أقامت مبادرة مجلس رواق الأدب ضمن فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب جلسة حوارية بعنوان "تجليات الحكاية الشعبية في الأدب العُماني"، والتي هدفت إلى تسليط الضوء على دور الحكاية الشعبية في تشكيل ملامح الأدب العُماني المعاصر. الجلسة التي أدارها الدكتور يونس النعماني، شارك فيها كل من الكاتب عمر النوفلي، والكاتبة فتحية الفجرية، إلى جانب الدكتورة غنية الشبيبية.

ناقشت الجلسة الفروقات بين الحكاية الشعبية، والخرافة، والأسطورة، من حيث البناء والوظيفة، كما استعرضت الأثر الجمالي والمعرفي الذي تركته الحكاية في النصوص العُمانية، خاصة على مستوى الرواية والقصة القصيرة. وتطرقت النقاشات إلى نماذج إبداعية وظّفت الحكاية الشعبية في شكلها الحديث، مثل رواية درب المسحورة، وحفلة الموت، وكتاب حدس قديم، وغيرها من التجارب التي جمعت بين الذاكرة الشفاهية وتقنيات السرد المعاصر.

وأكدت الدكتورة غنية الشبيبية في مداخلتها أن الحكاية الشعبية تتجذر في ذاكرة المجتمع العُماني كفنٍّ سردي شفاهي موغل في القدم، يُمارَس في المجالس، ويعكس الوعي الجمعي والقيم الثقافية للناس. وأوضحت أن هذا النوع من الحكايات غالبًا ما يتأرجح بين الثبات، نتيجة تناقله بين الأجيال، والتحول، بسبب اختلاف الرواة وما يضيفونه من تفاصيل. وأشارت الشبيبية إلى أن الرواية العُمانية الحديثة استفادت من هذا الإرث الشفاهي، حيث أعادت توظيف الحكاية في بنى سردية جديدة، كما في رواية درب المسحورة التي استلهمت حكاية وردت في كتاب "تحفة الأعيان" لنور الدين السالمي، وكذلك في رواية حفلة الموت لفاطمة الشيدي، التي تغور في المخيال الشعبي المتصل بعوالم السحر والمغايبة. وتوقفت الشبيبية عند تجربة الكاتبة فتحية الفجرية، مشيدة بكتابها حدس قديم الذي ضم حكايات مستوحاة من المرويات الشفوية لنساء الساحل، واصفة إياه بأنه مخزون أنثروبولوجي وثقافي يحفظ هوية المكان والإنسان. كما تناولت حكاية سكان البيت بوصفها نموذجًا ناجحًا لتحويل الحكاية الشعبية إلى نص حديث متماسك، يوظف تقنيات القصة القصيرة، ويستدعي رموزًا ميثولوجية تعبّر عن علاقة الإنسان بالقوى الغيبية. وأشارت كذلك إلى أعمال أخرى مثل حكايات من نخل لخالد الكندي، التي تناولت حكايات محلية تحمل أبعادًا إنسانية وأخلاقية، وتوثّق العادات المجتمعية والبيئية، إضافة إلى توظيف الحكاية في الشعر، كما في قصيدة قلعة نزوى للشاعر هلال الحجري، التي استلهمت حكاية شعبية محلية ونسجت منها رمزًا للقوة والصمود في وجه التحديات.

وفي مداخلتها، تطرقت الكاتبة فتحية الفجرية إلى مفهوم "المرجعية في الأدب العُماني"، مشيرة إلى أن الحكاية الشعبية تمثل إحدى أهم المرتكزات التي يُعاد توظيفها في الكتابة السردية الحديثة. وأوضحت أن النصوص الأدبية لا تنشأ من فراغ، بل تُبنى على مرجعيات ثقافية وفكرية وتاريخية تُعيد تشكيلها ضمن بنى فنية معاصرة. وقالت إن المرجعية في النص الإبداعي هي بمثابة نصٍّ موازٍ، يسهم في بلورة الفكرة وتكوين الشخصيات ورسم الرموز والدلالات، مشيرة إلى أن الروايات مثل حدس قديم ودرب المسحورة وحفلة الموت، تمثّل نماذج واضحة لكتابات انطلقت من المرويات الشفاهية الشعبية، وخاصة تلك التي تدور حول عوالم السحر والمغيّبين، لتُعاد صياغتها بأساليب سردية حديثة تُبرز البعد الأنثروبولوجي وتستدعي الذاكرة الجمعية بوصفها مادة خامًا قابلة للتحول الأدبي.

