الفاشر.. او على السودان السلام
تاريخ النشر: 14th, April 2025 GMT
حينما التقيت الرئيس الاريتري أسياس افورقي فى يناير المنصرم ضمن مجموعة من زملائي الاعلاميين السودانيين باسمرا ، لاحظت انه كان كثير التركيز على “معركة الفاشر”، مع استيعاب متقدم لطبيعة الحرب ، فهي عند افورقي نزاع اقليمي يستهدف السودان، وينبغي التعامل معه بالجدية اللازمة وليست مجرد تمرد على الجيش، افورقي كان يحذرنا برؤية الجنرال الافريقي العظيم من ان الدولة السودانية تواجه تحدي البقاء او الفناء وان التصدي لهذا الخطر يبدا من بوابة دارفور.
كان هذا الحديث قبل 3 اشهر ، وقبل ان يصل الهجوم على فاشر السلطان الى الرقم 202 امس ، فالرجل وبخبرة المعارك الكبيرة سبق الجميع وهو يؤكد ان الفاشر هي بوابة اجتياح السودان وان الحرب تبدا من هناك رغم مظاهر الفوضوية والدمار فى الخرطوم والجزيرة وسنار ومناطق اخرى.
اذكر يومها ان الرئيس الاريتري قال كلاما كثيرا لم يخرج للناس لان “المجالس امانات ” ولكنا استشعرنا جدية طرحه ورؤيته حينما هدد بان بلاده لن تقف مكتوفة الايدي اذا اقتربت الحرب من 4 ولايات حدودية وهي ( القضارف، وكسلا، والبحر الاحمر، والنيل الازرق).
فى كل يوم تتأكد رؤية افورقي مع اصرار التامر اقليمي على تمكين مليشيا الدعم السريع من الفاشر، التى مازالت صامدة بعد الهجوم ( 202) ، كل السودان وليست الشمالية ونهر النيل فقط مثلما هدد المتمرد عبدالرحيم دقلو سيكون هدفا سهلا للجنجويد وكفلائهم اذا ما قدر لهم الوصول الى الفاشر .
وازاء هذا الخطر الماثل والمستمر والمعلوم تتمدد كثير من الاسئلة ، وابرزها ما الذى يؤجل فك حصار الفاشر؟! ، ولماذا لانلمس حتى الان استراتيجية عسكرية كبيرة لانجاز هذا الامر على النحو الذى يخرج المدينة من مربع الدفاع عن اسوارها الى مرحلة كنس الجنجويد ومهاجمتهم بضراوة وانهاء خطر وجودهم المهدد للفاشر البوابة التى يسعى عبرها ال دقلو للعودة الى واجهة الاحداث من جديد.
بالامس نفذت المليشيا مجزرة جديدة فى الفاشر وهي تهاجم معسكر ابو شوك للنازحين وتقتل مئة نفس بريئة بينها اطفال طلاب خلاوي ونساء وعجزة، حتى طواقم المنظمات الاجنبية جميعهم حصدتهم المدافع بلا رحمة ، بينما كان بواسل الفرقة السادسة والقوات المشتركة والمستنفرين من ابناء المدينة يصدون هجوما شرسا ، فاقم من الازمة الانسانية وقدم دليلا جديدا على عظمة انسان الفاشر وهو يفدي السودان ويفشل مؤامرات الجنجويد ببسالة وفدائية سيوثقها التاريخ..
ولكن هل يكفي ان نجعلهم يموتون كل يوم على اسوار المدينة ، ونكتفي بكلمات الاشادة، والاحتفاء بقصص البطولات لتى ظل يسطرها شباب وميارم الفاشر ، ومواطنوها الشجعان..
ما يحدث في زمزم والفاشر ضد المواطنين جريمة مكتملة الأركان تؤكد ان التعويل على المجتمع الدولي ومؤسساته رهان خاسر، وان الفاشر تحتاج ونظرا لاوضاع مواطنيها اولا وـ استراتيجيتها واهميتها- فى معركة بقاء السودان ان نتعامل مع حصارها بطريقة مختلفة تقفز بها الى صدارة المشهد الحربي ، لان سقوطها لاقدر الله سيكون كارثة ووبالا على الدولة السودانية.
الاجتماع المهم الذى جمع الوزير محمد بشير ابونمو القيادي الابرز فى حركة تحرير السودان مع “اسد العمليات” الفريق اول ياسر العطا امس ، يفتح كوة الامل فى تفكير عملي وجديد يخاطب اوضاع المدينة التى يهددها التمرد ويعمل جاهدا على اجتياحها ، حتى تسهل مهمة اسقاط الدولة فى يد الجنجويد والمرتزقة وكفلائهم الاقليميين..
يعلم “اولاد دقلو” ان استمرار الشريان الاماراتي الذى يغذيهم بالمال والسلاح رهين باسقاط الفاشر، فقد ابلغتهم ابوظبي رسميا انها لن تمول التمرد او تعول عليه مالم يستلم المدينة ويتخذها منصة لاعلان حكومة الجنجويد فى دارفور واجتياح بقية مناطق السودان…
نعم فك الحصار عن مدينة الفاشر وتقديم الدعم العاجل لأهلها يجب أن يكون في صدارة أولويات المرحلة القادمة باعتباره واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا ، فمعركة اجتياح السودان بعد فشل الخطة الاولى للجنجويد تبدا من فاشر السلطان، وعلى الدولة ان تضع ترتيباتها العسكرية على هذه الفرضية، وبلا تاخير او ابطاء.
