محمد عبدالمؤمن الشامي

لطالما كانت الولايات المتحدة تتقن فن التلاعب بالمسارات الدولية، متخفية وراء شعارات الديمقراطية والحرية، بينما تمارس في الظلام أسلوبها القمعي في فرض الهيمنة. طوال عقود، كانت أمريكا تفرض قوانينها الخاصة على الجميع، وتتجاوز حدود السيادة الوطنية للدول مستغلة قوتها العسكرية والاقتصادية لتمرير أجنداتها المظلمة، ولكن اليوم، لم يعد الأمر بحاجة إلى تلميحات أو أقنعة.

. ترامب أطلق التصريح الذي هز أركان النظام الدولي: «سفننا تمر عبر قناتي السويس وبنما دون إذن، ودون دفع فلس واحد».

هذا التصريح ليس مجرد تصريح سياسي، بل هو إعلان حرب على سيادة الدول المستقلة، وبداية مرحلة جديدة من الهيمنة الأمريكية المباشرة. ترامب، في قراره الجريء، كلف وزير خارجيته ماركو روبيو بمتابعة تنفيذ هذا التوجيه، وكأن أمريكا لم تعد بحاجة إلى أي شرعية دولية أو تبريرات قانونية، أمريكا هي التي تضع القوانين، وهي التي تقرر متى وأين وكيف تمر السفن عبر ممرات العالم الحيوية، دون أن تشعر بأي حاجة للاعتراف بالحقوق السيادية للدول.

اليوم، ترامب يتحدث بلغة القوة، بلغة بلا أقنعة، السويس وبنما، اللتان تربطان قارات العالم وتجريان التجارة الدولية، الآن تحت الهيمنة المباشرة لأمريكا، وهذا ليس مجرد تجاوز مالي، بل إعلان رسمي عن كسر سيادة الدول المستقلة وفرض إرادة الأقوى، كل مبدأ من مبادئ السيادة الدولية يتحطم أمام هذه التصريحات التي لا تحمل أي احترام للحدود أو الاتفاقيات.

تصريحات ترامب هي بمثابة صفعة لجهود المجتمع الدولي في الحفاظ على موازين القوة والنظام الدولي، أمة شقت قناة السويس بدماء أبنائها، وأخرى دفعت أثمانًا باهظة لاستقلالها عبر قناة بنما، لتجد نفسها اليوم في مواجهة دول الهيمنة التي تفرض إرادتها على العالم.. أمريكا اليوم تتصرف كما لو أنها الدولة الوحيدة التي تملك الحق في اتخاذ قرارات العالم.

والسؤال الذي يطرحه الجميع الآن: هل سترضخ مصر وبنما لهذا التحدي السافر للسيادة؟ هل ستقبلان بأن تصبحا تابعتين لأمريكا في هذا المفصل الاقتصادي الحيوي؟

هل ستسمحان لأمريكا بتمرير سياستها فوق دماء شعبيهما وتاريخ كل منهما؟ أم أن هذا سيكون الفجر الجديد لمرحلة نضال جديدة ضد الهيمنة الأمريكية؟

هل ستشهد الأيام القادمة تحديات دبلوماسية تهز النظام الأحادي القطبية الذي يفرضه الغرب؟ أم أن هذه الحقبة ستؤرخ لها كـ «الفصل الأخير» لسيادة الدول المستقلة؟

اليوم، العالم يقف عند مفترق طرق.. القوة هي التي تحكم، ومن لا يمتلكها سيجد نفسه مجرد تابع ينفذ الأوامر. ترامب قد أطلق العنان لمرحلة جديدة من الهيمنة والسطوة الأمريكية، فهل سيتحمل النظام الدولي تبعات هذا التصعيد؟

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

مصر التي خرجت من التاريخ والسياسة وزيارة ترامب

"مصر خرجت من التاريخ والسياسة".. عبارة صادمة قالها الصحفي المصري الراحل محمد حسنين هيكل في واحد من لقاءاته الأخيرة على شاشات التلفاز عام 2014 مع الإعلامية المصرية لميس الحديدي.

حديث هيكل كان في سياق أوسع؛ يحاول فيه أن يقدم بعض النصائح للسلطة الجديدة في مصر بعد انقلاب تموز/ يوليو 2013 برئاسة عبد الفتاح السيسي.

بعد أكثر من عشر سنوات من حكم السيسي، بات خروج مصر من التاريخ والسياسة واقعا مؤلما يعيشه الشعب المصري والمنطقة العربية بأسرها، تجلّى هذا الواقع في زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لثلاث عواصم عربية خليجية وسط تجاهل تام للنظام المصري ورئيسه عبد الفتاح السيسي.

