دمشق-سانا

في عيد الفطر الأول بعد “انتصار الثورة السورية” وسقوط النظام البائد، تحوّلت طقوس زيارة القبور في مدن سوريا وقراها إلى فعلٍ يحمل دلالاتٍ عميقةً تتجاوز التقاليد، لتصير مزيجاً من الحزن والأمل والذاكرة والعدالة.

زيارة القبور: بين التقاليد والتحرير

عادةً ما ترتبط زيارة المقابر في الأعياد بالتراث الديني والاجتماعي في سوريا، حيث يزور الأهالي قبور أحبائهم لقراءة القرآن على أرواحهم والدعاء لهم، لكن هذا العيد حمل خصوصيةً استثنائية، فذوو شهداء الثورة السورية، الذين مُنعوا لسنواتٍ من الاقتراب من قبور أبنائهم خوفاً من بطش النظام البائد، تمكنوا أخيراً من الوصول إليها، بعد أن أزالت الإدارة الجديدة الحواجز الأمنية ودواعي الخوف.

تقول أم محمد، والدة شهيدٍ من دوما في ريف دمشق: “كنا نزور قبره سراً، واليوم نضع الزهور بكل حرية، كأن روحه اطمأنت معنا”.

الكشف عن المفقودين والمقابر الجماعية

لم تكن زيارة القبور هذا العام مقتصرةً على القبور المعروفة، بل امتدت إلى مقابر جماعية كُشف النقاب عنها مؤخراً بالقرب من سجونٍ ومعتقلاتٍ كانت تُدار من قبل أجهزة النظام البائد، حيث يقول وليد، الذي عثر على جثمان شقيقه في إحدى المقابر الجماعية عند حاجز القطيفة بريف دمشق: “الوجع ما زال حاضراً، لكن معرفة مكانه خفّفت من لهيب الغُصّة في صدورنا”.

العودة والذاكرة

حمل العيد الأول بعد انتصار الثورة فرصةً لعودة النازحين الذين هُجّروا إلى خارج سوريا، وتوافد المئات عبر الحدود لزيارة قبور أقاربهم، في مشهدٍ يرمز إلى انكسار جدار الخوف، و تقلصت مظاهر الاحتفال التقليدية في العديد من المناطق، وحلّ مكانها حزنٌ مُتجدّد، مصحوبٌ بإحساسٍ بالانتصار، كما يوضح الشاب مصطفى من درعا، والذي اعتبر أن “النظام سقط بثمن غال هو دماء الشهداء، وباتت زيارة القبور تذكيراً بأن التضحيات لم تذهب سُدى”.

ويظلّ عيد الفطر هذا العام في سوريا علامةً على تحوّلٍ تاريخي، حيث تختلط دموع الفرح بالحزن، وتتحول المقابر من أماكن للقهر إلى رموزٍ للحرية والذاكرة، فزيارة القبور هذا العام أصبحت شهادة على انتصار إرادة الشعب، وخطوةً نحو بناء مستقبلٍ تُدفن فيه جراح الماضي، دون أن تُنسى تضحياته.

المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء

كلمات دلالية: زیارة القبور

إقرأ أيضاً:

مقابر القدس تاريخ عريق ينهشه التهويد

تضم مدينة القدس 5 مقابر إسلامية تاريخية وعشرات المقابر العائلية الصغيرة. وتواجه هذه المقابر مشاريع تهويد مستمرة، تنفذها سلطات الاحتلال بهدف إزالتها وإقامة مشاريع استيطانية مكانها، في إطار محاولاتها لطمس المعالم الإسلامية للمدينة الفلسطينية المقدسة وتغيير هويتها.

ولا يتورع الاحتلال الإسرائيلي عن تجريف قبور المسلمين في مقابر القدس والسماح للمستوطنين باقتحامها ونبشها وأداء طقوسهم التلمودية فوقها، إذ شهدت اعتداءات متكررة وانتهاكات متواصلة منذ نكبة عام 1948.

تاريخ عريق

تضم مدينة القدس 5 مقابر إسلامية تاريخية هي: باب الساهرة وباب الرحمة واليوسفية، إضافة إلى مقبرتيْ مأمن الله والنبي داود اللتين استولى عليهما الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل ومنع الدفن فيهما.

كما تضم المدينة المقدسة عشرات المقابر العائلية الصغيرة، وقد جرفت إسرائيل عددا منها إبان نكبة 1948، قبل أن تجهِز على ما تبقى منها أثناء نكسة 1967 عندما احتلت مدينة القدس بشكل كامل.

وتحتضن المقابر الإسلامية بالقدس رفات عدد من الصحابة والمجاهدين، إضافة إلى علماء الدين والأمراء وشخصيات فلسطينية بارزة. وقد استشهد أغلب هؤلاء أثناء دفاعهم عن المدينة في فترات الحروب الصليبية، وكذلك في العهود الأيوبية والمملوكية والعثمانية، كما تعود بعض القبور لشهداء قتلوا في الأحداث التي شهدتها المدينة المقدسة إبان الانتداب البريطاني وأثناء فترة الاحتلال الإسرائيلي.

