تذهب الفكرة هنا إلى أمرين أساسيين؛ الأمر الأول: الالتزام «المادي» بما تعهد به المرء أمام الآخر من قول، وهي العلاقة التشاركية بينه وبين الآخرين من حوله، والأمر الثاني: الالتزام «المعنوي» بما تعهد به المرء أمام ذاته؛ وهي العلاقة الضمنية بينه وبين نفسه، وهذا الالتزام فـي كلا الحالتين، هو التزام يعبر عن مستوى عال من الصدق والأمانة، اللتين يتحلى بهما المرء، وهما الأمران اللذان يقاس عليهما الحقيقة الإنسانية التي يتحلى بها هذا المرء أو ذاك، ولأهمية هذا الأمر، فإنه لا يمكن أن يقاس على فترة زمنية معينة دون أخرى، بمعنى لا يمكن تعطيل هذه الحقيقة فـي فترة زمنية ما، على اعتبار أن الزمن تغير، وأن الجيل؛ ربما؛ قد تجاوز هذه الثقافة المتوارثة، ويحمل ذلك الزمن، حيث يقال: الزمن الآن لا يتسع لمثل هذه هذه المثاليات، فمثل هذه القناعات تتقاصر عن تأثير ثقلها على واقع الناس، فالناس ملتحمون بهذه المثل، مهما كان الزمن قاسيا فـي تجاوزها، حيث لا يمكن إنكار تأثيرها على حياة الناس فـي التعامل فـيما بينهم.
الكلمة سيف مسلط على رقاب العباد، مهما تغيرت ظروف الحياة، ومهما تبدلت القناعات بين الأفراد، فمسار العلاقات بينهم قائمة على كلمة، فالحق كلمة، والباطل كلمة، وما بين العفو والانتقام كلمة، وما بين الرضا والسخط كلمة، ولذلك يشدد فـي الماضي؛ كما هو الحال؛ فـي الحاضر على ضرورة حفظ اللسان، وعدم التفريط فـي القول، والأمثلة كثيرة، والمواقف أكثر فـي صور وقوع الناس فـي مآزق التفريط، وتحمل المسؤوليات؛ فقط؛ لأنهم لم يضعوا للكلمة حقها من الحذر والاحترام، والتقدير، «وهل يكب الناس فـي النار على وجوههم فـي النار أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم» - كما جاء فـي نص الحديث - يحدث هذا فـي وقت كان الخطاب مباشرا، وربما يحتاط الإنسان على نفسه كثيرا؛ خاصة؛ فـي المجالس العامة والخاصة، ومع ذلك فمأزق السقوط فـي كلمة غير مقصودة متوقع وبدرجة كبيرة، فالإنسان بطبيعته يحب أن يسمع له الآخرون، وأن يكون على قائمة المتحدثين، وأن يروي قصصا وأخبارًا - صدقا أو كذبا - لمن يستمع له، حيث تأخذه نشوة الحديث إلى عدم التفريق بين الخطأ والصواب فـي قول الجواب، فـيقع فـي المحظور.
فكيف الحالة الآن عبر وسائل التواصل المختلفة، عندما يكون الفرد منزويا مع ذاته، لا مشاركة مادية مباشرة ترسل له إشارات استفهام، أو تعجب، أو عدم استحسان، كيف الأمر الآن، والجميع يُنَظِّرْ على طول الأرض وعرضها، لا يفرق بين صالح وطالح، ولا بين صديق وعدو، ولا بين حاكم ومحكوم، ليس أمامه إلا تلك الشاشة الصغيرة يتفنن من خلالها إرسال التهم، والأباطيل، والقذف، والسب، واللعن، ولا يترك لنفسه مساحة للمراجعة، إلا بعد «وقوع الفأس على الرأس» حيث يثور هذا وذاك، وهذه وتلك، عليه، يطالبون بالقصاص من لسانه؛ الذي لم يوفر لهم مظلة للأمان، من جراء تسلسل التهم الباطلة، والله إنها لكبيرة من الكبائر، والناس عنها غافلون.