من جانبه أشار الكاتب عمر النوفلي إلى أن الحكاية الشعبية تمثل تمثُّلًا إنسانيًا عميقًا لوعي الجماعة وثقافتها الجمعية، معتبرًا إياها نصًا إثنوغرافيًا يتكئ على اللغة والكلام في تشكّل القيم والأخلاق. وبيّن النوفلي أن الحكاية الشعبية، رغم حضورها التاريخي العريق، تُعدّ مفهومًا حديثًا في سياق الأدب المقارن والدراسات النقدية، نظراً لتداخل أجناس الحكاية القصصية، وصعوبة حصرها ضمن نسق أدبي محدد. واستعرض الفروقات المفاهيمية بين الحكاية والخرافة والأسطورة، موضحًا أن الحكاية الشعبية هي خبر أو قصة منزوعتا الزمان والمكان، تتناقلها الألسن عبر الرواية الشفوية، مما يجعلها عرضة للتحوير والانزياحات الدلالية.

وأكد على غنى الحكاية الشعبية بالمعنى الأدبي المحتمل والمؤجل، فهي مادة قابلة للتشكّل داخل فضاءات السرد الحديث، وتُسهم في تأسيس لذة نصيّة تفتح أفق التأويل، مشيرًا إلى أثر السماع والخطاب الشفهي في ارتسام الصور الذهنية داخل المخيال الأدبي، كما تطرّق إلى دور الحكاية في بناء التصوّر الأخلاقي والاجتماعي، وتوظيفها كعلامة سيميائية ضمن السياق الثقافي العُماني.

وربط "النوفلي" بين الحكاية الشعبية والجانب البلاغي، مستندًا إلى تصورات حازم القرطاجني وابن سينا حول المعاني والصور الذهنية، مستعرضًا كذلك البعد التواصلي والتأثيري والجمالي الذي تحققه الحكاية ضمن سيرورة إنتاجها. كما استشهد بتعريف جوليا كريستيفا للنص كحقل لتفاعل نصوص سابقة ومتزامنة، مستعرضًا البعد الشكلاني في دراسات فلاديمير بروب، وعدد من الدراسات العُمانية التي اشتغلت على الحكاية الشعبية من زاوية بنيوية وسيميائية، من بينها أبحاث عائشة الدرمكية وعبدالعزيز الراشدي وآسية البوعلي، مشيدًا بجهودهم في توثيق هذا الإرث السردي المهم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الأدب الع مانی الحکایة فی إلى أن

إقرأ أيضاً:

الشاعر حسين جلعاد يوقّع كتابه الجديد شرفة آدم في معرض الدوحة للكتاب

الدوحة – وقّع الشاعر والصحفي الأردني حسين جلعاد كتابه الجديد "شرفة آدم.. تأملات في الوجود والأدب"، مساء الجمعة، وذلك في جناح المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

الكتاب، الذي صدر حديثا في بيروت، يشكّل امتدادا لتجربة جلعاد الطويلة في الصحافة الثقافية والكتابة الأدبية، ويجمع بين التأملات الفلسفية والرؤى الأدبية والنقدية، من خلال مقالات وقراءات معمقة، وحوارات مع رموز أدبية عربية وعالمية، جُمعت على امتداد أكثر من عقدين من العمل الصحفي والثقافي.

