العمدة صلاح كوري .. الرجل الذي قاتل الجنجويد ب (القش) وثلاثة بنادق
تاريخ النشر: 21st, April 2025 GMT
تخيل أن تكون دعامي على ظهر عربة قتالية ويدك على الدوشكا ثم يأتيك سهم في عنقك فيرديك. يجد الدعامي نفسه مقتولا بسهم دون أن يعرف من أين جاء وكيف؟ بالنسبة له فهذا الشيء الذي ينغرز في العنق أو العين أو الرأس ما هو إلا قشة قاتلة.
لدى الدعامة ميل طبيعي لتبسيط واختزال الأشياء بشكل فكاهي. قالوا سمعنا بحرب الطيران ولكن لم نسمع بحرب القش.
كنت أظن أن قوات العمدة صالح كوري تستخدم النشاب بسبب نقص في الذخيرة. ولكن قيل لي أن هذا جزء من التكتيك القتالي عندهم. للنشاب دور في القتال كسلاح بلا صوت يستخدم في القنص وفي الكمائن.
بعد اجتياح الجنجويد لمدينة سنجة ثم الدندر انتشروا جنوبا وشرقا وبدأوا في نهب القرى في مناطق الدندر والرهد وحتى تخوم ولاية النيل الأزرق دون أن يواجهوا أي قوة عسكرية. منطقة واسعة مفتوحة جنوب وشرق الدندر وعبر الجزء الجنوبي من ولاية القضارف إلى الحدود الأثيوبية. هناك حيث يستطيع أن الجنجويد أن يعيثوا فسادا دون حتى أن يسمع بهم أحد. ولكن مقاومة العمدة صالح كوري غيرت المعادلة في تلك المنطقة. وجد الجنجويد أنفسهم أمام قوة ربما لم يتوقعوها، تفزع وتهجم وتتسلل وتطارد، وفي النهاية تم طردهم وتطهير المنطقة وتأمينها.
حلة إسمها “دبركي”، دخلها الجنجويد صباحا ونهبوها، بضائع السوق وسوق البهائهم؛ جمعوا البضائع بمهلة واطمئنان في كشك في السوق، وذهبوا إلى جزار وأخذوا منه بهيمة وأتوا بها إلى امرأة لتشويها لهم، فأكلوا ثم طلبوا منها أن تعمل لهم القهوة ولكن أحد المواطنين كان قد اتصل بالعمدة صالح، أفزعنا!
وصلت قوة صغيرة من قوات العمدة وانضم لها مواطنين مسلحين من الحلة وقع اشتباك وشهداء من المواطنين ولكن تم قتل الدعامة لم يخرج منهم سوى ثلاثة لاذوا بالفرار. هذه أول حلة يفزعها العمدة صالح، ولكن ليس أول اشتباك مع الجنجويد.
بداية حرب العمدة ضد الجنجويد
أخبرني محدثي بأنه في تلك الأيام التي أعقبت سقوط سنجة والسوكي والدندر وقد نزح الآلاف ومن لم ينزحوا في مناطق الرهد والحواتة بالذات كانوا قد حزموا أمتعتهم استعدادا للنزوح، وكلهم تقريبا نقلوا أموالهم وأسرهم وعرباتهم إلى مناطق أبعد، اتصل عليه أحدهم ليخبره: يازول ود عمكم دا قاطع ماش أم بقرة (يقصد قاطع نهر الرهد بالمركب). فسأله باستغراب واستنكار: ماش أم بقرة يازول ماله ومال أم بقرة عمدة صالح؟ عنده نعجة هناك؟ عنده بقرة؟ عنده بيت؟ عنده شنو؟ قاطع بي جيش؟ قاطع بشنو؟
أجاب الرجل: والله قاطع معاه وليدات كدي ساي وماش.
قال محدثي: اتصلت عليه، عمدة صالح ياخ ما تكمل القبيلة. الناس ديل (يقصد الجنجويد) بتمشي بتهبشهم والله بجو يكملو القبيلة دي. يقصد مهاجمة الجنجويد ستجر الويلات على القبيلة كلها. (خوف منطقي في تلك اللحظات.)
رد عمدة صالح: القبيله خليها تكمل!