(لولا كلمة).. قد تردع هذه الكلمة سلوكًا؛ ربما سيكون شائنا؛ فـي حق آخرين، وربما قد يؤدي إلى ظلم آخرين، وربما قد يؤدي بآخرين إلى مهالك لا أول لها ولا آخر، كلمة حفظت سرا، وأغمضت عينا، وسَمَّرَتّْ قدما، وأحيت نفسا، وأوقفت حربا، وجلت قدرا، وأوقفت نزيفا، وحافظت على ماء وجه؛ كاد أن يراق على أرصفة الضياع.
هل الأمر صعب؟ قد يجاب بـ «نعم» وقد يجاب بـ «إطلاقا» وفـي كلا الحالتين يحتاج الأمر إلى كثير من الصمت، ومن السمت، ومن التعقل، ومن ممارسة ضبط النفس، فمآلات حصائد الألسنة - أغلبها - مصائب.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الرئيس عباس يوجه كلمة إلى أهالي غزة: "شعبنا يتعرض لأكبر كارثة إنسانية"
قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، اليوم الخميس، 24 يوليو 2025، إن ما يتعرض له أهالي قطاع غزة من تجويع وقتل أمام مراكز المساعدات وصمة عار على جبين المجتمع الدولي.
وأضاف الرئيس في كلمة متلفزة موجهة إلى أبناء شعبنا في قطاع غزة، أن شعبنا يتعرض لأكبر كارثة إنسانية في هذا الزمان، في ظل تحركات دولية لم تتمكن من ردع المحتلين، متسائلا: كيف يمكن للعالم أن يتخلى عن إنسانيته؟.
وفيما يلي نص كلمة الرئيس عباس كامل ة:
أبناء شعبنا الفلسطيني الصامد والصابر،
أخاطبكم اليوم وقلبـي يعتصر ألماً لما يعانيه أهلنا في قطاع غزة من حصار وتجويع وحرمان من أبسط مقومات الحياة. إن ما يجري في غزة جريمة لا يمكن السكوت عليها، جريمة ترتكبها حكومة الاحتلال الإسرائيلي بحق شعب أعزل يسعى إلى الحرية والكرامة والاستقلال.
وإن ما يجري في الضفة الغربية و القدس الشرقية بحق أبناء شعبنا على أيدي المستوطنين الإرهابيين، وقوات الاحتلال في المخيمات والقرى والمدن، من جرائم القتل والهدم والتهجير والاستيطان ومحاولات الضم، والاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية، هي جرائم حرب وانتهاكات تخالف القانون الدولي تستوجب تدخلاً دولياً لردع ومحاسبة المعتدين.
وإن محاولات فرض قوانين، وقرارات حكومية عنصرية، تحت مسمى، فرض السيادة الإسرائيلية على الأماكن الاستيطانية في الضفة الغربية، تمثل تصعيداً خطيراً وتقويضاً لحقوق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة وذات السيادة. وندعو المجتمع الدولي لرفض هذه الانتهاكات، والذهاب إلى الاعتراف بدولة فلسطين، وفق قرارات الشرعية الدولية.
أقول لكم يا أهلنا في قطاع غزة وفي كل شبر من وطننا الحبيب بكل صدق: أشعر بمعاناتكم وأتألم لكل لحظة وجع تمرون بها، وأؤكد أن صبركم وصمودكم هو شرف لنا جميعاً، وسيبقى مصدر قوتنا وإرادتنا.
أيتها الأخوات.. أيها الأخوة،
لقد أطلقنا حملة اتصالات واسعة مع قادة العالم والمنظمات الدولية، وأبلغناهم أن استمرار هذا الوضع جريمة حرب يتحمل الاحتلال الإسرائيلي مسؤوليتها الكاملة، وأننا لن نخضع لسياسات الخنق والتجويع.
إن ما يتعرض له أطفال غزة ونساؤها وشيوخها من تجويع وقتل أمام مراكز المساعدات، يمثل وصمة عار في جبين المجتمع الدولي إن لم يتحرك فوراً لوقف هذه الإبادة الجماعية.
