إبراهيم شقلاوي يكتب: حرب الظل .. تُحرج الجامعة العربية
تاريخ النشر: 6th, May 2025 GMT
استيقظ السودان أمس على تصعيد غير مسبوق، حين تعرضت مدينة بورتسودان لهجوم بطائرات مسيّرة استهدفت قاعدة عثمان دقنة الجوية ومرافق مدنية، في هجوم وصفه مراقبون بأنه الأخطر منذ تحوُّل المدينة إلى العاصمة المؤقتة للدولة. وقد حمل البيان الرسمي الصادر عن الحكومة السودانية، عبر وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة خالد الإعيسر، لهجة غير مسبوقة من الوضوح والمواجهة، جاء فيه:
“تعرضت مدينة بورتسودان صباح اليوم لهجوم غادر شنّته ميليشيا الدعم السريع الإجرامية، بمساندة داعميها.
هذا التصريح، بما يحمله من دلالات سياسية وقانونية، يضع العلاقات السودانية–الإماراتية أمام مفترق طرق، ويؤكد بوضوح أن السودان لم يعُد يعتبر الصراع الداخلي شأنًا محصورًا في جغرافيا محلية، بل يراه امتدادًا لصراع إقليمي يستهدف سيادة الدولة وقرارها الوطني.
ما يعزز هذه الاتهامات تقارير موثوقة وُجِّهت إلى الإمارات بدعم قوات الدعم السريع، حيث كشف تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة في أبريل 2025 عن وصول قذائف هاون بلغارية إلى هذه القوات، رغم أن الشحنة كانت موجَّهة أصلاً إلى الإمارات “رويترز” . وفي أكتوبر 2024، قدّم السودان لمجلس الأمن أدلة على تزويد أبوظبي للميليشيا بمعدات عسكرية ودعم طبي “سودان تريبيون” . كما وثّقت صور أقمار صناعية تكرار هبوط طائرات شحن إماراتية في تشاد، في سياق يُشتبه بنقل أسلحة “رويترز” . وأكدت “هيومن رايتس ووتش” في 14 سبتمبر 2024 استخدام الدعم السريع ذخائر وصواريخ صربية مصدرها الإمارات، ودعت إلى حظر شامل على تصدير السلاح إلى السودان.
ورغم هذا التراكم في الأدلة والتصريحات، فإن السودان لم يُبادر حتى الآن إلى طلب جلسة طارئة لمجلس جامعة الدول العربية، وهي خطوة تبدو ملحّة في ظل وضوح طبيعة العدوان. ويبدو أن جزءً من التردُّد يعود إلى وجود تيارات داخل الدولة السودانية ما تزال تُراهن على الإبقاء على العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات، وربما تحسُّبًا لردود أفعال من دول شقيقة، رغم ما تكشفه الوقائع الميدانية.
إقليميًا، أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانًا أدانت فيه بشدة استهداف المرافق الحيوية في بورتسودان وكسلا. ورغم أن البيان لم يُسمِّ الفاعل، فقد شدد على ضرورة احترام سيادة السودان ووقف القتال فورًا، وأكد دعم المملكة لحل سياسي يحفظ وحدة الدولة. كما أصدرت وزارة الخارجية القطرية أيضًا بيان ، وصفت فيه الاستهداف بأنه منافٍ للقانون والأعراف الدولية ومُهدِّد لأمن المنطقة. كذلك وزارة الخارجية المصرية ودولة الكويت جمهورية إيران والاتحاد الافريقي، و مجلس التعاون الخليجي .
هذه المواقف يجب أن تستثمر لبناء موقف عربي موحَّد داعم للتحرك السوداني، خصوصًا في ظل تزايد القلق الإقليمي والدولي من تداعيات الحرب.
من الناحية الأمنية، فإن الهجوم على بورتسودان يفتح الباب واسعًا أمام الحاجة لإعادة هيكلة منظومة الدفاع الجوي، وتفكيك شبكات الخلايا النائمة، وتفعيل قوانين الطوارئ لتأمين الداخل، لا سيما أن بورتسودان تمثل حاليًا الرئة التي تتنفس منها الدولة السودانية مع العالم الخارجي. أما استمرار السياسات الأمنية الحالية، القائمة على ردّ الفعل، فهي تكرّس الضعف وتترك الأمر رهينًا بالتطورات.