بقوة صغيرة راجلة، ثلاثة بنادق والباقي نشابات عبر العمدة صالح نهر الرهد إلى الضفة الأخرى. بلا سيارات وبذخيرة محدودة. في الضفة الأخرى توجد عربات لمواطنين هربوا من الدندر وتركوها لأنهم وجدوا النهر ممتلئ ونجوا بأنفسهم. جاء الدعامة لأخذ العربات ولكنهم الموت في انتظارهم. تم إنقاذ العربات. هكذا بدأت رحلة مقاومة طويلة للجنجويد من مناطق نائية بعيدة معزولة بظروف الطبيعية والخريف والأمطار والخيران انتهت بمطاردة الجنجويد حتى الدندر وما تزال مستمرة. معارك عديدة دارت في قرى غير معروفة مثل “دبركي”، “أم بقرة”، “عبدالبنات”، “الدليبة”، “منوفلي”، “حلة بلة” وغيرها، وصولا إلى كامبراب قرية الجنجويد التي اشتهرت مؤخرا، ليتم تطهير القرية التي أصبحت جنجويدا بأكمالها. في كامراب تم قتل وأسر العديد وهرب من هرب. منطقة واسعة تضم قرى وحلال كثيرة تم تطهيرها وحماية أهلها البسطاء من النهب والنزوح.
سعى نحو الجنجويد بنفسه بقدميه في البداية ثم على ظهر جمل وقاتلهم من على ظهر “تركتر زراعي”. رجل بسيط نحيف البنية يقود مجموعة شباب من أهله بإمكانيات قليلة ليطارد الجنجويد في مناطق لا يملك فيها لا مال ولا بيوت وليس لديه فيها عشيرة. ولم يستنفره أحد؛ مجرد غريزة فطرية ضد ظلم وإجرام الجنجويد. لذلك حظي بشبعبية كبيرة في مناطق الرهد والدندر.
بدأ اسمه في الظهور في لحظة بلغ فيها الجنجويد أوج تمددهم بعد جبل مويا ثم سنجة والدندر وبدا أنهم سيزحفون نحو النيل الأزرق وربما القضارف. لحظة وصلت فيها الروح المعنوية للناس في مناطق الرهد والدندر إلى الحضيض؛ هزائم عسكرية و نزوح جماعي هربا من الجنجويد الذين ينتشرون مثل الطاعون، في تلك اللحظات بدأ الناس يسمعون أن رجلا اسمه صالح كوري قاتل الجنجويد في قرية تسمى أم بقرة واستطاع أن يسترد منهم تراكتورات زراعية كانوا قد نهبوها. خبر واحد جيد وسط المآسي والإحباط والخوف، فكرة مقاومة الجنجويد بواسطة مواطنين حتى لو كانوا مسلحين كانت تبدو غير منطقية مع الهزائم التي تعرض لها الجيش. من هنا بدأت أسطورة العمدة صالح كوري بالنسبة لأهل المنطقة. وأنا سمعت به منذ ذلك الوقت.
في مناطق نفوذه دعا المزارعين للاستمرار في زراعتهم وطلب من سكان القرى والحلال عدم النزوح وتعهد بحمايتهم.
كانت تلك هي البداية، بعدها طلب العمدة الفزع بالذخيرة والرجال. طلب المساعدة من أهله ثم من الحكومة في لحظة كان يُمكن للدعم السريع أن يمده بما يريد من سلاح وعتاد وعربات، لو انضم لهم وهم حاولوا معه.
ولكن العمدة مجاهد قديم قاتل في الدفاع الشعبي منذ التسعينات. لا أعرف ربما كان ضمن الذين قاتلوا مع “صالح بنكي” في النيل الأزرق وكتيبته المشهورة “ما ينوم. وعلاقة العمدة صالح مع الجيش تجددت مرة أخرى تقريبا في العام 2017 حيث تم استيعابه كإستخبارات ثم كعمل خاص. الهدف على ما يبدو المساعدة في تأمين الشريط الحدودي مع أثيوبيا من جوب ولاية القضارف إلى النيل الأزرق حيث تنتشر قبائل الفلاتة الرعاة وتعمل كمصد طبيعي ضد الحبش (المليشيات الأثيوبية) الذين يعبرون الحدود في تلك المناطق ليحتلوا المشاريع الزراعية وينهبوا القرى المتاخمة للحدود ويشردوا أهلها. ويبدو أن هناك اتفاق ضمني يسمح الجيش بموجبه للمليشيات التابعة لعمدة صالح بحمل السلاح لتسرح وتمرح في المنطقة في مقابل تأمين الحدود من الأحباش.
