صحيفة الاتحاد:
2025-12-14@03:57:11 GMT

د. عبدالله الغذامي يكتب: هل العقل وطن

تاريخ النشر: 12th, April 2025 GMT

في الفلسفة يجري طرح فكرة الفيلسوف بوصفه المواطن العالمي، والفيلسوف من حيث هو الحاكم، أي أن العقل وطنٌ كوني شعبه مواطنون عالميون فلاسفة، وحاكمهم منهم، وهذه سردية ثقافية لها تبعاتها المفاهيمية والسلوكية.
والذي قال بحكم العقل هو أفلاطون وتغليب قدرات العقل على كل أنظمة السلوك، وهو ابتدأ أولاً من موقفه السلبي ضد الديمقراطية التي يرى أنها قتلت سقراط، وأنها تجعل الغوغاء يحكمون، وفي الوقت ذاته فهو ضد الدكتاتورية، ولهذا لجأ لفكرة حكم الفيلسوف، على أن هذه الأحقية المطلقة للفيلسوف لدى أفلاطون تأتي من نظرية أن العقل هو الأقدر على الحكم، وبما أن الفيلسوف يأتي على قمة الهرم العقلي، فهو إذن من يحكم، ومنه تأتي العدالة.


وكما العقل يحكم فراسل يقول بالمواطن العالمي، وقوام فكرته أن مفهوم المواطن العالمي يركز على الفرد، وهو هنا الفيلسوف الذي يجعل ذاتيته تتصل مع الذوات والكينونات الأُخر، وكلها عنده كائنات واقعية دنيوية تتعامل مع واقع دنيوي وحدُّها هو حدود هذا العالم، ولكن صفة هذا المواطن العالمية صفة مثالية رغم واقعيته، فهو يمثل صفات العقلانية والنظر الحر والمستقل. 
ولكن الواقع لا يعزز نظرية أفلاطون ولا نظرية برتراند راسل سيحضر، ولعل سقراط أولى منهما في رؤية الواقع الإنساني، فهو ينظر بنظرة أكثر إنسانية، فيصف الفلاسفة بأنهم أنصاف أموات لأنهم يعون أن للحياة صورةً أخرى غير الصورة الجسدية، وهي صورة الروح حين تتحرر من سجن الجسد، والموت هو لحظة التحرير، وهذا ما يعيه الفلاسفة الحقيقيون، ولذا فحياتهم مرتبطةٌ بهذا المعنى، وسيكونون مثل البجع حين تغرد بهجة بميعادها مع الموت، والفيلسوف لا يخاف إذن من الموت. وهذه حال عاشق الحكمة الصادق في حبها والذي ترسخت فيه هذه القناعة القائلة بأنه لن يبلغ أبداً الحكمة الجديرة بأن تسمى حكمةً في أي مكان آخر ماعدا العالم الآخر. والفلسفة لهذا في خدمة الله كما يحدد سقراط، ويزيد بالقول إن واجبه الديني هو تحقيق معنى العدالة.
وهنا يسبق سقراط كل النظريات المغرورة حول الفليسوف حاكماً أو مواطنا عالمياً، ولن تكون أي من الفكرتين إلا حالة غرور وتعصب للتخصص والذات المتفلسفة، وهذا ضربٌ من المواطنة السردية التي تنقض نفسها كما نقضها سقراط قبل أن تتولد عبر تلميذه المباشر أفلاطون وتلميذه اللاحق متأخراً برتراند راسل. ولا بد هنا من الإشارة إلى معارضة ديفيد هيوم لأفلاطون، حيث يقول إن العاطفة هي التي تحكم وليس العقل. 
وفي الثقافة العربية تسود فكرة (الحكيم) بوصفه عمدة المعاني وركيزة التدبير. وهذه الفكرة هي الأقرب للواقعية بما أن الحكيم هو الميزان الواقعي بسلوكه الذاتي أولاً وبسلوكه مع الظروف والبشر، والحكمة تعني قراءة الواقع بشروط الواقع دون تعالٍ على حقيقة ومجريات الحوادث، ولذا ففكرة الحكيم هي الأوثق ظرفياً وبشرياً.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: أن تسافر عنك إليك د. عبدالله الغذامي يكتب: الماضي حين نتغنى به

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي

إقرأ أيضاً:

برعاية أم الإمارات، «الإمارات للإفتاء» ينظم مؤتمر الأسرة في سياق فقه الواقع 15-16 ديسمبر

