خلال جلسات صلح في خصومات ثأرية بالأقصر ..الجندي: سنورث أبناءنا التسامح
تاريخ النشر: 6th, May 2025 GMT
ترأس فضيلة أ.د. محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، من السبت إلى الاثنين، جلسات الصلح التي استضافتها ساحة الشيخ الطيب بالقرنة، وذلك لإنهاء خصومتين ثأريتين بين عائلات من مركز أرمنت بمحافظة الأقصر؛ تنفيذًا لتوجيهات فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بإقرار السلم والوفاق المجتمعي، ودعم الأمن والاستقرار في جنوب الصعيد.
وخلال الجلسة، وجَّه الدكتور الجندي الشكر لفضيلة الإمام الأكبر على اهتمامه ومتابعته الشخصية والمتوالية لكل التفاصيل التي قام بها أعضاء لجنة المصالحات لإتمام الصلح بين أطراف الخصومة، وعلى احتضان ساحة الشيخ الطيب لهذا الصلح، لنرفع منها صوتًا مدويًّا وداعيًا إلى نبذ العصبية وإراقة الدماء وإحلال الصلح والتآخي ابتغاء وجه الله سبحانه، موضحًا أن اهتمام الإمام الأكبر بإنهاء الخصومات الثأرية، ينبع من إحساسه بالمعاناة التي يعيشها المجتمع بسبب هذه الخصومات بين أبنائه، لما تشكله من خطر على أمن واستقرار المجتمع وطمأنينته، فضلًا عمًا تُخلّفه لدى الأسر التي ابتليت بهذا الداء من مرارة وأحزان تنغص عليها حياتها.
وأكد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية أنَّ العفو والصلح يبعثان في النفوس معاني التسامح والسلام، لينطلق الإنسان بهما نحو مستقبل مشرق له ولأبنائه، وبين أن الأجيال السابقة في هذه المجتمعات ما نعمت بالاستقرار؛ إلا بفضل ما ساد بينهم من محبة ووئام ونبذ للتعصب والضغينة، حيث كانت تسود بينهم روح المحبة الصادقة والأخوة الخالصة، وليقينهم التام أن العفو ليس ضعفًا، وإنما هو قوة إيمان في وعد الله رحمته للراحمين، وعِظَم جزاء المحسنين، ولما استقر في وجدانهم أن المؤمن القوي هو الذي غلب نفسه وهواه فعَفَا، لا من استسلم لغضبه وانتقامه.
وأضاف لجمهور الحضور قائلًا: إننا لم نجتمع اليوم إلا لنمسح دموع الأمس ببسمة اليوم، راجين ألا نحمِّل أولادنَا وذرياتِنا عبئًا ثقيلًا من ثارات الجاهلية التي لا تَحمِل لهم ولا لوطننا الخيرَ ولا السَّلام، ولنورثهم صفحة بيضاء نقية، عنوانها المحبة والتسامح والسلام، فما أجمل أن نكون من أهل العفو، نُسامح ونتجاوز عن الزلَّات، ونطلب الأجر من رب الأرض والسماوات؛ فذلك اقتداء بنبيِّنا الكريم ﷺ، الذي قال لأهل مكة بعد سنوات من الأذى والتكذيب: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، مشيرًا إلى أن الصلحَ جسرٌ للمحبَّة، وهو السبيل الذي أسس عليه رسولنا الكريم ﷺ دعوته، فجمع القلوب ولم يفرِّق بينها، مصداقًا لقول الحق سبحانه وتعالى: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله)، ومن جملة الأجر هنا: حب الناس ومودتهم، فضلًا عما يدل عليه إسناد الأجر إلى المولى سبحانه من عظمة الثواب، وعُلُوِّ مقام المتسامح.
وحذر الأمين العام من اللجوء إلى العنف والتعصب؛ لأنها ليست سبيلًا للحل؛ بل هي نار تؤجج الفتنةَ بين الناس، في حين أن العفو من شيم الكرام والكبار، كما أن الصلح هو أرقى الانتصارات، لما فيه من القدرة على التغلب على النفس والأهواء، والاسترشاد بقول الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)؛ مؤكدًا أنه لا فخر في إحياء ثارات الجاهلية، بل العزّ كلّ العزّ في الاستجابة لأمر الله بالتّسامح والإصلاح بين الناس.
وذكر أن لقاء اليوم بين أحفاد القدوات والفضلاء أمثال العلامة السيوطي، والمنفلوطي والقنائي والأقصري والشيخ الطيب، هو اجتماع أخوة يغلب عليه روح التسامح ونبذ الخلاف، ويجسد أصالة هذا المجتمع العريق وقدرته على تجاوز الصعاب بالحكمة، مطالبًا كل الفضلاء والوجهاء أن يسعوا في الصلح بين الناس، لأنه عمل من أجلّ الأعمال وأقربها إلى الله.