بالفزع القبلي في البداية من الفلاتة الأودا وبالمجهود الذاتي ثم لاحقا بعد أن قاتل الجنجويد واسترد منهم منهوبات توصلت إليه الأجهزة الأمنية وبدأت تدعمه بالسلاح والذخيرة والمؤن والعربات القتالية. وبدعم من القوات الملسحة والحكومة استطاع العمدة صالح تكوين قوات هجومية تقدر ببضعة آلاف استطاعت التصدي لإجرام الجنجويد في مناطق واسعة بين الدندر وجنوب ولاية القضارف والنيل الأزرق. خاضت قواته معارك شرسة وكبدت الجنجويد خسائر واحتسبت شهداء- تقبلهم الله. تطورت قواته لتضم قبائل أخرى من العرب الكنانة والمساليت وأولاد الصعيد وغيرهم. كما انضم معه مقاتلون من البراء بن مالك وحتى ضباط من الجيش. حموا مناطقهم وتقدموا فزعا وهجوما ومطاردة إلى الدندر وقريبا سنجة ثم ضمن الزحف الكبير لجيوش سنار نحو الجزيرة ومدني
قوات العمدة صالح حاليا تعمل كقوات عمل خاص تابعة للجيش وتحت إمرته تقاتل بوعي وطني وروح دينية ضمن ملحمة الكرامة التي تجري على امتداد التراب السوداني المترامي الأطراف، وفي كل جزء منه بطولات وتضحيات كلها تؤكد صلابة عود هذه الدولة وأنها لن تنكسر ولن تُهزم.
Basher Yagoub
اعادة نشر
———-
رئيس مجلس السيادة يلتقي وفد الهيئة العليا لإسناد متحرك عثمان دانفوديو
بورتسودان 20-4-2025 (سونا) التقى السيد رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول الركن عبدالفتاح البرهان، اليوم، وفد الهيئة العليا لإسناد متحرك عثمان دانفوديو برئاسة العمدة صالح أمير كويري.
وتطرق اللقاء إلى مجمل الأوضاع الأمنية والتحديات التي تواجه البلاد وجهود تحقيق السلام والأمن والاستقرار.
وأشاد فضل السيد عيسى شعيب رئيس الهيئة في تصريح صحفي، بالانتصارات التي حققتها القوات المسلحة والقوات المساندة لها، وهي تخوض معركة الكرامة والعزة لدحر المليشيا الإرهابية المتمردة.
وقال رئيس الهيئة “عندما أدركنا إن البلاد تواجه المخاطر والتحديات تنادينا كأبناء الفولاني للوقوف خلف القوات المسلحة لصون وحدة السودان واستقراره وسلامة أراضيه وأمنه”.
مؤكدًا حرصهم على التصدي لمليشيا آل دقلو والقضاء عليها وتحرير كل شبر دنسه العملاء والمرتزقة.
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: النیل الأزرق فی مناطق فی تلک
إقرأ أيضاً:
رحل الساحر ولكن.. للثروة حسابات أخرى
حين يُذكر اسم محمود عبد العزيز، يتبادر إلى الذهن فورًا فنان من طراز خاص، لا تُختزل مسيرته في عدد الأفلام أو الجوائز، بل في ما تركه من أثر حقيقي.
لم يكن من هواة الصخب، ولا من نجوم العناوين العريضة، لكنه كان حاضرًا بقوة في قلوب الجمهور، بأدواره الصادقة، وموهبته.
لذلك، يبدو مؤلمًا ومربكًا أن يُستدعى اسمه اليوم في خضم أزمة عائلية، لا تليق بتاريخه، ولا تعبر عن صورته الحقيقية. فالرجل الذي عاش بعيدًا عن الخلافات، واختار دائمًا أن يتحدث فنه نيابةً عنه، لا ينبغي أن يصبح اسمه جزءًا من جدل حول الميراث أو أوراق الطلاق.
أن يتحول "الساحر" الذي ألهم الأجيال، إلى اسم عالق في أزمة عائلية، تتنازعه بيانات وتصريحات عن الميراث، وأوراق الطلاق.
الحقيقة أن هذا المشهد لا يُسيء لمحمود عبد العزيز، بقدر ما يجرح صورة نحب أن نحتفظ بها نقية، كما عرفناها. فهو لم يكن يومًا "ثروة" تُقسم، بل "قيمة" تُحترم. رجل عاش ومات بعيدًا عن المزايدات.
في عام 2016، رحل "الساحر" عن عالمنا، تاركًا إرثًا فنيًا كبيرًا وسيرة عطرة لا يزال يُشهد له بها بين زملائه ومحبيه. واصل نجلاه، محمد وكريم محمود عبد العزيز، المسيرة الفنية بأعمال نالت ترحيب الجمهور، الذي استقبل حضورهما بمحبة تشبه ما كان يكنّه لوالدهما.
والحق يُقال، لم يزجّ الثنائي نفسيهما في أي خلافات أو مشادات عبر السنوات، بل ظلا حريصين على الدعاء لوالدهما وذكره بالخير في كل مناسبة.
كما ترك زوجة أحبّته حتى النهاية، هي الإعلامية بوسي شلبي، التي غادرت منزلهما يوم رحيله، مدركةً أنه أوصى بكل ما يملك لنجليه، حسب ما يؤكده عدد من المقربين منهما في الوسط الفني.
