يتفق ابن خلدون وهيجل على أن التاريخ البشري نهرُ جارِ من الأحداث وعملية ديناميكية تتطور عبر مراحل مختلفة وتساهم في صناعته قوانين وأحداث دراماتيكية فاصلة، تتجلى عند ابن خلدون في ما يسميه دورة العمران البشري بين البداوة والمدنية، فيما يراها هيجل تتجلى في العقل والروح التواقة للحرية كروافع في صناعة التاريخ البشري.
اليوم و في ظل هذه التداعيات التي يمر بها العالم ككل من حولنا، وبين منظوري ابن خلدون وهيغل، أين نحن بالضبط في خضم هذه المجرى التأريخي المتدفق، وهل نحن أمام مرحلة جديدة تتشكل و تتخلق أم لا جديد في مجرى التاريخ اليوم وأن دورته التاريخية الراهنة لم تكتمل بعد، ليتسنى لنا بعد ذلك الحديث عن مرحلة غاربة وأخرى قادمة، وإذا كان كذلك فما الذي يجري بالضبط في ظل مؤشرات كثيرة من كل حدب وصوب عن تحولات جمة تحوم في الأفق.
مؤشرات عديدة في الأفق تتجلى للعيان أن هذه اللحظة التاريخية حبلى بجنين تحولات كبرى تنتظر ليس فقط المنطقة بل العالم بأسره، مما يجعل عالم اليوم أمام لحظة تاريخية فارقة، وهي تلك اللحظة التي تشبه عشية نهاية الحرب العالمية الثانية 1945م و التي نجم عنها نظام عالمي جديد مثلته ثلاث مؤسسات عالمية حاكمة هي الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وكل ذلك بيد الإمبراطورية الأمريكية التي ولدت من رحم الحرب العالمية الثانية كرائدة النظام العالمي الجديد حينها، كناشرة للديمقراطية وحامية للحرية و حقوق الإنسان.
إعلانالولايات المتحدة الأميركية التي ظلت على مدى أكثر من نصف قرن قائدة للنظام العالمي الجديد في مرحلتيه ثنائي القطبية وأحادي القطبية منذ عشية انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1990م وهي اليوم في تراجع كبير على كل المستويات في ظل صعود منافسين جدد اقتصاديا وعسكريا أيضا، كالصين وروسيا والهند وغيرها من الدول، والأخطر أن تراجع الولايات المتحدة في التصدر عالمياً لايتوقف عند مجرد ظهور المنافسين فحسب بل ببروز تيار عريض وكبير داخل منظومة الثقافة الغربية الأميركية تحديداً، و التي بدأت تعلو أصوات منظريها وتتجلى على أرض الواقع كأيديولوجيا لها تصوراتها ورؤيتها الكاملة وهو التيار الذي بات يُسمى بالتنوير المظلم Black- Enlightment لصاحبها كورتيس يارفين المعروف بمنسيوس مولدباغ.
فلقد بات لأفكار هذا الرجل وتياره المعروف بـ بالنيوريفليكشن المعادي لكل قيم الحداثة السياسية الغربية وفي مقدمتها المساواة والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وبات لهذه الأفكار اليوم أنصار ومؤيدين ليس كأفراد وإنما كرموز وقيادات عالمية كبيرة يتصدرون اليوم قمرة القيادة في أهم وأكبر دولة في العالم ممثلةً بالولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تتزعم العالم الحر وهي اليوم في طريقها للتنكر لكل قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
فلم تعد أفكار ما يُسمى بالتنوير المظلم اليوم مجرد أفكار مجردة في الهواء ومكتوبة في المدونات بل غدت اليوم واقعاً ماثلاً أمامنا اليوم كما تجلى ويتجلى في الحرب على غزة التي تُعد الأقذر والابشع من بين كل الحروب التي عاشتها البشرية حتى الآن، وهي الحرب التي تجاوزت كل القوانين والأعراف والمنظومات الأخلاقية البشرية والدينية المعترف بها، والتي كشفت عن عالم جديد أكثر توحشاً وعنفاً وفوضى ويتلاشى فيه كل القيم الإنسانية ومنظومته الأخلاقية و القانونية و السياسية.
إعلانطوفان الأقصى وسياقاته وتداعياته كشفت عن مؤشرات عدة وهي ما ذكرناه من سقوط الشعارات البراقة للغرب عن حقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة والمساواة، عدا عن ذلك صعود ترامب وعودته للبيت الأبيض مجدداً بأجندات هي أقرب لانقلاب كبير على كل القيم التي كانت ترفعها أميركا كراعية للنظام العالمي، وهو ما تجلى بتوجهات أمريكية واضحة لإدارة ترامب وخاصة فيما يتعلق بالملف الاقتصادي العالمي وفي القلب منه فرض الرسوم الجمركية العالية على كل الدول وفي مقدمتها الصين كأكبر مصدر للسلع في العالم التي يتجاوز قيمة صادراتها 3.5 تريليون دولار سنوياً، حيث يبلغ عجز الميزان التجاري الأمريكي الصيني 295 مليار دولار لصالح الأخيرة.
