مصر: السُّلطوية ونفي المواطنة عن الجسد السياسي (4-4)
تاريخ النشر: 21st, April 2025 GMT
هذا هو المقال الرابع، والأخير، من سلسلة مقالات حاولت، من خلالها، نقاش أو الإجابة على سؤال، كيف استخدمت الدولة المصرية، تاريخيا وإلى الآن، في عهد السيسي، التقنيات الحداثية في إيجاد ونفي أجساد وأسماء المصريين من أجل بقائها وهيمنتها.
حول اغتراب واستلاب المواطن
في النُظم السُلطوية، تتشكّل علاقة السُلطة بمواطنيها على التضاد من المفترض أو المعقود عليه دستوريا.
في هذه الحالة، وبعد كلّ ممارسات القمع التي ذكرناها سالفا، يتمكّن الاغتراب وممارساته الفكرية واليومية من الإنسان الذي تعرض للقمع، فلا يُصيبه الاغتراب السياسي فحسب، نظرا لنزع حقه السياسي منه، بل يصل الحال به إلى الاغتراب الوجودي، وهو الاغتراب الذي يرى الإنسان فيه أن وجوده الحياتي، ذاتيا وجسديا، أصبح مغتربا، تائها، غير مرغوب فيه، حيث تجتمع على الإنسان في المنفى، عوامل أُخرى تساعده في نفيّ ذاته عن الوجود، مثل عدم اندماجه أو انتمائه للمجتمعات الجديدة التي وصل إليها، أو عدم توفر له الأمان المادي والقانوني الذي يُبقيه اسما وجسدا معترفا به من السُلطة بشكلها المجرّد والعام، هذا فضلا عن استمرار سُلطوية بلاده في ملاحقته. هنا يقتحم الإنسان مفهوم الاستلاب، وهو مفهوم طرحه وطوّره واشتبك معه بضعة مفكرين وفلاسفة، من زوايا اقتصادية وثقافية واجتماعية، بدءا بهيغل مرورا بماركس ووصولا إلى الفرنسي لويس ألتوسير.
يتمكّن الاغتراب وممارساته الفكرية واليومية من الإنسان الذي تعرض للقمع، فلا يُصيبه الاغتراب السياسي فحسب، نظرا لنزع حقه السياسي منه، بل يصل الحال به إلى الاغتراب الوجودي، وهو الاغتراب الذي يرى الإنسان فيه أن وجوده الحياتي، ذاتيا وجسديا، أصبح مغتربا، تائها، غير مرغوب فيه، حيث تجتمع على الإنسان في المنفى، عوامل أُخرى تساعده في نفيّ ذاته عن الوجود
هنا الاستلاب يعني أن ذاتية الإنسان استُلبتْ منه عنوة، بسبب تعرّضه لممارسات قمعية من سُلطويات الفكر والسياسة والمجتمع، ولأن المنفى هنا ليس ابعتادا عن الوطن فحسب، بل ابتعادا عن الذات أيضا، كما يقول المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، إذ يُصبح المنفى "هوية قسرية لا تنجسر في الكائن البشري وموطنه الأصليّ بين النفس ووطنها الحقيقي، ولا يمكن التغلب على الحزن الناجم عن هذا الانقطاع".
ما العمل؟
في ظل آلة القمع المستمرة، والتي تعمل بكل جدِّيّة في نزع الحقوق والحريات، جاء دور العمل الحقوقي، إذ شهد تطورا وانتشارا سريعا في سنوات ما بعد وصول السيسي إلى حكم مصر في أيار/ مايو 2014، هذا الانتشار عكسَ حجم انتهاكات الجهاز الأمني في مصر لعموم المواطنين والفئات السياسية المعارضة له، داخل مصر وخارجها. وفّر العمل الحقوقي مساحة كبيرة تضم كافة التيارات الأيديولوجية التي رفضت أن تجتمع يوما ما على الطاولة السياسيّة، فتجد منظمات حقوقية كثيرة، تجمع بين أطياف السياسية المتباينة والمتداخلة، فضلا عن وجود الصحافيين والباحثين والحقوقيين والناشطين المستقلّين، يعملون من أجل توثيق ورصد الانتهاكات في تقارير ودراسات دوريّة.
