المسلة:
2025-10-15@11:38:00 GMT

العراق وسياسة التوازن

تاريخ النشر: 5th, May 2025 GMT

العراق وسياسة التوازن

5 مايو، 2025

بغداد/المسلة:

محمد حسن الساعدي 

في خضم التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة، يحاول العراق أن يرسم لنفسه طريقاً واضحاً في السياسة الخارجية، مبنياً على مبدأ “التوازن الإيجابي” والانفتاح على الجميع دون الانحياز لطرف دون آخر. هذه السياسة، التي بدأت تتبلور بشكل أوضح خلال السنوات الأخيرة، تعكس رغبة العراق في تجاوز عقدة الصراعات الإقليمية، وفتح صفحة جديدة في علاقاته مع العالم، لذلك تحاول الحكومة العراقية أن تتبنى موقف “الوسيط الإيجابي” بين الخصوم الإقليميين، وعلى رأسهم إيران والولايات المتحدة او غيرها من دول المنطقة التي تختلف أو تعد جزء من الخلاف فيها ،فالعراق يرتبط تاريخياً وجغرافياً بإيران، لكنه في الوقت ذاته يسعى إلى تعزيز التعاون مع دول الخليج، لا سيما في ملفات الطاقة والاستثمار والأمن الغذائي.

هذا التوازن الدقيق لم يكن سهلاً، خاصة في ظل ضغوط داخلية وخارجية كبيرة، لكنه يبقى ضرورة في ظل موقع العراق الجيوسياسي الحساس.

لا تقتصر سياسة العراق الخارجية على المنطقة فحسب، بل تمتد إلى عواصم القرار الكبرى،فعلاقاته مع الولايات المتحدة، رغم التوترات أحياناً، ما زالت قائمة، خصوصاً في ملفات محاربة الإرهاب والتعاون الأمني. وفي المقابل، يفتح العراق أبوابه أمام الصين وروسيا، عبر اتفاقيات اقتصادية كبرى تتعلق بإعادة الإعمار والطاقة والبنى التحتية ،وأن هذا التوجه نحو “تعدد الشركاء” يعكس إدراكاً عراقياً لأهمية تنويع التحالفات وتجنب الارتهان لطرف واحد، في عالم تتغير فيه موازين القوى باستمرار لكن بالرغم من النوايا الطموحة، تبقى السياسة الخارجية العراقية رهينة التحديات الداخلية. الانقسام السياسي، وضعف القرار المركزي، وانتشار الجماعات المسلحة، كلها عوامل تؤثر بشكل مباشر في صورة العراق على الساحة الدولية. يضاف إلى ذلك التحديات الاقتصادية والفساد المزمن، ما يجعل من الصعب تنفيذ رؤى سياسية متماسكة أو عقد شراكات استراتيجية طويلة الأمد.

سياسة التوازن التي يمارسها العراق تُشير إلى النهج الدبلوماسي الذي تتبناه الحكومة العراقية في محاولة الحفاظ على علاقات متوازنة مع القوى الإقليمية والدولية، خاصة في ظل موقعه الجغرافي الحساس وتنوعه الداخلي. هذه السياسة تهدف إلى تجنب الانحياز لطرف معين على حساب طرف آخر، وتقوم على عدة محاور رئيسية.

1. التوازن بين إيران والولايات المتحدة: العراق يسعى للحفاظ على علاقات جيدة مع كل من طهران وواشنطن، رغم التوترات بينهما. فبينما تحتفظ إيران بنفوذ كبير داخل العراق عبر فصائل سياسية ومسلحة، تعتبر الولايات المتحدة شريكاً أمنياً واقتصادياً مهماً.

2. التوازن الإقليمي: يحاول العراق لعب دور محوري في تخفيف التوترات بين دول الخليج، مثل السعودية وإيران، وأحياناً يعمل كوسيط في محادثات بين هذه الأطراف.

3. الحياد الإيجابي: العراق يسعى إلى أن يكون دولة ذات سياسة “الحياد الإيجابي”، أي ألا يكون جزءاً من محاور الصراع، بل طرفاً يسعى لتعزيز الاستقرار في المنطقة.
4. الاستقلالية في القرار السياسي: هناك توجه لتعزيز السيادة الوطنية ورفض تحويل العراق إلى ساحة صراع بالوكالة بين الدول الكبرى.
5. التنوع الداخلي كعامل محفز للتوازن: بسبب التنوع القومي والطائفي في العراق (شيعة، سنة، أكراد، تركمان، وغيرهم)، تسعى الدولة إلى إدارة هذا التنوع بسياسة داخلية متوازنة تعكس هذا التعدد وتمنع الانزلاق نحو الصراع الداخلي

هناك مؤشرات إيجابية لا يمكن تجاهلها. فقد شهد العراق مؤخراً نشاطاً دبلوماسياً لافتاً، عبر مشاركته في قمم إقليمية، وتوقيع اتفاقيات مع دول مثل الأردن، مصر، تركيا، وفرنسا. كما تعمل بغداد على تفعيل مشاريع استراتيجية، كأنبوب النفط إلى العقبة، وخطوط النقل البري عبر الخليج وأوروبا(طريق التنمية)وكل هذه التحركات تعكس رغبة عراقية جادة في إعادة تموضعه كدولة محورية في المنطقة، بعيداً عن أدوار التبعية والنزاعات.