انتهاكات لا تتوقف

تعرضت هذه المقابر لانتهاكات متكررة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين منذ نكبة 1948. ومع مرور الوقت، عرفت اكتظاظا اضطر معه المقدسيون إلى دفن موتاهم فوق قبور أخرى، بعد أن تمر 8 سنوات على آخر دفن في المكان نفسه.

وفيما يلي أبرز انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي التي طالت المقابر الإسلامية في القدس:

منع المسلمين من دفن موتاهم فيها. تغيير ملامحها وتهويدها واقتطاع أجزاء واسعة منها. تحويل أجزاء منها إلى حدائق توراتية، أو إنشاء مواقف سيارات وشق طرقات تمر عبرها، واستخدام بعضها مكبات للنفايات. إزالة القبور وتحطيم شواهدها (تكسير أو إزالة الأحجار أو اللوحات التي توضع عليها للتعريف بأصحابها). إضافة "قبور وهمية" مكان قبور المسلمين لتحويلها إلى مقابر ومدافن يهودية حديثة. تجريف مساحات واسعة بحثا عن قبور يهودية مزعومة. نفخ المستوطنين في البوق داخل المقابر الإسلامية، خصوصا في مقبرة باب الرحمة. أداء الصلوات والطقوس التلمودية، والرقص فوق القبور داخلها. إعلان

ويهدف الاحتلال من وراء هذه الانتهاكات إلى طمس هوية هذه المقابر وادعاء أنها يهودية من أجل السيطرة عليها وإقامة مشاريع استيطانية مكانها، ومن ثم القضاء على كل ما يمت بصلة للعرب والمسلمين في القدس.

أهم المقابر الإسلامية بالقدس

تضم مدينة القدس 5 مقابر إسلامية تاريخية، هي:

مقبرة مأمن الله

تقع على بعد كيلومترين اثنين من باب الخليل أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك، وتعتبر أكبر المقابر الإسلامية بالمدينة، إذ تقدر مساحتها بـ200 دونم (200 ألف متر مربع).

وتضم هذه المقبرة أضرحة بعض الصحابة والتابعين والمجاهدين الذين استشهدوا أثناء الفتح الإسلامي للقدس عام 15 للهجرة (636 للميلاد).

ودفن فيها أيضا ما يقارب 70 ألف شهيد، قتلوا على يد الصليبيين أثناء احتلالهم للقدس والمسجد الأقصى في يوليو/تموز 1099. كما تضم رفات شهداء معركة استرداد القدس من الصليبيين بقيادة القائد صلاح الدين الأيوبي، والتي وقعت في 25 ربيع الثاني 583 هـ، الموافق للرابع من يوليو/تموز 1187 م.

وقد أحيطت مقبرة مأمن الله أواخر العهد العثماني بسور كبير، وتواصل الدفن فيها حتى عام 1927 بعدما حظر المجلس الإسلامي الأعلى ذلك بسبب اكتظاظها.

واستولى الجيش البريطاني على المقبرة عام 1947 وهدم أجزاء من سورها، ثم تعرضت بعد النكبة لانتهاكات متكررة، قبل أن تقر إسرائيل قانونا اعتبرتها بموجبه من "أملاك الغائبين".

وبدأ بعدها مسلسل التهويد والطمس عبر ممارسات متتالية بلغت ذروتها حين اقتطع الاحتلال ما يقارب 95% من مساحتها وحولها إلى حدائق عامة وشوارع، إذ دشنت السلطات الإسرائيلية عام 1957 "حديقة الاستقلال" في جزء كبير من المقبرة. وعام 1985، أنشأت مواقف للسيارات على جزء آخر منها.

مقبرة مأمن الله بالقدس المحتلة صودرت لأغراض استيطانية (الجزيرة)

وعام 2002 أعلنت إسرائيل إقامة مبنى لمحاكم الاحتلال على تراب المقبرة، وبعدها بعامين وضعت حجر الأساس لمتحف يهودي أطلق عليه "متحف التسامح" على مساحة 21 دونما (21 ألف متر مربع) مولته مؤسسة "روزنتال لليهود الأميركيين".

وعام 2019، قررت بلدية القدس إزالة وتجريف أجزاء من هذه المقبرة وفتحت شارعا مكانها، كما تقيم سلطات الاحتلال على أنقاض هذه المقبرة مهرجانا سنويا للخمور، تشارك فيه فرق موسيقية عالمية.

مقبرة باب الرحمة

هي أقدم المقابر الإسلامية في القدس، وتقع بمحاذاة الجدار الشرقي للمسجد الأقصى، وتمتد من باب الأسباط إلى نهاية سور المسجد الشريف بالقرب من القصور الأموية من الجهة الجنوبية.

