مؤتمر مكة للدراسات الإسلامية.. فكر يبني وانسانية تخدم
تاريخ النشر: 23rd, April 2025 GMT
في عالم تتلاطم فيه أمواج التحديات وتتصارع فيه المفاهيم، تظل القيم الإسلامية النقية صامدة، تمدّ الإنسان بالحكمة، وتدعوه للتفكر في معنى وجوده وعلاقته بالآخر، ومن هنا، يأتي مؤتمر مكة الدولي الرابع للدراسات الإسلامية ودورها في خدمة الإنسانية، كحدث عالمي لا يقتصر على الطرح العلمي، بل يتجاوز ذلك إلى إحياء الرسالة الإسلامية في بعدها الإنساني، هذا المؤتمر الذي بات إحدى العلامات الفارقة في الساحة الفكرية والعلمية، يأتي هذا العام ليؤكد أن الإسلام لم يكن يومًا معزولًا عن حياة الإنسان، بل كان دائمًا في قلب الأحداث، يوجه، ويهذب، ويدعو إلى الخير والسلام، وها هو يجمع اليوم نخبة من العلماء، الباحثين، الأكاديميين، وصناع القرار، في حوار مفتوح حول الدور الحقيقي للدراسات الإسلامية في خدمة الإنسان والمجتمع، بعيدًا عن التنظير الجاف، أو الانغلاق الفكري، وما يميز هذا المؤتمر في دورته الرابعة، هو وضوح الرؤية، وواقعية الطرح، فلم تعد الدراسات الإسلامية حبيسة الماضي، أو مقتصرة على الطرح التقليدي، بل باتت أداة حية لفهم الواقع والتفاعل معه، من خلال قيم التسامح، والعدل، والتكافل، والاحترام المتبادل.
انعقاد المؤتمر في مدينة جدة، لم يكن اختيارًا عابرًا، فهذه المدينة الساحلية التي تفتح ذراعيها للعالم منذ قرون، كانت ولا تزال بوابة حضارية تعكس انفتاح المملكة على العالم وتفاعلها الخلاق مع الثقافات، قيمة المؤتمر في رسالته، وهو ما يجعل هذا المؤتمر مختلفًا في مضمونه ليس فقط حجم المشاركة أو عدد الأبحاث المقدمة، بل جوهر ما يطرحه من أفكار تواكب التغيرات المتسارعة، فالمؤتمر لا يتعامل مع الدراسات الإسلامية كمعارف جامدة، بل يعيد تقديمها كأدوات حية قادرة على معالجة أزمات العصر من خطاب الكراهية، إلى التفكك الأسري، مرورًا بالتحديات البيئية، والصراعات الفكرية، كذلك رؤية شاملة لخدمة الإنسانية حيث يحمل المؤتمر رؤية واضحة أن الإسلام دين حياة، وأن رسالته الأساسية هي خدمة الإنسان ورفعته، وقد ظهر هذا المعنى جليًا في تعدد المحاور التي ستغطي الجوانب الفكرية، الاجتماعية، التربوية، والاقتصادية، بل إن تركيز المؤتمر على المفاهيم الإنسانية مثل السلام، العدالة، الرحمة، والتكافل، يجعل منه حدثًا يعكس الوجه المشرق للإسلام، في وقت يحتاج فيه العالم إلى صوت العقل والحكمة، أهداف المؤتمر تؤسس لتوجه علمي وإنساني واضح، يتمثل في، التأكيد على أن الدراسات الإسلامية ليست معزولة عن الواقع، بل لها دور أصيل في معالجة مشكلات الإنسان، كذلك إبراز قيم الإسلام الإنسانية، وتسليط الضوء على قدرته في بناء مجتمعات متماسكة ومتعايشة، وإعادة النظر في الخطاب الديني التقليدي وتطويره بما يتناسب مع لغة العصر واحتياجاته، وتشجيع البحوث الجادة التي تدمج بين الأصالة والمعاصرة، ودعم التواصل العلمي والثقافي بين المؤسسات الإسلامية حول العالم، لكنه تجديد لا يتصادم مع الأصالة. فمن أبرز ما يلفت النظر هو أن المؤتمر يتبنى منهج التجديد المسؤول، حيث تُطرح الأسئلة الكبرى دون تردد، ويُعاد النظر في الكثير من المفاهيم السائدة ولكن دون أن يتم المساس بثوابت العقيدة، أو جوهر الشريعة. هذا التوازن بين الأصالة والمعاصرة، هو ما يعطي للمؤتمر ثقله العلمي ومكانته الفكرية. وسيشهد المؤتمر مشاركة واسعة من أكاديميين، مفكرين، وعلماء شريعة من مختلف أنحاء العالم، مما يضفى عليه طابعًا عالميًا، ويحوّل جلساته إلى حوار ثقافات حقيقي، كما يتح فرصًا للشباب والباحثين الجدد لعرض أفكارهم ومناقشتها في أجواء علمية ونقاشات ثرية.