لا بد من الاعتراف بأن الحرب تحوّلت من مجرد صراع داخلي إلى مواجهة إقليمية مفتوحة، تهدف إلى تفكيك الدولة وفرض واقع سياسي يخدم أجندات خارجية. هذا التصعيد يضعنا أمام ما يُعرف بـ”حرب الظل بالوكالة”، حيث تُستخدم أطراف إقليمية ميليشيا الدعم السريع لتنفيذ عمليات عسكرية نيابة عنها، مما يُعقّد المشهد العسكري ويُطيل أمد الحرب ، في محاولات لفرض تسوية سياسية تُنقذ الداعمين المحليين والإقليميين من المساءلة القانونية عن دورهم في تغذية الحرب والانتهاكات الواسعة المصاحبة لها. بجانب تمكين التدخل الدولي ، وكل تأخير في تسمية الأمور بمسمياتها، يمنح المعتدين وقتًا إضافيًا لإعادة التموضع وتعميق اختراقهم للسودان . كذلك على جامعة الدول العربية أن تتحرك فورًا حتى لا تُوصَف بالسلبية.
اللحظة الراهنة لا تسمح بالتردد. فقد تحوّلت الحرب إلى معركة شاملة على الدولة السودانية، ولم يعُد ممكنًا اختزالها في “تمرد داخلي”. يجب، تفعيل كل أدوات الرد السياسي والدبلوماسي، بما في ذلك مخاطبة المنظمات الإقليمية والدولية، وبناء تحالفات دفاع مشترك مع دول صديقة تملك الإرادة والقدرة على موازنة التدخل الإقليمي.
هذا، وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن السودان يواجه حربًا بالوكالة تُدار من عواصم بعيدة بأدوات محلية، تستهدف وحدة البلاد ومواردها ومستقبلها. وقد آن الأوان أن تتحرك الدولة بكل أدواتها للدفاع عن سيادتها، وألّا تترك مسارات الحرب والدبلوماسية في يد الصدفة أو المجاملة أو الحسابات الخاسرة.
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الإثنين 5 مايو 2025
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
عادل الباز يكتب: كيف نرد على عدوان الإمارات؟ (2)
1 قلتُ في الحلقة الأولى إن ما دفعني إلى كتابة هذا المقال هو أن بعض الكُتاب انقادوا لسابلة الأسافير، الذين يقودهم دائمًا الغضب الأعمى في ردهم على عدوان الإمارات. وذكرتُ أن هناك صنفين: أحدهما لا يعرف كيف يرد، ويقدّم أفكارًا ما أنزل الله بها من سلطان، والآخر لا يعرف ماذا يفعل أصلًا، ولذا هم مبلسون. وللأسف، فإن بعض قادة الدولة من النوع الأخير. في الحلقة السابقة تناولنا طرائق رد العدوان سياسيًا ودبلوماسيًا، واليوم نواصل مقترحاتنا في الجوانب التي تتعلق بالقانون والاقتصاد والإعلام.
2
في الجانب القانوني، لا أود أن أتحدث كثيرًا عن المهزلة التي كان بطلها وزير العدل، والتي حدثت أمام العالم، ظللت حائرًا في مثل هذه المهازل، التي تحدث رغم أن لدينا من الخبرات القانونية العالمية المجرّبة ما يكفي. ومع ذلك، يعرضنا وزير العدل لهذه الفضيحة القانونية! عجيب يا أخي هذا الوزير… وزير يُكوِّن لجنة استشارية قانونية في آخر ديسمبر اى قبل شهرين من بداية المداولات في محكمة العدل الدولية، وبعد أن أكمل كل شيء سارع بدعوة قانونيين كبار (من خلال الواتس اب .. اي والله) ليعرض عليهم الملف بعد فوات الأوان، فيعتذرون له لأن دعوته تلك ليست لأجل مشاورات حقيقية بل مجرد استهبال وتمومة جرتق.
ثم إن هذا الوزير العجيب يستعين بقاضٍ فاسد، ويكتشف مبكرًا أن القاضي الذي استعان به (الخصاونة) قاضٍ فاسد ومستهبل، تم كشف ذلك بعد تسريب المكالمة الشهيرة التي يعتذر فيها عن الظهور علنًا لأنه قاضٍ من ضمن قضاة محكمة العدل ويتقاضى راتبًا منها، وبذا لا يحق له أن يظهر أمام المحكمة عن السودان.!