يُعدُّ العمل الحقوقي إنجازا كبيرا، من حيث رصد وتوثيق كافة الانتهاكات التي تحدث للمصريين لا سيّما السجناء السياسيين، من وفيّات إثر التعذيب داخل مقرّات الاحتجاز، والتصفيات الجسدية، والانتهاكات الجسدية للسجينات، وغير ذلك. كما احتلَّ مكانة التقدير والامتياز نظرا للظروف الأمنية الصعبة الذي يعمل في ظلّها، ولِصعوبة الحصول على الأرقام والمعلومات التي تفيد التسجيل الصحيح للانتهاكات. كل هذا العمل واستمراره، ما زال يشكّل ضغطا على السُلطوية في مصر، كي تخفف قمعها على المواطنين، وتعطي مجالا للانفتاح السياسي، وحرية التعبير، وإعطاء الحقوق للمواطن المصري، وتلتزم بدورها وفقا للدستور المصري، بدلا من تطويعها القوانين من خلال إقرار تشريعات مجحفة بحق المصريين على جميع المستويات، مثل قانون الإجراءات الجنائية، وتمديد فترة الرئيس من 4 إلى 6 سنوات، كما إعطائه مدة ثالثة للحكم، وانتهاكات أُخرى..
من سياق حقوقي آخر، وفي المنفى، تعمل المؤسسات الحقوقية والدولية من خلال البرامج وعقد الجلسات الدورية ومساعدة المنفيين خارج مصر، في بلدان مُختلفة، وهذا من خلال التعرّف على تجاربهم المُختلفة مع المؤسسات والمُجتمعات والمؤسسات المصرية خارج مصر. ودائما، يوضّح المنفيّون سواء كُرها أو طوعا، وهم يعملون في مجالات مختلفة منها الصحافة والبحث وحقوق الإنسان، مُعاناتهم في التعامل مع البلاد الجديدة التي وصلوا إليها، سواء من الناحية النفسية أو القانونية، حيث تُقابلهم الإشكاليات الأمنية مع السفارات والقنصليات المصرية، ما يترتب عليه صعوبات في تقنين وضعهم القانوني في المنفى، هذا بجانب إشكاليات الاندماج والحصول على فرص للعمل، وغير ذلك، ما يضع هؤلاء المنفيين تحت ضغط نفسي شديد، سبب لهم مع الوقت اغترابا ذاتيا عن محيطهم وعن أنفسهم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه المصرية اغتراب المواطن انتهاكات مصر حقوق الإنسان انتهاكات مواطن اغتراب قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإنسان فی فی المنفى س لطویة الذی ی
إقرأ أيضاً:
موقف مرعب.. رد فعل عمرو الليثي على حركة قارئ الأفكار صاحب الحاسة السادسة
استعرض الإعلامي عمرو الليثي موهبة الشاب باسم عدلي تحت عنوان "الحاسةالسادسة"، وهي الفقرة التي تناولت مهارات فريدة وقدرات غير معتادة في قراءة الأفكار وفهم لغة الجسد.
وأشار الليثي خلال تقديمه للفقرة إلى أن أفلام التسعينات التي تناولت مفهوم الحاسة السادسة، لم تكن مجرد خيال سينمائي، بل استلهمت واقعًا يعيشه البعض ممن يمتلكون قدرات استثنائية.
باسم عدلي، البالغ من العمر 28 عامًا وخريج كلية التجارة، تحدث عن بداياته في هذا المجال منذ أن كان في التاسعة من عمره، حين لاحظلأول مرة امتلاكه قدرات مختلفة.
وأوضح أنه بدأ بتجربة قراءة الأفكار على شقيقه، ثم توسع في تعلم علوم السيكولوجي ولغة الجسد وخفة اليد، مؤكدًا أن هذه المهارات تطلبت سنوات من التدريب المكثف والتجربة، رغم مواجهته للفشل في البداية.