الفقر ليس تهمة .. القيادة بالخبرة والمعرفة والذكاء.
تاريخ النشر: 20th, April 2025 GMT
بقلم : ضياء ابو معارج الدراجي ..
في أروقة مؤسسات الدولة، حيث الحواسيب المتهالكة تصارع لتبقى على قيد التشغيل، وحيث لا دعم لوجستي يُذكر سوى أوراق موقعة وأختام خاوية، هناك وُلدت تجربتي التي لا تُشبه غيرها لا في الشكل ولا في المضمون، فمن داخل مكتب رئيس الوزراء عام ٢٠٠٧، حيث تُصنع القرارات وتُنسج السياسات، بدأت رحلتي مع البيانات، لكن ليس كأي مبرمج يُمسك بلوحة مفاتيح وينتظر نتائج محفوظة في كُتبٍ أجنبية، بل كنت أُصارع القيود، الحرفية منها والإدارية، وأُقاتل بفكرة ضد حائطٍ من الجهل والإهمال.
كانت التحديات كبيرة جدًا امنية ومادية وسياسية واخلاقية، كيف لا وأنا أُطالب ببناء منظومات تتعامل مع أكثر من ثلاثين مليون قيد، باستخدام حواسيب لا تقوى على تشغيل حتى متصفح الإنترنت بشكل سلس؟ لم تكن هناك خوادم متطورة، ولا بيئة تدعم قواعد البيانات الضخمة مثل Oracle أو SQL Server أو DB2، هذه البرامج التي تحتاج إلى مراكز بيانات وسعة تخزين وسرعات اتصال لم نكن نحلم بها، ناهيك عن إدارتها، ولم تكن حتى تُطرح على طاولة النقاش، لذلك الواقع فرض علينا مايكروسوفت أكسس، هذا البرنامج البسيط الذي بالكاد يُحتمل عشرة آلاف قيد قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
لكنني لم أستسلم، ولم أكن يومًا ممن ينتظرون “موافقات” كي يُنتجوا، بل حفرت في قلب هذه البيئة المحدودة نظامًا جبّارًا، مزجت فيه بين البرمجة الكيانية بلغة Visual Basic وجُمل SQL، واستحدثت أسلوبًا خاصًا في معالجة البيانات، لا يعتمد على استدعاء كل ما في القاعدة، بل على تنبؤ ما يجب أن يُستدعى وفق منطق التحليل الخوارزمي المسبق. أفرغت الذاكرة من الزوائد، وأخفيت الأكواد خلف أوامر ذكية، وصغّرت الأحجام عبر ضغط منطقي وفلترة فكرية وليس رقمية فقط.
فصنعت بيئة يُمكنها استدعاء الأسماء والنتائج والبيانات خلال جزء من الثانية، بعد أن كانت تستغرق أكثر من خمس دقائق الى ربع ساعة في سابق عهدها، بل وذهبتُ لأبعد من ذلك، حين أدخلت نمطًا بسيطًا من الذكاء الاصطناعي قادر على التعرّف على الأسماء المكتوبة خطأً، لا بالاعتماد على التصحيح الإملائي التقليدي، بل بتحليل الحروف وتوقّع البنية الصحيحة، وهذا كله في Access، وعلى جهاز من نوع Pentium 4، وذاكرة RAM لا تتجاوز 2 GB، وفي بيئة تخلو من الدعم، وتخنق كل مبادرة.
ظلّت هذه الانظمة الالكترونية تعمل لسنوات، واعتمدت عليها فرق التحقيق والتدقيق والمراجعة، وكان يشهد لي كل من تعامل معها أنها تسبق زمنها، بل ويدتغني الدولة عن استيراد أنظمة بمئات آلاف الدولارات، دون أن يُعرف أن من بناها كان واحدًا من موظفي الدولة المتواضعين الذين لم يسعَ لمنصب، ولا حملَ واسطة، ولا نطقَ بحزبية.
حتى جاء عام 2015، وحينها لم أُحاسب لأنني أخطأت، بل عُوقبت لأني أبدعت، وأُبعدت عن مهامي بأمر من رئيس الوزراء آنذاك الدكتور حيدر العبادي، ضمن حملة لم تُفرّق بين من يُنتج ومن يُعرقل، وخرجتُ دون أن يُسأل عني أحد، لكن الانظمة الالكترونية التي صنعتها بقت، لأنها ببساطة، لا أحد استطاع أن يفهمها أو يطوّرها، فبقت تعمل عندهم وكأن يدي لا تزال تحركها.
اليوم، أكتب هذه القصة ليس من باب التفاخر، فالكفاءة لا تحتاج إلى ضجيج، بل لأنني سمعت حديثًا للأخ هادي جلو مرعي، يتكلم فيه عن “خبل المناصب” حين تولاها الفقراء، ويقترح إعطاءها للتجار بدلًا منهم، كأن الدولة تُدار بثمن لا بفكر، وكأن الخلل في الفقر لا في الجهل.
وهنا أقول، ليس الفقر من خرّب الدولة، بل الجهل والتسلق، والإبعاد المتعمّد للكفاءات، الكفاءات التي تستطيع أن تُحوّل أدوات بسيطة إلى أنظمة سيادية، وتوفّر على الدولة ملايين الدولارات بخوارزميات وطنية. إن العشرات، بل الآلاف، من هذه الكفاءات تم تهميشها لصالح حملة شهادات مدفوعة الثمن لا يعرفون كيف تكتب جملة SQL واحدة، لكنهم وصلوا، لأنهم يعرفون كيف يُجيدون مسح الأكتاف.
إن إصلاح الدولة لا يكون بتبديل فقير بتاجر، ولا باستيراد مسؤول من السوق، بل بإعادة الاعتبار للعقل، وتقدير المُنتج الوطني، والبحث عن العقول التي أثبتت نفسها في أصعب الظروف، وكرّست قدراتها لخدمة بلدها لا حساباتها. هؤلاء هم من يبنون الدول، لا من يُبدّدون ميزانياتها في ورش عملٍ لا تُنتج سوى المزيد من الخطط العقيمة.
سيبقى الإبداع متّهمًا ما دام الجهل هو الحاكم، وستظل الكفاءة في قفص الاتهام ما لم نُعد الاعتبار للعلم والاختصاص والخبرة، لا للاسم والحزب والعشيرة والكتلة.
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
رئيس الدولة ونائباه يهنئون رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن باليوم الوطني لبلاده
بعث صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ببرقية تهنئة إلى فخامة الدكتور رشاد محمد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، بمناسبة ذكرى اليوم الوطني لبلاده.
كما بعث صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبيـ رعاه الله، وسمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة، ببرقيتي تهنئة مماثلتين إلى فخامة الدكتور رشاد محمد العليمي.
أخبار ذات صلةوبعث صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وسمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، ببرقيتي تهنئة مماثلتين إلى معالي سالم صالح سالم بن بريك رئيس الوزراء في الجمهورية اليمنية.
المصدر: وام