كل هذه المؤشرات في السياسات الدولية، تشير ربما إلى تحولات كبيرة تنتظر العالم، في ضوء الصعود الصيني الكبير اقتصادياً على الأقل حيث يمثل الاقتصاد عصب وعمود التحولات الكبرى التي دفعت بالولايات المتحدة لقيادة النظام العالمي المتشكل عقب الحرب العالمية الثانية، و والاقتصاد نفسه هو ربما ما يهيئ الصين اليوم للعب دورا ًكبيراً في تحولات المشهد الدولي الراهن التي قد تقود نحو نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب بدأت أولى مؤشراته بالمعركة الاقتصادية المحتدمة بين الولايات المتحدة والصين ومن خلفها العالم كله.
ومن ملامح هذا التحول العالمي ما نلاحظه من خلال عدة مؤشرات تأتي في مقدمتها النمو الاقتصادي والتنافس التكنولوجي المحتدم وبؤر الصراعات المتفجرة حول العالم التي عجزت القوى الدولية من إيقافها أو تحقيق أي انتصار فيها، عدا عن التكتلات السياسية والاقتصادية التي بدأت بالتشكل كمنظمة شنغهاي للتعاون الدولي ومنظمة البركس التي تشكل ما يقارب 37 ٪ من حجم الاقتصاد العالمي وغيرها من المؤشرات التي تطفو على سطح المشهد الدولي كفواعل تقود العالم نحو التحول حتماً نحو نظام عالمي جديد لا هيمنة فيه ولا انفراد لأي قوى دون أخرى.
إعلانلكن الأخطر في ملامح ومظاهر هذا التحول الدولي المرتقب، والذي حتماً لن يكون تحول فجائي لحظي، وإنما مسار طويل قد يحتاج عقد أو عقدين من الزمن، أن ثمة مسار فكري بدأ بالتعبير عن كفره بكل أشكال الحداثة السياسية التي حققتها البشرية على مدى القرنين الماضيين ، كالدولة الوطنية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة والمساواة والحرية، وأن هذه العناوين لم تعد صالحة اليوم وأن العالم يجب أن يتجه نحو شكل جديد ومختلف من الانظمة والسياسات السلطوية التي تعلي من الفائدة والمنفعة والمصلحة المجردة ولو على حساب الإنسان وكرامته وحقوقه.
ختاماً، ما يجري اليوم في الساحة الدولية من صراع يتمظهر خلف رفع الفائدة الجمركية بين الاثنين الكبار اقتصاديا أميركا والصين ليس سوى رأس جبل جليد التغيرات الدولية الكبيرة التي بدأت تتمحور في عديد قضايا حول العالم وفي قلبها قضية غزة وعديد ملفات أخرى، مؤشر واضح على ما آل إليه المشهد الدولي الراهن في ظل صعود موجات الشعبوية والقومية وتراجع زخم النخبوية الحداثية وأفكارها الإنسانية الحداثوية التي تعلي من قيم الإنسان وحقوقه وحرياته وكرامته كمواطن عالمي أينما كان موقعه على هذه الكوكب، وهو ما قد يجعل مثل هذه التصورات ربما مجرد حلم وخيال محض لا يمكن تحقيقه على أرض الواقع في ضوء صعود الشعبوية في صيغتها الترمبية الراهنة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات وحقوق الإنسان
إقرأ أيضاً:
الجرام يودع الـ4000 جنيه| انخفاض كبير في سعر الذهب اليوم عيار 18
شهدت أسعار الذهب تراجعا غير مسبوق في سوق الصاغة، في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية، وارتفاع مؤشرات التضخم الأمريكي.
وفي هذا السياق، سجل سعر الذهب اليوم 15/5/2025، تراجعا كبيرا مقارنة بالأسبوع الماضي، نتيجة تراجع الأوقية بالبورصة العالمية، نتيجة ضعف الطلب، عقب الهدنة التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وتباطؤ معدلات التضخم الأمريكية، وفقًا لتقرير منصة «آي صاغة».
سجّل سعر الذهب اليوم في مصر تراجعًا مقارنة بالأيام الماضية، وجاء متوسط الأسعار بمحلات الصاغة (بدون مصنعية) على النحو التالي:
عيار 24: سجل سعر البيع 5194 جنيهًا، بينما بلغ سعر الشراء 5171 جنيهًا.
عيار 22: بلغ سعر البيع 4761 جنيهًا، وسعر الشراء 4740 جنيهًا.
