن عبد العزيز ومناقبه لابن عبد الحكم ص23)
الشورى في خلافته:
كان خطابه رحمه الله عندما تولّى الخلافةَ الآتي: "أيها الناس، إنِّي قد ابتليتُ بهذا الأمر، من غيرِ رأيٍ كان منِّي فيه، ولا طلبة له، ولا مشورة مِنَ المسلمين، وإنِّي قد خلعتُ ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم"". فصاح الناسُ صيحةً واحدةً: قد اخترناك يا أمير المؤمنين، ورضينا بك، فتوَّل أمرَنا باليُمْنِ والبركة.
كان عمر يستشيرُ العلماء، ويطلبُ نصحَهم في كثير من الأمور، أمثال سالم بن عبد الله، ومحمد بن كعب القرظي، ورجاء بن حَيْوة وغيرهم، فقال: {إني قد ابتليتُ بهذا الأمر فأشيروا علي". كما كان يستشير ذوي العقول الراجحة من الرجال.وبذلك خرج عمرُ من مبدأ توريثِ الولاية، الذي تبنّاه معظم خلفاء بني أمية إلى مبدأ الشورى والانتخاب، ولم يكتفِ عمرُ باختياره ومبايعة الحاضرين له، بل اهتم برأي المسلمين في الأمصار الأخرى ومشورتهم، فقال في خطبته الأولى ـ عقب توليه الخلافة: «وإنَّ مَنْ حولكم من الأمصار والمدنِ إنْ أطاعوا كما أطعتم، وإنْ هم أبوا فلستُ لكم بوالٍ» ثم نزل. (سيرة عمر بن عبد العزيز، مرجع سابق، ص 65).
وقد كتبَ إلى الأمصار الإسلامية فبايعتْ كلَّها، وممن كتب لهم يزيد بن المهلب يطلبُ إليه البيعة بعد أنْ أوضحَ له أنّه في الخلافة ليسَ براغبٍ، فدعا يزيدُ الناس إلى البيعة فبايعوا، وبذلك يتّضح أنّه لم يكتفِ بمشورةِ مَنْ حوله، بل امتدَّ الأمرُ إلى جميع أمصار المسلمين.
ونستنتج من موقف عمر هذا ما يلي:
1 ـ أنَّ عمرَ كشف النقابَ عن عدمِ موافقةِ الأصول الشرعية في تولِّي معظمِ الخلفاء الأمويين.
2 ـ حرصَ عمر على تطبيق مبدأ الشورى في أمرٍ يخصُّه هو أولاً، ألا وهو تولّيه الخلافة.
3 ـ أنَّ مَنْ طبَّق مبدأ الشورى في أمرٍ مثل تولي الخلافة حريٌّ بتطبيقه فيما سواه.
وكان عمر يستشيرُ العلماء، ويطلبُ نصحَهم في كثير من الأمور، أمثال سالم بن عبد الله، ومحمد بن كعب القرظي، ورجاء بن حَيْوة وغيرهم، فقال: {إني قد ابتليتُ بهذا الأمر فأشيروا علي". كما كان يستشير ذوي العقول الراجحة من الرجال. وقد حرص عمر على إصلاح بطانته لمّا تولى الخلافة، فقرّب إلى مجلسه العلماء وأهل الصلاح، وأقصى عنه أهلَ المصالح الدنيوية، والمنافعَ الخاصة. ولم يكتفِ رحمه الله بانتقاء بطانته، بل كان زيادةً على ذلك يوصيهم ويحثّهم على تقويمه، فقال لعمر بن مهاجر: "إذا رأيتَني قد مِلْتُ عن الحقِّ فضع يدَكَ في تلبابي، ثم هزّني، ثم قل: يا عمر ما تصنع؟! ""، وقد كان لهذا المسلكِ أثرٌ في تصحيح سياسته التجديدية ونجاحها، حيث كان لبطانته أثرٌ في شدِّ أزره، وسدادِ رأيه، وصواب قراره. فمن أسباب نجاح عمر بن عبد العزيز تقريبُه لأهل العلم والصلاح، وانشراحُ صدره لهم، ومشاركتُهم معه في تحمّل المسؤولية، فنتجَ عن ذلك حصولُ الخير العميم للإسلام والمسلمين (الدولة الأموية، علي الصلابي، 2/126).
المراجع:
ـ الدولة الأموية – عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار -، د. علي محمد محمد الصلابي، دار ابن كثير – دمشق، ط3، 1440هـ - 2019م.
ـ موسوعة فقه عمر بن عبد العزيز، د. محمد روّاس قلعجي، مكتبة الفلاح – الكويت، ط1، 1401هـ - 1981م.
ـ النموذج الإداري المستخلص من إدارة عمر بن عبد العزيز، محمد بن مشيب بن سلمان القحطاني، منشورات جامعة أم القرى، طبعة عام 1418 هـ.
ـ نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي، ظافر القاسمي، دار النفائس – بيروت، ط3، 1423هـ - 2004م.
ـ سيرة عمر بن عبد العزيز ومناقبه، لابن عبد الحكم أبي محمد عبد الله، دار العلم للملايين – بيروت، 1387هـ - 1967م.