المؤتمر لا يكتفي بعرض الإنجازات، بل يُشكل ورشة تفكير جاد في مستقبل الفكر الإسلامي، ومدى قدرته على تحقيق التوازن بين الروح والمادة، بين الثابت والمتغير، وهو في حقيقته دعوة مفتوحة لإعادة قراءة الإسلام كقوة إصلاح، لا مجرد منظومة تقليدية.
إن مؤتمر مكة الدولي الرابع ليس مجرد حدث، بل هو خطوة جديدة في مشروع حضاري أوسع، تسعى من خلاله المملكة العربية السعودية لقيادة صحيحة للدور الريادي للفكر الإسلامي في بناء المجتمعات وخدمة الإنسان أينما كان.
NevenAbbass@
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
شيخ الأزهر: مبررو مأساة غزة فقدوا غطاءهم الزائف من دعاوي حقوق الإنسان
استقبل الإمام الأكبر أ. د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، اليوم الأربعاء، وفدًا من السفراء المصريين الجدد المعينين في 27 دولة حول العالم؛ بمناسبة بدء مهامهم الدبلوماسيَّة في عواصم هذه الدول.
في بداية اللقاء، رحَّب الإمام الأكبر بسفراء مصر الجدد في مشيخة الأزهر الشريف، معربًا عن تهنئته لهم بتعيينهم سفراء لمصر فى الدول الموفدين إليها، وداعيًا الله تعالى أن يوفقهم في أداء مهمتهم الجديدة على النحو الأمثل.
الأزهر لم ينفصل يومًا عن واقع الأمةوقال إن الأزهر الشريف منذ تأسيسه، لم ينفصل يومًا عن واقع الأمة، وظل طوال تاريخه الطويل، رغم كل ما واجهه من تحديات، مؤدِّيًا رسالته لنشر رسالة الوسطية والاعتدال في مصر والعالم، دون تقصير أو تراخٍ، لافتًا إلى أن عمل الأزهر خارجيًّا لإيصال رسالته للعالم يقوم على عدد من المحاور، التي في مقدمتها الطلاب الوافدون؛ حيث يفتح الأزهر أبوابه لهم لدراسة العلوم العربيَّة والشرعيَّة عبر ما يخصصه من منحٍ دراسيَّةٍ لمختلف دول العالم، بجانب منحهم الحق مؤخرًا في دراسة الطب والصيدلة والهندسة وغيرها من العلوم التطبيقيَّة.
الأزهر يفتح أبوابه لأئمَّة العالموأضاف أنَّ الأزهر كذلك يفتح أبوابه لأئمَّة العالم لتحصيل العلوم الأزهرية من منبعها، واكتساب مهارات مجابهة الفكر المتطرف والمتشدد في بلدانهم، عبر أكاديميَّة الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ، بجانب افتتاح العديد من مراكز الأزهر لتعليم اللغة العربية في عدد من دول العالم؛ لتكون نواة لنشر اللغة العربية وتعزيز انتشارها في هذه البلاد، باعتبارها جزءًا أصيلًا من رسالة الأزهر الشريف.
الأزهر جزء أصيل من القوة المصرية الناعمة في الخارجوأكَّد الإمام الأكبر أن سفراء مصر في الخارج عليهم دور مهم في إيصال رسالة الأزهر على النحو الأمثل إلى البلدان التي يعملون فيها، عبر تذليل ما قد يطرأ من معوِّقات وصعوبات أمام بعثات الأزهر الشريف وخريجيه ومعاهده التعليميَّة ومراكزه لتعليم اللغة العربية في هذه البلدان، مشددًا على أنَّ النجاح في ذلك هو نجاح للدبلوماسيَّة المصرية في المقام الأول وإضافة قوية لها، كون الأزهر جزءًا أصيلًا من القوة المصرية الناعمة في الخارج، بما يمتلكه من عشرات الآلاف من الخريجين في مختلف دول العالم، وبما له من مئات المبعوثين وعشرات المعاهد التعليميَّة التي تهدف إلى تعزيز الفكر الأزهري الوسطي ومجابهة الأفكار المتطرفة حول العالم.
نشر منهج الوسطية والاعتدالوبيَّن أن الأزهر، بجانب دوره في نشر منهج الوسطية والاعتدال، مسؤولٌ أيضًا عن مواجهة الحملات الغربيَّة التي تهب علينا ما بين الفينة والأخرى، لفرض سلوكيَّات مرفوضة كالشذوذ وغيره، وهي الحملات التي تخصص لها التمويلات الضخمة، وتتعدد لها الأدوات والوسائل لفرضها عنوة على الدول الإسلامية، انطلاقًا من اعتقاد خاطئ وإيمان بنظريات مختلفة تروِّج لفكر الهيمنة؛ مثل نظرية: "صراع الحضارات"، ونظرية "نهاية التاريخ"، وغيرها من النظريات التي تكرِّس لهيمنة العرق الأبيض، لافتًا إلى أنَّ هذه الحضارات التي تمارس هذه الهيمنة عادةً ما يأخذون حاجتهم حيث وجدوها دون أدنى اعتبار لغيرهم.