عيار 21: الأكثر تداولًا في السوق ، سجل 4545 جنيهًا للبيع و4525 جنيهًا للشراء.
عيار 18: سجل سعر البيع 3896 جنيهًا، وبلغ سعر الشراء 3879 جنيهًا.
عيار 14: سجل 3030 جنيهًا للبيع و3017 جنيهًا للشراء.
عيار 12: بلغ سعر البيع 2597 جنيهًا وسعر الشراء 2586 جنيهًا.
أوقية الذهب (الأونصة): سجلت 161560 جنيهًا للبيع، و160850 جنيهًا للشراء.
الجنيه الذهب: بلغ 36360 جنيهًا للبيع و36200 جنيهًا للشراء.
سعر الذهب اليوم عيار 18وتراجع سعر الذهب عيار 18 عن 4000 جنيه لأول مرة منذ شهر. ، وهو يحظى عيار 18 بإقبال من فئة الشباب المقبلين على الزواج بسبب انخفاض سعره مقارنة بباقي الأعيرة.
وسجل اليوم الخميس 15 مايو 2025 سعر 3896 جنيهًا للبيع و3879 جنيهًا للشراء.
وتعد هذه الأسعار فرصة مناسبة لمن يرغب في الشراء قبل أي ارتفاعات متوقعة مع عودة ارتفاع الطلب الموسمي على الذهب.
لا تزال التساؤلات تدور حول أسعار الذهب اليوم في مصر عيار 21 بالمصنعية، وهو العيار الأكثر شيوعًا بين المصريين.
وبعد إضافة قيمة المصنعية والضريبة والدمغة، يتراوح السعر النهائي للشراء بين 4650 إلى 4800 جنيه للجرام الواحد، بحسب كل محافظة ونوع المشغولات.
ويظل عيار 21 الخيار الأول للأسر، لما يتمتع به من توازن بين السعر والجودة، وهو ما يدفع كثيرين إلى تتبع تحركاته لحظة بلحظة.
سعر الذهب اليوم عيار 24يُعد عيار 24 هو الذهب الخالص بنسبة 99.99%، ويستخدم عادة في السبائك، وارتفع اليوم ليسجل 5194 جنيهًا للبيع و5171 جنيهًا للشراء.
ويتأثر هذا العيار بشكل مباشر بالبورصة العالمية وسعر صرف الدولار، ويُستخدم كأداة استثمارية في ظل أزمات الأسواق التقليدية.
سعر الذهب اليوم عيار 21 الآن 2025سجّل سعر الذهب اليوم عيار 21 الآن 2025 قيمة تبلغ 4545 جنيهًا للجرام للبيع، و4525 جنيهًا للشراء، ويعكس هذا السعر استمرار الضغط على المعدن الأصفر بفعل التحسن في أداء الدولار، وتراجع التوترات التجارية العالمية.
سعر الذهب اليوم في مصرتتأثر أسعار الذهب في مصر بعدة عوامل متشابكة، أبرزها سعر الأوقية عالميًا، وسعر صرف الدولار محليًا، بالإضافة إلى سياسات البنوك المركزية في الخارج، وتوجهات الاستثمار الآمن.
ويشهد السوق هذه الأيام حالة من الترقب لما ستسفر عنه نتائج مؤشر أسعار المنتجين الأمريكي، المقرر صدوره قريبًا، والذي سيحدد بشكل كبير توجه الفيدرالي الأمريكي بشأن أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل.
وتشير توقعات الخبراء إلى أن الذهب قد يشهد موجة ارتفاع جديدة خلال الربع الثالث من العام، مع احتمالات تباطؤ الاقتصاد العالمي، مما يعزز الاتجاه نحو الاستثمار في الذهب كملاذ آمن.
سعر الجنيه الذهب اليومبلغ سعر الجنيه الذهب اليوم في السوق المصري نحو 36360 جنيهًا للبيع، و36200 جنيهًا للشراء، ويزن الجنيه 8 جرامات من عيار 21.
يعد الجنيه الذهب خيارًا مفضلًا للادخار طويل الأجل، خاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة العملة المحلية.
من الجدير بالذكر أن أسعار الذهب عالميًا شهدت تراجعًا بنسبة 2% لتسجل الأوقية نحو 3185.59 دولار، متأثرة بتحسن معنويات المستثمرين في الأسواق العالمية، وعودة الثقة في الأسهم والعملات.
كما ساهمت هدنة الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين في تخفيف التوترات التجارية، وهو ما أدى إلى تراجع الطلب على الذهب كملاذ آمن.
وقد صرّح أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع في "ساكسو بنك"، أن تحسن شهية المخاطرة عالميًا قلّل من إغراءات الذهب، مضيفًا أن الأسواق تترقب مزيدًا من الإشارات من الفيدرالي الأمريكي بشأن التوجهات القادمة للسياسة النقدية.