واشنطن بوست: رسوم ترامب الجمركية تهدد أوروبا وتعزز نفوذ الصين عالميًا
تاريخ النشر: 2nd, April 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية مقالًا تحليليًا للكاتب إيشان ثارور حول تداعيات السياسة التجارية الجديدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المتمثلة في فرض رسوم جمركية كبيرة على الواردات.
وقال الكاتب، في مقال تحليلي نشرته الصحيفة، اليوم الأربعاء إن هذه الخطوة، التي وصفها ترامب بـ"يوم التحرير"، قد تحمل عواقب وخيمة على العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وحلفائها، لا سيما في أوروبا، بينما قد تصب في مصلحة الصين، التي تراقب المشهد عن كثب بحثًا عن فرص لتعزيز نفوذها الاقتصادي على الساحة العالمية.
وأضاف: رغم غموض التفاصيل، فإن توجه ترامب واضح: فرض تعريفات جمركية واسعة النطاق على معظم الواردات إلى الولايات المتحدة، وهو ما قد يعلنه رسميًا خلال فعالية في البيت الأبيض هذا الأسبوع.
وأفاد ثارور بأن ترامب وأنصاره يرون أن هذه الإجراءات ضرورية لمواجهة ما يصفونه بعدم التوازن في التجارة العالمية، ولتوفير مصادر جديدة للدخل في ظل التغييرات الجذرية التي تجريها إدارته على الحكومة الفيدرالية. لكن منتقديه يحذرون من أن هذه السياسة قد تتحول إلى "ضريبة غير مباشرة" على المستهلكين الأمريكيين، بل وقد تدفع الاقتصاد إلى حالة من الركود التضخمي لم يشهدها منذ عقود.
وأشار إلى أن الوضع في أوروبا مختلف، فهناك استياء متزايد، إذ لم تخفِ رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خيبة أملها، مشددة على أن الاتحاد الأوروبي مستعد للرد بفرض رسوم على المنتجات والخدمات الأمريكية، رغم أن هذا المسار ليس الخيار المفضل لدى الأوروبيين.
وعلى مستوى الرأي العام، تظهر استطلاعات الرأي تزايد المشاعر المعادية لسياسات واشنطن. ففي فرنسا، أعربت غالبية المواطنين عن دعمهم لمقاطعة المنتجات الأمريكية، بينما أظهر استطلاع ألماني أن 16٪ فقط من الألمان ما زالوا يعتبرون الولايات المتحدة شريكًا موثوقًا. وفي كندا، أعلن رئيس الوزراء الجديد مارك كارني بوضوح أن "العلاقة القديمة والمتشابكة" مع واشنطن قد انتهت.
وتابع الكاتب الصحفي قائلا إن الصين في المقابل، تراقب هذه التطورات عن كثب. ويرى خبراء في بكين أن التوترات بين الولايات المتحدة وأوروبا قد تدفع الأخيرة إلى تبني نهج أكثر مرونة تجاه الصين، وهو ما يتعارض مع الجهود التي بذلتها إدارة بايدن سابقًا لحشد الحلفاء في مواجهة النفوذ الصيني.
واختتم مقاله بالقول إن البيت الأبيض يبدو غير مكترث بالتحذيرات العالمية، بل وربما يستمتع بإثارة الفوضى بين حلفائه. وبينما يواصل ترامب تفكيك سياسات الإدارة السابقة، يبدو أن العالم يتجه نحو نظام اقتصادي جديد، تزداد فيه الهيمنة الصينية مع كل خطوة تخطوها واشنطن في الاتجاه المعاكس.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: رسوم ترامب الجمركية نفوذ الصين ترامب الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
حين يتصارع العملاقان: واشنطن وبكين على أعتاب تحول عالمي!
في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، يطفو على السطح مشهد دولي يتقاطع فيه التاريخ مع المستقبل: صراع محتدم بين الولايات المتحدة والصين، يشمل الأمن والتكنولوجيا والاقتصاد والثقافة، ويتجاوز حدود آسيا ليبلغ الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. لم يعد الأمر مجرد تنافس بين نظامين سياسيين أو اقتصاديين، بل بات صراعًا على صياغة من سيكون مركز الثقل في النظام العالمي الجديد.
في آسيا، حيث قلب التوتر ينبض، تتسارع الأحداث حول تايوان وبحر الصين الجنوبي. الصين، بثقة القوّة الصاعدة، تعزز مناوراتها البحرية والجوية، وتبعث برسائل عسكرية متكررة للغرب عبر تحركاتها الإقليمية. في المقابل، تؤكد واشنطن التزامها العميق بـ"حرية الملاحة" و"الدفاع عن الحلفاء"، وتزيد من وجودها العسكري في اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين. إنها لحظة اختبار للردع الأمريكي في وجه طموح القوة الصينية.
لكن ما قد يبدو للبعض شأناً آسيويًا صرفًا، يكشف عن وجهه الحقيقي حين نُدير البوصلة نحو الشرق الأوسط. هنا، تُترجم معادلة الصراع إلى لغة الجغرافيا السياسية المباشرة: من جهة، تمد الصين أذرعها الاقتصادية ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، وتنسج تحالفات ناعمة مع دول الخليج وإيران، وتطرح نفسها كوسيط دبلوماسي قادر على إخماد حرائق المنطقة، كما فعلت في رعاية المصالحة بين الرياض وطهران. ومن جهة أخرى، تسعى الولايات المتحدة لإعادة تثبيت نفوذها التقليدي، عبر شراكات أمنية، وصفقات تسليح، وعودة التوازن لسياسة "الاحتواء المزدوج" بنسخة محدثة.