بعد أكثر من عشر سنوات من حكم السيسي، بات خروج مصر من التاريخ والسياسة واقعا مؤلما يعيشه الشعب المصري والمنطقة العربية بأسرها، تجلّى هذا الواقع في زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لثلاث عواصم عربية خليجية وسط تجاهل تام للنظام المصري ورئيسه عبد الفتاح السيسي
أما الخروج من التاريخ فحدث ولا حرج، فعلاقة مصر بزيارات رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية إلى المنطقة علاقة تاريخية ممتدة؛ بدأت عام 1943 بزيارة للرئيس الأمريكي روزفلت إبان الحرب العالمية الثانية، ثم كرر الزيارة بعدها بعامين في 13 شباط/ فبراير 1945 واجتمع خلالها مع الملك فاروق الأول وإمبراطور إثيوبيا هيلا سيلاسي وملك السعودية عبد العزيز آل سعود ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، وذلك على متن القارب الملكي المصري في منطقة البحيرات بقناة السويس.

لم يختلف الأمر كثيرا بالنسبة لمصر بعد ثورة 1952، ففي عام 1974 زار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون العاصمة المصرية القاهرة والتقى بالرئيس المصري أنور السادات لعقد مباحثات حول سيناريوهات ما بعد حرب أكتوبر 1973.

تواصلت زيارات رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية إلى مصر بعد ذلك، فقد زار الرئيس الأمريكي جيمي كارتر القاهرة 3 مرات في الفترة بين كانون الثاني/ يناير وآذار/ مارس 1979 للتحضير لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل.

في عهد الرئيس المصري المخلوع الراحل حسني مبارك، تعاقب على زيارة مصر العديد من الرؤساء الأمريكيين، فقد زار الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب مصر في تشرين الثاني/ نوفمبر 1990 والتقى حسني مبارك لمناقشة أحداث حرب الخليج وغزو العراق للكويت.

لم يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للرئيس الأمريكي بيل كلينتون الذي زار مصر أربع مرات في عهد مبارك؛ بدأها في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 1994 والتقى مبارك ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، ثم حضر قمة صانعي السلام في شرم الشيخ خلال زيارته الثانية في آذار/ مارس 1996، وأطلع حسني مبارك حول عملية السلام في الشرق الأوسط في زيارته الثالثة في آب/ أغسطس 2000، وكانت آخر زيارات كلينتون في تشرين الأول/ أكتوبر 2000 لحضور اجتماع القمة بين الفلسطينيين والإسرائلييين برعاية مصر في شرم الشيخ.

في عهد جورج بوش الابن، كانت مصر على موعد مع ثلاث زيارات للرئيس الأمريكي الجديد، ثم كانت آخر زيارة لرئيس أمريكي للقاهرة في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما في حزيران/ يونيو 2009 حيث التقى مبارك وزار أهرامات الجيزة وألقى خطابا في جامعة القاهرة.

اليوم يأتي دونالد ترامب، الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، لزيارة المنطقة العربية ويذهب إلى الرياض والدوحة وأبو ظبي، ويلتقي الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، ويجتمع بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر الهاتف، يناقش الاتفاق النووي الإيراني، يرفع العقوبات عن سوريا، يتحدث عن غزة وحرب روسيا وأوكرانيا، يستمع إلى رؤى القادة العرب حول أمن البحر الأحمر وعودة الملاحة العالمية مرة أخرى، وكلها ملفات تتقاطع مع مصر وأمنها القومي وعمقها الإقليمي، ولكن المفاجأة أن مصر في عهد السيسي قد خرجت أيضا من جدول زيارة ترامب، فلماذا وكيف حدث ذلك؟

النتيجة الحتمية لكل ذلك أن تتحول مصر إلى دبلوماسية بلا تأثير، وغياب تام عن الترتيبات الدولية الكبرى، واختفاء كامل من طاولات اتخاذ القرار الإقليمي والدولي، فتراجع دورها في القضية الفلسطينية وملف المفاوضات، وعانت من عجز تام أمام أزمة السودان، تآكل الدور المصري بالمقارنة مع دول أخرى في ليبيا، وانعدم التأثير في دول حوض النيل وأفريقيا حتى عجزت مصر عن حل معضلة سد النهضة، وتضاءلت الفاعلية المصرية على المستوى العربي وانزوت مصر إلى الزاوية
منذ انقلاب تموز/ يوليو 2013 وتولي السيسي مقاليد السلطة، تحولت مصر إلى دولة أخرى غير التي عرفها التاريخ وتحدثت عنها السياسة على مدار عقود، فأصبح اقتصادها مشلولا تحت الوصاية الخارجية بسبب فشل السياسات الاقتصادية؛ الذي دفع مصر إلى حافة الانهيار والارتهان إلى صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية التي تحكمت بشكل كامل في القرار السيادي والسياسي المصري.