العراق يقف اليوم عند مفترق طرق. فإما أن يستثمر موقعه وثرواته لتعزيز علاقاته الدولية وبناء مستقبل مستقر، أو أن يبقى رهينة للصراعات الداخلية وتدخلات الخارج. والسياسة الخارجية، كما هي الآن، قد تكون مفتاح العودة إلى دوره التاريخي كجسر بين الشرق والغرب، بشرط أن تترافق مع إصلاح داخلي حقيقي يعيد الثقة بمؤسسات الدولة ويضمن استقلالية القرار العراقي.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

سومو: الاتفاق مع “إكسون موبيل” يعزز مكانة العراق التسويقية في قطاع النفط

12 أكتوبر، 2025

بغداد/المسلة: أكدت شركة تسويق النفط (سومو)، اليوم اﻷحد، أن اتفاق المبادئ الذي أبرم مؤخرًا مع “إكسون موبيل” يحسن القدرات التصديرية ويعزز مكانة العراق التسويقية في قطاع النفط .

وقال المدير العام للشركة علي نزار الشطري، إن “اتفاق المبادئ مع شركة إكسون موبيل يعد خطوة استراتيجية مهمة للصناعة النفطية العراقية وقطاع التسويق على حد سواء”.

وأضاف، أن “إكسون موبيل تعد الشركة الأولى عالمياً في مجال النفط والغاز والتصفية، وهي شركة متكاملة تمتلك أحدث التكنولوجيا وتوفر أسعاراً تنافسية، ما يجعلها قادرة على الإسهام في تسويق النفط الخام العراقي في مختلف الأسواق”.

وتابع أن “الشركة عرضت الدخول في مشاريع تتعلق بالمصافي والخزانات في عدة مناطق بالعالم، خصوصاً في آسيا، الأمر الذي من شأنه أن يعزز الموقف التسويقي للعراق ويدعم التكامل الاقتصادي الذي يوفره الاتفاق”.

وأشار الشطري إلى أن “العراق كان بحاجة منذ فترة طويلة إلى مثل هذه الاتفاقيات مع شركات عالمية متكاملة تمتلك الخبرة والتكنولوجيا”، مبيناً أن “العراق لا يحتاج فقط إلى تطوير الإنتاج النفطي، بل إلى تحسين قدراته في التصدير من خلال بناء منظومات متكاملة للخزانات وأنابيب التصدير، وهو ما يواكب تطوير الحقول مثل حقل مجنون الذي تم الاتفاق مع أكسون موبيل على تطويره”.

ويوم الأربعاء الماضي، رعى رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، مراسم توقيع اتفاقية مبادئ (HOA) بين وزارة النفط وشركة اكسون موبيل الأمريكية.

وذكر المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء، في بيان، أن “الاتفاق يعد خطوة مهمة لمستقبل قطاع النفط في العراق، وتطوير العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية”، مؤكداً أن “الأبواب مفتوحة أمام جميع الشركات العالمية الكبرى للمساهمة في تطوير القطاع النفطي”.

ولفت رئيس الوزراء الى “اهتمام الحكومة بالتعاون مع الشركات النفطية الكبرى، ولاسيما الأمريكية منها للعمل في حقول النفط المهمة، ومنها حقل مجنون في البصرة، والحرص على جذب الاستثمارات في قطاع الطاقة وتطويره، خصوصاً في مجال استثمار الغاز”.

وشدد على “أهمية مساهمة شركة اكسون موبيل بتحديث البنية التحتية لتصدير النفط العراقي، وتنويع مصادر التصدير، واستخدام أحدث التقنيات والتكنولوجيا في مجال الصناعة النفطية؛ من أجل النهوض بالقطاع النفطي وزيادة الإنتاج”.

بدوره، عبر نائب رئيس الشركة بيتر لاردن عن “شكره لرئيس مجلس الوزراء على خطوات الحكومة في تعزيز التعاون الثنائي، وهنأه بمناسبة العيد الوطني للعراق،” مشيداً “بالتطور والتقدم الملحوظ الذي يشهده البلد في مختلف القطاعات والمجالات”.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • كذبة المياه التركية: قادة العراق يعدون بالفيضان ويتركون الشعب يظمأ
  • مصر وسياسة «القطة الميتة»
  • تسوركوف: تجربتي المأساوية في العراق لم تغير شعوري تجاه الشعب العراقي
  • رئيس الوزراء أبلغ بالانسحاب من قمة شرم الشيخ في حال مشاركة نتنياهو
  • اقتصاد على الحافة: هل تنجو الرواتب من تداعيات انهيار النفط؟
  • بارزاني: عدم تطبيق الدستور وراء الأزمات مع بغداد
  • سومو: الاتفاق مع “إكسون موبيل” يعزز مكانة العراق التسويقية في قطاع النفط
  •  انتخابات العراق: مرشحو الأحلام يغرقون الواقع بالوعود البرّاقة
  • تفاصيل المباحثات المائية بين العراق وتركيا
  • طقس العراق.. موجة غبار وانخفاض في درجات الحرارة