وتضم بين جنباتها قبورا لقادة مسلمين واثنين من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم: عبادة بن الصامت حاكم القدس في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وشداد بن أوس، إضافة إلى عدد من العلماء والقضاة وشهداء النكبة عام 1948 والنكسة عام 1967.

وتبلغ مساحتها الأصلية نحو 95 دونما (95 ألف متر مربع) قبل أن تقتطع منها بلدية القدس المحتلة أجزاء واسعة أقامت عليها حدائق توراتية للمستوطنين.

وتوقف الدفن في الجزء الجنوبي الشرقي من المقبرة عام 2006 بقرار من الاحتلال الإسرائيلي، تحت ذريعة أنه على مقربة من حجارة "الهيكل" المزعوم.

سور المسجد الأقصى الشرقي جهة مقبرة باب الرحمة وتظهر اللافتة التي تشير لقبر الصحابي عبادة بن الصامت (الجزيرة)

وتقتحم جماعات المستوطنين المقبرة بين الفينة والأخرى، للنفخ في البوق، وأداء الصلوات التلمودية، وتدنيس القبور بنبشها وتحطيم شواهدها في محاولة لطمس معالمها.

إعلان مقبرة باب الأسباط

تعرف أيضا بـ"المقبرة اليوسفية" ويعتقد أنها تعود إلى الحقبة الأيوبية، إذ تحتضن رفات عائلات مقدسية عريقة كانت تقطن بجوار المسجد الأقصى.

وتقع المقبرة على ربوة شمال باب الأسباط، ويفصلها عن سور المسجد الأقصى مسافة تتراوح ما بين 10 و15 مترا.

وتضم النصب التذكاري لشهداء نكسة 1967، وشهداء مذبحة الأقصى الأولى عام 1990، وتربة الإخشيديين التي تضم قبر مؤسس الدولة الإخشيدية في مصر محمد بن طفيح الإخشيد، فضلا عن عدد من المدافن التي تعود لعائلات مقدسية عريقة.

وتتعرض المقبرة بشكل متكرر لانتهاكات إسرائيلية، شملت اقتطاع أجزاء منها وتحويلها إلى حدائق. وفي عام 2004 أصدر رئيس بلدية القدس آنذاك أوري لوبوليانسكي أمرا بهدم عدد من قبورها، ومنع أعمال الصيانة فيها.

واستمرت الانتهاكات الإسرائيلية على مدى سنوات، إذ دمرت سلطات الاحتلال 20 قبرا عام 2014، وسكبت الإسمنت فوقها حتى لا تستخدم مجددا. وفي أبريل/نيسان 2015 رسمت 3 فتيات إسرائيليات "نجمة داود" وعبارات بالعبرية على أحد القبور.

مقبرة باب الساهرة تقع بالجهة الشمالية من البلدة القديمة على بعد بضعة أمتار من باب الساهرة (الصحافة الفلسطينية) مقبرة باب الساهرة

تعرف باسم "مقبرة المجاهدين" أو "بقيع الساهرة" وتقع في الجهة الشمالية من البلدة القديمة على بعد بضعة أمتار من باب الساهرة أحد أبواب المسجد الأقصى.

وتعود نشأتها إلى العصر الأيوبي، وتضم رفات علماء وشهداء فترة استرداد القدس بقيادة صلاح الدين الأيوبي، كما تحوي قبور مؤرخين فلسطينيين بارزين.

مقبرة "النبي داود"

تقع على جبل صهيون، وتضم مجموعة من المدافن الإسلامية يعود بعضها لعائلة الدجاني المقدسية.

ومنعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي المقدسيين من دفن موتاهم فيها، وهوّدتها بشكل كامل عبر تغيير معالمها ووضع شعارات يهودية عليها، تحت ذريعة احتضانها قبور شخصيات يهودية تاريخية.

مقالات مشابهة

  • الموصل تستقبل رفات 22 إيزيدياً من ضحايا المقابر الجماعية لداعش
  • تفاصيل مؤامرة النظام المخلوع لسرقة ثروات المواطنين في سوريا
  • رغم كونها الدولة الأكثر زيارة في العالم.. كيف نجت فرنسا من الاحتجاجات ضد السياحة التي عصفت بجيرانها؟
  • مفتي نظام البراميل
  • ألونسو يحدد قائمة الراحلين..4 نجوم كبار خارج حسابات ريال مدريد
  • مقابر القدس تاريخ عريق ينهشه التهويد
  • ثالث زيارة خلال 9 أشهر.. فيدان يؤكد مواصلة دعم سوريا في حربها ضد الإرهاب
  • بالفيديو.. مختص: أولياء الأمور الحلقة الأقوى في تشجيع أبنائهم على عدم الغياب
  • من مجدلزون... فيديو لسيارات الإسعاف التي تقلّ شهداء الجيش
  • عائلات الأسرى الإسرائيليين تحذّر نتنياهو حال قرر احتلال غزة وقتل أبنائهم