وهنا يطرح السؤال نفسه: ما الذي تغير بعد تسع سنوات من الوفاة، حتى يُزج باسمه في قضايا من هذا النوع؟
نجله الأكبر، المنتج والممثل محمد محمود عبد العزيز، نفى تمامًا كل ما تردد حول نزاع على قطعة أرض بمليارات الجنيهات، مؤكدًا أن إعلام الوراثة الرسمي الصادر بعد الوفاة لم يتضمن سوى اسمه واسم شقيقه فقط.
لقد أحبّ محمود عبد العزيز أبناءه حبًا جارفًا، وفضّلهم في حياته على الجميع، وربما اعتقد أن هذا وحده كافٍ ليُدركوا أن قيمة الشرف والاحترام أعلى من أي خلاف على مال. لكن من المؤسف أن يتم الزج باسمه في بيان يطعن في زواجه.
وإن كانت محاولة نفي الزواج مرتبطة بخلاف على الميراث، فهل كان من الأجدر أن تُحل الخلافات في صمت، بدلًا من تشويه صورة فنان عظيم لم يعد بيننا، ولا يملك حق الدفاع عن نفسه؟
على الجانب الآخر، تقف الإعلامية التي ما دام أكدت في لقاءاتها أنها لا تزال على العهد، وفية لزوجها الراحل، ومخلصة لكل لحظة بينهما، حاملة ذكراه في قلبها كما اعتدنا أن نراها. لكن السؤال المشروع هنا: لماذا قررت إثارة هذه القضايا والخلافات، التي بدأت منذ عام 2021، لإثبات أن الطلاق الذي تم في أواخر التسعينيات — بعد شهور قليلة من الزواج — لم يُوثق بشكل نهائي؟
إذا كانت تمتلك بالفعل أوراقًا رسمية تثبت الزواج، كما تقول، وإن كانت لا تطالب بالمال أو الميراث — كما يدّعي بعض أصدقائها من الوسط الفني — فما الذي يدفعها لفتح هذا الملف الآن؟ وهل يمكن أن يُفهم هذا الإصرار على إثبات الزواج كإشارة إلى أن الراحل قد "ردّها" إلى عصمته شفهيًا دون توثيق؟
شرعًا، تُعد زوجته. لكن قانونًا، إذا كانت تملك منذ سنوات ما يثبت الزواج، فلماذا لم تُعلن ذلك إلا بعد مرور تسع سنوات على وفاته؟
وإذا كان الاتفاق — كما يؤكد المقربون منهما — هو ألا تطالب بأي شيء من الإرث احترامًا للعِشرة ولأبنائه، فلماذا تراجعت فجأة؟
هل هذا هو الوفاء الذي اعتادت أن ترفعه ؟ أم أن بعض الأسئلة لا تجد إجابات، لأن الحقيقة ليست دائمًا كما تُروى؟
الجميع يقف الآن طرفًا في حرب من تبادل التصريحات، كلٌّ يحاول إثبات صحة موقفه بكل ما أوتي من قوة. لكن هذه المعارك، بكل ضجيجها، لا تليق بمحمود عبد العزيز. فلا يجب أن تُبنى النزاعات على حساب فنان رحل، لا يملك اليوم أن يدافع عن نفسه، ولا أن يروي ما غاب من تفاصيل لا يعلمها سوى الله.
هو الذي لم يتحدث كثيرًا عن نفسه، ولم يسعَ إلى رسم صورة أسطورية له. اكتفى بأن يكون صادقًا، وترك أعمالًا تُغني عن أي سيرة. من "رأفت الهجان" الذي أصبح رمزًا وطنيًا، إلى أدوار الإنسان البسيط في "الكيت كات"، و"البرئ"، و"الساحر"… لم يكن بطلًا خارقًا، بل إنسانًا يعرف كيف يصل إلى قلوب الناس دون ادعاء.
وهكذا نحب أن نتذكره: فنانًا صدق نفسه فصدقه الناس، أبًا ترك في عيون أبنائه دفئًا حتى وإن اختلفوا بعده، ورجلًا لم يكن بحاجة لمن يُدافع عنه بعد رحيله.
الجدل حول المال لا يُغيّب الحقيقة: أن الإرث الحقيقي لمحمود عبد العزيز لا يُقاس بالممتلكات، بل بالمحبة. محبة جمهور لا يزال يستعيد مشاهده، ويرويها للأبناء، وينحني احترامًا لفنٍّ لا يموت.
ولأن الثروة الحقيقية لا تُورَّث… بل تُستلهم، سيبقى اسمه في المكان الذي يليق به: في القلوب، لا في سجلات المحاكم.