أبوظبي
أعلن معالي العلامة الشيخ عبد الله بن بيه - رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي عن إطلاق الهوية البصرية الرسمية لمؤتمره العالمي الثالث بعنوان: «الأسرة في سياق فقه الواقع: هوية وطنية ومجتمع متماسك»، والمقرر انعقاده يومي 15 - 16 ديسمبر 2025، في العاصمة أبوظبي، تحت الرعاية الكريمة لسمو الشيخة فاطمة بنت مبارك «أم الإمارات»، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية.
وتعكس الهوية البصرية التي تمَّ إطلاقها رؤية المؤتمر في ترسيخ الأسرة الإماراتية محورًا ومنطلقًا وغاية لجهوده العلمية ومبادراته الوطنية؛ إذ يستلهم الشعار شكل البيت الإماراتي التراثي بوصفه رمزاً للثبات والانتماء، ويجسّد صلابة الروابط العائلية، وحفظ الموروث الثقافي، في سياق حضاري ينفتح على تحولات العصر وتطوراته.
ويرتكز التصميم على حضور كلمة «الأسرة» بخط حديث متماسك يعبّر عن وحدة أفرادها وتلاحم بنيانها، فيما تُبرز العناصر الهندسية المحيطة بالشعار: صلة الأجيال وتداخل مكونات المجتمع في نسيج واحد، كما يستوحي الرمز بصرياته من: تفاصيل معمارية وزخرفية إماراتية أصيلة، تشمل نقوش الجص، وسعف النخيل، والأفلاج، والكثبان الرملية؛ بما يعكس عمق الهوية الوطنية وتجذّر قيم الكرم والمحبة والتآزر، ويؤكد امتداد علاقة الأسرة بالأرض عبر الأجيال.
وتبرز الهوية البصرية العلاقة الوثيقة بين «فقه الواقع» والأسرة، من خلال التأكيد على أهمية استيعاب التحولات الاجتماعية والعلمية والرقمية، وتقديم فتاوى أسرية مؤسسية تراعي الأعراف الوطنية وتستند إلى مقاصد الشريعة في: حفظ النسل، واستدامة الروابط الزوجية، ورفع الحرج عن الناس، بمنهجية معتدلة وميسّرة.
كما تتضمن الهوية منظومة من القيم المركزية التي يتبناها المؤتمر، أبرزها: الانتماء الوطني، نمو الأسرة، الرحمة والإحسان في العلاقات الأسرية، الاعتدال في الفتوى، وأخلاقيات التعامل مع التطورات العلمية والذكاء الاصطناعي، إضافة إلى دور الأسرة في تعزيز التماسك المجتمعي والانفتاح الحضاري المتوازن.
وأكّد المجلس أنَّ إطلاق الهوية البصرية يمثّل مرحلة محورية في التحضيرات الجارية للمؤتمر، بوصفها إطارًا جامعًا لرسالته وقيمه ومضامينه العلمية، ويعبّر عن حرصه على تقديم نموذج مؤسسي معاصر، يجمع بين عمق المبادئ والاعتبارات الشرعية وروح الهوية الإماراتية، ويستشرف مستقبل الأسرة في سياق فقه الواقع.

أخبار ذات صلة «الفارس الشهم 3» تبدأ تحميل «سفينة محمد بن راشد الإنسانية» لدعم غزة الهلال الأحمر الإماراتي يفتتح عيادة متنقلة في الساحل الغربي باليمن

مقالات مشابهة

  •  خبيرة اقتصادية: 70% من قراراتنا الشرائية تعتمد على العاطفة وليس العقل
  • فلنغير العيون التي ترى الواقع
  • نهم السؤال وظمأ الذات
  • من الطرق إلى المرافق.. تحركات أرض الواقع لتعزيز كفاءة خدمات العبور الجديدة
  • د.حماد عبدالله يكتب: الاستثمار هو الحل !!!
  • إقبال دبلوماسي كثيف نحو السودان.. كيف يمكن أن تتم ترجمة نتائجه على أرض الواقع
  • رحلة العمر
  • برعاية أم الإمارات، «الإمارات للإفتاء» ينظم مؤتمر الأسرة في سياق فقه الواقع 15-16 ديسمبر
  • تقرير أميركي: انتعاش النفط الليبي بين الواقع والطموح
  • د.حماد عبدالله يكتب: " بلطجة " التعليم الخاص !!