نطالب بالوقف الفوري والدائم لإطلاق النار، بإدخال المواد الغذائية والطبية فوراً لإنقاذ الأرواح، ونطالب بالإفراج عن أموال الضرائب الفلسطينية المحتجزة لدى الحكومة الإسرائيلية، والتي تجاوزت ملياري دولار، حتى نتمكن من الوفاء بالتزاماتنا تجاه أهلنا وصون كرامتهم.
أبناء شعبنا الأبيّ،
إننا نمر بمرحلة شديدة الصعوبة سيسجلها التاريخ، ضد احتلال يرتكب جرائم حرب مشينة وكارثية، يتسبب فيها بتجويع أكثر من مليوني فلسطيني معرضين للموت، فهل يتحمل العالم هذه المسؤولية؟ وهل ذنبهم هو أنهم فلسطينيون يريدون البقاء في أرضهم؟
أستغيث بك يا الله، أن تغيث شعب فلسطين في كل مكان، أستغيث بك يا الله بأن تحمي شعب فلسطين الذي يتعرض لأكبر كارثة إنسانية في هذا الزمان، في ظل تحركات دولية لم تتمكن من ردع المحتلين، ولا حتى إيصال حليب للأطفال الرضع في غزة، ولم تتمكن من الاستجابة للأمهات والآباء الذين يلهثون جاهدين لإنقاذ أطفالهم من الموت جوعاً. هل هذا معقول، كيف يمكن للعالم أن يتخلى عن إنسانيته؟.
أدعو الرئيس الأمريكي ترامب، التدخل للسماح لمنظمات الأمم المتحدة بإدخال المساعدات الغذائية والطبية، وأدعو المجتمع الدولي لإيجاد الوسائل الفورية لإدخال مئات آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية الموجودة في محيط قطاع غزة.
ولا ابالغ عندما أقول، بأن كل عائلة فلسطينية هنا مستعدة للذهاب مشياً على الأقدام حاملة على ظهورها حليب الأطفال، والطحين، والمواد الغذائية والطبية لإخوتهم في غزة.
كما أدعو إلى الانسحاب الكامل لقوات الاحتلال الإسرائيلي، وتمكين دولة فلسطين لتحمل مسؤولياتها كاملة ومساعدة أهلنا في قطاع للعودة إلى أماكن سكناهم، والحفاظ على الأمن وفرض سيادة القانون، والذهاب إلى عملية إعادة الإعمار وكل ذلك بمساعدة عربية ودولية مشكورة. ونرفض وبشكل قطعي كل أشكال التهجير من بلادنا.
في هذه اللحظات الصعبة والمصيرية، أدعو شعبنا إلى التلاحم والتضامن، وأؤكد بأن شعبنا الفلسطيني لن ينكسر، وأدعوه في كل مكان لأن يواصل صبره وصموده ووحدته تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، لكي نفشل كل محاولات التهجير والتصفية، وأننا نؤكد بأن دولة فلسطين المستقلة وذات السيادة سيتم تجسيدها على أرض فلسطين، بفضل الله أولاً، ثم بفضل وحدتنا وثباتنا وتمسكنا بحقوقنا الشرعية.
بسم الله الرحمن الرحيم
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ". صدق الله العظيم
المصدر : وكالة وفا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين فصائل فلسطينية تعقب على عملية الدهس قرب بيت ليد وكالات أجنبية تطالب إسرائيل بمنح الصحافيين حرية الوصول إلى غزة إدانة دولية واسعة لمصادقة الكنيست على إعلان فرض السيادة على الضفة الأكثر قراءة بطريركية الروم تستنكر قصف الاحتلال كنيسة دير اللاتين في غزة توجيه اتهامات لجندي إسرائيلي بالتجسس لصالح إيران الخارجية تدين استهداف الاحتلال كنيسة دير اللاتين في غزة نتنياهو: سنمنع نشر قوات سوريا جنوب دمشق وهذه ستكون سياسة دائمة عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025