هلموا الى معركة الفاشر العظيمة ، فضياع المدينة سيعيد الجنجويد الى الواجهة، وسيجعل من انتصارات الجيش فى الخرطوم والجزيرة وسنار بلاقيمة، ونامين المدينة سيعزز النصر ويفتح على الدولة السودانية ابواب الامن والاستقرار.. علينا التفكير الان فى كسر حصار الفاشر، واثق ان جيشنا البطل والقوات المشتركة والمساندة الاخرى لن تعجزها الفاشر الصابرة الصامدة المحتسبة، والتى تنتظر القيادة الان لاتخاذ قرارات حاسمة تنهي مغامرات ال دقلو وتكسر الحصار وتؤمن الانتصار..
*هلموا الي الفاشر…*
*وكل “القوة الفاشر جوة”*
*وما النصر الا من عند الله..*
محمد عبدالقادر
محمد عبدالقادر
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
إسرائيل وحربها الممنهجة
على الرغم من ظهور إسرائيل كوحش كاسر فإن الغرب، وفى صدارته الولايات المتحدة الأمريكية، يقوم باحتضانها، ويشمل الصهاينة برعايته، وهو ما شجعها على السطو وارتكاب الجرائم والمذابح ضد الفلسطينيين. ويجرى كل ذلك أمام العالم دون أن تساءل أو تحاسب أو تعاقب. واليوم وبعد دخول حربها فى غزة الشهر الثامن عشر تستمر فى ارتكاب القتل الممنهج ضد أبناء الشعب الفلسطينى الأبرياء من أطفال ونساء ليصل أعداد الشهداء إلى نحو 54 ألفا، وتتجاوز أعداد المصابين والمفقودين المائة ألف. هذا فضلا عن حملة التدمير وهدم البيوت على رؤوس قاطنيها، ومهاجمة المستشفيات بالاضافة إلى فرضها حصارًا تجويعا على الفلسطينيين.
برغم كل هذا لم يحرك المجتمع الدولي ساكنا، وعلى العكس وقف الغرب داعما لها، وتصدرت الولايات المتحدة الأمريكية منح الدعم للكيان الغاصب ماديا وعسكريا ومعنويا. أكثر من ذلك قامت بالتشويش على ما يرتكبه الكيان من جرائم، والعمل على مد طوق النجاة له فى المسرح الدولى ويجرى هذا دون أن يتم كبح جماح هذا الكيان الغاصب.وساير الغرب الموقف الأمريكى، لا سيما أنه قد اعتاد منذ 1957 ــ وهو العام الذي دشن بداية الصعود الأمريكي، وتراجع الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية ـــ أن يكون تابعا للموقف الأمريكى حيال الأحداث الجارية فى الشرق الأوسط.
وتعد الولايات المتحدة الأمريكية هنا هى الأكبر بامتلاكها حق النقض ( الفيتو)، الذى يرفع عن إسرائيل مغبة الوقوع فى مجال المحاسبة والمساءلة، فضلا عن كونه يبرئها من أى عقاب. وعوضا عن هذا هناك الدعم الأمريكى المالى الذى تحصل عليه إسرائيل والذى تجاوز 168 مليار دولار، ويظفر الدعم العسكرى بالجزء الأكبر إذ تبلغ نسبته نحو 78%، كما يتم مد إسرائيل بأسلحة متطورة لا تمنح لغيرها من دول المنطقة. وهناك الدعم الاقتصادى الذى يبلغ نحو 35 مليار دولار على مدار التاريخ الأمريكى لإسرائيل. الجدير بالذكر أنه منذ عملية السابع من أكتوبر جرى تخصيص أكثر من 14 مليار دولار كدعم عسكرى للكيان الصهيوني، وتم تحريك مجموعتين من حاملات الطائرات مزودتين بـ 150 طائرة حربية، كما تم تحريك غواصة نووية، وبالإضافة إلى ذلك جرى دعم سياسي كبير وصل إلى حد أن رأينا الرئيس الفرنسى " ماكرون" يبادر ويعلن عن استعداده لتشكيل تحالف دولي ضد حماس، على غرار التحالف الذى تم تشكيله من قبل ضد تنظيم داعش الإرهابى، وسارع رئيس وزراء بريطانيا "ريش سوناك" فأعلن تأييده ودعمه للاسرائيليين.
ونتساءل علام هذا الدعم الكبير لإسرائيل؟ وما الأسباب وراءه لا سيما أن إسرائيل من خلاله تبدو بوصفها الدولة الاستثناء التي يغمرها الغرب بكل ما تحتاجه، ويضفى عليها ولاء منقطع النظير، ولاء قد يصل إلى درجة القداسة؟ واليوم نقول فى معرض الرد على التساؤل:إذا عُرف السبب بطل العجب، وسيكون الجواب حاضرا، بل وسيكون التكالب على إرضاء إسرائيل مبررا عندئذٍ، إذ إن المحرك وراء ذلك هو مصلحة الغرب فى المنطقة، وإسرائيل هي النبتة الخبيثة التى تم زرعها فى المنطقة قسرا كى تكون أداة لتحقيق هذه المصلحة. وعليه فإن الحب والوله بالكيان الصهيونى لم ينبعا من فراغ، وإنما تحركهما المصالح المادية الكبيرة للغرب فى منطقة الشرق الأوسط.