الصراع هنا ليس عسكريًا فحسب، بل يمتد إلى التكنولوجيا والعملة والمعلومات. الولايات المتحدة تقود حربًا صامتة ضد صعود الصين في مجال الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، من خلال قيود تصدير صارمة ودعم شركاتها الوطنية. بينما تعمل بكين على الاستقلال التكنولوجي، وتستثمر في تطوير شبكات الاتصالات، وأنظمة الدفع، وحتى تحالفات الفضاء السيبراني. هذا المشهد يضع الشرق الأوسط أمام خيارات مصيرية: هل ينخرط في ثنائية القطبية الجديدة، أم يبحث عن صيغة توازن تحافظ على استقلاليته وتنوع علاقاته؟
وفي هذا السياق، تلوح في الأفق مقاربة تاريخية مقلقة: هل تعيش الدول العربية اليوم ما يشبه حالة الانقسام التي شهدتها المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية، عندما وجدت نفسها موزعة بين معسكر شرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي، وغربي بقيادة الولايات المتحدة؟ آنذاك، انقسمت العواصم بين تبنّي الخط القومي الاشتراكي وبين الانحياز إلى الرأسمالية الليبرالية. واليوم، تتكرّر الملامح ولكن بأدوات وأقطاب جديدة: الصين تمثل الشرق برؤيتها الاقتصادية-الأمنية ذات الطابع الاستراتيجي، فيما تظل الولايات المتحدة الحارس القديم للمصالح الغربية، ولكن بقبضة أقل إحكامًا مما كانت عليه في القرن العشرين.
هذه الحرب الباردة الجديدة لا تُدار عبر الانقلابات أو صفقات السلاح فقط، بل عبر اتفاقيات البنية التحتية، وخطط الربط الرقمي، وتوظيف الثروات السيادية. الصين لا تعرض على الدول العربية أيديولوجيا بديلة، بل نموذجًا براغماتيًا يقوم على الربح المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتوسيع النفوذ بصمت. أما واشنطن، فتجد نفسها مضطرة للتعامل مع واقع جيوسياسي جديد، حيث حلفاؤها التقليديون باتوا يتعاملون بندّية، ويبحثون عن شراكات متعددة.
في قلب هذه المعادلة، تبدو دول الخليج وإيران وتركيا وإسرائيل لاعبًا رئيسيًا في ترجمة هذا الصراع الدولي على أرض الواقع. فالإمارات والسعودية تحتفظان بشراكات استراتيجية مع واشنطن، لكنهما تفتحان أبوابًا واسعة للاستثمارات الصينية في الطاقة والموانئ والذكاء الاصطناعي. إيران، المحاصَرة من الغرب، تجد في بكين شريان حياة اقتصاديًا وسياسيًا. وتركيا توازن بين عضويتها في الناتو وشراكاتها الآسيوية. أما إسرائيل، فهي تدرك أن علاقتها مع الولايات المتحدة لا تمنعها من نسج مصالح تجارية مع الصين، في حدود الخطوط الحمراء الأمريكية.
وفي السياق ذاته، تلعب الحرب في غزة، والأزمات في اليمن وسوريا ولبنان، دورًا حاسمًا في تموضع القوى الكبرى. فبينما تركز واشنطن على أمن إسرائيل والحد من نفوذ إيران، تسعى الصين إلى التهدئة وكسب النفوذ من خلال الدبلوماسية الاقتصادية وعدم الانخراط المباشر. وهكذا يظهر الشرق الأوسط كساحة اختبار استراتيجية لطريقة تعامل كل قوة عظمى مع الأزمات المعقدة: هل عبر الحضور العسكري، أم عبر الاستثمارات والحلول السياسية؟
النتيجة أن الشرق الأوسط لم يعد مجرد هامش في حسابات القوى الكبرى، بل بات عنصرًا مركزيًا في تحديد من ستكون له اليد العليا في العقود القادمة. وإذا كان القرن العشرين قد شهد تفوقًا أمريكيًا شبه مطلق، فإن القرن الحادي والعشرين يخط مسارًا لتعدد الأقطاب، وصراعًا ناعمًا حادًا يتقاطع فيه الاقتصاد مع الأمن والسيادة الرقمية.
اليوم، يبدو العالم مقبلًا على لحظة مفصلية: إما تعاون عالمي يجنّب الكوكب صدامًا مدمرًا، أو انزلاق نحو تصعيد تقوده الحسابات الخاطئة والمصالح المتضاربة. وفي هذا المشهد، على دول الشرق الأوسط أن تتجاوز دور المتلقي، وتتحول إلى صانع للسياسات، يستثمر في تنوع علاقاته، ويبني قوته الذاتية، ويبحث عن توازن حقيقي بين واشنطن وبكين، دون الارتهان لأي محور.
فما بين شِراك التكنولوجيا، وخيوط الطاقة، وظلال الجيوش، يُعاد رسم خريطة العالم من جديد!