هل هناك استهبال وفساد أكثر من ذلك؟ المحيّر أكثر أن هذا القاضي الفاسد، الخصاونة، تقاضى مليونًا وسبعمائة ألف دولار من خزينة الشعب السوداني!! خسرنا القضية، واستفادت الإمارات أكثر مما خسرت، ثم عاد الوزير الجاهل إلى أهله يتمطى، واستمر وزيرًا إلى لحظة كتابة هذا المقال. يا بلادي، كم فيك من مهازل !!.
لو سألت وزير العدل: ما هي الخطة القادمة في هذا المسار القانوني أم أننا أغلقنا باب الرد القانوني على العدوان الإماراتي؟ لن تجد له إجابة، وإلى أن يُلهم الله وزيرنا بإجابة فاسدة يهدر فيها مزيدًا من الأموال، تكون الحرب قد انتهت وضاعت حقوقنا.
اقترح في الجانب القانوني
تأسيس “مجموعة قانونية سودانية مستقلة في الخارج”: تتكون من محامين سودانيين وأجانب مختصين في القانون الدولي الإنساني، تُكلّف حصريًا بمتابعة ملف العدوان الإماراتي أمام المحاكم والهيئات الدولية.
رفع دعاوى في المحاكم الأوروبية ضد شركات توريد السلاح التي تخرق قرارات حظر التسلح أو تصدّر أسلحة للميليشيات بطريقة غير قانونية.
إعداد ملف قانوني لجرائم الحرب: يتضمن أدلة موثقة (صور، شهادات، تقارير حقوقية) يمكن استخدامه أمام محكمة الجنايات الدولية أو الأمم المتحدة.
مخاطبة المقررين الخاصين للأمم المتحدة (مثل مقرر الأسلحة، حقوق الإنسان، المرتزقة) لفتح ملفات علنية ضد الإمارات.
اعلم ان هناك جهودًا كثيرة في هذا الصدد ولكنها مبعثرة وغير منسقة وينقصها التمويل ولذا هي غير فعالة، يمكن عبر آلية محددة ومركزية نحصل على الحد الأدنى من النتائج الجيدة.
هنالك مسارات قانونية اقترحها بعض الناشطين في بريطانيا، يمكن للوزير متابعتها، ويمكن دعم تلك الجهود القانونية، على الأقل لإبقاء قضية السودان ضد الإمارات تحت نظر الإعلام العالمي وفي ردهات المحاكم. وكانت صحيفة “الغارديان” البريطانية نشرت تقريرًا في 5 مايو 2025 يتناول تسليم ملف شكوى قانونية يوثق جرائم حرب التي ارتكبتها قوات الدعم السريع (RSF) في السودان إلى وحدة جرائم الحرب التابعة لشرطة العاصمة البريطانية (سكوتلاند يارد). يأتي هذا التقرير في سياق الحرب الأهلية المدمرة التي تشهدها السودان منذ ثلاث سنوات بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني.
3
داخليًا، يمكن فتح بلاغات قانونية ضد الميليشيا وداعميها وعملائها، بلاغات جنائية وليست سياسية. يمكن فعل الكثير في الجانب القانوني، سواء نجحت أم لم تنجح، لكنها على الأقل تسبّب إزعاجًا وتُبقي قضية العدوان والتعويضات حاضرة في الأجندة، ولو استمرت عشرات السنين.
كل ذلك ممكنًا، تُرى ماذا تفعل وزارة العدل الآن؟ وماذا يفعل النائب العام؟ وأين القانونيون والمحامون الوطنيون؟ معقول كلهم في مدرجات المتفرجين ينتظرون نهاية المباراة: نصر، هزيمة، أم تعادل؟ تُرى متى يسارعون إلى نجدة وطنهم إذا لم يفعلوا الآن ما سيفعلون.؟
4
أفضل ما حدث في هذه الحرب هو ما جرى في الجبهة الإعلامية، رغم كل شيء استنفر وتحوّل الشعب السوداني بأكمله إلى جهاز إعلامي ينافح عن وطنه، وأصبح الرأي العام لأول مرة يتشكّل من أسفل، ويتم الرد على الشائعات وسفالات أبواق الإعلام المرتزق من المواطنين مباشرة.