وفي ختام جلسة الصلح قدم الجندي خالص الشكر والتقدير لأعضاء لجنة المصالحات بالأقصر لما بذلوه من جهود مضنية خلال جلسات متواصلة كللها رب العالمين بالنجاح في نهاية المطاف، بعقد هذا الصلح المبارك، كما أَعرب عن امتنانه وعرفانه العميق لآل الطيب الكرام، وعلى رأسهم الشيخ محمد الطيب، على ما بذلوه من جهود، وما أبدوه من تعاون؛ لإنجاح هذه المساعي الحميدة، وإتمام هذا الصلح الذي يحقق الخير والسلام.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: أمين البحوث الإسلامية البحوث الإسلامیة بین الناس
إقرأ أيضاً:
الأزهر.. وصناعة المصلحين| وزير الأوقاف يشارك في مؤتمر العلوم الإسلامية للوافدين
شهد الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف ، فعاليات المؤتمر الدولي الأول لكلية العلوم الإسلامية للوافدين بعنوان: “الأزهر وصناعة المصلحين”، بمركز الأزهر الدولي للمؤتمرات، وذلك برعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وبرئاسة الدكتورة نهلة الصعيد مستشار شيخ الأزهر، رئيس مركز تطوير الطلاب الوافدين، وبحضور كلٍّ من: الدكتور نظير عياد مفتي الجمهورية، والدكتور سلامة داود رئيس جامعة الأزهر الشريف، و الدكتور محمود صديق نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث، والدكتور محمد عبد الدايم الجندي أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، والدكتور أحمد معبد عضو هيئة كبار العلماء، والشيخ عبد العزيز الشهاوى شيخ الشافعية، وعدد من السفراء وقيادات جامعة الأزهر والعلماء والمفكرين.
وفي كلمته رحب وزير الأوقاف بالحضور، مشيدًا بحسن اختيار شخصية المؤتمر وهو الإمام الشيخ حسن العطار شيخ الأزهر الأسبق، الذي شهد دخول الحملة الفرنسية لمصر، ورأى ما سببته من أهوال في القاهرة واقتحام الفرنسيين للجامع الأزهر، ورأى صدام الحضارات في أعنف صوره، ورغم ذلك كان عبقريا وقدم رؤية "تعارف الحضارات"، فرغم ما أحدثته الحملة الفرنسية كان الشيخ يتردد على معامل الفرنسيين ورأى الأجهزة والمختبرات، واستطاع أن يحدد الفارق بيننا وبين الغرب، وكان أنموذجًا مدهشًا لروابط الجسور والتفاهم والسلام بين الشرق والغرب لكل الجامعات والثقافات.
وأوضح أنه بعد خروج الحملة الفرنسية خرج في سياحة إلى العالم، فنزل إلى القدس الشريف وارتبط بكبار العائلات المقدسية، ثم الأردن، ثم دمشق، ثم الأناضول، وألبانيا، وألف كتبًا وحاور العلماء وأمضى في سياحته حول العالم عشر سنوات جعلته يرى الحضارات والشعوب وأنماط المعيشة، ولما رجع لمصر عين شيخا للأزهر عام (١٨٣١م).
وأضاف أنه لما تقلَّد منصب المشيخة بدأ يقدم للعالم رؤيته بين الشرق والغرب، وأرسل تلميذه رفاعة الطهطاوي إلى فرنسا الذي وقف يسجل كل ما يراه ويشاهده بوصية من شيخه العطار، فألّف كتابه المشهور: "تخليص الإبريز في تلخيص باريز"، وفتح نافذة على العالم وبنى الجسور بين الحضارات.
وأشار وزير الأوقاف إلى أن الإمام العطار - رحمه الله - لم يكتف بصناعة رفاعة الطهطاوي لكن قدَّم نموذجًا آخر وهو تلميذه الشيخ محمد عياد طنطاوي فأحضره وطلب منه تعلم الروسية، فأتقنها الشيخ الطنطاوي ثم خرج مسافرًا إلى روسيا في رحلة امتدت سبعين يومًا حتى وصل إلى سان بطرسبرج وأقام فيها أستاذًا ومدرسًا للعلوم، وتتلمذ له كبار المستشرقين الروس.
كما ألًف الشيخ محمد عياد طنطاوي كتابًا يصف فيه المجتمع الروسي والثقافة الروسية وأسماه "تحفة الأذكيا بأخبار بلاد روسيا"، وعاش عشرين عامًا حتى توفي ودفن هناك، وفي كل عامٍ يقوم السفير الروسي بالتوجه إلى قرية الشيخ عياد طنطاوي لإحياء ذكراه وأنشأ له تمثالًا هناك.
وأضاف وزير الأوقاف أن الشيخ حسن العطار كشخصية مصرية جدير بعشرات الدراسات التي تعيد اكتشافه ودراسته في نواحي مختلفة، فقد عمل على استحداث العلوم في الديار المصرية ونظر لها على أنها تجارب ومعارف قابلة للفهم والقياس، وليست مستغلقة كما كان يراها الجبرتي، ولم ينهزم حضاريًا.
ولفت إلى أن الشيخ العطار أدرك أن علوم المسلمين تمكنه من الفهم حيث قال - رحمه الله -: «لقد حدث ودخلت معامل الفرنسيين ورأيت ما استحدثوا من حيل حربية، وآلات نارية مما لا يزيد على أن يكون إخراجًا لبعض مبادئ علوم المعقول من حيز القوة إلى حيز الفعل»، فرضي الله عن الشيخ حسن العطار شيخ المصلحين وإمام المجددين، وحفظ الله الأزهر الشريف عزيزًا قويًا.
وشهد ختام المؤتمر تكريم وزير الأوقاف ورئيس جامعة الأزهر عددًا من العلماء وإهدائهم درع المؤتمر.