أكد الشاعر والقاص الأردني، في جلسة حوارية ضمن فعاليات معرض الدوحة الدولي للكتاب، أن الأدب هو أوسع فضاء يمكن للإنسان أن يعبّر فيه عن نزقه وإنسانيته بكافة أشكال التعبير الفني من شعر وقصة ورواية.

وقال إن شرفة آدم هي دعوة للتأمل من موقع مرتفع، حيث لا يكتفي الإنسان بالتفكير في يومه الراهن، بل يتأمل في أصل أفكاره ومآلاتها. وأضاف "هي شرفة لا تحكمها محددات السياسة أو الأيديولوجيا، بل تتسع لكل ما يود الإنسان قوله بصدق".

وأشار إلى أن هذا التأمل يقود إلى التسامي عن الأفكار التي قد لا تخدم الإنسان أو المجتمع، وأن الأدب، في جوهره، هو وسيلة لتحسين شروطنا الإنسانية والتفكير في صورة مثالية عن المجتمع والذات.

إعلان

وعبّر الكاتب عن سعادته الكبيرة بالمشاركة في أمسية ضمن فعاليات معرض الدوحة الدولي للكتاب، ووجّه شكره للحضور ولإدارة المعرض على تنظيم هذا الحدث الثقافي البارز.

الأدب وفنون التعبير

وحول فلسفة عنوان الكتاب، أوضح الكاتب أن "شرفة آدم" تحمل دلالة فلسفية وثقافية، تنطلق من فكرة التأمل في أفكار الإنسان، مشيرا إلى أن الأدب هو أرحب مجال يمكن للإنسان من خلاله التعبير عن أفكاره، بعيدا عن تعقيدات السياسة أو القيود الأخرى.

وأكد أن الأدب هو "صوت الإنسان من الداخل" وتفاعله مع مجتمعه، وهو الوسيلة التي يستطيع من خلالها أن يعبّر عن نفسه بصدق وشفافية، بكل ما فيها من تناقضات ونزق وإنسانية.

وتابع قائلا "كل ما يريده الإنسان من قول يمكن أن يجده في الأدب، سواء من خلال الشعر، أو الرواية، أو القصة، أو سائر الفنون الكتابية الأخرى".

وفيما يتعلّق بمحتوى الكتاب، أوضح أن العمل يحتوي على حوارات فكرية وأدبية أُنجزت على امتداد سنوات طويلة من العمل في الصحافة الثقافية. وتنقسم هذه الحوارات إلى أقسام، أولها مع أدباء أردنيين بحكم عمله الطويل في الأردن، ثم حوارات أخرى مع كتاب عرب التقاهم خلال عمله في قطر، أو أثناء عمله السابق في عمّان وفي صحف عربية مثل "النهار" و"القدس العربي".

كما أشار إلى لقاءات جمعته بأدباء من عواصم غربية، مثل الشاعر الإيطالي الشهير إدواردو سانجونيتي، الذي كان يُعد من أبرز شعراء إيطاليا حين حاوره. وبيّن أن سانجونيتي قدّم في سنواته المتأخرة نمطا جديدا من الكتابة الشعرية، وصفه بأنه "فتح شعري" آنذاك.

وأشار إلى أن هذه الحوارات جاءت ضمن مشروع أدبي يهدف إلى استكشاف الذات الإنسانية عبر الأدب، والتفكير في موقع الإنسان من الوجود، عبر "شرفة" تطل على المعرفة والتجربة والحياة.

من النقد للقصة والرواية

وعن تنوّع إنتاجه الأدبي، قال جلعاد إنه في الأساس شاعر، وله أيضا مجموعة قصصية بعنوان "عيون الغرقى"، كما أن لديه ميولا للكتابة الروائية ويعمل على مخطوطات روائية ستُنشر لاحقا.

إعلان

وبيّن أن "كل الفنون الكتابية تنطلق من أصل واحد، هو التأمل"، مضيفا أن حتى العالِم الفيزيائي آينشتاين كان يؤمن بأن الاكتشافات العظيمة تبدأ بخاطرة متأملة، لا معادلات رياضية.