وبهذا الطوفان الإعلامي الوطني، دون تدخل الدولة وأجهزتها أو تمويلها، سقطت كل سرديات الحرب المضادة، وانتصر الجيش في الفضاء والأسافير، وتم فضح أبواق الميليشيا وعملائها حتى أصبحوا يتخوّفون من لقاء الناس في الطرقات.
رغم الآلة الإعلامية الضخمة التي كانت جاهزة لدعم التمرّد، كان صوت الشعب أقوى، لأن قضيته عادلة. تحول الكل إلى جيش إعلامي مستنفر وجاهز، في وقتٍ كانت فيه كل أجهزة الإعلام الرسمية والخاصة مدمّرة تمامًا، ولا صوت للسودان. بوصول الأستاذ خالد الإعيسر إلى سُدّة الوزارة، أصبح للسودان صوت ووجود، وحكومة تتحدث للناس. الإعلام الرسمي الآن بحاجة إلى رؤية، واستراتيجية، وخطة، وكوادر مؤهلة، وكل ذلك بحاجة إلى موارد وزمن.
5
التعامل الإعلامي في الرد على العدوان الإماراتي بحاجة إلى خطة عملية تركز على عدة محاور، منها:
1/ تغيير أساسي في سردية الحرب: من تمرد لقوات الدعم السريع إلى عدوان خارجي تقوده الإمارات، تظاهرها بعض الدول الإفريقية وتدعمها دول أوروبية، وتنفذ الإمارات عدوانها بواسطة ميليشيات الجنجويد.
2/ الاستمرار في الكشف عن الانتهاكات والمجازر، بل وحتى الإبادة، التي ترتكبها الميليشيات بأسلحة إماراتية.
3/ رصد وكشف أنواع الأسلحة التي تموّل بها الإمارات الميليشيا، مصادرها، الطرق التي تسلكها، والدمار الذى تحدثه في البنية التحتية.
4/ الفضح المستمر لتحركات الإمارات وكشف أجندتها في المحافل الإقليمية والدولية.
5/ تزويد الإعلام الإفريقي بالجرائم التي ترتكبها الميليشيات الممولة إماراتيًا ضد القبائل الإفريقية في السودان.
6/ التعامل مع الإعلام الأجنبي من خلال الاتصال المباشر مع كبرى المؤسسات الإعلامية العالمية، وتيسير دخولها للبلاد لمعرفة الأوضاع عن قرب.
7/ إطلاق حملة عالمية عبر وسم موحد (Hashtag) باللغتين الإنجليزية والفرنسية، مع محتوى مرئي ومقاطع قصيرة توثق العدوان ولابد أن يكون ذلك فعل مستمر.
8/ تأسيس “مرصد الإعلام السوداني” لمتابعة تغطية العدوان وتحليل الروايات المضللة، والرد عليها في الوقت المناسب بلغات مختلفة.
9/ إنتاج وثائقيات قصيرة (5-10 دقائق) تبث على المنصات الرقمية وتُترجم للغات حية، توثق ضحايا الأسلحة الإماراتية والانتهاكات ضد المدنيين.
10/ بناء قاعدة بيانات للصحفيين المتعاطفين مع قضايا الشعوب، خصوصًا في إفريقيا وآسيا وأمريكا، لتزويدهم بالمعلومات الضرورية التي توضح طبيعة العدوان الإماراتي وحجمه.
11/ تشجيع الإصدارات والمواقع باللغة الإنجليزية والفرنسية، وتأسيس شبكات توزيع لها في العواصم المهمة حول العالم وفي القارة الإفريقية.
6
كي تعمل كل تلك المحاور باتساق، ويتوحد الخطاب الإعلامي، ويتم تنسيق رد العدوان عبر كافة الوسائط، نحن بحاجة إلى مركز إعلامي موحد للتخطيط والمتابعة ورسم الخطط ومكافحة الإعلام المضاد داخل السودان وخارج السودان، يعمل بالداخل بتناغم مع مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والإعلام الخارجي.
نتابع في الحلقة القادمة مقترحاتنا للرد الاقتصادي.
عادل الباز
إنضم لقناة النيلين على واتساب