دعاء النبي عند الحر الشديد .. ردد أفضل 14 تغفر ذنوبك وتدخلك الجنة
أجمل دعاء فى الصباح.. ردده يسخر الله لك من يقضي حاجتك ويفرج كربتك
كما تطرَّق إلى الحديث عن مأساة غزة، وما يعيشه أهلها من معاناة لم نرَ مثلها في التاريخ المعاصر، مشيرًا إلى أن غزة، وعلى مدار ما يقرب من عامين كامليْنِ، تتعرَّض للإبادة بشتى الوسائل؛ كالقتل والتجويع والقصف والتهجير وغيرها، والعجيب أننا نجد من يبرِّر هذه المأساة الإنسانية، وهو ما أدِّى إلى فقدان من يبررونها الظهير الذي يستندون إليه من مزاعم حماية حقوق الإنسان وغيرها من الدعاوي الزائفة التي لا تساوي الحبر الذي كُتبت به.
وأشار إلى أن الأزهر لا يتوانى عن تقديم الدعم إلى غزة، والتعريف بما يعانيه أهلها من مأساة، بجانب إرسال العديد من قوافل المساعدات الإنسانية والإغاثية عبر "بيت الزكاة والصدقات"؛ باعتباره جزءًا من دور الأزهر تجاه نصرة إخواننا هناك.
تكريس قيم الحوار والتآخيمن جانبهم، أعرب سفراء مصر الجدد عن سعادتهم بلقاء الإمام الأكبر، وتقديرهم للدور الكبير الذي يقوم به فضيلته في نشر الوسطية والاعتدال، وتكريس قيم الحوار والتآخي، مشيرين إلى أنهم على دراية تامة بما يتمتع به الأزهر الشريف من مكانة مرموقة في مصر والعالم، معربين عن أملهم في أن يسهموا في تذليل ما قد يواجه الأزهر الشريف من معوِّقات في أداء رسالته والقيام بالدور المنوط به في مختلف دول العالم.
نصرة القضية الفلسطينيةوثمَّن السفراء الجدد الجهد غير المسبوق الذي يقوم به الإمام الأكبر لتطوير الأزهر الشريف، وتعزيز الدور التاريخي له، تلك المرجعية الإسلامية الوسطية، لمواصلة دورها المهم في التعريف بالفكر الإسلامي الوسطي، معبِّرين عن تقديرهم لدور الأزهر في نصرة القضية الفلسطينية، ليس فقط من خلال الضغط لنيل الشعب الفلسطيني حقوقه، ولكن أيضًا عبر التوعية بدور الشعوب الحرة في نصرة إخواننا في فلسطين.
ضم الوفد السفير راجي محمد محمد الإتربي، سفير مصر لدى اليابان، والسفير أشرف محمد نبهان سويلم، سفير مصر لدى المملكة المتحدة، والسفيرة أمل محمد عبد الحميد، سفير مصر لدى أرمينيا، والسفير عصام الدين عبد الحميد معوض، سفير مصر لدى الإمارات، والسفيرة نجلاء محمد نجيب أحمد، سفير مصر لدى السويد، والوزير المفوض حازم إسماعيل إبراهيم زكي (كوريا الجنوبية)، والوزير المفوض طارق فتحي محمد طايل (البرتغال)، والوزير المفوض عبيدة عبد الله أبوالعباس (إثيوبيا)، والوزير المفوض رامية شوقي عبد السلام (ناميبيا)، والوزير المفوض محمد عمر حسين عزمي (شيلي)، والوزير المفوض عمرو أحمد محمد الرشيدي (فرنسا)، والوزير المفوض وليد فهمي علي الفقي (قطر)، والوزير المفوض رشا حمدي أحمد حسين (مالاوي)، والوزير المفوض وليد عثمان كرم الدين علي (إيطاليا)، والوزير المفوض ريم زينهم عنتر زهران (أستراليا)
والوزير المفوض عبد اللطيف عبد السلام عبده (الجزائر)، والوزير المفوض محمد شحات محمد حسين (غينيا)، والوزير المفوض محمد عبد العزيز منير (النيجر)، والوزير المفوض محمد صلاح حسن قشطة (الصومال)، والوزير المفوض حنان عبد العزيز السعيد شاهين (رواندا)، والوزير المفوض محمد زكريا حسين (بوركينا فاسو)، والوزير المفوض أحمد سلامة السيد محمد (صربيا)، والوزير المفوض عبد الرحمن رأفت خطاب (جيبوتي)، والوزير المفوض مروة إبراهيم محمد يوسف (الكاميرون)، والوزير المفوض وائل فتحي بيومي أحمد (غانا)، والوزير المفوض مها سراج الدين مصطفى (زيمبابوي)، والوزير المفوض حازم محمد ممدوح محمود (جنوب السودان).