وأكد أنه لا يرى فواصل حقيقية بين أشكال الكتابة الأدبية، لكنه يراها مشروطة بالإتقان. وأضاف "لا يصبح الإنسان شاعرا بين ليلة وضحاها، بل لا بد من الموهبة، والثقافة، والتجربة الطويلة".

وحين سُئل عن المرجعية الفكرية والفلسفية التي ترتكز عليها كتاباته، قال جلعاد بثقة "الإنسان هو الفكرة الأساسية. همومه، مشاكله، أفكاره، سواء في الطبيعة أو ما وراء الطبيعة، هي المرجع الذي أنطلق منه. كل شيء بعد ذلك هو تفاصيل".

جلسة نقاشية في منتصف معرض الدوحة للكتاب حول "شرفة آدم" بحضور المؤلف وعدد من القراء والصحفيين (الجزيرة)

وأضاف أن الكتابة عن الإنسان لا تختلف جوهريا، سواء كانت في شكل قصيدة أو رواية أو مقالة، مشددا على أن النقطة المرجعية الدائمة في مشروعه الأدبي هي تأمل الذات والوجود من شرفة إنسانية.

وأعرب حضور للندوة التي عُقدت في منتصف معرض الدوحة للكتاب في يومه قبل الأخير عن تقديرهم لما قدمه الكاتب من إضاءات فكرية عميقة حول كتابه، متمنين له مزيدا من النجاح في مشاريعه الأدبية المقبلة.

يُذكر أن المؤلف من مواليد عام 1970، وهو شاعر وقاص وصحفي أردني، ويعمل في موقع الجزيرة نت، وهو عضو رابطة الكُتّاب الأردنيين، وشغل عضوية هيئتها الإدارية (2004-2005) وهو عضو اتحاد الكتاب والأدباء العرب.

واختير جلعاد عام 2006 سفيرا للشعر الأردني لدى حركة شعراء العالم، وهي منظمة أدبية مقرها تشيلي وتضم في عضويتها آلاف الشعراء، كما اختارته مؤسسة "هاي فِسْتِيفَل" (Hay Festival) -بالتعاون مع اليونسكو ووزارة الثقافة اللبنانية- ضمن أفضل 39 كاتبا شابا في العالم العربي والمهجر (جائزة بيروت 39) بمناسبة اختيار بيروت عاصمة عالمية للكتاب عام 2009.

إعلان

وصدر له في الأدب "العالي يُصْلَب دائما" (شعر، دار أزمنة، عمّان، 1999)، و"كما يخسر الأنبياء" (شعر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2007)، و"عيون الغرقى" (قصص قصيرة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2023). و"شرفة آدم" (نقد أدبي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2025). كما صدر لجلعاد منشورات فكرية وسياسية هي "الخرافة والبندقية.. أثر العولمة في الفكر السياسي الصهيوني" عام 1999، ومن قبله "المسألة الكردية وحزب العمال الكردستاني" عام 1997.

مقالات مشابهة

  • الحشد الشعبي يتحرك نحو الحدود السورية بتعزيزات جديدة
  • الشاعر حسين جلعاد يوقّع كتابه الجديد شرفة آدم في معرض الدوحة للكتاب
  • إحباط محاولة تهريب 182 ألف أورو إلى تركيا وضبط 1352 قطعة نقدية أثرية
  • «أبوظبي للغة العربية» يستقطب 5 قامات ثقافية إلى اللجنة العليا لجائزة «سرد الذهب»
  • حنان ترك تتصدر التريند بسبب أبنائها.. إيه الحكاية؟
  • بين نوبل وبوليتزر.. لماذا رفض سارويان الجوائز؟
  • بيرتراند راسل… حين تمنح الفلسفة جائزة نوبل
  • صلاح الدين.. توتر أمني في البوعجيل بعد هدم مقر للحشد الشعبي
  • ليبيا تشارك بملتقى «الأدب الشعبي العربي» في تونس وتبرز تاريخها الثقافي العريق
  • قمة الورق والحبر… وباقي الحكاية في غزة