أغرق السيسي ونظامه البلاد في موجات من الديون الخانقة، ووصل الدين الخارجي إلى 155.204 مليار دولار بنهاية الربع الأول من 2025. ثم كانت الطامة الكبرة في تبعية السيسي المذلة للدعم الخليجي والارتهان الكامل لدول الخليج، خاصة الإمارات والسعودية، حيث تخلت مصر عن استقلال قرارها الإقليمي مقابل حِزم الإنقاذ المالي أو كما قال السيسي مقابل فلوسهم اللي زي الرز.

تحولت مصر في عهد السيسي إلى دولة مأزومة ومجتمع محطم، ارتفعت نسب الفقر وتلاشت الطبقة الوسطى بشكل لافت، وتحول التضخم وغلاء الأسعار إلى شبح يأكل الأخضر واليابس.

كان من الممكن أن يحدث كل ذلك ولكن في إطار محدد وتسهل السيطرة عليه لو أن للسياسة مكانا في عهد السيسي، ولكن -كما قال هيكل- مصر خرجت من السياسة أيضا. تحول نظام السيسي إلى نظام مأزوم يتغذى على قمع الحريات السياسية وتكميم الأفواه والسيطرة الكاملة على الإعلام، وتدجين منظمات المجتمع المدني وصناعة أحزاب سياسية كرتونية تشكلها المخابرات وتشرف عليها الأجهزة السيادية.

كانت النتيجة الحتمية لكل ذلك أن تتحول مصر إلى دبلوماسية بلا تأثير، وغياب تام عن الترتيبات الدولية الكبرى، واختفاء كامل من طاولات اتخاذ القرار الإقليمي والدولي، فتراجع دورها في القضية الفلسطينية وملف المفاوضات، وعانت من عجز تام أمام أزمة السودان، تآكل الدور المصري بالمقارنة مع دول أخرى في ليبيا، وانعدم التأثير في دول حوض النيل وأفريقيا حتى عجزت مصر عن حل معضلة سد النهضة، وتضاءلت الفاعلية المصرية على المستوى العربي وانزوت مصر إلى الزاوية أمام القمم الكبرى التي باتت تعقد في الرياض وأبوظبي.

السيسي يتحمل مسؤولية كبيرة في وصول مصر إلى هذه الحالة، فالرجل بنى فلسفته على مجموعة من القيم والعبارات؛ أبرزها احنا فقرا أوي، مصر شبه دولة، أمة العوز، مفيش تعليم أو صحة أو توظيف.. فكانت النتيجة الحتمية لكل ذلك أن مصر خرجت من التاريخ والسياسة وزيارة ترامب.

مقالات مشابهة

  • العفو الدولية تدعو إلى التحقيق في الضربات الجوية الأمريكية باليمن التي خلفت عشرات القتلى من المهاجرين
  • وقفة في ساحة كلية الطب البشري بجامعة حلب إحياءً لذكرى المظاهرة الكبرى التي شهدتها الجامعة ضد ممارسات النظام البائد وتقديراً لتضحيات الشهداء.
  • تهديد لمقاتلة F-35 الأمريكية التي تكلّف مليارات الدولارات! صواريخ اثارت ذعر واشنطن
  • نور الشربيني تهزم الأمريكية أوليفيا ويفر وتصعد لنهائي بطولة العالم للإسكواش
  • الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب: التجربة الأمنية المغربية أصبحت نموذجاً يحتذى في العالم العربي
  • مكلارين يرفع شعار «مواصلة الهيمنة» في «جائزة إميليا»
  • موعد مباراة لوس أنجلوس وكلوب أمريكا في تصفيات كأس العالم للأندية
  • ترامب يعود إلى أمريكا مختتماً جولته الخليجية
  • سوريا تطرق أبواب النظام الدولي.. تسوية ديون ورفع للعقوبات واعتراف أمريكي بالحكومة
  • مصر التي خرجت من التاريخ والسياسة وزيارة ترامب